|
آليات العقلنة واللاعقلنة في المنظمات غير الحكومية
سلام ابراهيم عطوف كبة
الحوار المتمدن-العدد: 993 - 2004 / 10 / 21 - 10:21
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ينبغي دراسة المنظمات غير الحكومية (NGOs) المنتشرة في العراق وكردستان كمفهوم سياسي يتناول التأسيس وتنوع النشاط ومن يقف وراء التمويل وتقييم الخطاب وخطاب المؤسساتية المدنية ذات العلاقة بها ! . ويلاحظ في البداية إن مجالات عمل هذه ) المنظمات ـ الجمعيات ) يتراوح بين حقوق الإنسان والمرأة والعدالة والتنمية والأعمال الخيرية والإغاثة الإنسانية . وبعضها يعمل على نشر الوعي الحقوقي والقانوني للمواطن ويتحدث باسم الديمقراطية ويعمل على مراقبة الحركة الانتخابية ويرفع شعار الدفاع عن الكرد والتركمان والكلدان والآشوريين والارمن والصابئة واليزيدية .. ثمة جمعيات إسلامية وأخرى مسيحية. وتتوزع المسيحية منها على التنوع الطائفي التقليدي فيها . والكل يتلقى الدعم بالاكتتاب الداخلي ومن الخارج وفق القانون في شمال العراق بعد صدور قانون المنظمات الكردستانية غير الحكومية رقم 15 لعام 2001. ويؤطر هذا القانون نشاط الجمعيات غير الحكومية في ميادين الإغاثة والاعمار والنشاطات الإنسانية ذات النفع العام . والتعبير الأخير اي النفع العام مطاط لكن المادة الثانية من القانون المذكور تحدده بعدم السعي إلى الربح المادي إلا في سبيل تحقيق الأهداف ! . وقانوناً تتعاون الجمعيات غير الحكومية في كردستان مع المنظمات الأجنبيـة العاملة في الإقليم ، ومصادر تمويلها غير مشروطة ! ، وللوهلة الأولى نرى أن قانون رقم 15 خص منظمات غير حكومية محددة ولم يخص قطاع كامل الجمعيات غير الحكومية وهو قطاع واسع من التنظيمات .
v خلفية تاريخية نظرية
لا يعرف الجيل الجديد من أبناء الشعب العراقي الكثير عن المنظمات غير الحكومية بسبب غياب المؤسساتية المدنية أصلا . وقد شهدت كردستان العراق ظهور مثل هذه المنظمات منذ عام 1991 . يقيناً كان الانحطاط المؤسساتي أحد اهم أسباب عدم الاستقرار السياسي في العراق بسبب أزمات الشرعية والمشاركة والاختراق والأزمات الاقتصادية والتخلف والضغوطات الخارجية وخرق السيادة الوطنية . ورافق تنامي الوظائف العسكرية ـ القمعية للدولة العراقية ابتلاعها المؤسسات المدنية الأمر الذي أدى إلى تحجيم القوى السياسية المناهضة لاحتكار السلطات . وتحولت السلطات فوق الاقتصادية في العراق إلى الإرهاب السافر .
هناك تفاوت بين النظم السياسية في البلدان العربية من حيث تاريخ نشأة الجمعيات الأهلية وغير الحكومية فيها. ففي مصر نشأت أول جمعية أهلية حديثة مطلع القرن التاسع عشر بينما لم تشهد عمان ظهور أول منظمة غير حكومية إلا في الثلث الأخير من القرن العشرين ! وشهد العراق وكردستان العراق نشوء هذه الجمعيات في القرن التاسع عشر وتكثف في القرن العشرين وبالأخص بعد تأسيس الحكم الوطني في العراق
بلغ عدد الجمعيات والنوادي الملغاة عام 1954 ) 465 ( مؤسسة في بغداد وبقية المدن العراقية وقد حل (نوري السعيد ) بجرة قلم البرلمان والأحزاب وألغى امتياز الصحف والمجلات وحل النقابات والتنظيمات الاجتماعية والمهنية . واصدر مراسيم تحرم العمل من اجل السلم "وما شاكل ذلك " . وأسس تراجع حركات المد الوطني التحرري غداة نكسة 1967 مع بداية الفورة النفطية وتغيب الحراك السياسي الديمقراطي لارتدادات قبلية طائفية في قاع المجتمعات المعنية ومنها مجتمعنا العراقي . وتتحمل البنى الاجتماعية المتخلفة مسؤولية التداعيات اللاحقة كالحروب الكارثية التي افتعلها النظام العراقي وكلانيته . ولم تسمح شمولية النظام العراقي لأي تنظيم اجتماعي لا ينسجم مع توجهات الحزب الحاكم ويأتمر بأوامره التمتع بحرية البقاء والمواصلة العلنية. وعلى التنظيمات غير الحكومية على الإطلاق أن تتحول إلى حكومية تحت ذرائعية مكشوفة وبراغماتية وفي مسعى لضرب الوعي الديمقراطي الناهض ! وبالقمع الفاضح .
