|
قبل أن يبطشوا بسيد القمني
علي شايع
الحوار المتمدن-العدد: 994 - 2004 / 10 / 22 - 08:06
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لست في هذه الأسطر القليلة ممن يفعّلوا لثقافة وامعتصماه (على رأي سيد القمني في عنوان قديم لمقال له)،ولكنها من ألم مرير يستوجب ان استنهض نفسي فيه وأحثها الى الصراخ أمام صمت الآخر الذي حطمته كلمات رائعة للمفكر سيد القمني قرأتها هذا اليوم. وإنها لصرخة نادرة في واقع عربي أصبح المثقف فيه طيعا لأفكار الغوغاء ومرتجل مواقفهم، فهذا السيد المبدع كتب نفسه في صفحة الشهداء الأحياء لجرأة ما قاله وأبداه من موقف لا نرى شبيها له عند كتّاب مصريين ركنوا الى ميسور الصمت في زمن قمع السلطات وإرهاب الخناجر، فالسائد المصري كحاله في غالب ارض العرب،يستحث الأمة للثأر في ارض العراق!!. وها قد اجتمعت لأجل هذا أهداف القومجية والإرهاب بكل مشاربه، حتى تكالبت الفضائيات والصحف في سباق محموم ملئه الترويع والهمجية. ان رأيا موحدا للكتاب يعاضده ،صار لزاما الان، لترسيخ واقع فكري لقاعدة ترفع لعنة اسم "القاعدة" عن الشارع العربي من اجل تشكيل افق ثقافي واجتماعي يرتقي بالعرب كأمة لها شروطها الاجتماعية كسائر المجتمعات المتقدمة،فالرأي العام او ما يسميه جان جاك روسو بالإدارة العامة؛ وحدها من يستطيع توجيه قوى الدولة بحسب الغاية من تأسيسها، ومثل هذا الإدارة أضحت الآن تحت تحكم مجاميع من سدنة المنابر والفتوى، تلهج بالدم وتبشر بالهلاك،متحدة في غاياتها،ومشتركة في الجبهات،وتخلط حابل الدين بنابل الكراهية،حتى تراها في مصر تدس حين تتحدث عن الفلوجة ليكون حديثها عن حصار الفالوجا أيام عبد الناصر!. وحين يتطلب الأمر حديثا علمانيا تراها بلباس قومي تتراقص وسط الجموع لتذكّرهم بأيام الفالوجا تلك مترنمة بأناشيد ام كلثوم التي كرمت بها أبطال تلك المعركة. و ان واقعا عربيا صار فيه الخروج عن القطيع بطولة ليس بجديد ابدا، وان بطلا مثل سيد القمني يستحق ان نصرخ لأجل نصرته "وامثقفاه" حتى يسمعها كل من مرّ على ندمه خبر حسين مروة ولم يتكلم،مستنهضين في مروءته دماء فرج فودة وآخرين يعلم براءتهم الله وهم يتساقطون دما بعد دم. وحتى لا يتكرر المشهد مثلما نبّه اليه في كتابة قريبة الأستاذ شاكر النابلسي يوم قال : "معظم الأصوات التي تعارض هؤلاء الأشياخ وتهاجم فتاواهم هي أصوات عربية تعيش في الغرب ، بعيداً عن بطش الأشياخ بمعارضيهم". انبه الجميع متذكرا ان القمني يسكن القاهرة الان،فتفجعني كلمات النابلسي من خشية ان يجرّ كلامه عليه ألما ما أغناه عنه في صراعه مع آلام المرض،اذ لا صوت يعلو فوق صوت المعركة.فالقاعدة أصبحت قاعدة شعبية صارت تحكم وتَطارد وتمنع وتهدد، فهاهي تحظر عرض مسلسل الطريق الى كابل بل تضمن بيانها التهديدي لكل القنوات التي تبثه فتوى بهدر دماء كل العاملين فيه ان قالوا بغير ما تقول به طاليبان عن دولة الخلافة.وهكذا يفتضح واقع الإرهاب نهارا جهارا في رهانهم الخاسر على مصادرة التاريخ القريب وتسجيله وفق إرادتهم. ولكن الى متى سيبقى مغنمهم الأكبر في صمت النسبة الغالبة من كتّاب العرب؟. لهفي عليك يا سيدي القمني، لهفي عليك وانتِ تردد "يا لهفي عليك يا عراق".. لهفي عليك في أمة قليل نصيرها،ولكن هيهات لمثل شخصك ان يستوحش طريق الحق لقلة سالكيه كما يقول علي "ع" حتى أتذكّر قولا آخر له، أعاتب فيه أقلام مصر: " فيا عجباً.. والله يميت القلب ويجلب الهم اجتماع هؤلاء القوم على باطلهم وتفرقكم عن حقكم".. ايها القمني الجميل قد نرى تقلّب وجهك في أرجاء مصر بألم مرير وانت تكتب: "تساندهم صحفنا بغباء منقطع النظير يصور كل ما يحدث في العراق على أنه مجازر أمريكية لمزيد من تجييش الناس تحت راية الجهاد والكراهية"..