|
بالونات اختبار .. دمقرطة الاستبداد
بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 993 - 2004 / 10 / 21 - 10:31
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
ثمة بالونات اختبار تظهر في هذه الأيام في الفضاء السياسي السوري ، تشي أن جديداً ما ، فيما يتعلق بالحراك السياسي المعارض ، يجري إعداده في مركز القرار الحاكم ، الغاية منها جس نبض المعارضة ، لمعرفة مدى ا ستعدادها وقابليتها للتكيف مع صيغة " مفخخة " لقانون أحزاب يحدد القوالب لأطرها وسقوف حراكها وسياساتها . منها ، أن القانون يستوجب قبل كل شئ الولاء للدستور الراهن دون أي تعديل ، أي القبول بقيادة حزب البعث للدولة والمجتمع ، ومنها .. أن القانون يحدد عدد طالبي التأسيس لحزب جديد بخمسة آلاف مواطن مكتملي الأهلية القانونية وينتمون لمعظم المحافظات السورية ، وعدد أعضاء المؤتمر التأسيسي لايقل عن ألف عضو . ومنها .. أن القانون يتطلب الشفافية الكاملة في عمل الأحزاب وتوجهاتها ومواردها المالية . دون أي ذكر لإلغاء أو رفع حالة الطوارئ والأحكام العرفية ودون كف يد الأجهزة الأمنية عن الإعتقالات التعسفية
ورغم أن هذه البالونات تنفقع ما أن تنطلق ، ولاتترك أي صدى ذا قيمة بالنسبة للمواطن العادي الذي يمتلك الحد الأدنى من الوعي السياسي ، فإنها تحمل عنوان مرحلة جديدة هي امتداد للمرحلة الحالية ، وتكشف عن صيغة جديدة في تعاطي النظام مع قوى المعارضة ، لاتخرج عن كونها طبعة ثانية معدلة بسذاجة في الشكل لصيغة "الجبهة الوطنية التقدمية "التي عفى عنها الزمن . وهذا ما يتطلب من قوى المعارضة التهيؤ لملاقاة ما هو آت ، في الأسابيع أوالأشهر القادمة ، الذي سيضع الصراع ضد الاستبداد أمام مرحلة جديدة .. مرحلة يعد النظام لها جيداً . فإلى جانب طرح قانون أحزاب تعجيزي بالنسبة لقوى كابدت القمع والسحق والتصفيات أكثر من ربع قرن ، يجري على قدم وساق توظيف احتياطيات ملتبسة ، سوف تفتتح بدعم من النظام ، موسم التهافت على طلبات الترخيص ، ضمن البيئة القمعية وتحت سقف الدستور الراهن وسلطات الطوارئ والأحكام العرفية . وهذا ما سيشكل جدار عزل بين القوى المعارضة والشرعية القانونية الديمقراطية ، ويسيج النظام بمعارضة متواطئة
بمعنى آخر ، لقد انتهى موضوعياً زمن الأحزاب النخبوية الصغيرة التي تقوم على بضع عشرات من المحازبين ، وولى زمن تأسيس حزب من خمسة أ شخاص ، وآن الأوان لوجود الأحزاب الكبيرة .. لمواجهة الأهداف الكبيرة . وحسب مقولة " رب ضارة نافعة " فإن تلك البالونات قد دقت جرس الإنتباه لتوديع مرحلة حزبية مذررة فات أوانها . وبات واضحاً ، أنه ليس من العافية السياسية والوطنية بشئ ، أن يستمر في الحاضر والمستقبل وجود عشرة أحزاب في كل تيار سياسي أو فكري . وليس من المصداقية بشئ ، الدعوة إلى الوحدة الوطنية أو وحدة المعارضة وترفض في آن واحد الوحدة الحزبية لفصائل تحمل فكراً وسياسة متماثلة . وهذا لايلغي حق أو امكانية تشكيل أحزاب ومنظمات صغيرة ستشق طريقها في الحياة السياسية دون إذن من أحد ، لكنها بسبب صغرها وتشتتها وصراعاتها لاتستطيع أن تحقق أهدافها " الكبيرة "
وعليه ، لابد من طرح السؤال المستفز .. أي حزب من أحزاب المعارضة يقبل بقانون أحزاب بشروط النظام الدستورية والأمنية ويهرول طلباً للترخيص " على ذمة هكذا قانون .. بل أي حزب من أحزاب المعارضة قادر على تأمين الشرط العددي للقانون ، ووضع نفسه با سم الشفافية تخت الرقابة الأمنية؟.
