أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - سلام ابراهيم عطوف كبة - الشبيبة العراقية …ما لها وما عليها !















المزيد.....



الشبيبة العراقية …ما لها وما عليها !


سلام ابراهيم عطوف كبة

الحوار المتمدن-العدد: 994 - 2004 / 10 / 22 - 08:38
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


تعمل الحركات الاجتماعية في سبيل إدارة نشاط الشبيبة بالتماس المباشر معها وتجهد لترسيخ الأسس الحياتية اللائقة لها . ويفرض عصرنا الراهن على الشبيبة الانخراط في النشاط الجماهيري المشترك لاكتساب حقوق جديدة ، وعكس نبض الشارع العام ، وخفقان قلب الديالكتيك الاجتماعي ، ورفع الكفاح إلى مستويات عالمية عبر تفعيل مبادرات الحوار المباشر ، والنضال ضد كل إشكال القمع ، وفي سبيل تحرر الشعوب من السياسات الاستعمارية ، والاستعمارية الجديدة ، والليبرالية الجديدة التي تسحق حياة الشبيبة … ويتجلى الاستعمار الحديث في محاولات فرض النموذج الأميركي في تهدئة حدة التناقضات الاجتماعية وتسويق السياسة الاجتماعية للدولة الرأسمالية المعاصرة … وعبر إبقاء الولايات المتحدة قواتها العسكرية في أرجاء المعمورة ، ومواصلة سياسات التدخل ، وانماء مستويات العسكرياتية ، ونشر القواعد الحربية ، وتشجيع إنتاج وتجارة السلاح ، وتهديد السلم العالمي ، ووضع العراقيل امام التقدم والتنمية الاجتماعية ، وفي تغذية الدكتاتوريات والإرهاب الدولي والصهيونية والحركات الفاشية الجديدة واليمين المتطرف .
لقد تقوضت الاثار الايجابية التي تمخضت عنها الحرب العالمية الثانية وما اعقبها من نهوض ديمقراطي في المعمورة . وانعشت الدكتاتورية العلاقات الاجتماعية التقليدية وروابط التضامن والحماية والتنظيم الاجتماعي العشائرية والجهوية النمط بسبب غياب المجتمع المدني الحديث وربط البلاد قسرا مع عجلة العولمة بالعقوبات الدولية المفروضة والحصار طويل الاجل ! وبذلت الجهد لتغييب مكتسبات الشبيبة الديمقراطية طيلة العقود المنصرمة عبر اغراق الوطن بدخان كوارثها واشاعة الاوضاع الاستثنائية، وكبح النشاط الاحتجاجي ، والحط بالدولة الى مستوى العشيرة والعائلة ، وتشجيع الفوضى وتجاوز القانون ، وتصديع القيم الاخلاقية والاجتماعية وادخال البلاد في متاهات متجددة .. وعملت على تغيير الطابع الديموغرافي للعراق وكردستان بحملات التهجير والترحيل الشوفينية وحولتهما الى ساحة صراع للقوى الاقليمية . ومع ذلك ينبغي الحديث عن الجديد بكلمات جديدة ، لان الماضي القديم هو نقطة مضيئة في مساحة معتمة شاسعة . والارتباط كشبيبة مبدعة بالماضي يعني البحث الجاد عن هذه النقطة المضيئة . فالحرب والارهاب ادلة قاطعة على عجز الدكتاتورية .. .. وهي في نفس الوقت عجز للعقل البشري عن ايجاد حلول مناسبة لمشاكله لانها اسوأ احتمال نلجأ اليه حين يعجز تفكيرنا عن ايجاد البدائل الاخرى على نقيض نظام الطاغية الذي كان يرى في الحرب اسهل الطرق للنجاة من السقوط الحتمي والارهاب قوته اليومي . الحرب سلام السادة ورغيف من طين ! وقد ادخلت دكتاتورية صدام حسين عراقنا في اتون حربين مدمرتين كبيرتين وحروب اهلية في شمال وجنوب البلاد وقدمت العراق الى الاميركان على طبق من ذهب ، وفرضت على شبيبتنا متاهات التقليد الاعمى وقتلت فيهم روح الابداع والديمقراطية .

