أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كامل كاظم العضاض - محنة المالكي في محنة العقل















المزيد.....


محنة المالكي في محنة العقل


كامل كاظم العضاض

الحوار المتمدن-العدد: 3330 - 2011 / 4 / 8 - 08:06
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


لا يعني عنوان المقال، أعلاه، إطلاقا، توجيه أية إهانة أو إساءة للسيد نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي، فعقله سليم، والحمد لله، وليس في محنة فيزياوية، أي أن دماغه الذي يشكل مركز التعقل معافى. إنما القصد هو الحديث عن منهج العقل المعتمد في تصريف شؤون البلاد، وفقا لقناعات أو قيم أو مبادئ أو حلول متصورة لمعالجة أوضاع مختلفة تتعلق بإدارة حياة الناس وبتصريف شؤون الحكومة، ولوضع الأولويات والمسارات للحكومة والدولة والمجتمع خلال هذا العقد من الزمن الذي يتولى فيه هو اليوم موقع المسؤول الأول، وها قد قضى نصفه الأول حتى الآن وهو يجتهد ويقرر ويقود. ولأنه صاحب القرار الأول، ولأن قرارته تطال حياة الناس ومستقبلهم ومستويات عيشهم ورفاههم، صار من حق الناس، بإعتبارهم شركاء في هذا الوطن ومالكيه، أن يحاسبوه لأنهم خولوه أن يدير بالنيابة عنهم حياتهم. وبالتالي فأن مسائلة المسؤول الأول هي ليست حق طبيعي، فحسب وإنما واجب وطني. فأين هي إذن محنة العقل لدى المالكي؟ والكلام، مرة أخرى لا يتعلق بشخصة هو، إنما بما يمثله من قيادة عليا، يحتل فيها هو موقع المركز والمحرّك، فإن أخفق في قراراته، اخفقت قيادته الفردية والجمعية، وإن نجح، نجحت قيادته كلها في تحقيق ما أؤتمنت عليه من مسؤوليات وأعباء، إدارية وإجتماعية وإقتصادية و سياسية، أو بصورة إجمالية، مهمات وطنية عليا. ولتوضيح مفهوم العقل في رسم السياسات، لابد من مداخلة فكرية موجزة، نلحقها بمناقشة محددة وموضوعية، بعيدا، كما نرجو، عن التحيّز أو عدم الإنصاف، لان من شأن ذلك أن يحشرنا في منهج اللاعقل الذي نريد أن نحتج ضده أصلا.
يقوم المنهج العقلي، عموما، على أساسين؛ المنطق والإستقراء. فالأول ينطلق من بديهات تعريفية، مفروغا من إتساقها مع مفهوم المعقول بما يقابل ما يسمى باللامعقول. فالمعقول، مثلا، ان واحدا زائد واحد يساوي إثنين وليس ثلاثة، بإفتراض التشابه في الكمية والنوع بين الأشياء التي يجري جمعها أو طرحها. كما يمتد المنطق الى اللغة، وليس فقط للحساب الكمي للأشياء، فحينما نقول أن فلانا رجل، وان الرجال، حسبما تفرض قوانين الحياة الفيزياوية على هذا الكوكب، لابد أن يموتوا في نهاية المطاف. وعليه، من المنطقي أن نستنتج أن فلانا يموت أيضا، إن آجلا أو عاجلا. والمنطق الأرسطوطاليسي تضمن كل القواعد الممكنه لعلم المنطق هذا، ولسنا في صدد تقديم عرض لفلسفته هنا، انما للإشارة الى المعنى العام. أما