البعد الإسلامي _ مارس العيارون والشطار نشاطهم بقدر من التنظيم الجماعي والحركة ! وامتلكوا مبادئ أخلاقية في الانضباط . وتشكلت منظمة الفتوة في عهد الناصر لدين الله لاحتواء العيارين والشطار. وقد انطلقت القوى الاجتماعية الجديدة في الدولة العباسية بوتائر متسارعة على أرضية اقتصادية مدينية تغلب عليها التجارة وتحتل الحرف فيها المكانة الكبيرة النسبية . وكانت النقابات الإسلامية تحافظ على حرمة وحماية المهن باسم الأخلاقيات الاقتصادية . وكان أمناء النقابات يتصرفون بتضامنية وجماعية ويتصدون للامتيازات الوراثية . وقد تأخر فتح المدارس الإسلامية في القرى وتخصيص الفقهاء والقضاة لها رسمياً . وتحولت المجالس المفتوحة إلى مؤسسات اجتماعية امتازت بها الحاضرات الإسلامية وفيها نشأ أدب السلوك أما الحلقات العفوية واللقاءات في الأسواق التي يجتمع فيها المتعلمون ورجال الدين والطلاب مع أصحاب الحوانيت والباعة وأهل الحرف فكان لها أثرها في سياسة الدولة . تميزت الحاضرة الإسلامية كمدن الغرب الوسيط بشعور حاد بالتضامن وبالتباهي بالمؤسسات البلدية . ثم نشأ محل وحدة الحاضرة تماسك الحي والمجموعة العائلية . ونشأ غياب الاندماج بين عناصر المدينة إن سياسة سوسيولوجية المدن الإسلامية الحاضرة تؤكد استمرار التضامنات في الأحياء والعوائل.. وظهور قطاعات عصرية حديثة على هامش المدن العتيقة الغنية بماضيها . وزاد الاستعمار أوضاع الفلاحين سوءاً بانتزاع الملكيات مما كان له نتائج اجتماعية اشد خطورة من أضرار الإقطاع القديم !
ارتبطت تسمية الفرق الإسلامية والفرقة اصطلاحيا بالعمل السياسي أو الثقافي بينما أطلقت تسمية الطائفة على جماعات النشاط الديني الخالص. ومن الصعب التحديد الدقيق لظهور الأحاديث النبوية حول افتراق الأمة إلى نيف وسبعين فرقة. " افترقت اليهود على 71 فرقة ، وافترقت النصارى على 72 فرقة وافترق المجوس على 70 فرقة وتفترق أمتي على 73 فرقة ! " لكن عصور الانحطاط عملت على تحجير وتجميد تنظيم المهن وعرقلت خلق وإبداع تقنيات جديدة . كان التنوع الأكثر بروزاً ليس تنوع الأعراق والأثنيات بل تنوع الفرق والعائلات الروحية أي الطبيعة السياسية الدينية ! وخبا دور الانقسامات القديمة المعروفة بين الفرق الفقهية ـ الأخلاقية في معظم أرجاء العالم الإسلامي . ولا يعرف المسلم البسيط عادة إلى أي الفرق الموروثة ينتمي ! في الوقت الذي هاجم فيه الاصلاحيون والأصوليون التجار الصغار والحرفيين الذين شكلوا زبائن الأخويات في المدن السائرة في طريق التحديث !.