لا يحزنك الذين يسارعون في البغي ..ولعلّي اذكّرك بكتابة رئيس تحرير صحيفة عربية تصدر في الخارج بعد صباح مدريد الدموي،مسارعا في التباشر بما اعتبره صباحا مباركا وانتصارا كبيرا للقاعدة. لقد أصبحنا على حين غرة تحت سيطرة خطاب الفضاء كما يقول فوكو،فلم تعد الجغرافيا ولا المحيط ولا الدولة تشكل مرجعيات لهذه الافكار القاعدية بل هو فضاء مفتوح على فكرة ووهم يعتقدونه إسلاما صحيحا يعبر كل الجغرافيا ويبيح اجتياز حدود بلد آخر مثل العراق من اجل قتال امريكا فيه،والتبس الأمر حتى على مؤسسة الدولة في مقاييس الوطنية والانتماء الى المكان. و مثلك أتسائل عن ما تراه من احتلال ازلام القاعدة للعراق ،فهو احتلال لا تستحضر فيه مشروعيات الاحتلال الامريكي التي اكتسبها من "اهداف معلنة وواضحة". فما الذي يريده القاعديون،واين كانوا ايام ظلم صدام حسين وبطشه،ما موقفهم من تجار الشنطة والكوبونات والمتنعمين بمقايضة حليب أطفال العراق وأدويتهم في أسواق البورصة؟. سأتسائل مثلك وانتظر الفتاوى بهدر دمي ان لم يهدر بعد، او التهجم عليّ باسم مستعار طمعا بإسكاتي،فمثل هؤلاء يبدأون بالظلمة ويترعرعون في الطريق الى المنبر، نتعثر بهم أحيانا هنا وهناك،فكلّ كاتب يعارضهم هو صهيوني او ماسوني وهو ضد الأمة وطموحاتها،ولك ان تستحضر القائمة الطويلة من كتاب عرب يملئ كتاباتهم الرفض لهذا الواقع ويعجزون عن تشكيل قاعدتهم،فما ان كتب شاكر النابلسي عن فكرة كتابة بيان أممي "لبعض المفكرين العرب يتقدمون فيه إلى الأمم المتحدة، وتطلب من مجلس الأمن مناقشته وإصدار قرار بشأنه يخوّل الأمم المتحدة بإقامة محكمة يطلق عليها "محكمة الإرهاب" يساق إليها كل من ينادي بالإرهاب، ويصدر فتوى تشجّع وتدعو إلى الإرهاب، ويمارس الإرهاب، بعدما أصبح الإرهاب مشكلة عالمية ودولية، وليس خاصاً بالعرب فقط". حتى قال الأشياخ الدينيون ما استبقهم اليه من قراءة لأفكارهم بكون النابلسي يريد تدويل القضايا العربية،وهو عميل وأن مشاكل العرب يجب ان تحلَّ داخل الوطن. . فهل لازلت ياسيدي القمني ترى من جدوى في سؤالك لهم : من هو الوطني ومن هو الخائن مادمتم مغرمين بتحديد المصطلحات؟ أم لعلكم مازلتم عند السؤال الإرهابي: من هو المؤمن ومن هو الكافر؟ قد احلّ دمه عن كلّ حرف..وها نحن نواجه إرهابا آخر يبث الينا عبر الانترنت كما لو انه صور لعمليات اختطاف رهائن لا تستثني أي فاعل خير او عضو في منظمة إنسانية او هيئة للدفاع عن حقوق الإنسان ،وما ان يندد كاتب عراقي او عضو في منظمة إنسانية عراقية بهذا الفعل الإجرامي حتى يتحين له هؤلاء الفرصة للانقضاض، معتبرين قوله خروجا عن العرف والشرع والوطنية،حد ارتجال رخيص التهم في حقه،كما حصل قبل أيام مع الأسف الشديد من تهجم على الناشطة في مجال حقوق الإنسان الشاعرة العراقية بلقيس حميد حسن، في رد مفخخ لأحدهم، يليق بصغار الإرهابيين،رفعه موقع إيلاف مشكورا بعد ساعات من نزوله، واجدها فرصة الآن لأعلن تضامني مع هذه الأقلية الهائلة كمرجعيات لمواقف متميزة وأسماء تقف في الصف الأول أمام الرجم.