تعكس الشبيبة فسيفساء التنوع الأيديولوجي والفلسفي والسياسي وحتى الطبقي للشعب العراقي وهي تشق طريقها وسط عماء الفوضى الفكرية ، والمستقبل الغامض ، والدخان السياسي الزائف الذي خلقته مخلفات دكتاتورية ( صدام حسين ) وحروبها الكارثية . وقد ربطت عراقنا قسراً بالعقوبات الدولية إلى اجل غير مسمى . وهي عقوبات قاسية ولا أخلاقية وعنيفة . أما القرار الدولي (1483) والقرارات اللاحقة فقد رسخت من سلطة الاحتلال الأميركي ، وهو ما خالف تطلعات الشعب العراقي في إقامة الحكومة الانتقالية الوطنية المستقلة وليس مجرد إدارة عراقية يكون دورها استشارياً فقط . وتسهم الشبيبة اليوم في اعادة اعمار العراق وتأسيس الدولة العراقية الجديدة والهيئات التشريعية والتنفيذية والقضائية ذات العلاقة والتطلع الى عراق حر مستقل وشعب سعيد .
 العولمة واليسار الجديد
تتوجه العولمة والكوننة أصلاً نحو أجيال الشباب لكسب مستقبلها وضمانه . وقد جعلت المعلوماتية المعاصرة من الأجيال الشابة سباقه للتعاطي مع العولمة وادواتها ومع الثورة العلمية التكنولوجية . وباتت التقنيات العولماتية الحديثة في متناولهم يستثمرونها كيفما شاءوا وبنهم دون سابق إنذار . وتمثل الشبيبة القوة الاستهلاكية المؤثرة التي تضع في السوق مداخيلها المبكرة من إيرادات العمل لتبديد النوعيات الجديدة غير التقليدية من السلع كالستلايت ، والفيديو ، والسي دي (CD) ، والكمبيوتر ، والفاكس ، وحتى الانترنيت والتلفون النقال … هكذا تمتص الدول المتقدمة طاقات نخبة الشبيبة الطامحة الجادة … ومن بقي حبيس المجتمع الداخلي تحول إلى أدوات سياسية واجتماعية للقهر والاستبداد والتعسف ولتجعلنا ندرك دوماً أننا على حافة انفجار ما ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!!
مع الحماية الدولية والملاذ الآمن والعقوبات وبرنامج النفط مقابل الغذاء والقرارات الدولية المتلاحقة بشان الملف العراقي ، وتعاظم دور هيئات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية (NGOs) والاحتلال الاميركي والنشاط الثقافي الغربي تتنوع مظاهر التدخل المقنعة بواجهات إنسانية … عليه لا يكفي العمل في سبيل الشباب إنما العمل مع الشباب ايضاً وفي آن واحد … حيث تتلاقى التيارات السياسية والدينية المتعددة لتوسع من حجم اليسار وعمله ونشاطاته بين الشبيبة ، وتتفاقم آثار ما نطلق عليه تعابير (اليسار الجديد ) وكذلك (الليبرالية الجديدة) عنفواناً .
ينحدر اليسار الجديد من المجموعات المثقفة التي تمثل مواقع اقتصادية مهمة غير حكومية لاسيما في أوساط ونشاط المنظمات غير الحكومية ، والقطاعين الخاص والتعاوني ، وكذلك ميادين التعهدات والمقاولات والتجارة . ولهذه الأوساط التأثير البالغ في جموع الشبيبة وبالأخص الطلبة . لقد ثبت اليسار الجديد مواقعه منذ ستينات القرن المنصرم في أوربا … وفي فرنسا على وجه الخصوص . وكان الواجهة العصرية لسياسات (منتصف الطريق ) القديمة . ويتأرجح بين رفض الاشتراكية القائمة سابقاً ، واحلال الفوضوية محل الأعمال الثورية ، وكذلك الطوباوية محل الاشتراكية العلمية والانغماس في دروب المتاهة والفوضى والأحلام . ويعتبر التخبط النظري من السمات المميزة لأيديولوجيته . وهو ثمرة مخاض التناقضات الرأسمالية . ومن مظاهره إشاعة انتفاء الحاجة للنضال الطبقي ومحاولة تزييف الجوهر الطبقي للعمليات التي تأخذ مجراها في العالم ‍! وبذر مشاعر اليأس والعبثية إزاء الجهد الاجتماعي النشيط في النضال ضد الاحتكار العالمي والعولمة .
 الشباب والليبرالية الجديدة
أما (الطريق الثالث) فهو أيديولوجية الليبرالية الجديدة التي تعتبر الأساس المرجعي النظري للبرامج المستحدثة لأحزاب الديمقراطية الاجتماعية ، والاشتراكية الديمقراطية في مواجهة اليمين التقليدي المحافظ . ومن ابرز منظري هذا التوجه ( انطوني غيدنز). وقد صدرت عنه كتب ((الطريق الثالث)) ، ((الطريق الثالث ونقده)) ، ((النقاش العالمي للطريق الثالث في الأعوام الأربعة الأخيرة)) . ويدعي (غيدنز) إن هذا الطريق ليس وسطيا توفيقياً بين الرأسمالية والاشتراكية بقدر ما هو محاولة لتجاوز وتخطي الثنائيات الاستقطابية السابقة للحرب الباردة ! وهو بذلك يعرض نياته الطيبة الساذجة كونه فاعل خير يتجاوز اليسار التقليدي وتدخل الدولة في الحياة الاجتمااقتصادية، ويتجاوز اليمين المحافظ المتمسك باليات اقتصاد السوق وفق المبدأ الليبرالي الكلاسيكي (دعه يعمل ، دعه يمر) !