الإستقراء، فيقوم، عموما، على المشاهدة والتحسس الفعلي للظواهر، وبهذا فإن تكرار حدوث ظاهره ما، وما قد يترتب عليها من نتائج، يرتبط، إرتبطا تأريخيا وبصورة أساسية، بعوامل معينة دون غيرها. فحينما تقل النظافة، مثلا، يزداد وجود الجراثيم الضارة بالصحة. هذه ظاهرة إستقرائية، بقدر ما هي منطقية. وعلى الصعيد الإجتماعي، يلاحظ المراقبون، بان المجتمع الذي تزداد فيه حالات الفقر، تزداد فيه، ايضا، حالات الوفاة الطبيعية، كما تزداد حالات عدم الإستقرار الإجتماعي، وحصول الثورات أو التمردات أو الإنقلابات أو الإحتجاجات، وذلك حسب حجم الفقر وإتساعه ووطأته. و ظواهر، كهذه، ملئت صفحات طويلة من تأريخ البشرية. وحينما، تصادف حالات في مجتمعات ينتشر فيها الفقر ولا تحصل فيها ثورات أو تمردات، عليك أن تفتش عن أسباب قاهرة حالت دون ذلك، مثل فقدان الوعي، أو الإستلاب، او الجهل، أو لوجود قوة قمع ضاربة، أو لتفشي الخوف الطاغي والإستسلام، الى آخر ما هناك من الأسباب التي تحول دون قيام الجائعين بالإنتفاض ضد واقعٍ يجيعهم. وهكذا نرى، بأن المنطق، عموما، والإستقراء، إساسا، يمثلان أهم ركيزتين في المنهج العقلي لتحليل الظواهر الشاخصة أمامنا، كما يمثلان الذخيرة الفكرية لصاحب القرارات المسؤول عن إدارة شؤون البلاد والعباد. فماذا يعني هذا المنهج العقلي؟ يعني بأن القضايا الروحانية والمقولات الإستلهامية هي خارج هذا المنهج، بقدر تعلق الأمر بتصريف شؤون الناس اليومية والواقعية والشاخصة أمامنا في دنيانا هذه، وليس في آخرتنا الموعودة، وفقا لمعايير الخالق العظيم، حيث سيحشر إليه العباد في يوم القيامة.عند ذاك، حسبما وعد الرب وبشر الأنبياء، سيُحاسب الناس، وفقا لمعايير الفضيلة الإلهية. فنحن هنا أزاء دنيا، يعيش بها أحياء، ولسنا وكلاء موكلين من الله للتصرف بالبشر، وفقا لمعايير أخروية، فهذا من إختصاص الخالق وحده. أما البشر الدنيويون، فهم مسؤولون لإعطاء البشر ما للبشر، وما لله لله، فهم سيُحاسبون عليه، ليس في هذه الدنيا، بل في يوم يحشرون فيه، أمام الله خالقهم. فالقائد والحاكم والملك العظيم، لم يخلق البشر، فليس بوسعه أن يحاسبهم على أفعالهم، إلا بقدر ما توافقوا عليه من حقوق وواجبات، حسبما نصّت عليه القوانين والدساتير والأعراف التي أقرها الناس، وليس وفقا لما يقره او يحبذه الحاكم بذاته.
وتأسيسا على ذلك، نستنتج مجموعة من المسلمات العقلية التي تسند الفكر الإنساني في إتخاذ القرارات اليومية أوالقيادية أو الوظيفية:
1. لايصح القول بالشئ، والمقصود به نقيضه، كما لا يمكن التلفظ بقول، والقيام بفعل ينقضه أو يسلبه معناه.
2. أن لكل ظاهرة مسبب، أوسبب، ولكن تشخيص المسبب الأهم، من بين عدد كبير من الأسباب، يتطلب تحليل الإرتباط، سواء بأدوات التيقن أو بأسلوب الإحتمال الإحصائي أو التأريخي.
