|
خطاب بشار الأسد -- إهانة بالغه للشعب السوري
منعم زيدان صويص
الحوار المتمدن-العدد: 3325 - 2011 / 4 / 3 - 00:11
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يُشكل خطاب بشار الأسد الذي ألقاه في مجلس الشعب السوري في 30 مارس آذار، إهانة لأهالي المواطنين السوريين الذين قتلوا في درعا وغيرها من المدن السورية واستهتارا بالشعب لم يسبقه إليه أي دكتاتور عربي في التاريخ الحديث. فالذي استمع للخطاب على التلفزيون السوري وبقية الفضائيات رأى الرئيس السوري مبتهجا، يكاد أن يرقص على أجساد ضحايا الأمن السوري التي لم تبرد بعد، ولم يترك فرصة تفوته لكي "ينكّت" ويَضحك ويُضحك أعضاء البرلمان السوري الذين كانوا في حالة نادرة من الابتهاج، يضحكون معه، ويصفقون له كتلاميذ المدارس الابتدائية، لا بل ويرفعون أصواتهم، رجالا ونساءً، ليمتدحوه، شعرا ونثرا.
من الواضح أن الرئيس كان يحاول أن يُخفي قلقه وعصبيته وعدم اتزانه بأن يُظهر للإعلام أنه غير مهتم لما حصل في البلاد، وأن المسألة بالنسبة له بسيطة، وأنه يسيطر تماما على الوضع، وهذا في الحقيقة زاد خطابه سوءا. وكان الحضور، من أعضاء البرلمان وغيرهم، يقاطعون خطابه باستمرار لكي يعظّموه ويمجّدوه، وكأنهم في "عرس قومي." لم ير الأسد، أو رئيس مجلس الشعب، أو أي من الأعضاء، أن المناسبة تقتضي أن يقف الجميع، قبيل الخطاب، دقيقة صمت على العشرات، أو ربما المئات، من أرواح الشعب السوري التي أزهقت خلال الأيام الماضية، أرواح أناس كانوا يحتجون سلميا مطالبين بالحرية والإصلاح وليس بالإطاحة بالنظام أو برئيسه. لم ير الأسد، أو رئيس مجلس الشعب، أو احدٌ من الأعضاء أن عائلات هؤلاء القتلى تستحق منهم دقيقة الصمت أو كلمات العزاء، رغم أن الرئيس قال في خطابه إن الدم السوري عزيز عليه وأن درعا تقف على خط الدفاع الأول. وطبعا لم نتوقع أن يفعل البرلمان ذلك فنحن نعرف تاريخ البرلمانات تحت هذا النظام.
كان حافظ الأسد يُعدّ ابنه باسل لخلافته ولكن باسل قتل في حادث سيارة مبهم، وبدأ بإعداد ابنه الآخر، بشار، وكأن سوريا خلت من المؤهلين لقيادة البلاد. وكان عُمر بشار أقل مما يسمح به الدستور، فاضطر مجلس الشعب لعقد جلسه خاصة في 30 حزيران يونيو 2000 ويعدل الدستور بطرح بعض السنوات حتى يتطابق عمر بشّار مع ما يقوله الدستور، وفعلا هذا ما حصل بالضبط. ولم يحصل أي معارضه أو احتجاج على هذا الإجراء، لا في البرلمان ولا خارج البرلمان، ولكن أحد الأعضاء، منذر الموصلي، اقترح أثناء النقاش أن تذكر "الأسباب الموجبة" للتعديل فاعتقد بعض البرلمانيين، ومنهم رئيس المجلس عبد القادر قدّوره، أنه يتهكم أو أن هذا اعتراض، فوبخه قدّورة واتهمه "بأن نفسه أمرته بالسوء،" و"لكنه ردعها." ونُسيت المسألة وكأن شيئا لم يكن وكأن المرشح للرئاسة هو الله عز وجل.
أما عدم احترام النظام لأرواح الشعب فهو شيء عادي، فكل شيء يهون في سبيل أن يبقى النظام بدون معارضين. ففي عام 1982 سحق النظام ثورة في حماه بدون رحمة وقتل الآلاف أمام سمع العالم وبصره. وبعد شهر أو شهرين جاء فريق من مجلة نيوزويك الأمريكية لمقابلة حافظ الأسد، وسأله احد الصحفيين عن بطشه وإذا لم يعتقد بأن القوة التي استخدمت في القضاء على الثورة كان مبالغا فيها، فأجابه حافظ الأسد بكل بساطة: "ما حصل في حماة حصل وانتهى."