تداعيات التطور الرأسمالي _ مع تطور وترسخ الرأسمالية أحل التحزب بمحتوياته المعاصرة محل التحزب العائلي او الطائفي او القبلي والعشائري او المناطقي وأسهمت الرأسمالية في نقل المجتمعات إلى أوضاع اكثر رقياً خطت بها من التجمعات الأهلية العفوية إلى المؤسسات المدنية في مسعى لتوحيد الأسواق والدوائر الاستهلاكية وتناقض هذا المسعى مع ارتسامات تأطير العائلة ، العشيرة، الطائفة، الإقليم.. الخ. لكنه انسجم مع مصالح الكادحين الذين لا يستطيعون مقاومة الاستغلال والحد من ويلاته إلا على أسس جديدة تتجاوز الأطر الضيقة والانتماءات البدائية . وتطورت الجمعيات الأهلية الاجتماعية والسياسية والنوادي الرديفـة والأنظمة الحزبيـة وبناها الداخليـة . واندثرت الكتاتيب مع انتشار الإرساليات التبشيرية الغربية ومدارسها والمدارس الرسمية والأهلية وبلغ عدد الكتاتيب في العراق عام 1914 (400) وحدة إلى جانب (192) مدرسة ضمت (18161) طالباً و( 402 ) مدرساً.
وضمت الجمعيات العراقية في هيئاتها المؤسسة كبار رجال الحكم الملكي ومنها جمعية بيوت الأمة (ت- 1935) و جمعية مشروع الفلس (ت- 1933) ونادي العلوية الاجتماعي (ت- 1926) وجمعية الهلال الأحمر ) ت - 1932( وجمعية حماية الأطفال وجمعية الشباب المسلمين وجمعية الرابطة العلمية والأدبية في النجف الاشرف والجمعية الكشفية العراقية ونادي التضامن . يقول زكي خيري :" منذ العشرينات توسعت المدن العراقية ومنها بغداد كخلايا نحل وقرى شاسعة مترامية الأطراف وأهملت بتعمد المعالم الأثرية والتاريخية . المقاهي والمساجد مراكز للحياة الاجتماعية . المقاهي السياسية مراكز دعاية معادية للإنكليز .. فتحت متوسطة أمريكية في البصرة وثانوية الاليانس لليهود..". وبادرت ألافندية والبيروقراطية الدواوينية التركية والاوتوقراطية الملكية إلى تأسيس الأحزاب ثم تأسس الحزب الشيوعي عام 1934.
كانت الجمعيات التبشيرية بوق الرجعيـة العالميـة مثل مدرسة الرجاء العالي الأمريكيـة في البصرة ورئيسها القس (فانيس) وجمعية ( إخوان وأخوات الحرية) التي تأسست على يد الجاسوسة الإنكليزية (فريا ستارك ) . واستخدمت الجمعيات التبشيرية لكسر القوة الروحية المقاومة للاستعمار وفي سبيل التدخل الأجنبي في حياة المسيحيين العرب والكرد .
المدخل التعاوني _ تشكل التعاونيات الى جانب النقابات والمنظمات المهنية والاجتماعية والجمعيات الأهلية والمنظمات غير الحكومية جسم المفهوم التأسيسي (الحركات الاجتماعية) . وارتبط انبثاق الحركة التعاونية المنظمة بأسم الرواد الأوائل من عمال النسيج في انكلترة منتصف القرن التاسع عشر . وتلخصت مبادئهم في:
v ديمقراطية التسيير الذاتي
v التعامل نقداً وتوزيع العائد الصافي على المعاملات
v الفائدة المحدودة على الرأسمالي
v التسامح السياسي والديني
v نشر الوعي والثقافة التعاونية
وشهد عام 1937 تأسيس أول جمعية تعاونية استهلاكية في العراق بينما تأسست أول جمعية تعاونية زراعية عام 1946 في بغداد. ويعقد الحلف التعاوني الدولي مؤتمراته الدورية.
v المنظمات غير الحكومية مؤسسات مدنية عصرية
تبدأ منظمات المجتمع المدني من جماعات اللعب والأصدقاء خارج الأسرة وتمر بالفرق الرياضية في الحي وجماعات الهوايات في المدرسة والعضوية في مراكز الشباب ورعايته والأندية الرياضية والثقافية والجمعيات التطوعية إلى النقابات والاتحادات الاجتماعية والمهنية فالأحزاب السياسية والحوزات الدينية. والمنظمة غير الحكومية جمعية أهلية تطوعية اجتماعية تعني بتأمين المشاركة الطوعية للناس في الأعمال الخيرية والإغاثة الإنسانية والاعمار والنشاط التنموي ولصالح النفع العام . وهي ليست مؤسسات رأسمالية هدفها الربح وخلق فائض القيمة لكن الطابع البيروقراطي وطغيان خطاب التسلط والهيمنة على حساب الخطاب المدني غير الحكومي والخطاب الديمقراطي العام ينسجم مع مصالح الاحتكار العالمي والدكتاتوريات المحلية . وتعمد السلطات خلق الجمعيات الأهلية قنوات تابعة لها لضمان تدفق المساعدات الدولية ! وفي البلدان النامية مثل العراق كان مجرد الادعاء بتواجد المؤسساتية المدنية او التغني بها تكتيكا سياسيا ومناورة وهمية . أما إضافة رقم جديد من المؤسسات الهامشية للإيحاء بتنشيط المجتمع المدني وتفعيله فلا يعني سوى إن الديمقراطية متغيبة وان المجتمع المدني هو شعار لغرض التنفيس والاستهلاكية.
