كريم المظفر
الحوار المتمدن-العدد: 3326 - 2011 / 4 / 4 - 14:09
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أعجبتني رسالة ألكترونية تلقاها زميل لنا من صديق له , وأستوقفت عند نقاطها , التي تبعث على الفخر واعتزاز الأوطان بشعوبها وبالعكس , وتقديم كل غالي ونفيس من أجل مواجهة الكوارث التي تحدق بأوطانهم بعيدا عن الفوضى في التعامل معها , وعن الجشع وإستغلال هذه الكوارث لتحقيق أكبر قدر ممكن من المصالح الذاتية الضيقة , ومراعاة حقوق كل فرد في هذه البلاد ،، نقاط أعتقد من يطلع عليها سيقف إجلالا وإكبارا لشعب يستحق منا كل تقدير وإحترام .
الرسالة تتعلق بكارثة تسونامي التي لازالت تتعرض لها اليابان , وكيفية تعامل اليابانيون مع نتائجها وماتسببته من تشرد ودمار وجوع ، تعامل يجعل كل منا يضع علامة تعجب أمام كل خطوة قاموا بها أبناء هذا البلد مشتركين ، ليؤكدوا إعتزازهم وعزتهم بوطنهم .. وليسموا بتصرفاتهم إلى مصاف الشعوب الراقية التي تستوجب منا بالأخص الإقتداء بهم ، في كل مفاصل الحياة ، لمواجهة أي كان نوع البلاء ، والشعور بأن المسئولية مشتركة ودون فوارق بين الغني والفقير والمسئول والموظف أو المرأة والرجل و الصغير والكبير ، نقاط كنا أول من دعينا إليها للتعاون بين المسلمين ، لكننا أصبحنا اليوم آخر من يقتدي بها .
النقطة الأولى .. يقول صلى الله عليه وآله وسلم: "ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب " فاليابانيون تلقوا مصيبتهم بمسئولية كبيرة ، فأنك لم ترى أي مظاهر للصراخ أو ( اللطم ) على الخدود والراس والصدور حتى تتشقق الجيوب ، والنواح على من فقدوهم من أبناء أو آباء أو أمهات أو أخوات وحتى المقربين والجيران ، ليس لأنهم ليسوا أعزاء عليهم ، بل لأنهم يعلمون أن مثل هذه المظاهر لن تبعث الروح من جديد لأعزائهم ، وآمنوا بأن الحياة للأبقى ! وأستقبلوا مصيبتهم بذلك الهدوء الذي ابهر الجميع ، و بدأوا بالتفكير بما يمكن عمله ليحافظ على من تبقى من شعبهم ، بل عمد القوي على مساعدة الضعيف ، وبدأ يعرف كل واحد منهم ما هي وضيفته في هذه الحالات .
النقطة الثانية .. مصيبة كهذه تتطلب ( الرحمة ) وجهودا إستثنائية من الدولة والشعب وتكثيف الجهود والإمكانيات التي تؤمن وصول المواد الإنسانية إلى المتضررين ، وما تم ملاحظته هو طوابير يقف فيها الصغير والكبير ، المسئول والموظف ، جميعهم سواء , ليحصلوا ما يمكن أن يقدم لهم من معونة تساعدهم في أزمتهم ، دون مشاجرة مع أحد أو التزاحم على الوصول إلى منفذ التجهيز ، ولم نلحظ أنا هناك رجال ذوي شوارب كبيرة ( رجل الأمن ) وبنظراته الحادقة يضرب الطابور عرض الحائط ويشاجر هذا وذاك ليحصل على أكبر كمية من المواد التموينية له ولمسئوله الذي بالتأكيد لا يعجبه الوقوف بمثل هذه الطوابير .
النقطة الثالثة .. الترفع ونكران الذات ، فقد ذهب اليابانيون إلى محلات بيع المواد الغذائية ، ورغم قحطها بسبب فضاعة الكارثة التي تعرضوا لها , إلا أنه حرصوا على شراء ما يحتاجونه من قوت يومي لفسح المجال لأكبر شريحة من الإستفادة من هذه المواد ، لأنهم باتوا يؤمنون بالمثل القائل ( من يرى مصيبة غيره تهون عليه مصيبته ) ، ويشعرون بتلكم الناس الذي يشاطرونهم أزمتهم ، دون زحام أو التجمهر أمام المحلات والأغرب من هذا وذاك ، فإنه عندما أنقطع التيار الكهربائي في هذه المحلات ، أعاد الناس كل البضائع التي كانوا ينوون شراءها إلى أماكنها على الرفوف على أمل العودة مرة ثانية مع عودة التيار الكهربائي ، دون أن يكون بينهم من ( الحواسم ) – مصطلح يعرفه العراقيون فقط – وهم أولئك الناس الذين يستغلون أي فرصة فوضى ليسرقوا كل ما تطول إليه أياديهم .