3. أن المقدمات تحدد النتائج؛ فحينما تمهد لعمل ما أو مشروع معين، فإن المقدمات، أي التحضيرات والتنظيمات والأدوات المسبقة، هي التي تحدد مدى نجاح أو فشل النتائج. أي حينما تتولى مهمة لا تستطيع أنت إعداد شروط نجاحها مسبقا، ستفشل. والفشل أنت مسؤول عنه، ولا ينفع التبرير بحصول عوامل وضغوط، مثل الإرهاب، أو التدخل الأجنبي، أو الفساد، أو لعدم توفر الأكفاء! إذ سيُطرح السؤال، عندئذٍ، لماذا تتصدى لمشكلة ما، إبتداءا، وأنت لا تملك فريقا من الأكفاء لتنفيذها؟ وحينما تعترضك مشكلة يسببها لك شركاء أو متحاصصون، لماذا تقبل بشروط تُفرض عليك، بما سيؤدي حتما الى عدم تحقيق النجاح في المهمة الأساسية، وفقا لأهدافك المعلنة، او برنامجك الذي وعدت بتنفيذه؟ وحينما تفشل أو تتفاعل المشاكل والصراعات، بسبب عدم الإتفاق على معايير واضحة لحلّها قبل المباشرة في المهمة، لا يجوز أن تأتي لتعلن للناس بأن عدم النجاح كان بسبب المحاصصة، او الطائفية، أو الفئوية، او الإرهاب، أو التدخل الخارجي، الى آخر ما هناك من تبريرات. فإذا ما تصدى المرء القدير لمهمة، ولا يستطيع أن يحضّر مقدماتها ليحقق النجاح التام في تحقيقها، عليه أن يعتذر عن توليها، ليحفظ قدر نفسه، وليصون ما يقف من أجله من مبادئ وطنية.
هذا هو، عموما، المنهج العقلي، بخطوطه العامة والعريضة. وفي هذه الحالة، يتوجب الحكم على سياسات القادة وفقا لهذا المنهج وليس غيره. أي يجب إستبعاد المناهج غير العقلية، كالإنحيازات الطائفية والفئوية والعرقية والنفعية والإرتزاقية. وحينما يكتب الكُتاّب والمراقبون والمحللون والشاهدون على الأحداث، فيجب، وفقا لهذا المنهج، أن يكتبوا بأمانة وموضوعية. وهذا الموقف، بعد ذلك، هو أيضا، من روافد الفضيلة الإلهية ذاتها التي عرفها الإنسان بالمنهج العقلي قبل المنهج الروحي.
لنعود الآن لمناقشة عدد محدود من القضايا المختارة من سياسات وإجراءآت السيد المالكي، كرئيس وزراء، خلال السنوات السابقة والحالية، لنرى أين تقع محنته، هل هي في المنهج العقلي لقيادته، أم في مجافاته لهذا المنهج، لضرورة البقاء أو الإستمرار في موقعه على رأس السلطة التنفيذية؟ وسوف نستبعد من هذا التحليل عواملا مهمة، لا يمكن التساهل معها، عادة، مثل قضية الأنا والتسلط، وقضية المصالح الدافعة، والأجندات الخفية، ومن ضمنها النرجسية، والرغبات السادية. هذه أمور خارج البحث، لعدم توفر البيّنات، من جهة، ومن جهة أخرى، لأننا إخترنا إفتراض حسن النية، والتركيز على الموضوعية الكاملة، وإستبعاد العوامل الذاتية.
لا يتسع المجال هنا لمناقشة كل القضايا والمشاكل التي تعرض لها المالكي والقرارات التي إتخذها بشأنها، فموضوع كهذا بحاجة الى مجلد كامل. ولسنا هنا معنيين بمحاكمة أو تقويم، فذلك أمر متروك للتأريخ وللنتائج النهائية التي حققها في نهاية المطاف. إنما نحن بصدد تقديم بعض الأمثلة، لتقويمها بمنهج العقل الذي أشرنا إليه. علما، بأن البشر خطاؤون، وليس هناك من لا يخطأ، فالعصمة والكمال لله وحده. ولكن الخطأ في سياق القيادة التأريخية، هو درس أساسي، حيث يجب أن يجري تحليله والتعلم منه، ثم تجنبه، للإهتداء الى القرار الأصوب، أو العقلاني في المكان والزمان المناسبين، وليس بعد فوات الأوان.
