نادية حسن عبدالله
الحوار المتمدن-العدد: 3324 - 2011 / 4 / 2 - 10:40
المحور:
حقوق الانسان
هناك الكثير من الأسئلة التي يجب إن نجد إجابة واضحة عليها، تبدأ من معنى "الوطنية"، والمعيار الذي يحدد درجة الوطنية، ومن هو الوطني؟ وما الذي يجعل الوطني وطنيا؟ وهل يجوز، مثلا، إذا حدث اختلاف في الرأي، أن أسحب منك شهادة الوطنية التي احتكرها لنفسي؟ هل يجوز أن اعتبر نفسي، أنا وحدي، الدائرة العليا لإصدار شهادات الوطنية؟
أسئلة كهذه، كلما كثرت، كلما اكتشفنا الصبيانية، والمعايير الشائكة التي تعاني منها وطنيتنا. اتهامات كثيرة لشبابنا بأنه غير وطني لمجرد تعبيرهم عن رأيهم، عن رغبتهم بالحرية عن رغبتهم بالمشاركة السياسية، عن المطالبه بالكرامة. وثمة دم يسيل في وطننا بين الوطني والوطني الأخر الذي يمثل الجهة الأمنية. ومن أين تأتي القدرة على قتل هذا الوطني الحر؟
هل لأنه اختلف معك في الرأي صار من الجائز شطبه؟ ثم إذا كنتُ أريد لكل الناس أن يكون لهم رأي واحد وأن لا يوجد أي رأي آخر في الدولة والكل متفقون على رأي واحد ماذا نسمي هذا؟ وماذا عن "حرية الرأي والتعبير" "والتعددية السياسية"، هل نحذفها من قانون الحياة السياسية، وهل سيتم الاعتراف رسميا بأننا غير قادرين على تحمل الاختلاف؟
وبعد البحث عن الإجابات على الأسئلة من عدد من الأصدقاء الوطنيين الأحرار، توصلنا إلى النتائج التالية:
• حفظنا منذ الصغر (( حب الوطن من الإيمان ))، ودرسنا في مادة التربية الوطني حب الوطن حتى صار جزءا من سلوكياتنا... الوطنية مش سلطه...... ولا كرسى حكم ... الوطنية أن تحب شعبك وتسمعه... وان تسمع الرأي الآخر وتحترمة
• الوطنية التي نحتاجها تعني موقفا ايجابيا من "المواطن"؛ من الآخر الشريك في الوطن؛ تعني موقفا يضمن حقه في الاختلاف وحريته في التعبير عنه، وحقه في مساحة متساوية لقوله..
• الوطني هو ذلك الذي يجرؤ على أن يتخلى عن "أناه"، ليرفع من شأن ومكانة الوطني الآخر، فيرتفع معه وبه. لا أن يحط من قدره، ويتهمه بالخيانة.
• قد نختلف. بل من المفيد، ومن الضروري أن نختلف. ولكن من الضروري أيضا أن نتفق على أسس لتنظيم الاختلاف، وعلى مرجعية (انتخابية مثلا) نحتكم إليها، وعلى أخلاقيات في الحوار.
الوطنية مشتقة من وطن والوطن لغة، مكان الإقامة، وقانونيا إقليم الدولة ،
والمواطنة هي الرابطة السياسية والقانونية بين الشخص والدولة ينشئ عنها حقوق ويترتب عليه واجبات.
ان السيادة الوطنية في قاموس الأنظمة الشمولية تعني قانون الطوارئ والأحكام العرفية، ومحاربة المعارضين، وقطع الطريق على الحريات، واحتكار السلطة، وإلحاق الإعلام ومؤسسات الدولة بها، وتخويف البشر وامتهان كرامتهم. إن النظم الحاكمة التي تفصّل "الوطنية" و "المصلحة الوطنية" على مقاسها، و أحيانا على مقاس بعض الأفراد. تركز على أهمية السيادة الوطنية، وكل نقاش في موضوع لا يعجبها، ترفع يديها، وتقول "انه موضوع سيادي"، وانك في حال ناقشت أحد هذه الأمور، فانك غير وطني، بل قد تكون خائنا لوطنك.
رغم أن هذا الفهم لم يحافظ كما تشير التجربة على "الوطن والوطنية". من هنا تصبح كل حركة معارضة خارجة عن السرب الوطني، أو يجري اتهامها بالعمالة للخارج والخيانة الوطنية. "العميل " في عرف هذه النظم، كما هو معروف، هو كل من يحاول الخروج على النسق الشمولي وشرعة الديكتاتورية. هذه الاتهامات معروفة و مألوفة في تاريخنا، إذ كانت السلطات القائمة تتهم معارضيها على الدوام، بهدف حرقهم اجتماعيا و سياسيا، بإحدى التهم الثلاث، فإما يتهمون بالعمالة للخارج، أو بالإلحاد، أو يتهمون في أخلاقهم الاجتماعية، و ذلك لأنها تدرك أن هذه التهم قادرة على استنفار الغرائز البدوية و الدينية للبشر ضدهم .
الوطنجية الزائفة، كثرت الشعارات الوطنجية الذي يختبئ خلفها أزلام النظام، وكثر التملق بالشعارات الذين يعتقدون انها وطنية وما هذا بالحقيقية إلا وطنجية مزيفة. المؤسف ان بعض هؤلاء أصحاب الوطنجية الزائفة، يرفضون الديمقراطية وحقوق الإنسان ويربطونها بسياسات إمبريالية تهدف إلى السيطرة على أمتنا العربية، حيث يقولون نحن لا نريد ديمقراطية وحقوق الإنسان على الأسلوب العراقي. حيث تم تشويه هذه المفاهيم والقيم الإنسانية من قبل سلطات الاحتلال في العراق، وأصبحت مرفوضة رفضا قاطعا في وطننا العربي. وهم ما يرونه الآن يحصل أمام أعينهم في ليبيا. إن هذه الأساليب مرفوضة رفض قاطعا، ويربطها الناس بشكل عام بالمؤامرة على الوطن العربي وبنظرية الفوضى الخلاقة.