تعيد نظرية (الطريق الثالث) إنتاج آيديولوجية الليبرالية الجديدة التي تسعى إلى إعادة تشييد الماضي الذي يقدم نفسه تقدميا !.. إنها أصولية أرثوذكسية كلاسيكية تقليدية ذات طبيعة محافظة وعودة إلى ليبرالية القرن التاسع عشر المانشيسترية…حيث أن مركز هجومها يبقى ضد السياسة التدخلية في الحياة الاجتمااقتصادية وضد قيام السلطات.. أية سلطات.. بدورها المسؤول إلى حين انتهاء الأوضاع الاستثنائية … وضد اتخاذ إجراءات فعالة لاعداد منظومة توجهات اجتمااقتصادية - مالية تنسجم موضوعياً مع حاجة البلد المعني وتميل إلى تقليص الإنفاق الحكومي في الحقول الخدماتية .
يتخلى(الطريق الثالث) عن العدالة الاجتماعية عبر تبنيه الحاسم لاقتصاد السوق ونزع الأيديولوجيا عن الاقتصاد أي يستند على حرية السوق والتجارة وفتح الحدود وتقليص دور الدولة في الاقتصاد وهذا استنساخ للاقتصاديات الرأسمالية المتطورة.. ومن غير الصحيح وحتى وفق المنطق الرأسمالي الا تتدخل الدولة في الاقتصاد . ويبدو أن تبني القيم المدنية العالمية والقضية الاجتماعية وحماية البيئة والمساواة بين الرجل والمرأة ومكافحة الإرهاب والتطرف هو القاسم المشترك للطريق الثالث مع اليسار . ألا أن الموت البطيء لليسار في الطريق الثالث هو ما يميز هذه الحركة التي تتجه دوماً نحو يمين الوسط !
ان هدف السياسة الاجتماعية في الولايات المتحدة والبلدان الرأسماليـة المتقدمة هو تهدئـة الاستياء واضعاف هذه التناقضات الاجتماعية . وهي أداة نشيطة تتستر على ، وتوجه التطور الرأسمالي نحو مزيد من الربحية والريع الاحتكاري … وتخلق صورة مضللة عن ديمقراطية وإنسانية المجتمع في الغرب الرأسمالي ودولته النموذجية (Model) .. واخفاء المغزى الحقيقي الطبقي للسياسة الاجتماعية للدولة الرأسمالية المعاصرة عبر برجزة العلاقات الإنتاجية ، والمحافظة على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج ، وعلاقات استثمار الإنسان للإنسان بطرق استغلالية ، وتزييف مضامين العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان !
لا تزيل سياسات منتصف الطريق او أنصاف الحلول الاجتماعية التناقضات ، فدولة (الرخاء العام) الأميركية ظاهرة متناقضة تعكس الفوضى الرأسمالية وتوجه لها الانتقادات من اليمين واليسار معاً ! بينما تعقد الأوهام الإصلاحية النضال في سبيل التقدم الاجتماعي . ويعتبر (غ.فريمان) و (ك . ستير فورد) (( إن السياسة الاجتماعية الأميركية عملية بفضلها يجري دعم المنظمات الاجتماعية التي تسند الاستقرار وتعمل على تحسين المستوى المعيشي )). ألا أن أسلوب المناورة السياسية والاجتماعية هو الذي يميز السياسة الاجتماعية في الغرب الرأسمالي . أي انتهاج سياسة تفضل إطلاق تعبير الليبرالية على الرأسمالية نفسها ! وتتفنن في تزويق الليبرالية من ديمقراطية إلى جديدة فمتجددة ! وترفع من مصاف المنظمات غير الحكومية في الحركات الاجتماعية وتجعلها في مواجهة التنظيمات المهنية والديمقراطية والاجتماعية التقليدية .
هكذا تدفع الإصلاحات بالعيوب الرأسمالية إلى الأعماق ولا تجتثها وتحافظ على التباينات الطبقية وتشدد الاستقطاب الاجتماعي لتكرس الفقر والعوز والتمييز الاجتماعي ، وتوسع من جيل المنسيين المنبوذين بينما يعيش رجال الأعمال والمقاولات وابناء الأرستقراطيات والبيروقراطية والفساد على حساب صحة وحياة المواطنين !
تزج الليبرالية الجديدة واليسار الجديد والدوائر التي تسيرفي فلكهما الشبيبة في صراعات ومتاهات فكرية وأحلام طوباوية وخيال لا يخلو من شعوذة . وتضفي على حركة الشبيبة الطابع الإصلاحي او الرومانتيكي لتؤول في نهاية المطاف إلى حركة انعزالية تحمل شعارات غير مقبولة موضوعياً… القضية هنا ليست بالنيات او جاذبية الشعارات إنما واقع الحال ونتائج الأعمال! وبينما ينفرد المركز الرأسمالي بمنطق وآليات العقلنة واعمال القانون الاجتماعي العالمي تكتسب عقلانيته قوة تصدير اللاعقلنة إلى مناطق الأطراف. ومن أشكال لاعقلانيته المعاصرة محاولة فرض المنظمات غير الحكومية (NGOs) باعتبارها منسجمة مع مرحلة تطور الاحتكار العالمي في مجتمعات عصر ما بعد الصناعة. ويحاول الغرب النفي القسري للحركات الاجتماعية بالمنظمات غير الحكومية ، واحتواء تنظيمات الشبيبة والطلاب والنساء وحركة الحقوق المدنية لصالح القطاعات الاجتماعية المضطهدة، وحركات السلم والتضامن والرفض الاجتماعية، والنقابات العمالية. ويبدو أن الاحتكار الرأسمالي المعاصر يتحرك في فضاء المجتمع المدني ويوظف المنظمات غير الحكومية في صراعه ضد الحركات الاجتماعية المناضلة.

