أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - عبد الكريم أبا زيد - انطباعات حول أحداث درعا















المزيد.....

انطباعات حول أحداث درعا


عبد الكريم أبا زيد

الحوار المتمدن-العدد: 3328 - 2011 / 4 / 6 - 02:43
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


لنعد أولاً إلى الأسباب المباشرة، وليس المتراكمة، التي أدت إلى تلك الأحداث، فبعد انتصار الثورتين الشعبيتين في تونس ومصر بدأ الناس يتحدثون عن إمكان حدوث ذلك في سورية. فالشعب السوري ليس مستثنى من قوانين المجتمعات البشرية، نظراً لتماثل أوجه القمع والفساد وكبت الحريات وعدم تداول السلطة.
بعض تلامذة المدارس الصغار كتبوا على جدران مدارسهم عبارات تندد بالنظام دون أن يفهموا معناها. وبعد تحريات قامت بها أجهزة الأمن توفرت لديهم بعض الأسماء. لم يكن يهمهم دقة الأسماء بقدر ما يهمهم إعطاء درس للمواطنين الكبار عبر أبنائهم الصغار. داهموا بيوتهم واعتقلوا العشرات. ظن الأهل أنهم سيعيدونهم بعد ساعات. مضت الساعات والأيام والأسابيع دون أن يسمعوا عنهم أي خبر. قيل إنهم أرسلوهم إلى السويداء ومن ثم إلى دمشق. وهذا ما يحدث مع من يهدد أمن الدولة.
انتاب القلق الأهالي، خاصة بعد أن أصابتهم الخشية من أن يصاب أطفالهم باختلالات نفسية وجسدية بسبب التعذيب والإقامة في الأقبية. هنا شعر الأهالي ومعهم جميع سكان درعا بأن كرامتهم قد أُهينت، واستغربوا كيف أن نظاماً قوياً يقف سداً منيعاً في وجه الإمبريالية والصهيونية يخاف من أطفال صغار؟!
في 18/3، وبعد صلاة الجمعة في الجامع العمري الكبير الواقع في درعا البلد مركز العشائر الكبرى، خرج آلاف المصلّين من الجامع ومن جوامع أخرى في مسيرة سلمية مطالبين بالإفراج عن أطفالهم. تصدّت لهم قوات الأمن وأطلقت عليهم الرصاص فقتلت أربعة وجرحت العشرات. نقلوا الجرحى إلى الجامع خوفاً من أن تعتقلهم أجهزة الأمن وتهمل معالجتهم. تطوّع أطباء درعا وجاؤوا إلى الجامع، كما فتحت الصيدليات أبوابها لأخذ ما يلزم من الدواء. وأصبحت درعا البلد محرّرة من أجهزة الأمن الذين تمركزوا عند الجسر الواصل ما بين درعا البلد ودرعا المحطة.
في اليوم التالي تجمع أكثر من ثلاثين ألف مواطن في الجامع وساحته لتشييع الشهداء. امتد طابور المشيعين من الجامع إلى المقبرة على مسافة تزيد على ثلاثة كيلومترات. شعاران أساسيان هتف بهما المشيعون: "الله، سورية، حرية.. إلّلي يقتل شعبه خاين".
بعد الانتهاء من الصلاة ومراسم الدفن وقف أحد رجال الدين على كتف أحد المواطنين معلناً بصوت مرتفع أنه مكلف من أعلى المرجعيات بتسجيل مطالب أهالي درعا، وستلبّى حال وصولها. قال بعضهم إنهم كذابون فلا تصدقوهم، وقال آخرون لقد جربناهم أربعين عاماً فلنجربهم هذه المرة.
كان الطلب الأول إطلاق سراح المعتقلين من الأطفال، ومعاقبة من أطلق النار على المتظاهرين، ورفع حالة الطوارئ، وبعض المطالب المحلية.
في المساء توافد الآلاف للتعزية بالشهداء. طافت مدينة درعا مئات الدراجات النارية والسيارات تحمل شباباً لا يتجاوزون العشرين من أعمارهم يهتفون: "حرية حرية إللي يقتل شعبه خاين".
نحو الساعة التاسعة ليلاً كانت الساحة الملاصقة للمسجد تغصّ بالشباب الذين يعدّون بالآلاف. كان أحدهم يتحدث عبر مكبر الصوت قائلاً: يا شباب، لا تتحركوا من مكانكم باتجاه المحطة. فقوات حفظ النظام المعززة بالمئات من دمشق ترابط عند الجسر. ونحن لا نريد الاصطدام بهم بل نريد تحقيق مطالبنا التي أرسلناها إليهم.
وقفت مع مجموعة من الشباب الذين كانوا يشكلون حلقات من خمسة إلى عشرة أشخاص. سألت أحدهم: لماذا أنتم متواضعون في طلباتكم؟ الله سورية حرية وبس. قال لي دون أن يشعرني بأنه يعطيني درساً: هل تدرك ماذا تعنيه هذه الكلمة العذبة "الحرية"؟ هل تتذكر قصة الذي طلب من الملك أن يملأ له مربعات رقعة الشطرنج قمحاً: واحد، اثنان، أربع، ثمانية، إلخ، وتبين له أن جميع مخازن القمح في مملكته لا تكفي؟ إن طلب الحرية يعني إلغاء حالة الطوارئ، إصدار قانون للأحزاب، إصدار قانون يعطي حرية للصحافة، انتخابات حرة لمجلس نواب تداول السلطة.. إلخ، ثم أردف قائلاً كما لو أنه تذكر فكرة: هل تعلم أن عددنا على الفيس بوك في سورية يناهز المئة ألف؟ نتبادل الآراء والأفكار وننسّق فيما بيننا كما نتبادل الخبرات ونتشاور مع زملائنا في مصر ونستفيد من تجاربهم. إننا لا نحتاج إلى أخذ رخصة من النظام ولا لطلبات انتساب ولا لبرامج ونظام داخلي ولا لمكتب تداهمه قوات الأمن! إننا في عصر العولمة الذي لا تستطيع أن تستوعبه الأنظمة الديكتاتورية.