إن الكثير من الدول العربية تفتقد لمعايير قانونية تحدد معنى "الوطنية" ومعنى "الخيانة الوطنية"، وفي حقيقة الأمر لا يمكن ان توجد أي ملامح لوطننا بدون الديمقراطية. ولا وطن بلا مواطن، ولا تحرير أو استقلال بدون حرية المواطن. ان التضحية بحقوق الإنسان على أساس إن "الوطن في خطر" ولا يمكننا أن نوفرها للمواطنين " لأنهم غير جاهزين أو غير قادرين على أن يكونوا أحرار أو استعمال مفهوم "الوطنية" المفصلة على مقاس أنظمة الاستبداد، هي التي قادت إلى هذه الحالة من "الهشاشة الوطنية" وتلك التشوهات في الانتماء الوطني ؟ .
إن المفهوم الجديد للسيادة الوطنية يتحدد بمدى احترام حقوق الإنسان، ومدى مشاركة المواطنين في الحراك السياسي، فهي الأساس ليشعر المجتمع برمته بأن الدولة دولته، وأن الوطن وطنه.
وقد تساءل عدد من الأدباء والمفكرين حول إمكانية إن يكون هناك وطن، أو هل يمكن فهم "الوطنية" خارج إطار احترام حقوق الإنسان ؟ و ماذا يعني الوطن دون وجود دستور ديمقراطي و قوانين لحماية الحريات ؟ . "الوطن أولا هو الدستور وليس مجرد أرض نعيش عليها ونحبها. مرجع "الوطنية" هو الدولة الوطنية، وطالما لا يوجد دولة وطنية لا يمكن القول بإمكانية وضع محددات أو توصيفات حقيقية للوطنية ، أما الدولة الوطنية فهي دولة الكل الاجتماعي، ودولة الدستور الديمقراطي ودولة القانون واستقلال القضاء، وهي الدولة التي يمكن من خلالها فقط وضع معايير وتعبيرات قانونية واضحة لتوصيف "العمالة والخيانة الوطنية" .
ومن هذا المنطلق، تعني الديمقراطية اتاحة المشاركة للجميع في القرار السياسي، والتداول على مناصب المسؤولية، السياسية والإدارية العليا، حتى لا تصبح السلطة أو الثروة حكراً على طبقة واحدة.
والسؤال هنا، كيف يمكننا أن نتحول تدريجيا إلى الديمقراطية الحقيقية؟ يفسر ذلك عدد كبير من المحللين السياسيين بان الخطوة الأولى يجب ان تركز على "تعزيز روح المواطنة".
ويقصد بالمواطنة، العضوية الكاملة والمتساوية في المجتمع، بما يترتب عليها من حقوق وواجبات، وهو ما يعني أن كافة أبناء الشعب الذين يعيشون فوق تراب الوطن سواسية بدون أدنى تمييز، قائم على أي معايير تحكمية مثل الدين أو الجنس أو اللون أو المستوى الاقتصادي أو الانتماء السياسي والموقف الفكري.
المواطنة سلوك يترعرع وينمو مع الإنسان منذ نعومة أظفاره ،المواطنة قول باللسان وعمل بما ينفع الوطن والابتعاد عن كل مايسيء للوطن ، المواطنة شعور داخلي لابد أن يظهر في التصرف والسلوك، المواطنة تعني كل مامن شأنه احترام البلد واحترام الشعب. لا يمكن ان تكون هناك دولة وطنية في الحين الذي يقبع فيه الكثير من الوطنيين الأحرار في غياهب السجون , ويحرمون من السفر , ويفصلون من وظائفهم الحكومية فقط لأنهم أرادوا أن يكونوا مثال (صالح) للوطنية ..
اذا كانت نصرة المظلومين .. والدفاع عن المسجونين .. ومناشدة الحكام والمسئولين إطلاق سراح المسجونين بلا تهم ولا جناية.. وحرية التعبير في أن يقول الانسان ما يراه ويعتقده دون المساس بالدين أو بالعقيدة .. إذا كان كل ذلك (معادي) للوطنية .. فما هي اذاً الوطنية ؟
على الحكومة أن تفتح بابها للشباب الذين يعيشون أملا في وطن أفضل، عليها أن تثبت لهم إمكانية العيش في وطن الواقع لا الحلم عن وطن يغسل المخ والوجدان من مخدر الهجرة والبحث عن الوطن في مكان آخر.
وبناء على ما سبق نجد ان الوطنية لا تعني حكم ، وكرسي، ونفوذ، ولا تعني علماً ونشيداً و برنامجاً...... إن الوطنية مشروع حي ومتطور دائما يعمل المواطنين على العيش في وطن واحد مستقل وحر، هي رابطة التضامن الوطني، والوحدة الوطنية،...إن الوطنية تعني أن أمارس حقي في الاختلاف وحقي في التعبير، وحقي في الحرية، وحقي أن أعيش في وطني وان أرفع رأسي وأقول: كرامتي وعزة نفسي وكبريائي لن أجدها سوى في وطني.
الدكتورة شذى ظافر الجندي
دكتوراه في العلوم السياسية
الجامعة الامريكية
حقوق الانسان ومكافحة الفساد والتنمية
1 نيسان 2011
#نادية_حسن_عبدالله (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