|
المسار المتعرج للتغير في العالم العربي
نجيب الخنيزي
الحوار المتمدن-العدد: 3324 - 2011 / 4 / 2 - 10:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
رياح التغير العاتية التي بدأت بثورة تونس ، ثم الثورة المصرية ، باتت تكتسح العالم العربي من أقصاه الى أقصاه ، في ما يشبه التوسنامي الجماهيري الجارف، إذ لم تعد هناك دولة أو مكان في المنطقة العربية طال الوقت أم قصر بمنء عن تأثيراتها وتداعياتها المباشرة وغير المباشرة .غير إن طرق وأساليب وأشكال التغيير ، السلمي أو العنيف ، الجذري أو الإصلاحي ، يختلف من بلد لأخر( رغم تشابه النظام العربي الرسمي في بناءه السياسي/ الاجتماعي ، وأنساق القوة والهيمنة فيه ) وذلك وفقا لمدى و درجة نضج العوامل الموضوعية والذاتية، والتي نذكر من بينها ، طبيعة النظم السياسية ( ملكية أو جمهورية ) الحاكمة، وتوازن القوى على الأرض على صعيد المواجهة المباشرة بين النظام والشعب ، وعلى وجه التحديد موقف الجيش والتشكيلات الأمنية المختلفة، ومدى حياديتهما أو تورطهما في الصراع ، ناهيك عن درجة وعمق الانسجام والاندماج على الصعيدين الوطني والاجتماعي، ومدى نضج التقاليد السياسية والمدنية ، التي تعبر عنها قوة حضور مؤسسات المجتمع المدني من أحزاب ومنظمات وهيئات مهنية ونقابية وخصوصا مستوى ودرجة فاعلية وتنظيم الشبيبة الثورية ، المتصدرة لفعل التغير والثورة . كما نقف عند دور ووزن القوى المعبرة عن المصالح الفئوية الخاصة أو الهويات الفرعية ( الدينية والمذهبية والقبلية والمناطقية ) التقليدية التي غالبا ما تدخل على الخط ويجري توظيفها من قبل النظام الحاكم في الصراع الدائر . وبالطبع لا يمكن إغفال الدور والتداخل الايجابي أو السلبي للعاملين الدولي والإقليمي ، وخصوصا مواقف الدول الغربية الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية ، التي تقيس مواقفها في التحليل الأخير بميزان مصالحها الإستراتيجية بعيدة المدى ، على الرغم من شعاراتها المعلنة في الدفاع عن القيم والمبادئ الإنسانية الكونية ، كالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان . كما لا نستطيع إغفال تطلعات بعض القوى الإقليمية مثل إيران وتركيا في تعزيز دورهما ونفوذهما الإقليمي في عموم المنطقة العربية . على هذا الصعيد وفي ضوء التجارب العيانية الراهنة للثورات والانتفاضات والحراك الشعبي في العالم العربي يمكن القول ان هناك سيناريوهات مختلفة للتغير في العالم العربي ، وبالتالي لا يمكن وضع ترسيمة واحدة تجب ما عداها . من هنا فأننا نلحظ بعض الفوارق حتى بين نموذجي ثورتي تونس ومصر رغم اتسامهما على وجه العموم بطابعهما السلمي و نتائجهما السريعة ، وتقديم اقل قدر ممكن من التضحيات . في الحالتين التونسية والمصرية كان دور الجيش الحيادي ( مصر ) أو المنحاز للشعب ( تونس ) حاسما في الإطاحة برمز النظام وتقويض بعض مؤسساته، غير أنه في ضوء التجارب الثورية التاريخية في العالم فأن المسار الثوري للتغير ليس طريقا مستقيما ، أنه طريق متعرج يحتمل التقدم والتراجع ، خطوة إلى الأمام، وخطوة أو خطوتان إلى الوراء . في الحالة التونسية لم يكن للجيش أي مصلحة في استمرار الوقوف مع نظام الرئيس السابق بن علي ضد الثورة أو قمعها، حيث استند الرئيس المخلوع في إحكام قبضته على مكامن السلطة والقوة والثروة في المقام الأول على المؤسسة الأمنية من شرطة ومخابرات، وعلى مجاميع من المنتفعين المباشرين من أفراد عائلته وقيادات الحزب الحاكم ومؤسسات الدولة ، والتي أطلق عليهم وفقا لتقارير ويكيليكس المسربة بالمافيا . من هنا نلحظ بأن مسار الثورة التونسية أكثر عمقا و جذرية حيث جرى تصفية أو أضعاف مجمل مؤسسات وهياكل النظام المقبور ، الرئاسة ، الحكومة ، الحزب الحاكم ، البرلمان ، وأجهزة أمن الدولة والمخابرات والحكم المحلي ( المحافظين ) ، ناهيك عن صياغة دستور وقانون جديد للأحزاب .