عادل الخياط
الحوار المتمدن-العدد: 3326 - 2011 / 4 / 4 - 12:09
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
توطئة :
لا بد من توجيه الشكر للسيد كاظم حبيب على الجهد الذي بذله في صياغة المحتوى لعينة من نماذج مُثيري الزوبعة , لأن مُثير الزوبعة أكثر خطرا من الزوبعة ذاتها " .. لكن ما لم يتطرق له " كاظم حبيب " هو الآتي :
تساؤل : هل العصبية الشخصية حالة يمتاز بها كل البشر , أم أنها تخص قوما وأقواما بعينها ؟ لا أعتقد السؤال من الصعوبة أو التعقيد , فمن الممكن أن يجيب عليه أي أحد : أنها حالة عامة ومن الممكن أن تحدث في أي موضع وفي أية أمة أو شعب : في الصين , في اليابان في أمريكا في ألمانيا , في السوق , في الشارع , في المكتب , في المختبر العلمي , في ملعب كرة القدم , في حوض السباحة , وفي البيت الأبيض والكونغرس الأميركي والبريطاني وكونغرس دولة المريخ .. الخ .. ومن الممكن ان تسوق ما لا حصر له من الأمثلة التي تقترن بتلك الحالة , لكن حصريا سوف يتحدد المثال المُناقض لعبارة صاحب الزوبعة , العبارة التي تقول
: " من المؤسف القول، أن العنف، وبالأخص في أوساط المثقفين أصبح سمة عراقية بامتياز. فقد قرأنا في السبعينات أن التقى عدد من الأدباء العراقيين في إحدى مقاهي بغداد، يتجادلون حول قضية أدبية بحتة، انتهى الجدال بالضرب بالكراسي!
وتشريح مثل تلك العبارة الساذجة حد الويل سوف يأتي من القمة , لأنك عندما تبدأ من القمة فلا حاجة بك إلى طرح أمثال أخرى لترسيخ إعتقادك أو توصيل حجتك إلى المُتلقي . وما أعنيه بالقمة انك تطرح مثالا عن مفكر كبير وهل ممكن ان ينتاب الإنفعال صاحب العقل الراجح الموزون ؟
والمثال هو : إنه عندما تحاول توصيف فيلسوف وعالم إجتماع وإقتصادي وصحفي وواضع أسس نظرية إقترنت بجميع العلوم الغير طبيعية والطبيعية معا , بل ربما تتعدى ذلك إلى علم الرياضيات لو أخذنا بقول " إنجلس " الذي قد يكون مُتطرفا نوعا ما : إنه حتى في الرياضيات تكون إحتمالات الخطأ واردة , اما الصراع الإجتماعي بوصفه المُحرك الرئيسي للتاريخ والقائم على إنتفاء العدالة الإجتماعية فليس ثمة جزئية للخطأ فيه !! " .. نقول توصيف أو الحديث عن فيلسوف مثل " كارل ماركس " لا يختزله مقال مُقتضب ولا مُؤَلف ولا عشرات المؤلفات , لكن ثمة إشعاع مُغري للناقد الأميركي الفذ " أدموند ولسون " يقول : عندما بدأ ماركس وإنجلز يطرحان آراؤهما الفلسفية على الساحة الأوروبية , فإنهما قد أخذا يضربان رؤوس فلاسفة أوروبا الواحد بالآخر .!"
ومع ذلك , هل من الممكن لهذا العبقري الذي ضرب الرؤوس بعضها ببعض وظلت إشعاعاته تبرق عبر الأزمات الإجتماعية المقرونة بالعطب الإقتصادي , ومنها الأزمة الأخيرة , هل مثل هذا تحتويه أزمات نفسية من نوع ما , وهل من الممكن أن تنتابه موجات من النرفزة إزاء وضع , أي وضع كان : وضع إجتماعي يخص عائلته , ثم يقود إلى خلل نفسي , او وضع مادي متدهور يؤثر على وضعه عموما , او من خلال علاقاته الإجتماعية الوفيرة كونه مُنظر وسياسي وإقتصادي وعالم إجتماع ؟ الجواب إن كل تلك المفردات تُؤثر على نفسيته التي تقود لسلوك بعينه . لكن في هذا المجال المُختصر ليس الخصوص تداول جميع الجزئيات العصبية لهذا الفيلسوف , إنما جزئية سلوكية واحدة ستفي بالغرض المنشود , ومن خلالها نريد أن نثبت مدى بساطة صاحب الزوبعة المتثاقف عندما يرصد واقعة ما لترسيخ مصداقية قوله .
