جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3326 - 2011 / 4 / 4 - 20:20
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
لو أردتُ اليوم أن أختار معبوداً أعبده من جديد فماذا أعبد بعد كل هذه الزحمة من ألوان فكرية, وماذا أعبد من أشياؤ وماذا أعبد من أقلام ومن صحف ومن كتب ومن روايات أقرأها لأنسي حزني الذي أنا فيه؟ ماذا أعبدُ من أحلام تصيرني انساناً أو تردني إلى انسانيتي وحريتي التي فقدتها من كثرة المعبودات التي تستعبدني والتي لوثتني بسبب كثرة ما التهمتُ من ثقافات شرقية وغربية ضاقت بها معدتي من عسر الهظم ,ماذا أعبد بعد كل هذه المخترعات التي غيرت حياتنا؟ هل أعبدُ الكهرباء؟ أم البترول؟ أم الإنترنت؟ أم الدولاب؟ أم أعبد الجمال الذي ذوبني أم الحب الذي ألهب مشاعري وكياني والذي لم يعبده أحد في البلدان العربية؟ أم أعبد الفن الذي تعاديه كل الأجهزة الأمنية في الوطن العربي؟ ماذا أعبد من أفكار ؟ وهل هنالك شيء لم أجرب عبادته؟ أنا عبدت كل المخلوقات الجميلة والمفترسة وعبدت البحار والشموس والكواكب وعبدتُ امرأة كانت تمد لي يدها في الأحلام وفي اليقظة تقطع دربي وتُدمي لي قلبي مثلما تُدمي لي عيني ,وبعد كل هذا الرحيل أو بعد طول السفر أقفُ حائرا بين كل تلك المعبودات من طواطم ومخترعات ومكتشفات فهل أعبد الديمقراطية والحرية؟ كل الناس الذين شاهدوا ما عبدته اتخذوني مثلا للكفر وللكفار ولتيار الإلحاد وأنا في النهاية أريد أن أعبد معبودا أقف عنده احتراما حين أراه يغذي روحي ووجداني وعواطفي ومشاعري ,لا تضحكوا فالمسألة هنا بسيطة جدا لأن الإنسان كان يعبد الأشياء التي يستفيد منها في بعض الأحيان أو التي يحبها, وغالبا ما كان يعبد الأشياء التي تخيفه وتسيطر على تفكيره سواء أكرهها أم أحبها, وأحيانا كان يعبد الأشياء التي تمده بالطاقة وبالسعرات الحرارية.
أنا أسأل بجد ماذا أعبد؟ هذا السؤال يلح اليوم كثيرا على نفسي في الوقت الذي أستفيد فيه من الكهرباء,ولأن الكهرباء ليست حرية أو عاطفية لأنني أريد عبادتها لكي لا يلومني قومي وأهلي عليها ولكي لا أسمعهم يقولون بأن ديني من دين المرأة والحرية والحب والمساواة, فكثيرا مات أسمع وأنا في الجلسات العامة بأن جهاد دينه من دين الحرية وأسمع أصواتاً تقول بأن هذا كفر وإلحاد, لذلك أريد أن أدرئ عن نفسي تهمة الكفر حين أتخذ معبودا عصريا لا يقلُ أهمية عن البقرة التي كانت في زمانها ذات أهمية , وتخيلوا معي بأنني أدعو إلى دين جديد اسمه (دين الكهرباء الساكنة) أو غير الساكنة وتخيلوا مثلا حياتنا من غير كهرباء؟ أو من غير بترول؟ أو من غير الدولاب الدائري, أو تخيلوا حياتنا من غير ابلاستيك؟أو تخيلوا بيوتنا اليوم من غير إنترنت؟ .
فمنذ أن بدأ الإنسان يدبُ على هذه المسكونة وهو يتفنن في عبادة الأشياء التي تحميه مثلا من البرد القارص وكذلك عبد الأشياء التي يرى فيها نفسه أو التي وضع فيها روحه وأرواح أسلافه الفنية مثل الحجارة , وعبد الإنسان البدائي النار التي يستدفئ منها والتراب الذي يمشي عليه والماء الذي يشربه والهواء الذي يتنفسه والشموس والأقمار والكواكب والبرق والرعد وكل هذه الأشياء لا تقل احتراما وهيبة عن هيبة الكهرباء أو البترول وهذه الأشياء لا أستطيع عبادتها اليوم لأنني أريد أن أعبد معبودا يفيدني في أول حياتي وفي نهاية حياتي ذلك أن الإنسان التزم في بداية حياته مع معبوده وما زال له في عبادته يتخذ فنوناً وفلسفات يقف عندها أي دارس أو أي متأمل أو أي شاعر خيالي متأملاً فيها بوجدانه وروحه وعواطفه, وأنا واحد من الناس الذين بحثوا وسألوا عن معنى عبادة الثور أو (البيسون) المرسومة صوره في جدران الكهوف وعن معنى عبادة الصقر (حورص) والبقرة وهذه البقرة كدتُ أن أعبدها في يوم من الأيام ولكن لم أكن أجد في بيتي لها مكانا وخفتُ عليها من أقربائي بأن يذبحوها في عيد الأضحى وعرفت من خلال دراستي لشخصية غاندي والسيخ وأتباع البقر بأن البقرة أفضل مخلوق أعطى الهندي انطبعا كما أعطة غاندي بحيث وجد البقرة أُماً له أفضل من أُمه الحقيقية ذلك أن أُمه ترضعه سنة أو سنتين والبقرة ترضعه كل العمر, إن الذين عبدوا البقرة وجدوا فيها نفسا طويلا للحياة ومدت الإنسان الهندي والصيني والعربي الكبير والصغير بالسعرات الحرارية لذلك استحقت البقرة عن جدارة أن يعبدها الهندي وأن يدافع عنها وأن يتخذها محميةً طوال العمر, ونظرتُ أيضاً في فلسفات من عبدوا الشيطان أو النار وأردتُ عبادتها وأن أشعلها طوال فصل الصيف والشتاء علما أنها مشتعلة دائما في ماتورات السيارات والطيارات وكافة أنواع المركبات وعرفت أن الذين عبدوا النار عبدوها لأنها مصدر دفئ وغذاء وأمن من الحيوانات المفترسة حيث كانوا يختبئون حولها والتي أيضاً يطهون عليها طعامهم والتي تمدهم بالدفء في الليالي الشتوية الباردة لذلك استحقت النار أن يحترمها الإنسان البدائي وأن يعبدها , ولو نظرنا في فلسفات الأقوام الذين عبدوا فرج المرأة أو جهازها التناسلي لعرفنا بأنهم كانوا على حق لأنهم استمدوا روحهم من روح هذا الفرج وبقاءهم منه واستمدوا أطفالهم ونوعهم الجنوسي منه وكذلك أسعدهم بل وأرعبهم فرج المرأة فعبدوه لأنه مرعب أحياناً ولأنه لطيف في بعض الأحيان وكانوا يرون روحهم من روحه كما يرى أي إنسان آخر روحه من روح المهاتما الذي أشعل روح الثورة في عقول وقلوب أتباعه.