وباتت قوى التغيير والثورة تمارس إلى حد كبير دورا رقابيا مباشرا على جميع مرافق ومؤسسات الدولة . الحالة المصرية تختلف على هذا الصعيد ، فالجيش المصري هو حجر الزاوية في النظام الحاكم منذ ثورة أو انقلاب 23 يوليو 1952 ، وجميع الرؤساء الذين تعاقبوا على حكم مصر منذ ذلك الحين وحتى سقوط حسني مبارك منحدرين ا من مؤسسة الجيش ، ونقف هنا عند دلالة الترويكا الثلاثية للحكم المصري في لحظاته الأخيرة ، حيث ضمت حسني مبارك ( فريق سابق ) رئيسا للجمهورية واللواء عمر سليمان نائبا للرئيس والفريق أحمد شفيق رئيسا للوزراء . صحيح ان شباب الثورة أطاح بالترويكا والعديد من رموز ومؤسسات النظام السابق، وخصوصا حل جهاز أمن الدولة وإعادة تنظيم وزارة الداخلية و تقديم تهم جنائية للعديد من الوزراء والمسئولين السابقين وتجميد أموالهم بمن فيهم الرئيس السابق وأفراد عائلته . غير إن شباب الثورة وقوى العارضة في مصر يؤكدون بقاء بعض الهياكل المهمة في النظام القديم ، وفي مقدمتها المجلس العسكري الأعلى الذي يرأسه وزير الدفاع المصري المشير محمد طنطاوي والذي تشكل بناء على تفويض الرئيس السابق ، مع انه حدد في بياناته اللاحقة دوره في ضمان الانتقال السلمي والسلس نحو سلطة مدنية منتخبة . شباب ثورة 25 يناير دعوا بدورهم إلى مظاهرة مليونية في الأول من أبريل المقبل للدفاع عن المكتسبات وتعميقها ودفعها للإمام ، وللتحذير من مخاطر قوى الثورة المضادة التي تسعى جاهدة لاستعادة مواقعها وهيمنتها من جديد . على هذا الصعيد يؤكد الشباب وقوى المعرضة المصرية على قضايا جوهرية أنية مثل تعزيز الوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين ، وحل ما تبق من هياكل الحزب الوطني (الحاكم سابقا ) ، ومجلس الشعب ( المزور ) ، وإقالة المحافظين والعيد من القيادات الإعلامية الذين يمثلون امتدادات قوية للنظام السابق ، باعتبارها ضمانات لنزاهة وحيادية الانتخابات المقبلة المقرر إجراءها في سبتمبر القادم . يتعين هنا عدم إغفال تلك المخاوف و التوجسات والتحذيرات حول المخاطر الكامنة التي تحدق بالمكتسبات والمنجزات التي حققتها ثورتي تونس ومصر رغم طابعهما السلمي والتأييد الذي حظيتا به من قبل القوى المؤثرة في العالم . الأسئلة المطروحة هنا : ماذا عن مصير وأفاق التغيير في بلدان عربية أخرى اتخذت نظمها الحاكمة إجراءات وتغيرات إصلاحية بمستويات ودرجات متباينة لتلبية بعض مطالب الشعب، و لقطع الطريق أمام تصاعد الاحتجاجات الجماهيرية ورفع مستوى مطالبها لاحقا ، كما هو الحال في المغرب والأردن والجزائر وغيرها . تلك المطالب تمحورت حتى الآن حول شعار " الشعب يريد إصلاح النظام " ؟ من جهة أخرى ما هي أفاق التغير في بلدان أخرى انتهجت أنظمتها أسلوب المواجهة الدموية الشاملة إزاء مطالب الشعب كما هو الحال مع نظام القذافي الديكتاتوري الشرس ، أو الاستخدام المفرط للقوة ضد الشباب وقوى المعارضة كما الحال في اليمن والبحرين وعمان وسوريا وغيرها ؟ وللحديث صلة
#نجيب_الخنيزي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المخاض الليبي العسير!
-
حقوق المرأة في يومها العالمي
-
المخلص المنتظر؟
-
نجيب الخنيزي في حوار استثنائي مفتوح حول: الحراك الاجتماعي وا
...
-
الجيش والسلطة في البلدان العربية
-
بقاء الحال من المحال !
-
العالم العربي .. إصلاح أم ثورة؟
-
ياسيد البيد .. كم نفتقدك حين تغيب وسط الضباب!
-
العالم العربي .. أزمة بنيوية شاملة ! الحلقة 2-2
-
العالم العربي .. أزمة بنيوية شاملة! «1/2»
-
مثقفون وحقوقيون يدينون العمليات الإرهابية ضد المسيحيين في ال
...
-
الدولة العربية .. ومستلزمات ترسيخ الوحدة الوطنية!
-
السودان إلى أين؟
-
دول مجلس التعاون الخليجي ومستلزمات الوحدة الخليجية (2-2
-
دول مجلس التعاون الخليجي ومستلزمات الوحدة الخليجية
-
مثقفون وحقوقيون خليجيون يصدرون بياناً بشأن الأحداث الأخيرة ف
...
-
تسريبات ويكيليكس في ظل القانون الدولي
-
اليوم العالمي للطفولة «2-2»
-
اليوم العالمي للطفولة
-
محنة المسيحيين .. أم محنة العراق ؟
المزيد.....
-
-خطوة مهمة-.. بايدن يشيد باتفاق كوب29
-
الأمن الأردني يعلن مقتل مطلق النار في منطقة الرابية بعمان
-
ارتفاع ضحايا الغارات الإسرائيلية على لبنان وإطلاق مسيّرة بات
...
-
إغلاق الطرق المؤدية للسفارة الإسرائيلية بعمّان بعد إطلاق نار
...
-
قمة المناخ -كوب29-.. اتفاق بـ 300 مليار دولار وسط انتقادات
-
دوي طلقات قرب سفارة إسرائيل في عمان.. والأمن الأردني يطوق مح
...
-
كوب 29.. التوصل إلى اتفاق بقيمة 300 مليار دولار لمواجهة تداع
...
-
-كوب 29-.. تخصيص 300 مليار دولار سنويا للدول الفقيرة لمواجهة
...
-
مدفيديف: لم نخطط لزيادة طويلة الأجل في الإنفاق العسكري في ظل
...
-
القوات الروسية تشن هجوما على بلدة رازدولنوي في جمهورية دونيت
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|