أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - عبد الحسين شعبان - دستور مصر ووصفة السنهوري















المزيد.....

دستور مصر ووصفة السنهوري


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3330 - 2011 / 4 / 8 - 19:56
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية إعلاناً دستورياً ضمّ 62 مادة، لتشكّل الإطار الدستوري، الذي ستعمل به مصر حتى صياغة دستور جديد، بعد إجراء الانتخابات التشريعية في أيلول (سبتمبر) المقبل والانتخابات الرئاسية بعدها بشهر أو شهرين. وحسب المستشار طارق البشري رئيس اللجنة التي صاغت الاعلان، وهي اللجنة ذاتها التي أعدّت المواد الستة التي جرى الاستفتاء عليها يوم 19 آذار (مارس) الماضي ووافق عليها 77 في المئة من المصريين، يكون دستور العام 1971 قد انتهى مفعوله وأصبح غير صالح للاستخدام.
الاستفتاء والاعلان الدستوري أثارا تداعيات كثيرة وجدلاً قانونياً وفقهياً لم ينقطع، وفي غمرة هذه الأجواء إستعيد دستور العام 1923 الذي حكم البلاد لغاية ثورة 23 تموز (يوليو)1952، كما تم استذكار دستور كان قد أعدّه الفقيه والمفكر القانوني العلاّمة عبد الرزاق السنهوري في العام 1954 بتكليف من حكومة الثورة، لكنه أهمل ووجد في وقت لاحق من يزيح النقاب عنه حين نشر الصحافي والكاتب صلاح عيسى رئيس تحرير جريدة القاهرة نصّه، كما عُثر عليه فوق صندوق القمامة، وبالعنوان ذاته.
لعل هذه المناسبة فرصة لاستحضار السنهوري وما تركه على صعيد الفكر القانوني ليس في مصر حسب، بل في العالم العربي كلّه، ومن أقصاه الى أقصاه، مثلما كانت الجاذبية المصرية هائلة وكبيرة على صعيد التغييرات التي شهدها العالم العربي، وظلّت تمور في أحشائه لسنوات طوال.
يعتبر السنهوري أحد عمالقة الفكر القانوني العالمي وأبرز رموزه العرب، لاسيما في القانون المدني وفقه الشريعة الاسلامية، خصوصاً في فقه المعاملات. إمتاز بثقافة موسوعية، لاسيما في العلوم القانونية، ولم يكن فقيهاً ومفكّراً قانونياً حسب، بل كان أقرب الى مكتبة عامرة حيث اجتمعت في شخصه المعرفة القانونية واللغوية، خصوصاً بالقوانين العصرية وبعلوم الشريعة الاسلامية، والخبرة القضائية، والتجربة الأكاديمية والإدارية.
ولا شك أن تنوّع عمله وتجاربه أكسبه هذه المكانة المتميزة، حيث يعتبر السنهوري الأب الروحي للقوانين المدنية العربية ولعدد من الدساتير العربية. من هناك اكتسب فكراً وحدوياً عروبياً، وكان قد اقترح قيام " اتحاد عربي"، بل بادر لوضع مشروعه العام 1944 من دمشق، قبل إنشاء جامعة الدول العربية (آذار/مارس 1945).
وعلى الرغم من اختصاصاته القانونية، فقد درس منذ وقت مبكّر كتب التراث العربي مثل: الأغاني والأمالي والعقد الفريد وأُعجب بشعر المتنبي، وكان شديد الاعجاب بالكواكبي أيضاً.
وبسبب ثقافته القانونية المتنوعة والمتعددة المشارب، إمتاز فكره القانوني بالديمقراطية والليبرالية، الأمر الذي أدّى الى اصطدامه مع الرئيس جمال عبد الناصر العام 1954 حين دعا الى حلّ مجلس قيادة الثورة وإعادة الجيش الى ثكناته، وإطلاق الحريات الديمقراطية، وبسبب ذلك تم عزله، بل وعزلته واتّخذت القيادة المصرية إجراءً يقضي بحل مجلس الدولة الذي كان يرأسه.