 متاهة الارادوية المنفلتة والعسف
في سلة اليسار الجديد تنتعش الفوضوية والتروتسكية والليسنكوية والبافلية . الفوضوية بدعوتها القضاء الفوري على جميع المؤسسات المدنية والسياسية .. وفي مقدمة ذلك الحكومة والدولة والامة والأحزاب وحتى العائلة ! وهي تنكر دور الجماهير في صنع التاريخ وتؤمن بالنشاط المسلح الفردي والاغتيالات . أنها نقيض المفاهيم الاشتراكية على طول الخط . التروتسكية برفضها إمكانية انتصار الاشتراكية في بلد معين وبنهجها الغادر التآمري ، والليسنكوية كمنهج عنصري ، والبافلية عبر نموذجها ـ البطل الخارق للزمان والمكان .
الليسنكوية مناهج وقوالب واحكام مذهبية مفروضة طيلة عقود من الزمن في حياة الشبيبة العراقية حسب نموذج الحزب الواحد ودكتاتورية الطاغية . وفيها يحاصر الفكر وتقيد حريته ويضيق الخناق على الابداع والعقيدة فتتسم الحياة الروحية للشعب وتتشوه نفسية المواطن ويشاع الاغتراب في المجتمع . والتسمية نسبة الى العالم البيولوجي الروسي ( ليسنكو) الذي بالغ في تبني العلوم الروسية الصرفة بمواجهة العلوم الاجنبية ومجد العامل الذاتي ورفعه الى مصاف الرب . فالعلم برأيه يخضع دائما وابدا لارادة الانسان ! وتسبب الهرطقة الليسنكوية اعادة كتابة التاريخ والمناهج الاكاديمية والدراسية وتشيع عبادة الطاغية وتمجيده بالصور والاناشيد والاعلام ، وتعطل اجتهاد وعلم اجيال كاملة من المفكرين والعلماء فتعتبرهم جهلة عقيمين . وتتوقف المسيرة الابداعية للفن والادب بالصاق تهمة معاداة الحزب والطاغية بحق كل من لا ينخرط في الميكافيلية ومن لا ينتج ادبا شعاراتيا . وتقذف الهرطقة الليسنكوية بالكثيرين لساحات الاعدام او يجري دفعهم للانتحار والجنون والهجرة واجبارهم على الخنوع والاستسلام .. وبذلك تلحق افدح الاضرار بالسياسة والعلم والعقل .
بالارادوية المنفلتة والعسف ومحاصرة الديمقراطية يتعرض الشعب بفئاته الاجتماعية الى الحجب والتمييز المعلوماتي والضغوط الادارية والطرد الجماعي من العمل والمماحكات والارهاب الشمولي ، ويشاع التهجير القسري للملايين ، وتسود العسكرة ، ويجري ازاحة رواد التطور الحضاري عن مراكز القيادة واتخاذ القرار ليحل محلهم جهلاء الحزب الحاكم واقرباء واصدقاء الطاغية من محترفي التجسس ذوي الولاء المطلق لرموز النظام ، وتتحول المؤسسات الى مقرات للخلايا الحزبية ولجان التحقيق واوكار للتجسس والاعتقال وكتابة تقارير الوشاية .. ولاقامة حفلات الابتذال بدلا من ان تكون مراكز لاقامة الندوات وطرح الاراء الرصينة واجواء المناظرة والحوار وابداء الراي والراي الاخر .
 التدخل في الحياة الشخصية للناس
تعني البافلية حق السلطات والحزب المطلق في التدخل بالحياة الشخصية للناس وصياغة عقل وضمير المواطن والزامه بالطاعة والولاء . وجاءت التسمية من بافل بطل رواية اوستروفسكي ( والفولاذ سقيناه) . ويقول فيها بافل ( الحزب هو اغلى شيء في حياتي لانه يوحد في نفسي الوطن والشعب والشرف والضمير ). ولما كان بافل يعلم ويتصرف وفق اوامر الحزب بقناعة واختيار فهو مستعد لاجتراح اكبر المآثر بشجاعة ، والا فالموت هو الخيار المفضل ! وعليه لا قيمة للمرء ان يعيش في اجواء السلم والامان الفردي والاحلام الشخصية بل عليه ان يقتدي بالبطل النموذج المثال اثناء الحرب او ان ينضم لفيالق الفدائيين وميليشيات حماية الطاغية او الانتماء لجمعيات ومنظمات النظام . وينبغي اقتحام الصعوبات بشجاعة وتصميم والتحول من صبي يافع الى جندي من فولاذ بالايمان بافكار الحزب والثورة والعمل باوامرهما ! وبمعنى آخر يجري قلب الفكر والثقافة والاخلاق والعادات القديمة راسا على عقب . اما عضوية الفرد في الحزب الحاكم فهي معيار اخلاقية المواطن لا الجدارة والمعرفة والقدرة والتكوين النظري والنضج السياسي والكفاءة والسجايا الاخلاقية والصدق والنزاهة والتضحية والبطولة .
ينبذ المنهج العلمي التقطيع والتبسيط والاعتباطية اعتماد منطق الصدفة والجمود العقائدي ونزعة الاستعلاء في التخاطب مع الجمهور . ويؤمن بالتعامل الواقعي مع الظاهرات المترابطة المتفاعلة المتماسكة المتداخلة الموحدة المتناسقة المتناقضة كمدخل لتحليل جوهر الموضوع . هكذا يلتقي فرسان التطرف والأصالة والتمرد من اليمين واليسار والوسط في حركة عفوية آنية دون أسس موحدة .. لكنها تتشبث بالاعتقاد إن النظرية الثورية تخلقها الحركة والبندقية فقط ! ولا تستند على أرضية اجتماعية .
 الشبيبة العراقية والمرجعية العالمية
تأسس اتحاد الشبيبة الديمقراطي العالمي بعد الحرب العالمية الثانية والنهوض الديمقراطي العارم في العالم . وجاء تأسيسه الجديد بداية التسعينات من القرن المنصرم على خلفية تواجد مراكز دولية متقابلة في محاولة لرص الصفوف وشحذ الهمم وكرد فعل لانهيار الاشتراكية القائمة ! ومعروف انه يشغل اليوم مواقع في الأمم المتحدة وهيئاتها ولقراراته التأثير المباشر على المنظمة الدولية . ومنذ الخمسينات من القرن الماضي تواجدت مراكز دولية عدة بعضها انهار واضمحل إلى جانب اتحاد الشبيبـة الديمقراطي العالمي منها جمعية الشباب العالمية في بروكسل ، ومؤتمر الطلاب العالي ـ كوسك في آيدن بهولندة … وهي منظمات غير حكومية تحظى بدعم الغرب الرأسمالي . ومن المفيد معرفة تواجد منظمة شبابية اخرى هي الاتحاد العالمي للطلبة والشباب (IUSY) ، وبعض منظمات الوفدي اعضاء فيه ايضا ، وهو منظمة ذات طابع اشتراكي ديمقراطي .