ولعل المشكلة الأولى التي نراها تعيق السيد المالكي في إتخاذ القرارات العقلانية والمتسقة مع قناعاته أو مبادئه التي ناضل من أجل تحقيقها، هي مشكلة التناقض ما بين ما يؤمن به هو وحزبه وحلفائه المساندين له بصوره أساسية، وبين ما يعلنه أو يحاول ممارسته من سياسات. فهو بإعتباره من قادة حزب الدعوة، وتجمعه، أفكار أو عقائد متشابهة مع تجمعات إسلامية أخرى، في مقدمتها، المجلس الإسلامي الأعلى بقيادة عمار الحكيم، وهناك حزب الفضيلة والتيار الصدري، ولكنهم قد يختلفون في التفاصيل، وبمقدار الإقتراب أو الإبتعاد عما يسمى بعقيدة ولاية الفقيه، وربما أيضا بمقدار درجة الرضوخ، او لنقل، درجة التناغم، إن لم نقل، الولاء الى إيران، بإعتبارها حاملة لراية ولاية الفقيه المقحمة على المذهب الإسلامي الشيعي. ومرة أخرى، لسنا بصدد مناقشة هذه العقيدة، أنما فقط للإشارة الى الخط العام لحزب الدعوة الذي يقوده المالكي والذي يدير الحكومة الآن، بإجماع حزبه مع بقية الفصائل الأسلامية الشيعية، من خلال ما سمّوه بالتحالف الوطني الذي رشحه او إنتخبه رئيسا للوزراء لحقبة إنتخابية ثانية، بغض النظر عن تقويم مقدار نجاح قيادته في الحقبة السابقة التي إمتدت لخمس سنوات. فالمفروض، وفقا للمبادئ العقيدية للسيد المالكي وحزبه ومسانديه أن يعمل على تحقيق الدولة الإسلامية على نهج آل البيت، فيضع سياسات لأسلمة المجتمع العراقي، وفقا للمنهج الشيعي، وليقترح ويصدر تشريعات وقوانين لاعلمانية، من خلال برلمان، قد يملك أغلبيته، كما قد توجب مبادئ العقيدة أن ينسق مع الدولة الإسلامية، الأم، إيران، لتبني الكثير من سياساتها وإجراءآتها، بإعتبارها قاعدة المذهب الشيعي، أو هي تدعي ذلك. ولكنه، لم يفعل ذلك، تماما. فبدلا عن ذلك، حارب مليشيات مقتدى الصدر، المسماة بجيش المهدي، بالتعاون مع القوات الأمريكية المحتلة، واعلن عما سماه بدولة القانون، وخاض الإنتخابات بإئتلاف خاص به وبحزبه، بل هو أعلن أكثر من مرة، بأنه وحزبه يؤمنون بالديمقراطية ويريدون تعزيز العملية السياسية، وهو ضد سياسة المحاصصات الطائفية، وطالب بتشكيل حكومة أغلبية، بالنظر لما عاناه من نكد في تنفيذ برامجه وإصلاحاته في الحقبة السابقة، حيث صرح أكثر من مرة، أن وزراءا غير أكفاء تفرضهم كتلهم المتحاصصة عليه، وهو لا يستطيع محاسبتهم أو إقالتهم، وأن شركاءه المتحاصصين معه، يضعون قدما معه، والأخرى مع المعارضة، فيغرسون العصي في عجلة حكومته، فيعيقون قيادته. نعم، للإنصاف، قال هو كل ذلك. ولكن ثمة أسئلة جوهرية تطرح، في ضوء المنهج العقلي؛ منها، هل تخلى المالكي وحزبه عن عقيدة الدولة الإسلامية الشيعية التي ستمهد لظهور المهدي المنتظر، عجل الله فرجه؟ وهل الديمقراطية بالمفهوم الغربي تدخل في عقيدة حزب الدعوة والكتل المساندة؟ ومعروف بأن أحد قادة حزب الدعوة، ولعله السيد حيدر العبادي صرح في مقابلة متلفزة بأن حزب الدعوة لا يؤمن بالديمقراطية؛ وأترك للباحثين أمر التحري عن هذا الموضوع. وهل المالكي، الذي نقل عنه أنه قال أنه علماني ولا ينوي أن يقيم دولة إسلامية شيعية، بل ولا يطمح، للترشيح لولاية ثالثة، كرئيس وزراء، اصبح اليوم يؤمن بفصل الدولة عن الدين، وانه وحزبه لا شأن له بالعزاءآت المليونية، ولا بالطقوس الدينية الشيعية، ولا بمنح عطل رسمية لمناسبات دينية، مثل مقاتل أو ولادات الأئمة المعصومين؟ ام أن كل ذلك إستتار، إن لم نقل رياءا او تقية، ريثما يستمكن هو وكتله الإسلامية الشيعية، لإقامة دولته الإسلامية الشيعية التي ستمثل المقدمة لصعود دولة المهدي المنتظر؟ أن هذا التناقض العميق بين ما يؤمن به المالكي وبين ما يمارسه هو مجانبة كاملة للمنهج العقلي، حيث يجب أن تعرف الأمة التي إنتخبته الى أي شاطئ هو يقودها. كما يريد أن يعرف العراقيون من غير الشيعة، وهم يقاربون بعددهم أقل بقليل من نصف الشعب العراقي، بأن دولتهم لا تميزضدهم لإسباب طائفية او دينية أو عرقية، وان العراق ملك كل العراقيين، وأنهم أخوة بالمواطنة والعيش المشترك، بغض النظر عن الدين والمذهب والطائفة والعرق، وهذا المبدأ هو من أكثر مبادئ الديمقراطية جلاءا! فهل المالكي يؤمن هو شخصيا بذلك، ام أن حزبه ومنظريه وكتله، وخصوصا منهم الصدريون الذين خاضوا حربا طائفية، في بعض مراحل الحقبة الماضية، هم لا يؤمنون بذلك، ولكنهم يستترون ايضا؟ المشكلة هنا، بان التناقض بين ما يعلن وبين ما يضمر، يؤدي الى فقدان البوصلة. فالتنمية وخصوصا عندما تٌرسى على أسس الإستدامة، تستغرق زمنا، وربما عقودا. وحينما يستمكن الحزب وقائدة من الحكم وهو يضمر إتجاها آخر، فيغيّر شراع المركب للسير بدفع رياح أخر، فمن شأن ذلك أن يزجه ويودي به الى لجّة أمواج عاتية، مما ستضيع معه كل مكاسب التنمية، كما حدث ذلك لصدام حسين، حيث أطاح بكل مكاسب التنمية التي تحققت بثمن باهظ خلال السبعينات من القرن الماضي، تحت القيادة البكرية، وذلك عندما زج العراق في حروب إقليمية كارثية لاطائل من وراءها. فعلى سبيل المثال أو الإفتراض، لو دخلت إيران في حرب مع دول الخليج، حول مصير البحرين، فمع من سيتحالف المالكي؟ فإن هو إختار الحياد، فالكتل التي نصبّته، والصدريون منهم بالأساس، سوف لا يختارون ذلك. وهكذا ستكون قيادة المالكي في مهب الريح. فالمنهج العقلي يوجب إزاحة التناقضات ما بين القول والفعل، من جهة، وبين ما يعلن وما يستبطن، من جهة أخرى. هذا إذا أراد المالكي وحزبه تحقيق التنمية الديمقراطية الحقيقية في العراق. وعلى ذلك، فإن الحلفاء الذين عليه أن يختارهم يجب أن يكونوا، في الواقع، من ضمن القوى الديمقراطية الوطنية العلمانية، وليس من بين القوى المتكلسة بالفكر الطائفي الديني السلفي، او الغيبي.