وفي خطابه، برر بشار الأسد التأخير في الإصلاح بالمشاكل التي كانت سوريا تواجهها في الخارج والداخل، ومن ضمنها "أربع سنوات من الجفاف." وقال إن الغرب وإسرائيل كانا يتآمران على سوريا وأن ما يحصل الآن هو مؤامرة "من نوع جديد نظرا لوجود الإنترنت."" وأنا لا ادري لماذا ترغب إسرائيل بالتآمر على سوريا؟ فالنظام السوري لا يؤذيها ولم يؤذها طوال الأربعة عقود الماضية، لا هو ولا حزب الله ولا احمدي نجاد. فإسرائيل أسكتت حزب الله بعد أن قتلت آلاف اللبنانيين في الثمانينات والتسعينات وتوصلت مع حزب الله إلى اتفاقية جنتلمان منحت إسرائيل الهدوء على الحدود ومكنتها من أن تنسحب من الجنوب عام 2000. وردت على "حركشة" بسيطة لحزب الله سنة 2006 بقتل 1200 لبناني جنوبي وهدمت الجنوب وشردت أهله. وأخيرا سلّمت مهمة إسكات الحزب للقوات الدولية وللأمم المتحدة. وكل ما حققه حزب الله هو فقط مكاسب سياسيه في لبنان نستطيع أن نراها الآن.
ومن الواضح عمليا أن سوريا وإيران لم تؤذيا إسرائيل بل أفادتاها بشكل غير مباشر. إسرائيل دولة مغتصبه لفلسطين وتعرف أنها مغتصبة وليس لها حق في أرض فلسطين التي طردت منها أهلها. وهي تعيش معنويا وتسليحياً على الدعم الغربي. ولكنها دأبت، بعد أن ربحت عضوية الأمم المتحدة وانضمت للمجتمع الدولي، على الشكوى للغرب بأنها مهدده من جيرانها، وبررت واستمرت في تقتيلها للشعب الفلسطيني بينما لم يقتل الأسد أو أحمدي نجاد أي إسرائيلي طوال حياتهما. وقد ساعدت سوريا وإيران في تقسيم الشعب الفلسطيني وأضعفتاه إلى حد كبير وقوّضتا القضية الفلسطينية، كما نرى الآن. وأقنعت إيران ومعها حزبُ الله بعضَ الفلسطينيين أنها ستقضي على إسرائيل وتزيلها من الخارطة، كما دأب أحمدي نجاد وحسن نصر الله على القول. وكلما استطاع الفلسطينيون أن يقنعوا العالم الغربي أن يبدأ بإيجاد حل يقود إلى الدولة الفلسطينية، تخرج تصريحات من إيران وحزب الله لتهدد إسرائيل بإزالتها من الوجود وتبدأ إيران بالتفاخر ببرنامجها النووي لتبدأ إسرائيل بالصراخ من جديد محرضة العالم على إيقاف إيران وحزب الله عند حدهما قبل البحث في قضية الدولة الفلسطينية. والآن يحق لنا أن نسأل: من هو الذي يخدم أهداف إسرائيل؟ من المفهوم أن هدف إيران وحزب الله هو تحقيق أهداف إقليمية سياسيه، والنتيجة تفتيت حقوق الفلسطينيين. ونحن نرى الآن كيف تستمر إسرائيل بقضم الأراضي الفلسطينية وأسر أو تقتيل الشعب الفلسطيني.
ولم يتخذ الأسد في خطابه أية خطوة مفيدة أو ذات معنى، وتراجع عن ما أعلنته مستشارته السياسية والإعلامية بأن قانون الطوارئ سيُلغى. والحقيقة أن الأسد لا يستطيع أن يلغي هذا القانون ويَبقى بذات الوقت في السلطة. وكل ما يستطيع فعله هو أن يغير اسم القانون -- وهذا ما عمله بالفعل -- من قانون الطوارئ إلى قانون مكافحة الإرهاب. ولا أدري ما نوع الإرهاب الذي يقصده. هل يقصد أن أمريكا وإسرائيل تمارسان الإرهاب ضده أم يقصد الإرهابيين الذين يدخلون إلى العراق من سوريا لتستمر القلاقل في البلد الشقيق؟
يعتبر الشعب السوري من أكثر الشعوب إبداعا وذكاءً في جميع المجالات، ولكن عقودا عديدة من الضغط والقهر وتهميش المواطنين وإقصائهم سياسيا، وانعدام الحرية السياسية، وتسلط أقلية على رقاب الأغلبية، جعلت الوضع خطيراً بحيث يفقد الشعب روح المبادرة ولا يستطيع أن يتكيف مع أي تغيير سياسي. وهذا طبعا يُضعف الأمة كلها لانعدام التنوير والخوف من المجهول. وهذا في الحقيقة ما يحصل في عدد من البلدان. وأوضح مثال هو كوريا الشمالية. فقد حكم كيم ايل سونغ البلاد من سنة 1948 إلى سنة 1994. وعندما توفي عُيّن إبنه كيم جونغ إل مكانه. وكما نلاحظ، ففي الأسماء الكورية والصينية يأتي اسم العائلة في ألبدايه فهؤلاء من عائلة كيم. وجونغ إل معروف بأنه مدمن على الكحول، ومع ذلك اختير خليفة لأبيه، وكأن كوريا الشمالية خاليه من الرجال أو النساء المؤهلين للمسؤولية. فسوريا تحكمها عائلة أسد وكوريا الشمالية تحكمها عائلة كيم، والعراق تحكمها عائلة صدام حسين، وهكذا، وكلها جمهوريات.
