جعفر المظفر
الحوار المتمدن-العدد: 3330 - 2011 / 4 / 8 - 19:57
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعد أن نشرت مقالتي السابقة والتي كانت بعنوان (موقف المالكي من مظاهرات السوريين) قال لي أحد الأخوة.. والله احتار المالكي معكم, إن كره أحببتم وإن أحب كرهتم. ولو أنه كان قد وقف ضد الحكومة السورية لقلتم مالنا وذاك والمالكي يدرك أن بلوتنا الكبيرة تدخل إلينا عبر الحدود السورية, وكان الأفضل لو أنه اتخذ قرارا إيجابيا وخلصنا من شر عاجل بدلا من المراهنة على خير آجل.
أوافق على أن الموقف من الساحة السورية يحتاج إلى معالجات خاصة بالساحة ذاتها, بمطاليب أهلها أولا, وبالأهمية الإستراتيجية الإقليمية التي تتمثل في سوريا ثانيا, من حيث أنها الدولة المحورية في التجاذبات الإقليمية التي تعبر عن نفسها بالكثير من المشاهد الأساسية, سواء فيما يخص الصراع العربي الصهيوني الذي دخلت إيران على خطه بكل قوة, أو فيما يخص بالصراع السعودي الإيراني الذي يتحرك بأذرع أخطبوطية من الصعوبة حصرها, ثم أن هذا الموقف لا بد أن يتحكم في بدايته ونهايته تأثير سوريا على الأوضاع في العراق.
لكن وفي كل الأحوال وقبل كل شيء, الموقف تابع لشعب سوريا, فهو الأدرى بأوضاعه وهو الأحق باتخاذ القرار. وإن كل شيء يتعارض مع هذه الحقيقة, مهما علا شأنه وزادت قيمته, سوف يدنو شأنه وتقل قيمته. وأذكركم كيف إنا نحن العراقيين كنا نلوم إخوتنا العرب وخاصة الأردنيين والفلسطينيين حينما كانوا يجهرون بحبهم لصدام رغم عذاباتنا, وكيف إنا كنا نقول لهم.. فليتأسس تقييمكم لصدام على ما نعانيه منه لا على مشهده الخارجي المزوق والممكيج والخداع, فالذي يظلم شعبه لن يحب غيره, والذي يحرم على شعبه الحرية كيف له أن يناضل من أجل حرية الآخرين. وها نحن الآن نعيد ذات الموقف بدلا من أن نقف محايدين على أقل تقدير, أو نتخذ الموقف الضاغط أو الناصح للنظام في سوريا لكي يحسن أوضاع الداخل, فلا نظلمه عندها ولا نظلم شعبه ولا نظلم أنفسنا.
نعم.. ليس من المفترض أن يقدم المالكي للعالم الآن درسا في المبدئية والأخلاق السياسية على حساب شعبه وبلده, ولكن ليس من المفترض أن يخطأ بحق شعب مجاور خاصة إذا كان هو من ساهم بتثقيف هذا الشعب على أن الحرية هي أغلى شيء والديمقراطية أروع شيء لأنه سيكون عندها قد ساهم بتضليل هذا الشعب وغدر به وأورده مورد الهلاك, لوقد كنت في مقالتي السابقة قد ناقشت أساسيات المنطق وأوليات علم السياسة اللذين يمهدان لاتخاذ القرار السياقي بحيث يأتي منسجما مع ثقافة تدعمه حتى لا تتحول المرونة السياسية إلى قفزات من النقيض إلى النقيض, ولكي لا تؤدي هذه القفزات إلى خلق حالة من الإرباك النفسي وتساهم في خلق أجواء عدم الثقة بالسياسة العراقية.
ومن حقي هنا أن أذكر بالطريقة التي تعامل بها السيد المالكي وصحبه مع السيدين المطلك وظافر العاني قبل الانتخابات الأخيرة, إذ بعد أن تم تصعيد الموقف ضدهما إلى درجة التجريم, وبعد أن تقرر " اجتثاثهما", حتى كدنا نشعر بأن المالكي سيطالب بهما حيّيْنِ أو ميتين, فإذا بالسيد المالكي يعود عن حملته تلك ليوافق على تعيين المطلك نائبا له, وليشارك في حملة إعادة الاعتبار السياسي للخصم الثاني بعد أن ثقفوا ضده بكل ما تضمه ثقافة التجييش المعادي من مفردات المقت والكراهية.
