جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3327 - 2011 / 4 / 5 - 15:49
المحور:
حقوق الانسان
أنا أعيش في الأردن وكأنني البطل المخدوع في قصص(كافكا) حيث يخاف البطل من كل الأمكنة ويشعر كأنه يعيشُ في متاهة ودوامة لا تنتهي وغير متناهية وأنا فعلا أعيش في متاهة كافكا حيث أنني أخافُ من كل الأمكنة وفي كل مكان أدخلُ إليه في الأردن أشعر بالتعب وبالإرهاق وبصعوبة الخروج سالماً, فأنا في الأردن أشعرُ بأنني في مكانٍ مغاير لكل العالم فالناس في بعض المجتمعات الغربية يخافون من بعض الأماكن وهذا شيء طبيعي أن تجد مواطنا يخافُ من الأماكن المرتفعة ولا يخاف من الأماكن المغلقة أو مواطنا يخاف فقط من الأماكن الضيقة أو المحصورة ولا يخاف من غير المحصورة, وشيء طبيعي جدا أن تجد مواطنا يخاف من الأماكن العالية أو المرتفعة ولا يخاف من الأماكن المغلقة, ولكن الشيء غير الطبيعي أن تجد المواطن الأردني يخاف من كل الأماكن المرتفعة والمغلقة والعالية والضيقة والمحصورة حتى أنه يخاف من الأماكن التي يوجد فيها الأصحاب والأهل والناس الذين تحولوا بفعل القبضة البوليسية إلى أعداء أو كما هي رواية (الإخوة كرامازوف-أو- الإخوة الأعداء) , إننا نعيش في وضع غير طبيعي فأنا مثلا أخاف من دائرة الأراضي والمساحة كما أخاف من جهاز المخابرات وحين أدخل مركز صحي للعلاج أشعرُ وكأنني في مركز للشرطة وأخاف من الشرطة الأردنية ولا يوجد بيني وبينهم أي احترام وأتعامل معهم كما يتعامل أي مواطن غربي مع أي شرطة في بلد عدو وليس في بلد صديق, ولم أشعر طوال حياتي أنني مواطن أردني بل دائما ما أشعرُ بأنني لقيط أو لاجئ سياسي علما أنني أدعي من جهلي بأن أعز بلد على قلبي هو الأردن الذي يكرهني فسمعتي في الدينمارك وهي ليست بلدي أفضل من سمعتي في الأردن والناس العرب واليهود يحبونني في تل أبيب أكثر مما يحبونني الناس في عمان أو أن أعداد من يحبونني في تل أبيب أكثر من أعداد من يكرهونني في عمان رغم أني لم أزر تل أبيب في حياتي ولا مرة ورغم أنني تعلمت في المدرسة ومن كلام شيخ الجامع الذي يخطب في كل جمعة عن تل أبيب العدوة الصهيونية الحاقدة, وتلقيت مساعدات مالية من المسيحيين ومن الأجانب المقيمين في دول غربية ولم أتلقى طوال حياتي فلساً أحمر من أقربائي المسلمين الذين يركعون ليل نهار لله والذين يصلون خمس أوقات لله علما أنهم أكثر شعب جاهل وأكثر شعب عدو للإنسانية ,وكنتُ وأنا طفل صغير أخاف أن أمشي في الطريق وحدي وكانت جدتي أو أُمي توصي بمن هو أكبر مني لمرافقتي وما زلت كذلك حيث أشعرُ بأنني أريد أن يرافقني شخص أقوى مني في كل مكان أذهب إليه لأنني بصراحه أدوخ جدا وأصاب بدوار البحر إذا دخلت أي دائرة حكومية وسأقص عليكم في يوم من الأيام كيف أقوم كل شهر بصرف العلاج الشهري لأمي من مستشفى الأمير راشد العسكري, أنا أشعرُ بأنني