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ((إن أقربكم مني منزلاً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا في الدنيا)) ، إلا أن ما سطره اليابانيون في هذه الخصال فإني أتحدى فيها العالم العربي من أقصاه إلى أقصاه والعالم الإسلامي ، أن يتمتع بها أحدا حتى كاتب هذه السطور ، لأن الأنانية و الطمع والجشع واستغلال الظروف لتحقيق أكبر مكاسب لازالت تتملكنا ، ولأننا على قناعة بأن ما تجده اليوم وفي مثل اقل من هذه الظروف لن تجده بعد ساعات .
النقطة الرابعة .. أما عن الجشع والأستغلال فقد حدثنا رسولنا الكريم ( ص ) بالقول " كن ورعاً تكن أعبد الناس وكن قنعاً تكن أشكر الناس وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمناً" ، وهنا جسد اليابانيون هذه المقولة بحذافيرها وضربوا فيه مثالا كبيرا ينم عن تفهم كبير للأوضاع الصعبة التي تمر بها بلادهم , وليؤكدوا أن مثل هذه الفئة الضالة لا مكان لها بينهم ، وجعلوا من شعار التعاون رمزا التعايش كي يسهل عليهم عيشهم في هذه الظروف العصيبة ، حيث أقدم أصحاب المطاعم والفنادق والشقق على تخفيض أسعارهم بنسبة كبيرة كي تسهل على اكبر قدر ممكن من المتضررين الإستفادة منها , ولم يقم التجار برفع أسعارهم إستغلال مصيبة شعبهم وليترجموا كلمة تاجر بكل معانيها السامية .
النقطة الخامسة .. دعانا ديننا الحنيف بالقول " كن أميناً على مال غيرك فلا تطمع فيه فمن استأمنك كن معه أميناً حافظاً لماله " ،، والغريب الأغرب والحالة هذه ومع غياب الأمن ورجال الشرطة و أنشغالهم بتدارك الأزمة ، لم تسجل أي حادثة سرقة في البلاد ( أين منهم الحواسم ) !!! وبقيت آلات الصرف الآلي في أماكنها دون أن يلحق أحد بها ضرر، وبقيت المحلات التجارية على حالها حتى عاد إليها أصحابها .
النقطة السادسة.. نبأنا رسولنا الكريم بأن (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضوا , تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) , وهو ماحصل في اليابان التي أعتمدت حكومتها الشفافية في التعامل مع الأزمة ، ونقل الحقائق بما هي عليها دون تحريف أو التخفيف من هول الكارثة ، وأكتفت وسائل ألأعلام اليابانية بتقارير هادئة ، وغير مثيرة ، ودون فلسلفة المذيعين واجتهاداتهم في إطلاق الأوصاف والمصطلحات التي تمجد بالدور الذي يقوم به ( السيد الرئيس حفظه الله ) أو ( جلالته رعاه الله ) ، وسهره على راحة المواطنين ومساهمته " الكريمة " في مجابهة الأزمة .
النقطة السابعة .. التضحية ، مبدأ نفهمه على أن النهضة الحقيقية وليست من أرث الثقافة ( الكلام لوجيا ) هو ما يحققه المرء في حياته لخدمة أمته وشعبه ، وبكل قوة وعزيمة وإصرار ، والصبر ، وهو ما جسده اليابانيون طواعية دون أن ينتظروا من يكافئهم عليها ، لأنهم أعتبروها واجبا عليهم ، ليس لإنقاذ بلدهم وحده بل البشرية جمعاء ، حيث أستمر خمسون عاملا يضخون المياه من البحر لتبريد المفاعل النووي المتضرر ، رغم مخاطر هذه المهمة وعواقبها على هؤلاء العمال .
إذن في ضوء ما قرأتموه أليس من المفترض أن نتعلم من هذا الشعب العظيم ، خصوصا وأن ديننا وكتابنا الحنيف وسنة نبينا محمد ( ص ) ما فتأت أن حثتنا على مثل هذه الأخلاق والأعمال النبيلة التي تخدم البشرية جمعاء .. وعلى ما يبدو أن اليابانيين جسدوها دون أن يقرؤوها ، لذا فنحن مدعوون لدراسة اللغة اليابانية كي نفهم ثقافة هذا الشعب الكبير .
#كريم_المظفر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