الجزئية السلوكية : انه عقِب ثورة 1848 الفرنسية وإستشرائها في أنحاء أوروبا ومنها المقاطعات البروسية , كان أن إلتقى " ماركس " ضمن سلسلة لقاءاته في البيوت والشوارع والمقاهي والمطاعم , إلتقى في احد المقاهي أو المطاعم مع مجموعة من المُعجبين بأفكاره للتحادث حول ذلك الحدث , أحد الحاضرين كان ضابطا في الجيش البروسي , في نقطة ما حدث تشنج في الحديث بين ماركس وذلك الضابط , عندها تعصب ماركس وضرب بقبضة يده الطاولة وكاد يُبعثر الأكواب والصحون وهو يقول : يقتلني الغباء ." , لكن ذلك الضابط ولشدة إعجابه بأفكار ماركس إلتزم الهدوء , ثم عَقَبَ على الحدث لاحقا بالقول أو ما معناه : إنني أعتبر ماركس أعظم مُفكر في التاريخ , لكني لا أفهم تلك العصبية المفرطة في سلوكه أحيانا ."
كان من الممكن أن تتحول تلك الحادثة إلى عراك بالأيدي وبالكراسي ومن المحتمل المسدسات , لأنه يُقال ان ماركس كان بحوزته مسدس دائما كعملية إحترازية قبالة مخاض سياسات الحكومات الأوروبية ابان ذاك , وأنه ذات يوم داهم بيته ضابطان لإستجوابه حول قضية ما , فما كان منه إلا ان اخرج مسدسه وأمرهما بالخروج من البيت وإلا انه سوف يقتلهما عن جد !
ومن هنا هل بإمكان صاحب الزوبعة أن يعطينا تفسيرا سايكولوجيا للإنفعال البشري ؟ والطامة الكُبرى هي أو هو - الإنفعال - إمتياز عراقي - وُفق صاحب الزوبعة - , يرادفه مفردة " غضبان " التي تمتاز بها التسميات العراقية القادمة من محتوى التركيبة العراقية الغير مسبوقة في تاريخ الجنس !! وإقرأ وإضحك , ومن ضمن سليقة الضحك أن الشعب العراقي الوحيد الذي يُسمي أبناءه وأحفاده وجدوده بمُسمى " غضبان " , لماذا ؟ لأن شعب العراق دائما غاضب , والشعوب الأخرى لا تطلق تلك التسمية على أفراخها لكونها شعوب ليست بمستوى غضب العراقيين , والدليل أن تشرشل قال : إن العراق وُلد في حالة غضب , عجيب !! وماذا عن المصري الذي يُسمي إبنه بـ قبضاي وفتوة وغيرها , وماذا عن السوري الذي يتسمى بـ أبوعنتر المفتول عضليا وصاحب الشوارب الفحولية , وهكذا تتواصل سلسلة الضحك المبكية ..