يقول (برهان غليون): )) أن المنظمات غير الحكومية في عصر العولمة قنوات الاتصال والتواصل الرئيسية على مستوى المجتمعات والقاعدة التي تبني عليها الإرادة العالمية الإنسانية الجديدة (( . وهي بالفعل من آليات التحشيد الجماهيري لتحقيق برامج الإغاثة الإنسانية وصيانة البيئة والحماية الايكولوجية وبالأخص إذا توفرت لها (صناديق الدعم) للنهوض بمشاريعها! وأثبتت هذه المنظمات كفاءة في التنفيذ وفي توظيف الاعتمادات المالية فاقت أحيانا ما نسميه بيوت الخبرة او الشركات الاستشارية المتخصصة لأنها تعتمد على العمل التطوعي وليس على الاختصاصيين من ذوي الأجور العالية (استئجار) ، وبذلك تكون اقل نفقة من بيوت الخبرة . وفي العالم النامي عموماً تواجه المنظمات غير الحكومية (NGOs) صعوبات في الحصول على الدعم المالي لأن المؤسسات المالية الخيرية محدودة..!
تسهم الجمعيات غير الحكومية في تذليل السياسات التنموية والتشخيص المبكر للاختناقات ومواقع الخلل لدعم التخطيط المنهاجي والسياسات الاقتصادية الكلية المتماسكة . وهي تتواجد في الميادين البيئية واسواق العمل وميادين الفقر والعدالة الاجتماعية والرقابة وتسهم في تعزيز المصلحة العامة والنفع العام !
لا تزال المنظمات غير الحكومية دون مستوى الطموح لأن العبء الأكبر لضمان شبكات الأمان الاجتماعي لا يزال يقع على كاهل الدولة . ويتوزع الأمان الاجتماعي عادة إلى شبكات عامة وخاصة ، وتقوم الدولة بأجمالي هذه المهمات في البلدان النامية كالعراق. ويتلخص الأمان الاجتماعي العام في توفير الخدمات الأساسية ودعم أسعار السلع والخدمات وتعزيز الرقابة على الأسعار وهي مهمات لا تستطيع النهوض بها سوى السلطات . أما الأمان الاجتماعي الخاص فيتوزع على التأمين الاجتماعي والضمان الاجتماعي والتقاعد والمساعدات الاجتماعية من رعاية ودعم مادي وعيني للشرائح المتضررة ومكافحة البطالة وتوفير فرص عمل ورعاية الأحداث والقاصرين . وتنحسر المنظمات العراقية غير الحكومية في هذا المجال لقلة الخبرة وعدم القدرة على إعادة إنتاج ذاتها اجتماعياً وانفصالها عن عملية الإنتاج اقتصادياً. ويمكن لهذه المنظمات أن تتكامل مع الدولة والقطاع الخاص في دعم القدرات التنافسية لأن الحل ليس بالصدقات ولا بالقروض الأجنبية !
طرح مفهوم المنظمات غير الحكومية نفسه بقوة في العقود العولماتية الأخيرة مع توجه مركز ثقل الديناميكية الرأسمالية المعاصرة وواجهتها ) الليبرالية الجديدة ( نحو تدمير التنظيم الجماعي التعاوني للمهشمين والجامع لعوامل التذمر السلبية، وباتجاه تفكيك النشاط التعاوني والأشكال الجديدة لعلاقات العمل .... أي عملية (التذرير) وتحويل النقابات والتعاونيات إلى أصولها في أفراد وذرات .. ويبدو أن التنظيم غير الحكومي يقوم على مبدأ انتشال التعاون القديم التقليدي في العمل والتنظيم والضبط التعاوني لحق العمل والحماية الاجتماعية ، ومبدأ جمعنة الأوضاع المتغيرة بسرعة غير منتظمة في فوضى السوق (Chaotic Market) . وهو يزاوج آيديولوجياً هذه التقليدية مع التعهد والمقاولة ومعمعان المنافسة. بينما نفعيته العامة تدعو إلى وضع الفلسفة والآيديولوجيا في خدمة الإنتاج والاستهلاك معاً. وعليه مفهوم المنظمات غير الحكومية انقلاب في التعريفات الماركسية الارثودكسية حول الحركات السياسية ويعبر عن الفصيل الأكثر تقدماً في المفهوم التأسيسي ـ الحركة الاجتماعية ـ في عصر العولمة رغم محاذيره والتي لا يمكن تجاهلها هي ايضا!