والمشكلة الأساسية المنهجية هي أن القائد الذي يتصدى لقيادة البلاد، هو من يملك برنامجا مدروسا بإمعان للنهوض بالشعب والبلاد من مهالك الإرهاب والطائفية، أولا، ومن تراكمات التخلف والفقر وضياع الموارد والفساد والهدر، ثانيا، ولضمان وحدة العراق الجغرافية، ولمنع مخاطر تقسيم البلاد ولإبعاد تدخل الدول الأجنبية في شؤونها، ثالثا، وصولا لتحقيق التنمية، ببعديها البشري والمادي التراكمي، وما ينطوي عليه ذلك من برامج تعليمية وصحية وخدمية وإستثمارية وطنية. وهذه بلا شك مهمات ضخمة جدا، تستلزم، قبل كل شئ، ليس فقط وجود ورسوخ الإرادة الوطنية، إنما ايضا، وجود ألمع العقول والكفاءآت الوطنية، مجهزة بإعمق الدراسات التشخيصية التي تساعد على إعداد البرامج القصيرة والمتوسطة وبعيدة الأمد. ولعل مما يجافي العقل المنهجي، بأن من يطالب الشعب بإنتخابه ليتصدى لهذه المشاكل، يأتي بعد إنتهاء مهلته الممنوحة له للحكم، ليقول بأننا لم نستطع تقديم كل ما وعدنا به بسبب المشاكل، منها المحاصصة والفساد والإرهاب وتدخل بعض دول الجوار (من غير إشارة الى إيران) . اي أنه يتشبث لتبرير فشله أو عدم نجاحه الكامل بسبب ذات المشاكل التي وعد بالتصدي لها. بكلمة أخرى، نخاله قد يقول، بأني تصديت لمعالجة المشاكل ولكني فشلت بسبب وجود هذه المشاكل. وهذا هو التناقض بعينه. لِم تقبل التصدي لمشاكل ليس لديك برامج لحلها؟ والأمثله لا حصر لها. نذكر، على سبيل المثال، فقط، عددا محدودا منها، بصيغة التساؤل:
1. من الذي قَبِل بالمحاصصة وهو يعلم بأنها ستعيقه؟
2. من الذي إستدار على مفهوم الأغلبية في نتائج الإنتخابات الماضية، بالإستعانه بتفسير غير دستوري للكتلة الأكبر؟ وإئتلافه لم يكن هو الكتلة الأكبر، لأنه لم يفز بالأغلبية، أي لم يكن الكتلة الأكبر إنتخابيا، مما إضطره للتحالف لتكوين كتلة أكبر بعد الإنتخابات، خلافا للمفهوم الديمقراطي لمعنى الأغلبية الإنتخابية، مع قوى طائفية، هو يعلم بأنها قد تقف ضده، عندما تقتضي مصالحها، حتى لو كانت مشاركة معه في الحكم. وهذا يعني القبول بالعودة للمحاصصة التي كان يعلق عليها أهم أسباب فشله في إدارة الحكم، خلال الحقبة الماضية؟
3. خلال سنوات حكمه الخمس الماضيات، ما هي حالات الفساد والرشوة التي إنتشرت وترعرعت تحت قيادته؟ فوزير التجارة لطيف السوداني، أٌتهم بالفساد الشنيع، وهو من قيادي حزبه، فمن الذي منع محاكمته؟ ومن الذي عاقب الموظف البسيط الذي منعه من السفر من أجل الهروب؟ ومن الذي إستبدل رئيس القضاة في المحكمة التي أرادت محاكمة ذلك الوزير المتهم بالفساد؟
4. إذا كان النفط، وهو المورد الوحيد الذي يعوّل عليه، لإعادة بناء العراق ولوضعه على طريق التنمية المستدامة، إذا كان هذا النفط هو ملك للعراقيين جميعأ وفقا للدستور، فلماذا يقدم لشركات نفطية ثانوية في شمال العراق، كإمتيازات، بإسلوب المشاركات في الإنتاج الجائر وغير المناسب، تماما، لظروف العراق؟ لماذا، حتى ولو كان ذلك بفعل حكومة إقليم كردستان، بطريقة غير دستورية؟ فلماذا السكوت عن ذلك، بل والرضوخ له ومحاولة التفاهم حوله؟ اليس ذلك لأن هناك هناك محاولات لإرضاء بعض الشركاء في الحكم، من أجل الحصول على تأييدهم السياسي للبقاء على راس الحكومة؟ وثمة سؤال آخر، هل الجولات النفطية التي سميت، خداعا، بأنها عقود خدمة، لمصلحة العراق؟ خصوصا وأنها العقود التي ترتب عليها منح الشركات هيمنة لتصدير النفط لمدة تصل الى ربع قرن من الزمان، بل أن هذه العقود هي أقرب ما تكون لنظام المشاركات في الإنتاج! فأين إذن التمسك بالمادة رقم 111 من الدستور التي تنص بأن النفط هو ملك العراقيين حميعا، وليس ملكا لإقليم أو محافظة، ولا يدخل في سيطرة أو هيمنة شركات أحنبية؟
5. فإذا كنت تشكو من المحاصصة، فلماذا تقبلها؟ هل لإسباب سياسية، منها الرغبة للبقاء في السلطة، وبما يناقض مصالح الشعب العراقي؟
6. ثُم أين هم الخبراء والعلماء الأكفاء في مفاصل الحكومة والدولة؟ فوزارة النفط تعاني من الفساد والترهل، والشركات التي جاءت من خلال عقود الجولات النفطية المعروفة، لا تنفذ عقودها بكفاءة. وننصح في هذا الخصوص بقراءة حلقات الأستاذ حمزة الجواهري عن حالات تنفيذ عقود النفط والغاز منذ منحها، إعتبارا من عام 2008، حتى الآن؛ والحلقات منشورة في مواقع عديدة، منها الأخبار والجديدة وغيرهما.