أريد أن أحتاط يوميا من الناس ومن الحكومة كي لا أتعرض للأذى إذا خرجتُ من باب الدار وحدي وقد كنت أسمع وأنا طفل كما يسمع كل الأطفال عن الحرامية الذين يسرقون الأولاد ويفتحون كروشهم بالسكاكين ويحشونهن حشيشة وكنتُ كما كان كل الأطفال الذين يجلسون حول الكبار وهم يستمعون للقصص عن الضباع التي تأكل الإنسان لذلك كنتُ حين أخرج من الدار أخرج خائفا من أن أتضرر بسبب اللصوص أو بسبب الضباع , وكنتُ أخاف أن أمشي في العتمة وحدي, وكنتُ وأنا طفل صغير أخاف أن أقف في الطريق وحدي, وتقدمت الأيام والسنون وكبرت وظهر الشعر على وجهي ومن ثم تزوج َالشعر الأبيض من الأسود وأنجبوا شعرا أبيضاً جديدا ينتشر الآن في شتى أنحاء جسدي ولهم مستعمرات في الحاجبين الهلاليين وفي مناخيري وتحت الإبط ورغم ذلك ما زلتُ أخاف من أن أمشي في شوارع الأردن وحدي ومن الوقوف في العتمة وحدي وما زلتُ أخافُ الخروجَ من باب البيت وحدي كي لا أتضرر فأنا في الأردن أينما أذهب أتعرض للأذى وللخوف , وبدون مبالغة علمتني الأيام أن الرد على رقم تلفون مجهول فيه ضرر لي وهذا ليس وهما بل حصل أكثر من مرة وتعرضت للأذى أكثر من عشرين مرة وشاهدتُ في الأردن أناس مقتولين برصاص حي في قصة قصيرة من سطرين مفادها أن الضحية تلقى تلفوناً من مصدر مجهول يقول له : أخرج خارج الدار نحن زوار نريد زيارتك , طبعا والمسكين راح فيها دون أن يعرف أحد السبب,وهذا يحصل في بلد تدعي فيه الحكومة بأن الأردن يخلو من الجريمة المنظمة, وعلمتني ظروفي السياسية أن الحديث مع الأصدقاء والأقارب عن السياسة فيه مضرة كبيرة لي ذلك أنني أتحدث معهم عن موضوع وهم يكتبون بي تقريرا للمخابرات الأردنية عن موضوع آخر, وإذا دعاني صديق حميم لزيارته أيضاً أخاف من زيارته لأنني أزوره لهدف يختلف عن الهدف الذي يكتب عنه للأمن الوقائي الأردني وللمخابرات الأردنية وكنت في نهاية زيارتي لأي صديق أتأكد من أنني وقعت في كمين نصبه لي أعز أصحابي, لذلك ليس لي أصحاب وأشعرُ بأنني يوميا أمام مسلسل أو رواية اسمها(الضياع أو _سنين الضياع) , نحن نخاف من كل شيء حتى أصبحت كل يوم أقول لأولادي حين يذهبون إلى المدرسة لا تقولوا لأحد شيئا عني, والناس في الأردن يتحدثون معك ومعي بكلام طيب وإذا غادرتهم فورا يقولون عني أو عنك في ظهرك كلاما يخالف ما كانوا يقولونه عنك وأنت بين أو وأنا بين ظهرانيهم, إن الخوف والفساد والكذب يعشش في داخلنا ويسكننا الخوف وتسكننا الهزائم ووطننا عدونا وجهاز المخابرات أكبر جهاز مُفسد للثقافة وللسياسة وللحياة العامة, فأنا ما زلتُ أخاف وما زلتُ أشعر بعدم الأمان ومن أن تتلقفني الأيدي الظالمة وأبصار الظالمين, فما زلتُ أخاف من شركة (موبايلكم) للاتصالات الذين يغيرون عقدي واتفاقيتي معهم على خدمة الإنترنت دون علمي ودون أن أدري وعلى حسب علمي أنني اتفقت معهم على عقد أدفع بموجبه 