هذه المقارنة ستجعلنا نفهم بأن الدولة العراقية باتت الآن بخطابين مزدوجين يتحركان معا في كل لحظة وفي كل مكان. أما الشعب فقد بات عليه أن يتنقل بقناعته الأخلاقية والوطنية إلى حيث الأرض التي تتحرك عليها مصلحة الحكومة أو رئيسها, فيكون ملزما لأن يحب حينما تحب ويكره حينما تكره, حتى ولو تمت العمليتين على سرير واحد وفي ساعة واحدة.
والمشكلة هنا لا تمت بصلة إلى رأينا بالسيدين المطلق أو العاني, وإنما هي في طريقة التعامل معهما من قبل مسئولين يقفزون من النقيض إلى النقيض, تبعا لمصالحهم الذاتية والئوية, فيساهمون بالتالي ببناء دولة ومجتمع متذبذب وقلق ونفعي ولا مبدئي, ووضع ميال للانفجار في أية لحظة.
وإذا ما قيل أن السياسة هي لعبة, وهي التي تقر ذلك, فسأقول.. كلا إن السياسة ليست لعبة, وهي أبدا لا تقر ذلك, خاصة في دولة تحت التكوين, حيث يتطلب الأمر بناء أساسيات أخلاقية رصينة لهذه الدولة, وبعدها يمكن للسياسة أن تتحرك دون خوف عليها أو منها.
ولن أوافق أيضا على القول الذي يسلب السياسيين دورهم الأخلاقي التربوي, إذ أنني أرى أن دور القائد السياسي هو تماما كما هو دور معلم الصف في مدرسة ابتدائية, تأثيره كزارع البذرة, والنماذج القيادية هي مطلوبة في كل المجتمعات, فإن هم فسدوا فسدت. وأفهم أن التركيبة النفسية للفرد هي جزء من التركيبة النفسية للدولة, ولذا ليس من المتوقع أن يتخرج من مدرسة الرقص رجال دين.
والتربية في أعظم حالاتها وأبسطها أيضا هي فن خلق النماذج وتجسيدها, إذ حينما يعطي القائد مثلا أعلى بنكران الذات والتمسك بالمبدئية الصادقة ويجسد ذلك من خلال أحداث شاخصة تكفل له أن يكون لقوله أثرا وتأثيرا ومعنى فإن عملية بناء المجتمع حينها ستكفلها القوانين والمناهج الفكرية الأخرى بشكل أكثر يسرا وبطريق أقل عثرات.
ولربما سيتعجب أحد فيقول: "واو".. أكُلّ هذا سيخلقه موقف المالكي من سوريا, لماذا هذا التضخيم والتهويل, خاصة وأن الموقف هذا كان, ولأول مرة, قد أرضى الجميع, بدء من جماعة المجلس مرورا بحزب الدعوة وصولا إلى المجاميع الكردية ومنهم عبورا إلى العراقية, فسأقول: إن من قال إنني أتحدث عن السيد المالكي وحده هو مخطئ.
وإذا ما عاد أحد للتذكير بأن قرار الوقوف مع الحكومة السورية كان قد أتخذ على ضوء تأثير الساحة السورية المباشر على العراق فسأقول له أن الموقف من البحرين كان يجب أن يحمل أيضا نفس خصوصية الموقف من سوريا, أو على الأقل يقترب منه, لما يتركه هذا الموقف من آثار مباشرة على وحدة النسيج العراقي. فإن كان الموقف من سوريا سيخلق حالة قلقة على الحدود فإن الموقف من البحرين كان قد أشعلها في الداخل لأنه أعاد تنشيط الخطاب الطائفي بشدة, وهو خطاب كنا قد تضررنا منه كثيرا وسيبقى هو واحد من أبرز وأقوى مواقع الخطر ضد مستقبل شعبنا ومصير وطننا.
لهذا قلت إن الموقف من دولتين على مرمى البصر يجب أن تتحكم به أساسيات أخلاقية واحدة.
ثم تمنيت.. أن لا يكون موقف الحكومة من القضايا المتناغمة الصفة والتأثير متناقضا, كذلك الذي اتخذته إزاء البحرين وسوريا, حتى لا يفسر موقفها على أساس التبعية للموقف الإيراني ذاته, وأيضا حتى لا يقال أن حكومتنا غير قادرة على أن تخرج من جلدها الطائفي.
#جعفر_المظفر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