وتتجاوز فقرة الغضب العراقي المميز والمستفحل عبر القرون , تتجاوز تلك الفقرة لتقفز إلى أخرى وأخريات لتقول :
ذات يوم قلت لصاحب الزوبعة : لا تستشهد بالقول الفلاني والحدث التاريخي العلاني لتُفصل أمم وشعوب وُفق هذا القول وذاك , لأن التعميم ينم عن جهل مركب , التعميم يُقوض كُلية منظومة العوامل التي تتأثر بها كل شعوب الآرض , وكُل حسب تكوينه الثقافي والإجتماعي , ومن هنا فقول موسوليني وهتلر وتشرشل بحق أمة أوشعب ما هو إلا نوع من فقر روحي ومعرفي , فما هي القيمة المعرفية التي يمتلكها " تشرشل " ليكون وصفه مدعاة للإستشهاد , أنا أجزم أن الكاتب البريطاني الوجودي " كولن ولسن " الذي لم يزل حيا إلى الآن والذي عايش فترة تشرشل , لو سألته ما هي القيمة المعرفية لـ " تشرشل " لأجابك بالقول : إن تساؤلك أصلا غلط في غلط , لأنك لوسألت ما هي قيمة هذا الرجل بإعتباره رجل دولة إستعمارية لا تزال آثارها التدميرية على شعوب أفريقيا والعالم شاخصة إلى يومنا هذا , فإن سؤالك هو عين المنطق , أما أن تقول ما هي قيمته المعرفية كونه كتب بضعة أدبيات فإن ما صدر عنه ليس إلا إرهاصات قميئة لصاحب نفوذ إستعماري لا غير ".. وبالطبع ان مثل هذا ينطبق على هتلر وموسوليني : العِرق والعِرق الأرقى وسُلم الرقي البشري وغيرها من المضحكات الدامعات ... إلى ذلك فقد أسلفنا رأيا لصاحب الزوبعة بأن يبتعد عن إسقاط أحداث تاريخية عمرها أكثر من ألف عام على واقع معاصر : قال علي وقال معاوية ورُفعت المصاحف وأشار إبن العاص لذلك , لأن مثل تلك الهذيانات مدعاة للسخرية علميا ومنطقيا وجينيا !!
صحيح ان لتاريخ الشعوب تأثير من نوع ما على مستقبلها , لكن التاريخ لا يصنعه لا القادة ولا الفلاسفة حسب " ماركس " أيضا : إنه لا الفلاسفة ولا القادة الطارئين هم الذين يصنعون التاريخ , إنما الصراع الإجتماعي " وعلى هذا فإن الفيلسوف والمفكر والمثقف عموما ليس إلا شاهد على عصره , لأنه الوحيد الذي بمقدوره رصد حركة الواقع المجتمعي .
المشكلة الأخرى لصاحب الزوبعة أنه جاهل بإحتراف في المحتوى العقلي البشري , ففي الدماغ أو المُخ بايولوجيا ثمة أجزاء تخص إبتكارات ومواهب العقل البشري , على سبيل المثال كيف يبرع أحد ما في العلم الحسابي والتكنولوجي بينما تجد آخر في الفن والأدب وغيره.. وتلك سوف تتشعب في خيوط شبكية غاية في التعقيد , من قبيل : لماذا يبرع كاتب ما في مقال أو بحث , بينما تجده في مقال آخر في منتهى الهزالة !! .. هذه العملية عموما يا صاحب الزوبعة هي التي تتحكم في أشيائك عموما , لكن لوتفحصت قليلا ربما ستنتفض وتسلك سلوكا مُغايرا للقولبة التي تتحكم فيك , بمعنى دع العقل يُبحر لأنه سوف يتخذ قرارات أخرى في عملية التفحص .
وتلك ليست إلا لمحة سطحية لهذا الموضوع الفُكاهة , فلو عالجت أي موضوع على مستوى عقلي بحت , فيتوجب عليك أن تستحضر " سقراط اليونان " أعني الهدوء الخرافي لـ " سقراط " عندما كان يتعرض لإستفزازات مُجاديليه , لكنه يظل هادئا ويُعالج الإستفزازات نقطة نقطة .. ومن ثم تقرنها بماهية العقل العلمي الحديث القائم على الواقع الموضوعي المُعاش وليس على العقل الملغوم بالرغبة , بمعنى عندما يخضع العقل المجرد إلى الرغبة , فإنه يصير شهوانيا مثل أية شهوة عابرة , وتلك ليست إلا نصيحة لصاحب الزوبعة , لأن الراصدين من شدة الجنون صاروا يتحكمون بعقولهم وليس العكس !
ملاحظة : نرجو ألا ينجر من يخصه هذا الحديث إلى مسارات عقلية في تفسير مفردة الزوبعة ويرد على ضوئها ليصير مطرقة مرة أخرى وأخرى , كونها تعني أو إنعكاس لقول : المعنى في قلب الشاعر " وليس ما سوف يختمر في عقل صاحب الأمر أو الرد .
#عادل_الخياط (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