نهضت منظمات الشبيبة في البلدان الحليفة بمهمة تاسيس اتحاد الشبيبة الديمقراطي العالمي (WFDY) بعيد انتهاء الحرب العالمية الثانية وذلك في 10 تشرين الثاني عام 1945 في العاصمة البريطانية بمشاركة ممثلي منظمات الشباب من (63) بلدا ، بلغ العدد الاجمالي لاعضاءها في حينه قرابة (30) مليون شاب وشابة . والهدف المعلن للتاسيس هو النضال في سبيل السلم والحرية والديمقراطية في العالم في جو الوحدة. هكذا تجسد الفعل السياسي المباشر للتخلص من آثار الفاشية . ويقترب النظام الداخلي للوفدي من دستور الامم المتحدة ... لكن الحرب الباردة جمدته من نشاطه وحجزته في معسكر الاشتراكية القائمة لفترة طويلة . كان مركزه الرئيسي في العاصمة الهنغارية ويمول بالاساس من المنظمات الشبابية في بلدان الاشتراكية القائمة . وقد تحول بالفعل الى اتحاد عالمي للشبيبة الشيوعية باسناد من بعض المنظمات والاتحادات الطلابية والمدرسية في العالم الثالث ! وشارك الوفدي بطابعه المعادي للامبريالية في الكفاح التحرري الوطني للشعوب ومنها الشعب الفلسطيني . ودفع انهيار المعسكر الاشتراكي القائم في اوربا الشرقية الوفدي ( وكذلك اتحاد الطلبة العالمي واتحاد العمال العالمي _ الاتحاد الدولي لنقابات العمال ) ، الى تجميد كيانه ونشاطه تماما ، وجاء نهوضه الاستراتيجي المعاصر على مرحلتين :
المرحلة الاولى :- مؤتمر اثينا في كانون الاول عام 1990 . والذي حدد الاهداف والسياسة الجديدة للوفدي ، ليتحول الى منظمة مستقلة عن اي بلد وتدعم كفاح الشبيبة اينما كانوا وعلى اختلاف انتماءاتهم السياسية .
المرحلة الثانية :- مؤتمر لشبونة في شباط عام 1995 ، وفيه جرى تعميق وتوسيع دور الوفدي ليضم منظمات وجمعيات واتحادات جديدة ، ولينتخب اتحاد الشبيبة الشيوعية الفرنسية لمنصب الرئاسة ( تختار المنظمة المنتخبة الى موقع ما في هيكلية الوفدي ممثلها في طاقمها القيادي ليمثلها ويؤدي مهامه الموكلة لها ) .
وقد تواصلت اواصر الوفدي مع المنظمات الشبابية في بلدان الاشتراكية القائمة سابقا ومع منظمات الشبيبة في دول الشرق الاوسط ، واستمر النهج الاستراتيجي في الوفدي للحفاظ على روح تاسيسه وكفاحه طيلة العقود الماضية .
يجمع الوفدي شبيبة المنظمات من مختلف البلدان والميول والعقائد السياسية المتنوعة والاشكال المتباينة للنشاط على اسس من المساواة والاحترام لاستقلالية المنظمات . ويعاضد الجهود المشتركة لتلبية مصالح الشبيبة والالمام بافكار الحرية والاستقلال والديمقراطية والصداقة والتضامن بين الشعوب والسلام العالمي . ويرى الوفدي في انماء الثقافة الاممية والتعاون بين متظمات الشبيبة العالمية والوطنية والقومية والاقليمية مهمة اساسية لشد ازر وحدة الكفاح المشترك والتضامن الاممي للشبيبة ولجميع القوى الديمقراطية والتقدمية المعادية للامبريالية آخذا بنظر الاعتبار التنوع الواسع للمنظمات العاملة في صفوفه بالافكار والخصوصيات والمصالح الوطنية . وهذا التنوع ضروري للشبيبة لفهم بعضها البعض ودفع العمل المشترك الى الامام والتغلب على المعضلات المشتركة .
يعمل الوفدي في ميادين النشاط السياسي والاقتصادي والاجتماعي وفي ميادين التعليم والثقافـــــة :-
أ?- الانصراف نحو تربية الشبيبة بروح التحرر والديمقراطية والتضامن في سبيل وضع حد لتطاولات الامبريالية والاستعمار والاستعمار الجديد والانظمة العنصرية والفاشية ولارساء السلام والامن العالميين ولتوجيه كل المبادرات والجهود لتحقيق هذه الاهداف الانسانية النبيلة .
ب?- تاكيد مساهمة الشبيبة الفعالة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية ، وتجاوز العوائق والتحديات القائمة على السن والجنس والثقافة والسكن والملكية والموقع الاجتماعي والدين والقناعة السياسية واللون ولضمان حرية النقاش والنشر والحوار واللقاء والعقيدة الدينية والتنظيم في كل بلد ولجميع الشبيبة .
ج?- دعم كفاح الشبيبة باتجاه رفع مستوى الحياة المعيشية وتحسين ظروف التعليم والعمل وتطوير النشاط الثقافي والتعليمي والرياضي بين الشباب .
ح?- تشجيع وتنمية روح السلم والصداقة بين الشعوب وارساء المبادىء النبيلة التي نهض عليها ميثاق الامم المتحدة في الاجيال الشابة .
د?- دعم مصالح منظمات الشبيبة الوطنية والقومية للتوافق مع نشاط المنظمات والهيئات العالمية والاقليمية والعمل لتحشيد الراي العام العالمي للتماس المباشر مع مشاكل الشبيبة والمساهمة في حلها .
اتحاد الشبيبة الديمقراطي العالمي اطار تنظيمي لتبادل المعلومات . ومنظومة لجمعيات ومنظمات الشبيبة الديمقراطية والوطنية يجهد لترسيخ الاسس الحياتية اللائقة للشبيبة . وعالميا تبرز مهمات اساسية للاتحاد في المساهمة باعمال التنمية والاعمار والمساهمة في كفاح الشعوب والحد من عمل الاطفال . ويطور الوفدي مبادرات الحوار المباشر بين الشبيبة على اختلاف مشاربهم . ويناضل ضد كل اشكال القمع في سبيل تحرر الشعوب من السياسات الاستعمارية الجديدة والليبرالية الجديدة التي تسحق حياة الشبيبة . ويعمل الوفدي لادارة نشاط الشبيبة من الاسس الاولية وبالتماس المباشر معها . فبحكم عصرنا الراهن تنخرط الشبيبة في كل المعمورة لاكتساب واستحصال حقوق جديدة . والقضية الاساسية التي تواجه الوفدي لازالت قابليته للتوافق مع الحركات الجماهيرية ونبض الشارع العام ورفع الكفاح الى مستويات عالمية . وتتداخل الآراء ووجهات النظر السياسية المتباينة في الوفدي .
لم تكن الشيوعية مرجعا فكريا وآيديولوجيا للوفدي رغم ان الشيوعية كانت الموجه السياسي والآيديولوجي والمالي له بحكم معسكر الاشتراكية القائمة . وامتلك سقود جدار برلين مغزى فقدان الدعم المالي الاساسي للوفدي . وهكذا كان اتحاد الشبيبة الديمقراطي العالمي ولازال مؤسسة معلوماتية توجيهية للتبادل الحر المباشر للآراء وعقد اللقاءات والاجتماعات والمهرجانات العالمية بمشاركة واسعة للشبيبة . وكان ضروريا اعادة البناء الهيكلي للوفدي وصياغة سياسات اكثر انفتاحا على العالم الواقعي والتخلص من الشوائب البيروقراطية فيه . هذا ما علمنا ويعلمنا التاريخ دائما . وقد بذل الوفدي الجهود لانجاح مهرجان الشبيبة والطلبة العالمي الرابع عشر في كوبا عام 1997 . عندما شارك فيه (13) الف شاب وشابة من (136) بلدا ليعيد تقليد عقد المهرجانات العالمية الدورية للشبيبة والتي انقطع نشاطها مدة (8) اعوام كاملة .
ولازال عنوان الوفدي اليوم الآتي :