يعتمد النظام الدولي المنظمات غير الحكومية طرفاً في التنظيمات المؤسساتية الدولية لتأكيد مصداقيتها وبالتالي مصداقيته هو، مع نفي متعمد لدور التنظيمات الاجتماعية والجماهيرية الديمقراطية المعبرة عن مصالح الحركات الاجتماعية التقليدية ليصبح نموذج المنظمة غير الحكومية هو النمط الجدير بالاهتمام وبه يجري قياس الموقف الشعبي في التجمعات العالمية ! مثلاً دعوة المنظمات غير الحكومية إلى مواجهة سياسة منظمة التجارة العالمية W.T.O. حول الزراعة وحقوق الملكية الفكرية وإجراءات الاستثمار والخدمات لأنها تلحق الضرر بالمستهلك وحقوقه الأساسية وتؤذي الفلاحين وتهدد الأمن الغذائي ومصالح التنمية وتدمر البيئة وتؤذي الفقراء. ومن المنظمات التي وقعت على بيان جنيف في 19/3/2001 شبكة (المنظمات غير الحكومية العربية للتنمية) ضمن 22 منظمة غير حكومية .
ينفرد المركز الرأسمالي بمنطق وآليات العقلنة واعمال القانون الاجتماعي العالمي ، وبذلك تكتسب عقلانيته قوة تصدير اللاعقلنة إلى مناطق الأطراف. ومن أشكال لاعقلانيته المعاصرة محاولة فرض المنظمات غير الحكومية باعتبارها منسجمة مع مرحلة تطور الاحتكار العالمي في مجتمعات عصر ما بعد الصناعة. ويحاول الغرب نفي الحركات الاجتماعية بالمنظمات غير الحكومية واحتواء تنظيمات الشبيبة والطلاب ، والنساء وحركة الحقوق المدنية لصالح القطاعات الاجتماعية المضطهدة، وحركات السلم والتضامن والرفض الاجتماعية، والنقابات العمالية. ويبدو أن الاحتكار الرأسمالي المعاصر يتحرك في فضاء المجتمع المدني ويوظف المنظمات غير الحكومية في صراعه ضد الحركات الاجتماعية المناضلة.
v محاذير وتناقضات الجمعيات غير الحكومية
المنظمات غير الحكومية شكل رئيسي في الحركات الاجتماعية ينسجم مع العولمة وعصر الليبرالية الذي يبقي عموم الوضع مشحوناً بالنزاعات غير القابلة للحل بين الاثنيات المختلفة. وتوفق هذه المنظمات في عالمنا اليوم بين مدرسة النفعية الذرائعية التي ترى الحياة وفق مبدأً إدارة الأزمات وفرز العالم إلى لونين ، ومدرسة إيجاد الحلول المثلى والممكنة للأزمات Optimumization بدلاً من إدارتها فقط في سبيل تجاوز المرحلة الانتقالية العابرة Transient لعصرنا .. وهي مرحلة قد تقصر وتطول تبعاً للمتغيرات ! ويتكئ العديد من هذه المنظمات على التمويل الغربي . وتنحصر الجهات التمويلية في هيئات محددة يقف على رأسها احتكار (فورد) الأميركي حيث ترتبط هذه المعونات الأميركية تحت شتى التسميات بالحكومة الأمريكية مباشرة وتستنكف بعض المنظمات غير الحكومية تلقي الأموال من الأميركيين ولا تستنكف تلقيها من الاتحاد الأوربي وحكوماته. وتقدم المنابر الغربية غير الحكومية التوجيهات والإرشادات والنصائح للجمعيات المحلية والإقليمية غير الحكومية بشأن آليات العمل والدعاية. كما تنصح نشرة (الكلوبال فوند) الأميركية الجمعيات النسوية للاتصال بقائمة مؤسسات غير حكومية في العالم ومنها مؤسسة (إسرائيل الجديدة ) ومقرها نيويورك. بينما تبث الجمعيات الخيرية غير الحكومية في لبنان الدعاية في خدمة الاحتكارات الدولية وفي مسعى لإغواء الشبيبة للهجرة واستنزاف طاقات لبنان . ولم يحدث أن قامت إحدى المنظمات الوطنية غير الحكومية بكشف وجوه الإنفاق المالي لها إلا ما ندر
من المفيد ملاحظة التبدل الملموس من التشدد اليساري ومعارضة مبدأ التمويل الأجنبي إلى السعي النشيط وراء هذا التمويل . وقد أجاز قانون رقم 15 لعام 2001 الصادر من المجلس الوطني الكردستاني في أربيل التمويل الأجنبي وفق المادة 10 والمادة 12 معاً. بينما يؤمل من السلطات الجديدة في عهد ما بعد التاسع من نيسان تشريع قانون للمنظمات الوطنية غير الحكومية وتحديد أطر عمل المنظمات الاجنبية غير الحكومية العاملة في العراق وعليه المنظمات غير الحكومية سلطة مضادة تعبوية تضمن قنوات المشاركة والإدماج والتعبير المستقل عن الحكم..... ولكن إن شئنا أم أبينا ترتبط بوشائج وتشابكات مع الغرب والقوى الخارجية لا يمكن تفسيرها على أي حال بحسن نية دائماً !