7. لاحظنا أن بعض الكتّاب يدافع عن إدارة المالكي، ويستنكر، تحت ستار التحذير، مظاهرات شباب العراق السلمية والمقيّدة، تماما، بترسانات الشرطة والأمن، منذ 25 كانون الثاني من هذا العام. يستطيع هذا البعض أن يجد أسبابا كثيرة، ويطرزها بدوافع الحرص على الإستقرار، ولدفع اللوم عن إدارة المالكي، بإعتباره يعمل تحت ضغوط هائلة، وتحت ظروف غير مواتية، وبأن المتظاهرين، ربما هم منقادين الى غوغاء أو بعثيين من فلول النظام السابق من الذين يستبطنون إعادة الديكتاتورية، فكٌتّاب، مثل الدكتور عبد الخالق حسين، مع الأسف، وهو كاتب نعتبره رصينا، نراه يتشبث ببعض مقولات المرحوم علي الوردي، ليثبت للجميع أن الغوغاء هم جزء لا يتجزا من الشعب العراقي، بدلا عن أن يناقش بموضوعية مناهج الإدارة العقلية لحكم المالكي الذي إستمر لنصف عقد من الزمن، وها هو منذ أكثر من عام لم يستكمل تشكيل حكومته التحاصصية التي تجاوزت الأربعين وزيرا، ما عدا الوزارات الأمنية التي لا تزال معروضة للمفاوضات والمساومات! ولا يزال المالكي يتبوأها جميعا، بالوكالة، إضافة الى منصبه كرئيس وزراء. وهكذا سلخت حكومة المالكي ربع مدتها الإنتخابية البالغة أربعة سنوات دون أن تقدم شيئا. ولكنها، تحت تأثير مظاهرات الشباب وتجمعات غضبهم السلمية في ساحات التحرير في بغداد وفي غيرها من مدن العراق، تفتق ذهنها عن إمهال الوزراء الخدميين، مائة يوم لمراجعة أدائهم ولمحاسبة المقصرين منهم! ولكن أين هي المسؤولية الجماعية للحكومة؟ فتقصيرهم، إن ثبت، هو ايضا تقصير للحكومة كلها، بما فيها السيد المالكي نفسه، فهؤلاء الوزراء المقصرين لا يمكن أن يكونوا أكباش فداء، إذ تم حصرهم بمدة قصيرة وغير واقعية، لتقديم نتائج، وهم يعلمون بأنها سوف لن تأت، لا بمئة يوم، ولا حتى بألف يوم، وذلك لأسباب موضوعية؛ منها غياب الرؤية، والبرامج العلمية المفصّلة، ومنها الألغام المدسوسة بغزارة في تشكيلة الحكومة. فحكومة المكوّنات هذه يخفي كل مكون فيها نواياه واجنداته، بل وسيستل خنجره المخبأ، حاليا، حينما تحين الساعة، للإجهاز على هذه الحكومة التي يشارك فيها. اي أنهم لا يعتبرون أنفسهم شركاء في الحكومة، فيتقاسمون معها المسؤولية عن أي فشل في أدائها. لربما هم يريدون فقط أن يشاركوها بالمسؤولية عن أية نجاحات قد تتحقق، بقدرة قادر! فأين هي المسؤولية التضامنية لجميع المشاركين في الحكومة، سواء في إخفاقها أو في نجاحها. فالمالكي وحده لا يتحمل المسؤولية بهذا المعنى، ولكنه يتحملها لأنه قًبِلَ بتشكيل حكومة عاجزة لأسباب موضوعية، ولغياب منهج عقلي مواتٍ لتحقيق نتائج إيجابية، لحلّ، في الأقل، بعض معضلات العراق الجسيمة.