WFDY / 1389 / Budapest
P.O.BOX: 147/ Hungary.
Tel: ++ 36 13502202
E-mail:[email protected]

يبدو مشهد الشبيبة العراقية في هذا الطيف الباهت المتداخل صورة حافلة بالتناقضات والغضب أحيانا والقسوة والعجز في أحيان أخرى.. وتختزن الشبيبة في ذاكرتها الحروب الكارثية للنظام والانفاليات الكيمياوية ، وغدر النظام ومرتزقته ـ ا لأمن العام والجاش وفدائيي الطاغية والامن الخاص والاغوات الجدد ، والتهجير القسري والمقابر الجماعية .. والاعمال الارهابية لمرتزقة الاسلام السياسي المتطرف وشراذم البعث القذر .هكذا من شبيبة البطالة والإحباط وفقدان الهوية إلى شبيبة الاغتراب إلى ضحايا القمع والإجراءات الشوفينية للدكتاتورية وحتى الإجراءات التعسفية التي تستأثر بالقرارات وتدفع بالولاءات تحت الوطنية للانتعاش . وسط هذا الزحام ـ الركام تنتعش آيديولوجية اليسار الجديد والليبرالية الجديدة معاً … بينما يذلل القهر والاستبداد عملية عزل الشبيبة عن النشاط السياسي والوطني ويجرها إما إلى التوجه السلفي والأصولي الديني أو إلى الثقافة الاستهلاكية وتأسيس الدوائر الضيقة من حياة اللهو والانحراف … بمعنى آخر تحويل الشبيبة إلى عناصر سلبية وخاصة أبناء الفقراء .
تعتمد القوى المحافظة على الأثر التاريخي المخزون في ذاكرة الطبقات المهشمة لتخاطبها وتجعلها تتوجه كما تريد هي لا لانتشال أبناء هذه الطبقات بل استغلالهم في تحقيق مآربها ومصالحها …هذا ليس بمعزل عن أخطاء الحركات السياسية التي تعمل على تسسيس عفوية الجماهير بأي ثمن ! غارقة في أوهام أساليب الجبر والقسر والتعسف مما يحلق التربة الخصبة لانتعاش الاصوليات الدينية والسلفية وجماعات التكفير والعنصرية …
تتفق السيولة المعلوماتية والتدفق المعرفي مع روح الشبيبة . ويرسم الشباب لوحة المستقبل بينما تكسب المعلوماتية الفعل الأهمية الخاصة وتحفز التقنيات المعاصرة التفكير الإنساني نحو الأفضل وتعطيه دفعة نحو الأمام . لكن المنظومات الشمولية تنمي النزعات النفعية والاستهلاكية عند الشبيبة بحكم دوغمائية السلطات واصحاب القرار. هذا الوضع يزرع التنافر والتباعد وحتى الازدراء بين الأجيال بدل الاحترام والتعاضد مما يضعف العمل الاجتماعي لانا نفهم الواقع لا على هيئة أجيال بل على أسس الحياة الاجتمااقتصادية عبر التناقضات والمصالح… ويشترك في ترسيخ هذه الأسس وتغييرها بفاعلية الشباب !
الديمقراطية هي منظومة قيم وأنماط تفكير وسلوكيات وتوجهات ومشاعر لا مجرد إجراءات سياسية . والتربية هي مفتاح فهم واكتساب الإنسان لهذه المنظومة . لكن الشبيبة تتعرض بالفعل إلى تدخل سافر في عفوية حركتها الاجتماعية وتضامنها مصدره عاملان :
• داخلي محلي مرتبط بالثقافة السائدة التقليدية.
• خارجي مرتبط بالثقافة العولماتية الوافدة الجديدة المتجددة عبر التقنيات المعاصرة .
وبينما يشيع التقليد قتل الإبداع ويحجم العصرنة والحداثة فان الثقافة الوافدة استهلاكية الطابع تلطف الاضطراب الاجتماعي وتضعف الولاء للوطن والمجتمع وتنمي الانحراف!
 الادلجة والنضال الفكري
تحت شعارات الديمقراطية والإنسانية وحقوق الإنسان ومحاربة الإرهاب تنتعش المكارثية وترومانية النقطة الرابعة وتمد شبكة وكالة المخابرات الأميركية المركزية اخطبوطها واذرعها في أرجاء المعمورة . وتحت شعار إنهاء الدكتاتورية واقامة نظام ديمقراطي في العراق والتخلص من أسلحة الدمار الشامل ، أراد غزاة العراق الجدد أن يجعلوا من أنفسهم محررين وفاتحين باستخدام واستعراض آخر مبتكرات التكنولوجيا العسكرية المتقدمة ! . وتستخدم الرجعية الإمبريالية جهاز الديماغوجية الاجتماعية للحد من سلطة الفكر الثوري والعمل الثوري وتنتزع المضمون الثوري والإنساني الحق من مفاهيم عامة مثل :
الاشتراكيـة ، الديمقراطية ، الحريـة ، الوطنيـة ، السيادة الوطنيـة ، المصالح الوطنيـة ، المجتمع المدني ، حقوق الإنسان ، الحركات الاجتماعيـة ، الإنسانيـة .. الخ . وهي تحاول تخدير اليقظة السياسية عند الشعب . ولا يزال شعار الأعلام الإمبريالي في عصر العولمـة والشفافيـة والمعلوماتيـة والثورة العلميـة ـ التقنيـة (أكذب واصرخ واخلق الضجيج وكرر الكذب فان شيئا من ذلك سيبقى ! ) . ان النضال ضد الإمبرياليـة عبارة زائفـة جوفاء إذا لم ترتبط مع النضال ضد الانتهازيـة والتحريفيـة ( من يمتلك القدرة على رفع شانك يقدر على الهبوط به).
حتى الكلاب إذا رأته عابرا…. نبحت عليه وكشرت أنيابها
وان رأت يوما غنيا ماشيا …. هرعت إليه وحركت أذنابها