16دينارا أردنيا في الشهر ولكن الفاتورة تأتيني ب32 دينار أردني ونصف واتفقت معهم على مكالمات محلية مجانية ولكنني أدفع ثمنها جميعا وما زلتُ أخاف من الشرطة والأمن العام الذين يكتبون على الكمبيوتر عني أي شيء والذين يكذبون وما زلت أخاف من دخول المحكمة لأن 90% من القضاة مرتشون و99% من محضري ومبلغي المرافعات القانونية مرتشون ولي معهم أكثر من تجربة وما زلتُ أرتجف إذا سمعت كلمة (مخابرات)أو أمن وقائي ولو قال لي أحد الجيران بأن المخابرات الأردنية على باب داري لارتجفت أكثر مما أرتجف حين أسمع بأن الذي على باب داري هو عزرائيل ملك الموت , حتى المحاكم في الأردن أخاف من الدخول إليها أو الخروج منها وحدي, والمستشفيات أخاف من الدخول إليها وحدي وما زلتُ أشعر أنني أعيش في بلد أجنبي ليس بلدي وفي وطن ليس وطني وما زلت أجثي على ركبتيّ الاثنتين من الخوف والهلع كلما عرفت بأن أحد الأصدقاء يصر على زيارتي في البيت فأكثر من ثلاثين زائراً زاروني في البيت وكتبوا للمخابرات عني ما لم يدر بيننا من أحاديث وقالوا عني ما لم أقله وأخبروا عني ما لم أخبره, وأكثر من شخص في الأردن اتصل بي كونه معجب بما أكتبه على الحوار المتمدن وفي النهاية كتب عني تقريرا لم يستطع أو لا يستطيع تشخيصه أكبر طبيب نفسي وأكبر محلل نفسي في العالم, أنا ما زلتُ إلى اليوم كما كنت وأنا طفل فأنا لا أتحدث مع أحد في البيت أو خارج البيت إلا إذا كان معي مرافق أكبر مني يقودني من يدي كما كنتُ وأنا طفل صغير خشية أن يعتدي عليّ من هو أكبرُ مني وفي البيت لا أتحدث مع أي زائر إلا بوجود شهود يشهدون معي وغالبا ما يكون الشهود مرتشون مثلهم مثل الزائر وأنا في بلد ترتفع فيه نسبة الخوف أكثر من البلدان الأخرى.
وإذا جاءت فاتورة المياه أرتجف منها وأخاف من هول المفاجأة فأنا أستهلك ماء ب4 دنانير وتأتين الفاتورة ب40 دينار, وأنا أخاف من شراء بطاقة رصيد لموبايلي خشية أن تسرق الرصيد مني شركة موبايلكم في كل ساعة عشرة قروش دونما سبب وكلما صحوت من النوم أجد شركة موبايلكم قد خصمت من رصيدي عشرة قروش دون أي مبرر وإذا ردوا على اتصالي بعد عشر ساعات من محاولة الاتصال فورا يدخلونني في متاهة لا أدري كيف دخلت بها ولا أستطيع الخروج منها ويقولون لي أنت مشترك في خدمة الرسائل القصيرة علما أنني لا أشترك في وطني ولا في أي شيء ومحروم بناء على تعليمات من المخابرات الأردنية من دخول أي تجمع ثقافي ومن الاشتراك في أي نشاط ثقافي إلا في كل عشرة سنين مرة واحدة في منطقة الشرط الأساسي فيها أن تكون معتمة وفي الظلام حتى لا أرى أحداً وحتى لا يراني أحدٌ والشرط الثاني أن لا يوجد بها مكبرات صوت حتى لا يسمعنا أحد وأهم شرط أساسي أن لا تتجاوز أعداد الحضور ال 7 أشخاص يكون من بينهم 8 أشخاص أو 9 مخابرات.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