أرجو ان لايفهم من نقدنا اعلاه بانه نقدا موجّها خصيصا ضد شخص السيد المالكي، ولكنه بحث في المنهج العقلي المسؤول لقيادة العراق في ظروفه العصيبة الحالية. وهو موجّه، ايضا، ليس فقط للمالكي وحزبه بل لكل الفرقاء في ما يسمى بحكومة الشراكة أو الوحدة الوطنية، وهي تسمية رغبوية، ربما أٌريد بها التعبير عن أمان، لا وجود موضوعي لها. لماذا يريد الجميع المشاركة في الحكومة ومعارضتها في آن؟ وهذه، مرة أخرى، حالة تتنافى مع منهج العقل الحصيف. كيف تجمع النقيضين؟ أن تكون مشاركا في الحكومة ومعارضا لها في آن واحد. لماذا لا تنسجم الكتل مع متطلبات العقل الحصيف؟ فاما ان تكون هي مع الحكومة وتقاسمها بالمسؤوليات على وفق منهج أوبرنامج متفق عليه، أو تصطف مع المعارضة، وتأخذ مقعدها معها، لتنتقد ولترشد الحكومة الى الحلول الأفضل التي يريدها الشعب العراقي وفئاته المختلفة، وفقا للدستور والقوانين ونواميس الديمقراطية.



#كامل_كاظم_العضاض (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ربيع الغضب والثورات المغدورة
- هل سيهل ربيع بغداد في 25 شباط؟
- -ثورة الياسمين- درس تونسي مضاف!
- نتشبث بحطام الزوارق وشراعنا الأمل!
- رأي في وثائق ويكيليكس المسربة
- تكريم الحوار المتمدن هو تكريم لثقافة الحرية ولحرية الثقافة
- بين سيّار الجميل وعبد الخالق حسين، ثمة خيوط وصل، لايجب أن تن ...
- الحالة -الذئبية- لدى أغلبية قادة العملية السياسية في العراق
- الكهرباء والشرارة الممكنة!
- العهر الإسرائيلي عاريا!!
- يا زمال إلنركبه يطلع قبة
- الديمقراطية بين اللفظ والسلوك، ( كما ترويها مجريات الإنتخابا ...
- من لا يؤمن بالديمقراطية لا يفهمها، ومن لا يفهمها لا يؤمن بها
- لا ترشدوا قبل أن ترشدوا
- طوينا أوراقنا ولم نطو عزائمنا ولا آمالنا---قصة محاولة تشكيل ...
- طوينا أوراقنا ولم نطو عزائمنا ولا آمالنا_ - قصة محاولة تشكيل ...
- متى يتوقف الجزارون عن الجزر في بلادي؟
- أحبتنا يرحلون بصمت
- هل وزير النفط العراقي الآن في الميزان؟
- العقل والذات والضرورة


المزيد.....




- سحب الدخان تغطي الضاحية الجنوبية.. والجيش الإسرائيلي يعلن قص ...
- السفير يوسف العتيبة: مقتل الحاخام كوغان هجوم على الإمارات
- النعمة صارت نقمة.. أمطار بعد أشهر من الجفاف تتسبب في انهيارا ...
- لأول مرة منذ صدور مذكرة الاعتقال.. غالانت يتوجه لواشنطن ويلت ...
- فيتسو: الغرب يريد إضعاف روسيا وهذا لا يمكن تحقيقه
- -حزب الله- وتدمير الدبابات الإسرائيلية.. هل يتكرر سيناريو -م ...
- -الروس يستمرون في الانتصار-.. خبير بريطاني يعلق على الوضع في ...
- -حزب الله- ينفذ أكبر عدد من العمليات ضد إسرائيل في يوم واحد ...
- اندلاع حريق بمحرك طائرة ركاب روسية أثناء هبوطها في مطار أنطا ...
- روسيا للغرب.. ضربة صاروخ -أوريشنيك- ستكون بالغة


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كامل كاظم العضاض - محنة المالكي في محنة العقل