لا يوجد مجتمع مدني في العراق.... والقمع الداخلي والتبعية والوصاية الدولية والأحتلال الأجنبي ترتبط بعلاقات إنتاج متبادلة ! وتجلى القمع الداخلي في قتل الحوامل الاجتماعية للديمقراطية ومحاولة تحويلها إلى يافطات خدمت النظام البائد . والديمقراطية والمجتمع المدني مقولتان تاريخيتان لا تتأسسان دون أرضية مناسبة تسمح لهما بتأدية الوظيفة الاجتماعية. ولا يمكن أن يتأسس المجتمع المدني قبل التخلص من العقل الكابح المفرمل للثقافة العقلانية والولاء للوطن ! أي من الهويات تحت الوطنية فالمجتمع الأهلي التقليدي يعني عصبياتنا ، ولاءاتنا المسبقة ، التشرذم والتزمت والانتهازية والفساد . وهي إفرازات قمع السلطات وكلانية الدكتاتورية
منذ عام 1968 اتخذت السلطات الحاكمة مواقف عدائية تناحرية مع الحركات الاجتماعية العراقية والتنظيمات المهنية الديمقراطية الوطنية وسلكت منحى التأطير والهيمنة عليها باتجاه مصادرة هوياتها المستقلة الحرة ، وعاملت الحركات الاجتماعية كمزرعة خاصة محاولة استغلال أفرادها لتنفيذ مصالحها .. وقامت بتصفية الحركة التعاونية . ويبدو أن المنظمات الوطنية غير الحكومية وتناقضاتها تواجه قمع الدكتاتوريات والاصوليات والأخطبوط العولمياتي معاً !
الهوامش والمصادر :
** _ كبة مهندس استشاري في الطاقة الكهربائية وباحث علمي وكاتب وصحفي .
وهو عضو في
1- نقابة المهندسين في كردستان العراق
2- جمعية المهندسين العراقيين
3- نقابة الصحفيين في كردستان العراق
4- جمعية البيشمركة القدامى
ومن كتاباته :
_ سلام ابراهيم كبة/ المجتمع المدني في كردستان العراق// مجلة (النهج)/ العدد 56 ـ خريف 1999.
- سلام ابراهيم كبة / كردستان العراق والمجتمع المدني الحديث / النهج / العدد 60 /2000.
#سلام_ابراهيم_عطوف_كبة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا الحرب الإسرائيلية على القطاع
...
-
الدفاع الروسية تعلن إسقاط 8 صواريخ باليستية أطلقتها القوات ا
...
-
-غنّوا-، ذا روك يقول لمشاهدي فيلمه الجديد
-
بوليفيا: انهيار أرضي يدمّر 40 منزلاً في لاباز بعد أشهر من ال
...
-
في استذكار الراحل العزيز خيون التميمي (أبو أحمد)
-
5 صعوبات أمام ترامب في طريقه لعقد صفقات حول البؤر الساخنة
-
قتيل وجريحان بهجوم مسيّرتين إسرائيليتين على صور في جنوب لبنا
...
-
خبير أوكراني: زيلينسكي وحلفاؤه -نجحوا- في جعل أوكرانيا ورقة
...
-
اختبار قاذف شبكة مضادة للدرونات في منطقة العملية العسكرية ال
...
-
اكتشاف إشارة غريبة حدثت قبل دقائق من أحد أقوى الانفجارات الب
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|