تسعى واشنطن لبناء عالم على الطراز الأميركي الديمقراطي وسياسات الهراوة الكبيرة ، والشانتاج النووي ، والإرهاب الوقائي ، ودبلوماسية العنف ، والشراكة الإرهابية الرسمية ، ومبدأ الأخذ بالثأر مهما كلف الثمن ، وإشاعة قوانين الغاب ، وخلق الأممية الإرهابية ، والتدخل في الشؤون الداخلية إلى جانب الوصاية الدولية والعقوبات الشاملة وحتى الغزو والاحتلال المباشر . وتتبارى الإدارة الأميركية مع الإرهاب التقليدي في الاستهتار وهي تجازف بذلك بالهبوط بالسياسة الخارجيـة للدولة الكبرى إلى مستوى المغامرات اللا مسؤولة ! وإذا تركنا العولمة الكفاحيـة الثوريـة جانبا وجردنا العولمة الأميركيـة الإمبرياليـة من براقعها البليغة اللفظية الرصينة ، لانكشفت على الفور صياغة فلسفة استخدام القوات المسلحة الأميركيـة في النزاعات الإقليميـة وتبرير أعمال الغزو والعمليات التخريبية ضد البلدان الأحرى في محاولة لاعادة كتابة التاريخ وشطب الماضي الأميركي المشين . هكذا تتقمص واشنطن شخصية (رامبو) وتزرع أوهام سوبرمان شيكاغو وتخلق طغاتها على قياسات مخابراتها ! فهل تتحول ثورة 14 تموز المجيدة عام 1958 إلى انقلاب ومؤامرة بالعرف الأميركي ؟ ! ويتحول صدام حسين ـ ذراع الولايات المتحدة الوفي ـ مع شرذمته إلى حامي الحمى ومنقذ الأمة ؟ !
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا
ويأتيك بالأخبار من لم تزود
إن من يصنع أقداره هو وحده ذلك الذي يصنع التاريخ أما الآخرون فأحياء ولكن سائمة لا تأريخ لهم .
قرأنا تأريخ العبيد في تأريخ السادة وتأريخ الاقنان في تأريخ الملاكين والإقطاع فنعيذك عراقنا أن تقرأ تأريخك الأجيال ولكن في تأريخ الاميركان .
تذلل الشفافية والسيولة المعلوماتية من حركة الادلجة والفكر ونظريات (اليسار الجديد) و (الليبرالية الجديدة) وحتى المحافظة والأصولية الدينية والدنيوية !..وهي في نفس الوقت تذلل من حركة التعاضد والتضامن الاجتماعي وتعزز من فاعلية الحركات الاجتماعية المناهضة لامركة العولمة ((أي تعميم الهيمنة الأميركية في نظام أحادى القطب )) ، ومن فاعلية الحركات المناهضة لجبروت القوة والعدوان !! وعليه وجب النضال الفكري ضد المفاهيم الخاطئة لليسار الجديد وحتى الليبرالية الجديدة بحيث لا يتعارض ذلك مع توطيد فاعلية الإعمال الجماهيرية المشتركة ! بذلك نضمن كسر التذبذب الملازم للحركات آنفة الذكر .. وتحييدها على الأقل في مجرى التقدم الاجتماعي.
يسهم النضال الفكري في الحد من التأثر السطحي بالحضارة الأوربية والغربية أو التقوقع واتخاذ مظاهر اليأس والقنوط وحتى المعارضة السلبية أو التمرد السلبي بالتصوف ، وانتعاش حركات سلفية وأصولية كالوهابية والأخوان المسلمين. وحتى ذات الطابع الإرهابي مثل (المنظمات الطارئة) في العراق وبعض مناطق كردستان…كما يسهم النضال الفكري في تحجيم مظاهر اليسار المتطرف والتستر بأفكار حرب العصابات مثل جماعات تخاطب أذهان الشبيبة ولا يزال تأثيرها وسط الشبيبة محدوداً . أما ميادين اللجوء للشبيبة العراقية في أرجاء المعمورة فهي مراتع خصبة لتنافس وتصارع الاتجاهات الفكرية من كل حدب وصوب واخطرها الاصوليات الإسلامية والمسيحية واليهودية ـ الصهيونية .
الابداع هو الشىء الوحيد الذي يمكن ان يمارسه الشاب الديمقراطي ليؤسس وجوده في افق البحث ، ولا يعيد تاريخ الابداع نفسه بينما يعيد التقليد نفسه وينتج ما كان قد انتجه . وديمقراطية الابداع والثقافة هي حرية وتنوع وتحديث وشرط استقبال المجهول غير المتوقع واسلوب تحسين نوع وشكل الحياة . ولا زال الترابط بين النضال في سبيل السلام والديمقراطية والتقدم الاجتماعي في الظروف المعاصرة يشكل وحدة عضوية لا تنفصم عراها. والموضوعية تستلزم اقصى درجات التضامن الاجتماعي الفعال بين الشعوب والقائم على اسس الصداقة النزيهة والتعايش السلمي وعدم الانحياز لتنشيط خفقان قلب الديالكتيك الاجتماعي والجمع الفعال بين مهام التحرر الوطني والتقدم الاجتماعي .
تتفهم الشبيبة العراقية ما سبق وهي اذ واجهت عنف الدكتاتورية وقمعها تقيم اليوم شرعيتها الثورية وتحمي سلطات ما بعد التاسع من نيسان وتسهم بفعالية في الاعمار والتنمية وتؤمن بضرورة اليقظة ازاء متاهات الارادوية المنفلتة وعسفها وفخ التدخل في الحياة الشخصية للمواطنين والاصلاحية وكل اشكال النفاق السياسي .. ويعتبر جيل التاسع من نيسان الوضع الانتقالي القائم رغم إيجابياته الواسعة مخالفا لأبسط الحقوق الإنسانية لعموم الشعب العراقي ولا بد من تغييره ، ولا تتحقق الفيدرالية ألا عن طريق إقامة الديمقراطية في العراق! بينما يعتبره المنتفعون واحة للديمقراطية بحكم رساميلهم التي اكتسبوها بالزكاة والعصامية !. ويبقى المجتمع المدني البديل الحضاري لمخاطر العشائرية والطائفية والفساد لانه رفض للمخلفات الرجعية والدكتاتورية وخاصة دكتاتورية البعث والاصولية الاسلامية . وهذا يتطلب أسس تحالف راسخة متينة لتوحيد العراق وصيانة الاستقلال الوطني والسيادة الوطنية.