كان السنهوري مؤمناً إيماناً شديداً باستقلال القضاء والإعلاء من شأنه ورفع مكانته وميّالاً الى فكرة العدالة الاجتماعية، وكان مخلصاً في دعم مشروع قانون الاصلاح الزراعي وتوزيع الارض على الفلاحين. وحاول التوفيق بين مبادئ الشريعة الاسلامية وبين الفكر القانوني (العلماني- الليبرالي)، وذلك في وسطية كان يعتقد أن بإمكانها تطمين طموح ومصالح الطرفين، لاسيما بصياغات تحترم الفكر القانوني من جهة وتسعى لجعله مقبولاً أو غير متعارض مع مبادئ الشريعة من جهة أخرى، على الرغم مما تثيره مثل هذه المصالحات من إشكالات ومشكلات، خصوصاً لدى فريق المفسّرين والمؤّلين، من الذين يذهبون بعيداً بتفسيراتهم للنصوص القانونية حين يحاولون تكييفها على نحو ضيق تجنّباً لبعض الحساسيات، لكن حقيقة المشكلات، بما فيها عملية التوليف برزت في وقت لاحق، ومثل هذه المحاولات وإنْ كانت قد بدأت في منتصف القرن الماضي، الاّ أن تأثيراتها ظهرت لاحقاً بصعود تيار اسلاموي " متشدد".
ولد السنهوري في 11 آب (أغسطس) العام 1895 في الاسكندرية وتوفي في 21 تموز (يوليو) العام 1971، وحاز على درجة الدكتوراه في القانون المدني من فرنسا العام 1926 وعمل مدّرساً للقانون المدني ثم عميداً لكلية الحقوق العام 1936. وكان عضواً في مجمّع اللغة العربية العام 1946. وشغل منصب وزير المعارف 4 مرات وأصبح رئيساً لمجلس الدولة من العام 1949 ولغاية العام 1954.
أيّد السنهوري ثورة يوليو المصرية العام 1952 وساهم في المفاوضات لخلع الملك فاروق مع الجنرالين محمد نجيب ومحمد أنور السادات. ولم تمنعه مواقفه المؤيدة لثورة يوليو وللاصلاح الزراعي من استشراف رؤية أخرى بشأن دور الجيش ومسألة قيام الديمقراطية وإلغاء مجلس قيادة الثورة، حيث كان موقفه متميّزاً.
برزت أفكار السنهوري الاصلاحية منذ أن وضع مواد البرنامج لرسالته للدكتوراه وهي بعنوان " القيود التعاقدية على حرية العمل في القضاء الانجليزي"، كما وضع رسالة أخرى للدكتوراه عن "فقه الخلافة". وبسبب مواقفه تلك فصل من الجامعة العام 1934. وقد ذهب الى العراق العام 1935 حيث ساهم في تطوير كلية الحقوق العراقية التي تأسست العام 1908 باسم " مدرسة الحقوق"، وأصدر مجلة للقضاء، ووضع مشروع القانون المدني، وعاد الى العراق مرّة أخرى العام 1943 لاستكمال مشروع القانون المدني، الذي سُنّ العام 1951 ولا زال نافذاً حتى الآن. وغادر بغداد الى دمشق ووضع مشروع القانون المدني لسوريا أيضاً.
وعلى الرغم من مواقفه المتحفّظة على دور العسكر وميله الى الشرعية الديمقراطية والدستورية بديلاً عن الشرعية الثورية فقد ساهم في إعداد دستور مصر بعد ثورة تموز (يوليو) 1952 (بعد إلغاء دستور العام 1923). وهو دستور العام 1954. ولكنه اعتزل الحياة العامة منذ ذلك العام حتى وفاته، وذلك بسبب المضايقات التي تعرّض لها، حيث ظلّ على قناعاته، ولم يساوم عليها.
خلال عزلته الاجبارية 1954-1970 أنجز عدداً من المؤلفات القانونية المهمة لكل من ليبيا والسودان والكويت والامارات العربية المتحدة. ولم يغادر مصر سوى مرة واحدة العام 1960 بدعوة من أمير الكويت حيث وضع دستوراً لها أهّلها لإحتلال موقعها كعضو في الأمم المتحدة.
ومن أهم أعماله الأخرى:
1- القانون المدني المصري (ومذكرته الإيضاحية وشروحه).
2- القانون المدني العراقي (ومذكرته الإيضاحية).
3- القانون المدني السوري (ومذكرته الإيضاحية) وقانون البيّنات (وقواعد الإثبات الموضوعية والإجرائية)
