|
مغالطة التاريخ ( الحركة الوطنية )
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 3323 - 2011 / 4 / 1 - 14:19
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ان البحث في تاريخ ما يسمى ب ( أحزاب الحركة الوطنية ) ليس بالأمر الهين أو السهل ، لأنه قد يكون بحثا في موضوع طوباوي مصطنع بسبب الهالة التي أصبغت على هذه ( الحركة )، وقد يكون بحثا في ظاهرة من الظواهر التي استرعت باهتمام العديد من الكتاب المأجورين الذين وظفوا ( الظاهرة العجب العجاب ) لخدمة مصالح سياسية وطبقية ضيقة مؤدى عنها ، وليس لها أية علاقة بموضوع الظاهرة كظاهرة حقيقة في الزمكان . بل وللغرابة فقد استمر التعامل الشوفيني والعنصري في توظيف الظاهرة لخدمة أغراض طبقية وعرقية محضة حتى خلال الفترة التي تلت الاستقلال السياسي للمغرب ، وذلك بهدف خدمة مرامي معينة من خلال إضفاء نوع من الطقوس والتقديس على بعض الأحزاب التي عرفت كيف توظف وتحول غنائم الاستقلال لخدمة مصلحتها الضيقة ومصالح طبقتها ومن يقتات من فئات من فتاتها خاصة أولئك المنتسبين إلى هذه الهياكل من أبناء الهوامش والأطراف ، ومن ثم زرع بذرة التفرقة العنصرية الظالمة بين من احتكر الاستقلال السياسي لخدمة عشيرته ، وبين من وجد نفسه بين عشية وضحاها محروما من أي مشروعية تاريخية أو لاهوتية لإثبات وجوده في مواجهة من قطف / سرق خيرات البلاد باسم مشروعية حركية كدبتها العديد من الحقائق الساطعة التي أعقبت الاستقلال ، الأمر الذي تولد معه ومع مرور الوقت استئناس سماع سمفونية ما يسمى ب ( الحركة الوطنية ) و ( أحزاب الحركة الوطنية ) و (أحزاب الإدارة ) او الكوكوت مينوت ، واستخدام هذا المفهوم للتمييز بين المغاربة على نحو أن هناك مجموعة ( وطنية )لها كامل الحقوق في الوطن ،ومجموعة غير وطنية فرض عليها العيش في الهامش وليس لها من المغرب غير الاسم والانتساب الشكلي بالجنسية التي لن تحميك كالجنسية الأمريكية حين تكون خارج الوطن . وقد نتج عن هذا الاختلال الخطير الذي يستند إلى الاكاديب والى مغالطة التاريخ ، أن المجموعة الأولى وأبناءها وعشيرتها يتولون وحدهم المسؤوليات والمناصب السامية التي يتوارثونها أبا عن جد وهم أقلية قليلة في المغرب ، ويكفي هنا الإشارة إلى التعيينات التي عرفتها الحكومة السابقة والحالية لتسمع دائما الشبكة العنكبوتية لآل الفاسي ، غلاب ، الدويري ،بادو ،بوسعيد .. الخ . أما الأكثرية التي تكون القاعدة العريضة من الشعب المغربي من برابرة وعروبيين ،فمكانهم قواعد الجيش ، الدرك ، الشرطة والقوات المساعدة . إنهم وحدهم ملزمون بتقديم ضريبة الفداء والدفاع عن الوطن بدمائهم الطاهرة في الصحراء ، وأينما ناداهم الواجب الوطني ، وهي نفس الضريبة أداها اباءاهم وأجدادهم خلال فترة مواجهة الاحتلال الكلونيالي البغيض لبلادنا . في حين نجد أن الأقلية الإقطاعية قد جنت وقطفت ما غرسه هؤلاء بنضالهم و تضحياتهم بغير وجه حق مباشرة بعد حصول المغرب على استقلاله السياسي . فأصبحت الأقلية تستغل لوحدها خيرات البلاد ( الأسياد ) في حين تمثل الأكثرية دور القن او العبيد المسخر دائما لحماية الأقلية المترفة التي تتوارث كل شيء في المغرب أبا عن جد بل يورثونه لا بناءهم من بعدهم وهكذا طالما استمر الخلل ينخر العلاقة بين مكونات المجتمع المغربي بشكل استغلالي بشع ، وطالما ان الشعب المغربي لم يقم بما يقتضيه إعادة الأمور إلى نصابها ، أي تصحيح وجه التاريخ . قبل الدخول في الموضوع أجد من الضروري أن نطرح بعض الاستفسارات او التساؤلات . إذا كان أداء الخدمة الوطنية الإجبارية ( التجنيد في الجيش )يشمل أبناء وبنات كبار الشخصيات وبما فيهم رؤساء الجمهوريات في الولايات المتحدة الأمريكية واروبة وإسرائيل . لماذا في المغرب يستثنى من أداء هذه الخدمة آل الفاسي ، غلاب ، الدويري ،بادو ... وأبناء (زعماء الأحزاب والنقابات ) وكبار المسؤلين ، وهم أقلية في المجتمع ؟ لماذا اقتصار هذه الخدمة على البرابرة والعروبيين فقط ؟ هل دم الفئة الأولى غالي الثمن ،ودم الفئة الثانية رخيصه ؟ كيف للفئة الثانية ان تستشهد في الصحراء ، وتسجن لفترة وصلت الى ستة وعشرين سنة في سجون البوليساريو ، في حين تحتكر الأقلية الخيرات والمناصب والثروة ؟ لماذا أبناء الفقراء حاملي الشواهد العليا يمنعون من حقهم في الشغل ، فيعتصمون أمام البرلمان للمطالبة بتطبيق الدستور ، لتنهال عليهم هراوة مدير البوليس الشرقي الضريس ، في حين ان أبناء الأقلية الفاسدة المترفة على حساب الوطن ، تلج سوق الشغل بكل بساطة وسهولة مستفيدة من الزبونية والعائلية والمحسوبية ، ومن غير ان يعتصموا أمام البرلمان ، أو تنالهم هراوات الشرقي الضريس ؟. بدءا نؤكد على حقيقتين أساسيتين هما : الحقيقة الأولى هي أن القول ب ( أحزاب الحركة الوطنية ) التي لم تعد موجودة بانتقال أصحابها المؤسسين الى دار البقاء ، لا يعني القول بحركة المقاومة في المدن ، كما لا يعني القول بجيش التحرير الذي جاهد في السهول والجبال . وللتذكير فان خلايا المقاومة وجيش التحرير تكونت من لبها من البرابرة والعروبيين الذين ارتبطوا مع العرش وليس مع الأحزاب التي كان على رأسها ( حزب الاستقلال) الذي كان يستنكر العمليات المسلحة التي كانت تتجاوزه ، وكانت تحدث له حرجا مع الإدارة الفرنسية . لقد رفض حزب الاستقلال المقاومة المسلحة ، وعوضها بالتحرك البوليميكي الموجه الى أمريكا ، اروبة والشرق . وحتى سنة 1947 لم يكن حزب الاستقلال منسجما في مكوناته الأساسية بفعل تضارب العديد من المصالح الشخصية التي وجدت التربة خصبة في أحداث 25 يناير و6 شتنبر 1959 بفعل تدخل كل من الجنرال محمد افقير ، الجنرال المدبوح ، ادريس لمحمدي ، المهدي بن بركة ، مولاي مصطفى العلوي ، لغزاوي ... الخ . وقبل هذه المحطة المفصلية في تاريخ الحزب ، نشير الى ان الاختلافات التي بدأت بالظهور داخل الحزب ، خاصة بعد سنة 1947، وما أسفر عنها من تضارب في المواقف بخصوص تقييم ظروف المرحلة ، علاقة السياسي بالعسكري ، والتحضير من طرف بعض الأجنحة في اللجنة التنفيذية لممارسة الحجر السياسي على القصر وعلى الشعب ، والاختلاف حول سؤال الساعة الذي كان يتمحور حول المشروع المجتمعي الذي كان يحظر له والذي لم يكن يختلف عند البعض عن شكل ( الملكية البرلمانية ) و عند البعض الآخر لم يكن يختلف عن نظام ( الجمهورية البرلمانية )، أي الصراع على الحكم ،،، هو الذي تسبب في حدوث العديد من المجازر ذهب ضحيتها كل من أعلن تعلقه بالعرش وارتباطه بالملك ، ورفض الأحزاب التي كانت تحضر لمرحلة التجاوزات التي جسدتها عدة محاولات مريرة مر بها المغرب منذ بداية الستينات وحتى مطلع النصف الثاني من السبعينات . في هذا الخضم تندرج مجازر حد كورث ، تصفية عباس المسعدي ، تصفية واغتيال المقاومين الحقيقيين بشوارع مدينة الدار البيضاء ، الرباط ، واد زم . وكان التبرير الوحيد الذي كان يعطيه وزير داخلية الحزب ادريس لمحمدي ، ان الاغتيالات هي بسبب تصفية حسابات سياسية بين المقاومين تعود الى فترة النضال ضد الاحتلال الكلونيالي . في حين ان المسئول المباشر عن كل ما حصل كانت اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال قبل انفجار 1959. الحقيقة الثانية التي نريد التأكيد عليها ، هي أن القول