سيدي القمني..نعم كنت محقا وأنت تردد قول احدهم عن مؤامرة يوم السابع من أكتوبر في طابا،وشخصيا لم انتظر طويلا من قناة الجزيرة ما نقلته من بيان للقاعدة منشور في موقع الكتروني لأعرف مسؤوليتهم عن الحادث لأني وباختصار شديد أتذكر يوما سابعا من أكتوبرٍ مشابهٍ في عام 2001 لحظة اطلّ بن لادن في شريط فيديو من على قناة الجزيرة ليعلن مسؤوليته : (( أعظم مباني الولايات المتحدة قد تمّ تدميرها،الشكر لله،الان يسيطر الخوف على أمريكا من الشمال إلى الجنوب ومن الغرب إلى الشرق، نشكر الله لذلك)). وانت محق أيضا في تخوّفك النبيل من تشجيع الفريق السني «القاعدة فرع العراق» من جانب إسلامي عروبوي وتبرير أفعال إجرامية من قبل مشايخ العرب،فهذا ما تسعى اليه دول خاطبت الإدارة الأمريكية بصريح العبارات مؤخرا..ومحق في تخوفك من تشجيع الميليشيات الشيعية من قبل إيران.ومحق في تخوفك من ان إعلان الجهاد وفق مرجعيات الهزل الديني الحاصل الآن ،وتخوفك من إباحة بيع الجواري للزوم ما يلزم في توفر سبايا المعركة.وان كانت القاعدة قد وصلت الى طابا ولم يسمع تحذيركم من احد قبل هذا الوقت، فأخبرهم ياسيدي عن فتوى امام مسجد في مدينة البصرة وهبها كجارية لكل من يأسر مجندة أو متهمة بالتعاون مع المحتل. ومثلك ياسيدي استغرب من فتاوي "قرضاوي الديمقراطي" في الذبح والفتك ولا تنجدني كلّ معاجم اللغة ولا علومها السخية من إيجاد تفسير لكلماته وفتواه الشهيرة وتناقضه العجيب وهو يقول :"اما الوجود الأمريكي في قطر فهو نتيجة اتفاقات بينه وبين حكام البلد بناء على اعتبارات رأوها وهم يتحملون مسؤوليتها أمام الله وأمام الشعب وأمام التاريخ وان كنت انا شخصيا اكره الوجود الأمريكي في قطر،لكن هذا شيء وقتال هؤلاء شيء آخر". واللغة التي تعجز عن قول معنى ما يريده الشيخ في هذره هذا ذاتها ايها الصديق التي مطّها أدباء مصر في مؤتمرهم المؤيد للإرهاب والقتل،فكان شعارهم الإصلاح من منظور ثقافي.و كان لهم ما أرادوه من إصلاح لثقافة العرب بمثل ما ينظّر له هيكلهم الذي عاتب من منبر الجزيرة كلّ من يلوم عمليات الاختطاف في العراق مؤكدا على ضرورة تفهّم هذه العملية كمنهج جديد . من يفهم كلام الهيكل فليخبرني !!. ومن يفهم الموقف من الآخر الذي ناقشه أدباء مصر الذين اجتمعوا في الأقصر.. ليخبرني!!.. ومن يجد تفسير إمكانات الإصلاح الثقافي عن طريق تفخيخ سيارة في شارع عمومي ليخبرني!!.. ومن يفهم القراءة النقدية للخطاب الثقافي العربي الراهن وفق رؤى زرقاوية ليخبرني!!.. ومن يفهم معنى ان يكون العراق فيتناما ولا يحتج وزير الثقافة كأحد حضور المؤتمر ليفهمني حكمة الجغرافيا في عقل الإرهابي بين هانوي وطابا؟!!.. ومن يفهم المفاهيم الرقابية وحرية المنتج الثقافي التي تبيح لهؤلاء وغيرهم بث السموم ليخبرني؟!!.. حقا..بين السلطوي،والمجتهد الديني تشابه البقر علينا.. وكلهم أصبح السامري في القول والفتوى: بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا..
#علي_شايع (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأكراد..والندم الماركسي!
-
حين يـُقرأ ُُالشعر من على شجرة
-
الى الصحفيين العرب.. بوح عراقي بما يشبه رسالة
-
الاستقلال.. بالقدم العراقية
-
!اختطاف التاريخ
-
المتكرر في النجف بعد ثمانين عام
-
استبداد الطبائع
-
قمر العرب وشمس 14 تموز
-
لعبة التحرير
-
ادرأوا الحدود بالشبهات
-
-القاسم- في التواد المشترك مع أمريكا
-
قالها عكاشة ولم يسمعه من احد؟
-
عرب العراق،أم عراق العرب؟!
-
بئر سومري
-
صحيفة مضيئة
-
الانتفاضة الموسيقية !
-
بيضة الديك تاتور !
-
مقترح لمتحف جديد
-
صورة الدكتاتور في احتفاله الأخير
-
آلام المغني
المزيد.....
-
سفير الإمارات لدى أمريكا يُعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي:
...
-
أول تعليق من البيت الأبيض على مقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ
...
-
حركة اجتماعية ألمانية تطالب كييف بتعويضات عن تفجير -السيل ال
...
-
-أكسيوس-: إسرائيل ولبنان على أعتاب اتفاق لوقف إطلاق النار
-
متى يصبح السعي إلى -الكمالية- خطرا على صحتنا؟!
-
الدولة الأمريكية العميقة في خطر!
-
الصعود النووي للصين
-
الإمارات تعلن القبض على متورطين بمقتل الحاخام الإسرائيلي تسف
...
-
-وال ستريت جورنال-: ترامب يبحث تعيين رجل أعمال في منصب نائب
...
-
تاس: خسائر قوات كييف في خاركوف بلغت 64.7 ألف فرد منذ مايو
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|