وقفت مشدوهاً من شدة الإعجاب أمام هذا الشاب الذي لمّا يبلغ العشرين. كنت أظن أنني أستاذ في السياسة وأنا المنغمس بها منذ أكثر من نصف قرن. وجدت نفسي كمن يذهب إلى الحج على ظهر جمل وهم يذهبون على متن طائرة. وبينما كنت مستغرقاً في تأملاتي، أردف قائلاً: هل تعلم يا أستاذ؟ هل يمكن أن تعرفنا على اسمك؟ أنا عبد الكريم أبا زيد! قال هذه أول مرة أراك فيها شخصياً. سألته هل قرأت لي على الإنترنت؟ قال لا، ولكنه تدارك فقال: أجل لقد قرأت مرة لك مقالة تتحدث فيها عن الحكام العرب. فعندما نطالبهم بإطلاق الحريات وتداول السلطة يقولون لنا: ألا تخجلون؟ وهل هذا وقتها؟ نحن نقاوم الإمبريالية والصهيونية وأنتم تطالبون بإطلاق الحريات ومكافحة الفساد؟ عندما ننتهي من القضاء على الإمبريالية والصهيونية سنترك السلطة لكم.
هل تعلم يا أستاذ عبد الكريم ماذا يقول هؤلاء الحكام العرب عن حركاتنا؟ إنهم يقولون إننا ننفذ مشروع الشرق الأوسط الجديد عندما نثور عليهم ونطالبهم بالحرية. يجب أن يعرف هؤلاء الحكام العرب المشرفون على الزوال أنهم هم، بديكتاتوريتهم وقمعهم لشعوبهم وتمسكهم الذي لا مثيل له بالسلطة، هم الذين سينفذون مشروع الشرق الأوسط. هل كان سينقسم السودان إلى دولتين لو أن الديكتاتور الدموي البشير أعطى شعبه الحرية؟ لقد كان الرئيس مبارك على استعداد لأن يقبل بتقسيم مصر إلى دولتين: مسلمة وقبطية بشرط أن يبقى. وكان من الممكن أن تساعده إسرائيل على ذلك. ومن الممكن أن يقبل علي عبدالله صالح أن يبقى رئيساً لليمن الشمالي مع انفصال اليمن الجنوبي. وينطبق هذا الأمر على العراق وسورية والجزائر وغيرها. لقد قطعنا الطريق على مشروع الشرق الأوسط الجديد بثوراتنا هذه. ونحن على ثقة بنجاحها.
وها هي ذي قد نجحت في تونس ومصر وقريباً في اليمن وليبيا وسورية. فنحن بإشاعتنا للديمقراطية في الحياة السياسية، وإعطاء جميع فئات الشعب بقومياته وطوائفه حقوقها، فإنها لا تعود تطالب بالانفصال. هل شاهدت كيف خرج شيوخ الأزهر بمسيرة رافعين شعار: نريد إعادة بناء (كنيستنا) التي أحرقتها أجهزة أمن مبارك؟ إنهم لم يقولوا "كنيستهم"، بل قالوا "كنيستنا"! وهل رأيت كيف كان المسيحيون واقفين حراساً على المسلمين وهم يؤدون صلاة الجمعة في ساحة التحرير في القاهرة؟
نظرت إلى الساعة فرأيتها قد تجاوزت منتصف الليل. كان الآلاف لا يزالون يتحاورون. لم أشعر بالتعب، بل شعرت أنني ولدت من جديد. كنت مدهوشاً من هذا (الولد العفريت) العملاق في السياسة. لم أكن أظن أن هؤلاء الشباب إلا منغمسين في اللهو والتفتيش عن عمل. إنهم يعلِّموننا خوض السياسة ليس فقط بعقولهم، بل وبأجسادهم التي تتعرض للرصاص.
سألته: ما اسمك أيها الشاب المدهش: قال: غسان أبا زيد!
رغم أنني من سكان درعا ولكنني أعيش في دمشق منذ زمن طويل فلا يمكنني معرفته، خاصة أن عائلة أبا زيد يزيد عددها على الخمسة عشر ألفاً.
سألته عن اسم أبيه فقال عبد الله! سألته عن اسم جده فقال: جدي الحاج سليمان. احتضنته قائلاً: لقد كان جدك سليمان زميلي في المدرسة!



#عبد_الكريم_أبا_زيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- برلمان كوريا الجنوبية يصوت على منع الرئيس من فرض الأحكام الع ...
- إعلان الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. شاهد ما الذي يعنيه ...
- ماسك يحذر من أكبر تهديد للبشرية
- مسلحو المعارضة يتجولون داخل قصر رئاسي في حلب
- العراق يحظر التحويلات المالية الخاصة بمشاهير تيك توك.. ما ال ...
- اجتماع طارئ للجامعة العربية بطلب من سوريا
- هاليفي يتحدث عما سيكتشفه حزب الله حال انسحاب انسحاب الجيش ال ...
- ماسك يتوقع إفلاس الولايات المتحدة
- مجلس سوريا الديمقراطية يحذر من مخاطر استغلال -داعش- للتصعيد ...
- موتورولا تعلن عن هاتفها الجديد لشبكات 5G


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - عبد الكريم أبا زيد - انطباعات حول أحداث درعا