ومن أوجه الشبه الأخرى بين النظامين أن كليهما يعتبر نفسه حرا والآخرين عملاء للغرب. فكوريا الشمالية التي يفتك بها الجوع تهدد بالقنابل الذرية الجنوب المنفتح والمتحرر والذي أصبح قوة اقتصاديه عظمى-- فكوريا الجنوبية أكبر رابع مصنّع للسيارات في العالم -- ويتهمها الشمال بالعمالة للغرب ويهددها بالسلاح النووي إذا لم تعطه طعاما لشعبه الجائع ونفطا لمصانعه. وقد رأينا كيف كان الشعب الكوري الشمالي يبكي بطريقة مبالغ فيها عندما توفي كيم إل سونغ، ورأينا كيف كان الشعب السوري بالملايين يبكي بطريقة غير طبيعية، أولا على باسل وثانيا على حافظ. وهذا لا يعني أنهم لم يكونوا صادقين. لقد كان معظمهم يبكي بإخلاص لأنهم اعتادوا علي القائد ولم يعرفوا غيره ولأنهم فقدوا القدرة على التمييز. وفي كوريا الجنوبية لم يحصل أي تقدم يذكر منذ نهاية حرب كوريا في بداية الخمسينات. أما سوريا، التي كانت من أكثر البلاد العربية تقدما في الخمسينات، فقد توقفت عن التقدم منذ ذلك الحين وسبقتها حتى الدول العربية التي كانت متأخرة عنها بدرجات.
ويمكن أن نأخذ أيضا العراق كمثال آخر حيث كانت دكتاتورية صدام أقسى بكثير، فلم يكن أحد يجرؤ حتى أن يفكر بمخالفة صدام. فالشعب العراقي لم يكتسب أي خبرة من حرب الكويت والحرب مع إيران، فلم يستطع أن يصمد بوجه الجيش الأمريكي لأن معنوياته كانت منهارة، فلم يكن النظام يسمح للشعب، ومن ثم الجيش، أن يثق بنفسه لأنه لم يشجعه على الحرية والتقدم، وكان صدام يقتل كل ضابط يشك في أن عنده طموح. وحتى عندما تحرر من الدكتاتورية لم يعرف ماذا يصنع بحريته، ونحن نرى ما يحدث الآن. إن العملية تشبه إلى حد بعيد تربية الوالد لأولاده، فإذا لم يتقاسم معهم القرار ويمنحهم حرية التفكير، ينشأون مهزوزي الشخصية ويكونون معرضين للفشل في حياتهم العملية. إن الثورات الشعبية الحديثة في العالم العربي لم تنجح كلها. نجحت نسبيا الثورة في مصر والثورة في تونس لأن كلا البلدين كان لهما احتكاك بحرية الرأي والتفكير قبل أن تشتعل الثورات، ولكنها لم تنجح في ليبيا واليمن. وبناءً عليه فلا أعتقد أن ثورة شعبيه ستنجح في سوريا بدون إراقة كثير من الدماء وتضييع الكثير من الوقت، وهذا لن يكون في صالح الشعب السوري أو المنطقة العربية. وأعتقد أنه من الأفضل أن لا يسقط النظام كليا ودفعة واحده. فنحن نتذكر الانقلابات العديدة التي حصلت في سوريا بين نهاية الأربعينيات وحتّي بداية السبعينات -- كلنا يتذكر مسرحية "ضيعة تشرين." ويجب على الدولة السورية بقيادة بشار الأسد أن تبدأ بالإصلاح، كما قال له صديقه أردوغان. يجب على بشار أن يعطي بالتدريج جرعات من الحرية للشعب لكي يستطيع استيعابها وهضمها لأن عقودا من الحكم الدكتاتوري أخّرت التقدم السياسي الاجتماعي في سوريا وأصبح السقوط المفاجئ للنظام محفوفا بالمخاطر، ولا نريد تجربة ليبيا واليمن أن تتكرر في سوريا.
#منعم_زيدان_صويص (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حسن نصر الله لا يؤيد احتجاجات الجماهير في -دول الممانعة-
-
القذافي وصدام حسين والثورة في التفكير العربي
-
الشعب الليبي يثور على القذافي -- هل يتحقق الحلم؟
-
الظلامية والتخلف في العالم العربي تراجعا خطوة إلى الوراء
-
قناة الجزيرة وعقدة الحرب الصليبية
-
سوريا ولبنان و-قلب العروبة النابض-
-
لماذا يصر العرب على تسليم العراق لإيران؟
-
ردود الفعل على انفجار الإسكندرية -- المقاربة الخاطئة لمعالجة
...
-
فضائية الحوار المتمدن
-
دفاعا عن الحكام العرب!
-
رأيٌ في الحجاب
-
كيف ستؤثر لبرالية الغرب الدينية على المسلمين في عصر الانترنت
...
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|