صحيح أن أحزاب المعارضة التي قارعت الاستبداد أكثر من ربع قرن ، وقدمت التضحيات والشهداء على مذبح الحرية والكرامة الإنسانية ، هي أحزاب ذات وزن سياسي كبير ، وهذا ما نفاخر به في تاريخنا المعاصر ، إلا أن الوزن السياسي لايحل محل الوزن العددي الذي يتطلبه الترخيص القانوني ، وهذا جانب من لعبة النظام غير النزيهة لإلغاء أو تحجيم المعارضة . ولتلافي هذا الخلل في ميزان المعادلة الحزبية الراهنة لاغنى عن الشراكة مع الأنداد إن صح التعبير ، وايجاد صيغة حزبية تقوي وتكبر حجوم المعارضة . ولاغنى عن الإلتزام بأ سس .. تبدو مصيرية .. ليس حزبياً وإنما وطنياً أيضاً .. للدخول في المرحلة القادمة وهي ، احتراماً لتاريخ ولذات ودورالمعارضة التاريخي ولمصلحة تحقيق برامجها وأهدافها ، ألا تقبل التحرك خطوة واحدة ضمن شروط النظام لقنونة العمل الحزبي ، تلك الأسس التي بلورتها التجربة المريرة مع الاستبداد ، والتي أصبحت بمثابة لازمة أو خاتمة لخطابها السياسي . ولعل أهمها للتعاطي مع أطروحات القنونة الحزبية هي
طرح مشروع القانون على النقاش العام . على أن تأخذ صيغته النهائية تحديد عدد المؤسسين والمؤتمرين وفق الظروف المضوعية الراهنة للقوى والأحزاب السيا سية ، والمساواة في الحقوق لكافة الأحزاب
إلغاء حلة الطوارئ والأحكام العرفية في الشأن الداخلي وكافة ما تفرع عنها من محاكم وأحكام وأجهزة
الإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين ، والسماح بعودة المنفيين قسراُ أو طوعاً إلى الوطن ، وإلغاء القرارت والأحكام الجائرة بحقهم
إتاحة فترة إنتقالية كافية تتسم بالحرية والديمقراطية والأمان ، لإحياء المجتمع المدني ، وبناء المجتمع السياسي ، قبل تطبيق القانون
ولإدراكنا أن النظام لن يقبل تطبيق أي بند مما ذكر أعلاه ، فإن تلك البالونات ستظل تنطلق وتنفقع ، إلى أن يستجيب مركز القرار الحاكم للمطلب الديمقراطي الأساس الذي يطلق الحرية للشعب ، لتنطلق إرادته الخلاقة ، لمواجهة الاستحقاقات المطروحة أمام الوطن ، أو إلى أن تتمكن المعارضة من تحقيق ذلك .. حين تعيد بناء ذاتها وتوحد صفوفها وتبلور برامجها وتغوص في أعماق الشعب
وتبقى حقيقة ساطعة لايمكن أن يتجاهلها أحـد .. لاديمقراطية مع الاستبداد
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحقوق العمالية .. ومعوقات حركة التغيير الديمقراطي
-
وسام حرية على صدر الحوار المتمدن
-
الصفقـة الخاسرة .. السؤال الملح الآن
-
عن اليسار والقوى العلمانية والديمقراطية
-
ثلاثون عاماً على النقابية السياسية بديلاً للنضال المطلبي 2
-
ثلاثون عاماً على النقابية السياسية بديلاً للنضال المطلبي
-
متى ترفع حالة الطوارئ والأحكام العرفية في سورية
-
إلى عاشق الحرية والحب والفرح .. عماد شيحا
-
انتصار ميسلون
-
مابين الأمير .. والجلاد .. والضحية
-
الإصلاح في سورية .. والخيارات المفتوحـة
-
نحو نهوض كفاحي ضد عالم الاستغلال والقهر
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|