 الشبيبة الكردستانية والكوردايتي
تداخل تاريخ الكرد مع تاريخ شعوب المنطقة قديما وحديثا وكان نضالهم ثوريا بحق ، وعريقا في القدم ، جوبه بمقاومة الأوساط الشوفينية التي استطاعت استغلال ظروف كردستان الجيو- سياسية لامرار مؤامراتها !.. وكان الأكراد ضحية الرابوع البشع : الجغرافية السياسية التي فرضت رغم انف الجغرافية الطبيعية ، القبلية التي تنازعتهم وعرقلت انصهارهم في بوتقة قومية واحدة كردية تحت قيادة موحدة ، استبداد الحكومات المركزية والدول الكلانية التي فرضت عليهم ضمن ترتيبات ما بعد الحرب العالمية الأولى وما رافقتها من شوفينية واضطهاد قومي ، الاستعمار الأجنبي الذي شرذمهم واستغل عشائرهم واستبداد الحكومات المركزية في مخططاته المصلحية الانتهازية ولحقت به القوى الإقليمية . وطالما حارب الأمراء الكرد في العهد العثماني بعضهم بعضا تحت الراية العثمانية تارة وتحت الراية الإيرانية تارة اخرى . ولم تخلو الانتفاضات الكردية آنذاك من العناصر القومية ـ الكوردايتي ـ الا ان الحركة القومية الكردية الحديثة وحركة التحرر الوطني الكردستانية تؤرخ مع أواخر العهد العثماني وحركة الدستور العثماني 1908 . منذ هذا التاريخ ساد الطابع القومي انتفاضات الشعب الكردي ، واخلى العنصر القبلي مكانه بسرعة للتيار القومي الناهض . وشكلت الاقليات القومية المضطهدة الى جانب (الكوردايتي) العنصر الأساسي في الحركة الوطنية التحررية في العراق . وتنعكس الخصائص التقدمية للحركة القومية الكردية في تعضيد وشد ازر عموم الحركة الوطنية العراقية .
رأت بريطانيا اثر استقرار سياساتها تجاه كردستان الجنوبية !! شبح دولة كردية ولو كانت صورية يخلق المتاعب للرجعية التركية والرجعية الإيرانية وحتى الرجعية العراقية في حكمها الشعب الكردي . وليس يعني هذا أن الحكومة البريطانية لم تفكر في إقامة حكومة صورية إذا ما أقتضت الحاجة لذلك في سبيل إخماد حركة ثورية خطيرة او إذا ما اقتضتها المؤامرات والمصالح الانكلو – أمريكية ! . وظهرت التلميحات في حينها إلى مشروع دولة كردية يتبناها الاستعمار الأميركي رغم عدم إظهار أية جدية حقيقية في هذا المنحى !.
أنتصر الصفويون على العثمانيين في معركة (جالديران) عام 1514 . وفي عام 1639 ثبتت الحدود بين الدولتين في معاهدة قصر شيرين / زهاب . بقيت الحدود مثبتة منذ هذا التاريخ حتى نهاية الحرب العالمية الأولى 1918 حيث قسمت كردستان العثمانية بين تركية وسورية والعراق وبقيت كردستان الإيرانية على حالها . ولم تدر كردستان الجنوبية بالاحتلال المباشر . كان الأسلوب البريطاني في السيطرة عليها هو حيود عن الأساليب الأخرى الاستعمارية ولم تجر أدارتها بالاحتلال المباشر .. كما لم يقم فيها حكم شبه وطني بل تكثف الأسلوب البريطاني في الحكم الوطني ـ الأجنبي مما أفاد بريطانيا اقتصاديا وخدم الاستقرار الاستعماري لكنها ـ أي بريطانيا ـ فقدت هيبتها السياسية في الإقليم !
تدرك الشبيبة الكردستانية العراقية أن حل القضية الكردية مرتبط بحل عموم القضية العراقية وما دون ذلك سوى سراب وتخبط لا يجني منه الكرد إلا استمرار دوامة العنف والقمع . فالكوردايتي وفية لتاريخها النضالي المجيد المعمد بالدم في سبيل التحرر الوطني ، والتقدم الاجتماعي ، والنهوض الديمقراطي . وتدرك الشبيبة الكردستانية والآشورية والتركمانية والارمنية أيضا انها جزء من العولمة الكفاحية الثورية ضد العولمة الإمبريالية الأميركية وهي تنصهر في بودقة الشبيبة الديمقراطية العراقية في سبيل المستقبل الافضل للعراق السعيد .
 ما تشاؤون فاصنعوا جوعوهم لتشبعوا
خلف النظام العراقي البائد العشرات من مقرات منظمته السلطوية الفاسدة ((الاتحاد العام لطلبة وشباب العراق)) إلى جانب نوادي الشباب ومراكز رعاية الشباب واشاوس اللجنة الاولمبية العراقية والتي أشرف عليها الدكتور عدي ابن الطاغية وبعد أن جهدت الطغمة التكريتية لحصر طاقات الشبيبة العراقية وجعلها حبيسة إرهاصات وأزمات الطغمة الحاكمة نفسها! وتقع على عاتق الشبيبة الديمقراطية مهمة إعادة تأهيل هذه المراكز والنوادي وتشذيب طاقات الشباب العراقي وفضح مقاصد الاتحاد السلطوي المقبور . ويسهم اتحاد الشبيبة الديمقراطي العراقي بفاعلية في هذه المهمة الوطنية الى جانب مهامه الجسام في دعم الكفاح الوطني التحرري للشعب العراقي في سبيل استعادة الاستقلال الوطني الناجز وهو المنظمة الغير حكومية التي تأسست عام 1952 الى جانب اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية ( اتحاد الشهداء جعفر الجواهري وشمران علوان وقيس الآلوسي ) المنبثق سنة 1948 والمكافح في سبيل حياة طلابية حرة ورفع المستوى العلمي . وتتبوأ كلا المنظمتين المناصب القيادية في الوفدي واتحاد الطلاب العالمي على التوالي ، وشاركتا في الانتفاضات الثورية للشعب العراقي وتوطيد الجمهورية العراقية بعد الرابع عشر من تموز ومقاومة قمع الدكتاتورية ، وتمتلكان الرصيد الثوري النضالي الواسع في مختلف محافظات الوطن والفروع المتعددة خارج الوطن.
من الضروري التأكيد على نهوض الشبيبة الديمقراطية على أسس معافاة سليمة مغتسلة في مياه الرافدين متخلصة من ادران وقاذورات البعثنة ... وهذا يتطلب العمل مع الجماهير وتوعيتها بالمهام التي تواجه الشعب وخاصة جهود استتباب الأمن والاستقرار وإعادة إعمار البلاد وتسليم السلطة إلى العراقيات والعراقيين واستعادة الاستقلال والسيادة الوطنية للبلاد والأخراج المنظم والمتفق عليه مع الأمم المتحدة لقوات الاحتلال. وكذلك مهام بناء المجتمع المدني الديمقراطي وتكريس مبدأ فصل الدين عن الدولة ورفض الفكر الشمولي .... ورفض التمييز العنصري والديني والطائفي والفكري إزاء المرأة بمختلف أشكاله ومظاهره حيث لا يمكن أن يحصل ذلك إلا باختيار مرشحي هذا المجتمع الى الهيئات الدستورية والتنفيذية والقضائية من أوساط الأحزاب المدنية الديمقراطية ذات الوجهة العلمانية التي تحترم كل الأديان والمذاهب وتسمح لها بممارسة طقوسها وتقاليدها بحرية وتمنع عنها الإساءة والتمييز.


** _ كبة مهندس استشاري في الطاقة الكهربائية وباحث علمي وكاتب وصحفي .
وهو عضو في
1- نقابة المهندسين في كردستان العراق
2- جمعية المهندسين العراقيين
3- نقابة الصحفيين في كردستان العراق
4- جمعية البيشمركة القدامى



#سلام_ابراهيم_عطوف_كبة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- آليات العقلنة واللاعقلنة في المنظمات غير الحكومية


المزيد.....




- جنرال أمريكي متقاعد يوضح لـCNN سبب استخدام روسيا لصاروخ -MIR ...
- تحليل: خطاب بوتين ومعنى إطلاق روسيا صاروخ MIRV لأول مرة
- جزيرة ميكونوس..ما سر جاذبية هذه الوجهة السياحية باليونان؟
- أكثر الدول العربية ابتعاثا لطلابها لتلقي التعليم بأمريكا.. إ ...
- -نيويورك بوست-: ألمانيا تستعد للحرب مع روسيا
- -غينيس- تجمع أطول وأقصر امرأتين في العالم
- لبنان- عشرات القتلى في قصف إسرائيلي على معاقل لحزب الله في ل ...
- ضابط أمريكي: -أوريشنيك- جزء من التهديد النووي وبوتين يريد به ...
- غيتس يشيد بجهود الإمارات في تحسين حياة الفئات الأكثر ضعفا حو ...
- مصر.. حادث دهس مروع بسبب شيف شهير


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - سلام ابراهيم عطوف كبة - الشبيبة العراقية …ما لها وما عليها !