وفي هذا العصر الذي أنا فيه فكرت ذات مرة بالبحث عن أفضل من خدم الإنسان لأعبده ولأتخذه معبودي تماما كما كان الإنسان البدائي يعبد من يراه الأفضل كما أسلفنا وقد وقع اختياري ذات مرة على (الكهرباء) فالكهرباء مثلا معبود أو مخلوق أو تيارات تستحق العبادة وأن نتخذ لها معبدا مؤلفا من صالة مشحونة للصلاة لها ولتقديم الشكر لها وللرسول الذي اكتشفها,وأن نسألها بأن تضرب أعداءنا أعداء الدين الجديد ولقد عدلتُ عن عبادة الكهرباء لأنني ذات مرة وجدت في النفط شيئا مهما أكثر من الكهرباء واعتبرت كل من عبد الكهرباء كان جاهلا بالدين الصحيح دين الحق والإنسانية ,إنه دين البترول وليس البترودولار, ولست أنا من يعبده فهذه أمريكا تعبده وتدافع عن أباره في كافة أنحاء العالم وعن منابعه الطبيعية فلولا النفط لما وجدنا الكهرباء لأن الكهرباء تشتغل على البنزين أو تشتغل مولداتها الكهربائية على مشتقات نفطية وبالتالي النفط(البترول) يستحق العبادة أكثر من البقرة والخنفساء والصقر وأكثر من الكهرباء وللنفط أكثر من 100 سلعة وسلعة وكل شيء في حياتنا لا بد وأن يتدخل فيه النفط بدء من ملابسنا الداخلية والخارجية وانتهاء إلى الصناعات البلاستيكية والبلمرات.
ولم أجد حتى الآن شيئا يستحق العبادة كما يستحق النفط أن نعبده ,فله أهمية عظمى في حياتنا ومنه خلقنا وإليه سنعود, فأنا سوف أتحلل وأصبح في النهاية عبارة عن غاز أو عبارة عن بنزين, ولو أدرك الإسلام إبان ظهوره النفط لقال بأن أصل الإنسان من النفط وبأن ألله أمر ميكائيل أبو الأنبياء بأن يجبل عجينة الإنسان من النفط ولأقلق راحتنا (زغلول الحداد) أو النجار لكثرة ما سيأتي بآيات ودلائل إعجازية تثبت بأن أصل الإنسان من البترول وبأن بجسم الإنسان مواد بترولية وأن الإنسان مخلوق سريع الاشتعال لأن الدهون التي في جسمه موجودة أيضا في المشتقات البترولية.
ولو عبدت البترول ونجحت عبادتي وانتشر إتباعي في البلدان العربية والأجنبية لظهر أيضا دين آخر يدعو إلى عبادة الكهرباء ودين آخر يدعو إلى عبادة (الدولاب) فالدولاب العجل أيضا قلب حياة الإنسان رأسا على عقب وساهم تقدم التاريخ والحياة وتطوراتها والنقل, ولو ننجح في عبادة البترول لأصبح ديني مع دين الكهرباء ديانتان متصارعتان ولتقاتل أتباعي مع أتباع ديانة الكهرباء وسيصبح الدين الإسلامي بالنسبة للأجيال القادمة مثل ديانات العصر الحجري بالنسبة لي أنا وأنت اليوم.
المسألة ليست سهلة وليست فيما تعبد بل بقيمة التعاليم التي تتعلمها من الذي تعبده وتمارس معه في الليل الحب والحنان سرا وجهرا وتحت ستر الظلام وتحت أشعة الشمس, أريد معبودا أشعرُ بأنني أستفيد منه كثيرا ولا أريد معبودا يذلني ويجعلني بلا قيمة أريد أن أعبد البترول أو الكهرباء كما كان ابراهيم في التوراة ينتقل من إله إلى إله فكلما مر بإله قال هذا ربي هذا أكبر, فلقد كان ابراهيم في زمنه يقاس المعبود بكبر حجمه وليس بما يقدمه للإنسان من فوائد أما نحن العصريون فكبرُ الحجم ليس موضوعا مهما والمهم القيمة التي يضعها فينا من نعبده ومن نضحي من أجله, نريد عبادة الماء والهواء والكهرباء والنفط والإنترنت والفيس بوك والجوجل والياهو والهوت ميل ومكتوب وتويتر وكل ما يخدم البشرية.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