4- دستور دولة الكويت وقوانينها: التجاري والجنائي وقانون المرافعات والاجراءات الجنائية، وقانون الشركات، وقوانين عقود المقاولة، والوكالة.
5- القانون المدني الليبي ومذكرته الايضاحية، العام 1953 (أي بعد الاستقلال).
6- دستور جمهورية السودان.
7- دستور دولة الإمارات العربية.
ويحق لنا اعتبار السنهوري المؤسس للفكر القانوني العربي، وكلما جرى حديث عن الدستور أو تعديلات دستورية، أول ما يقفز الى الذهن للمشتغلين في القانون الدستوري والقانون المدني وغيرهما من حقول القانون ما أنجزه السنهوري من منارات قانونية عالية يظل الباحث والمهتم بالقانون وبالنظام السياسي يتطلّع إليها. ولعل النقد الذي يمكن توجيه اليه دون المسّ بمقامه الرفيع، لأن الأمر جزء من سياق وتطور تاريخي، هو "ابتكاره" قانون الكفالة للاجانب المقيمين في دول الخليج، وهو قانون يتعارض مع المواثيق الدولية لحقوق الانسان (ويطلق عليه البعض قانون العبودية) وقد تخلّت عنه البحرين مؤخراً، وقد أثيرت مؤخراً نقاشات في العديد من دول الخليج بشأن إلغاء نظام الكفالة والكفيل أو تخفيف القيود التي تفرضها الى حدود بعيدة.
إن أي نقاش حول الاعلان الدستوري أو الدستور المنشود سواءً في مصر أو في أي بلد عربي آخر، لاسيما بعد التغييرات الأخيرة، لا بدّ له من استحضار واستلهام الخبرة القانونية العميقة للعلاّمة السنهوري.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السياسة بوصفها علماً
- الشباب والتنمية!
- العراق من الاحتلال العسكري الى الاحتلال التعاهدي
- النيل وحرب المياه
- العرب وإسرائيل: أي جدل قانوني؟
- حرية التعبير و-حرية- التشهير
- جدلية الضعف والقوة
- - النموذج- العراقي وعدوى التغيير!
- سبع رسائل لاستهداف المسيحيين
- الموجة الثالثة للتغيير
- الانتفاضة العراقية: استعصاءٌ أم استثناء؟
- تناقضات المجتمع المدني ومفارقاته
- رسالة من منصور الكيخيا إلى المثقفين العرب
- -اشكالية الهوية والمواطنة في العراق-
- مستقبل الحوار العربي- الصيني!
- لغز اختفاء موسى الصدر ومنصور الكيخيا!
- تونس- مصر: أسئلة ما بعد الانتفاضة!
- ثقافة السلام
- كوابح المجتمع المدني
- عواصف التغيير الديمقراطي: أي خريطة طريق؟


المزيد.....




- وزير الدفاع الإيطالي: سيتعين علينا اعتقال نتنياهو وجالانت لأ ...
- كندا تؤكد التزامها بقرار الجنائية الدولية بخصوص اعتقال نتنيا ...
- بايدن يصدر بيانا بشأن مذكرات اعتقال نتانياهو وغالانت
- تغطية ميدانية: قوات الاحتلال تواصل قصف المنازل وارتكاب جرائم ...
- الأمم المتحدة تحذر: توقف شبه كامل لتوصيل الغذاء في غزة
- أوامر اعتقال من الجنائية الدولية بحق نتانياهو
- معتقلا ببذلة السجن البرتقالية: كيف صور مستخدمون نتنياهو معد ...
- منظمة التعاون الإسلامي ترحب بإصدار المحكمة الجنائية الدولية ...
- البنتاجون: نرفض مذكرتي المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتني ...
- الأونروا: 91% من سكان غزة يواجهون احتماليات عالية من مستويات ...


المزيد.....

- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي
- حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما ... / اكرم زاده الكوردي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - عبد الحسين شعبان - دستور مصر ووصفة السنهوري