بما يسمى ب (أحزاب الحركة الوطنية ) لا يعني فقط ( حزب الاستقلال ) الذي وظف هذا ( الإرث ) لخدمة البرجوازية الفاسية الميركانتيلية . لكنه يشمل كذلك حتى الأحزاب التي انفصلت عن الحزب المذكور ، إضافة الى حزب الشورى والاستقلال الذي ثار ضد دكتاتورية حزب الاستقلال فرفض التوقيع على وثيقة 11 يناير 1944 ، لأنه اعتقد عن خطا ان الوثيقة المذكورة هي من إعداد رموز داخل الحزب ، رافضا الاتجاه المحافظ لحزب الاستقلال ومناصرا الاتجاه الليبرالي التقدمي لحل المسالة الوطنية . لقد انعكس الخلاف بين الحزبين ، ليتحول الى خلاف شخصي بين علال الفاسي وبين محمد بن الحسن الوزاني رحمهما لله ، وهو نفس الخلاف لاحظه المتتبعون للشأن السياسي المغربي بين الرجلين بخصوص موقف كل منهما من انقلاب الصخيرات في سنة1971 . وللحقيقة والتاريخ نؤكد ان وثيقة 11 يناير 1944 كانت من الهام وصنع الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله الذي كانت فرنسا الاستعمارية تلقبه بالأمير الأحمر بسبب مواقفه السلبية من نظام الحماية . لقد تم تحرير الوثيقة بالقصر الملكي ، ومنه سربت الى الخارج حيث وقع عليها العديد من السياسيين الى جانب رهط من البشر وقع عليها صدفة ، ولم تكن لهم اية علاقة بالمسالة الوطنية ، بل منهم من كان كاتبا إداريا بالإدارة الاستعمارية ، فاستغلوا هذه الفرصة التي لم تكن منتظرة ليستثمروا توقيعهم في مراكمة الأموال والظفر بالامتيازات المختلفة عند حصول المغرب على استقلاله . إن هذه الحقيقة تجعل كل متتبع وملاحظ يضع علامة استفهام لجزء من تاريخنا الوطني . ان الذي استفاد من نتائج الاستقلال الأقلية البرجوازية الفاسية وأبناء الإقطاع من باشوات وقياد ومعمرين جدد وأبناء الضباط الذين عملوا بالجيش الفرنسي . انه نفس الغبن لحق شهداء الصحراء وعوائلهم ، ولحق الجنود الذين كانوا في الأسر لذا البوليساريو والجزائر . أما بخصوص الحزب الشيوعي المغربي الذي وصفه عبدالكريم غلاب في كتابه " تاريخ الحركة الوطنية " بالخيانة العظمى ، فانه لم يكن كحزب الاستقلال وحزب الشورى والاستقلال ، لكنه تعامل مع المسالة الوطنية بحكم الإيديولوجية وملابسات السياسة الدولية ، وبحكم انتماء وبنية الحزب التي تحكمت فيها العناصر الشيوعية الفرنسية . لقد أولى الحزب الشيوعي المغربي أهمية كبيرة للعمل النقابي والسياسي وسط العمال والفلاحين والطلبة مزاحما في ذلك حزب الاستقلال الذي كان يخطط للاستحواذ بطريقته الخاصة على الحكم . في نظرنا فان السبب الذي جعل الحزب الشيوعي المغربي يركز في معالجته المسالة الوطنية وسط الطلبة والعمال ، ان بعض أطره كانت تعتقد انه إذا حصل انفصال المغرب عن الاتحاد الفرنسي وحصل على استقلاله السياسي ، وهو ضعيف البنية والتكوين ، فانه سيكون سهل الابتلاع من طرف الولايات المتحدة الأمريكية . ومن ناحية أخرى فان خطر الفاشية والنازية باروبة دفع بالحزب الشيوعي المغربي الى التركيز على مواجهة هذا الخطر الأشد على القضية الوطنية التي سيأتي حلها لاحقا . وهذا يعني ان الحزب الشيوعي المغربي الذي كانت أغلبية أطره فرنسية ، كان يراهن على حل المسالة الوطنية على وصول اليسار الفرنسي الى الحكم وتمكينه المستعمرات من الاستقلال . اما عن سبب عدم تدعيم الحزب لوثيقة 11 يناير 1944 رغم وجود عناصر وطنية ضمن صفوفه ، فانه يرجع الى سيطرة الفرنسيين على الحزب ، وخوف الحركة الشيوعية الفرنسية من توجهات الجناح المركانتيلي والمحافظ داخل حزب الاستقلال ( عدو طبقي ). الواقع ان وصف عبد الكريم غلاب بالخيانة الحزب الشيوعي المغربي ، لا يجب ان ينسينا ان الأستاذ محمد بن الحسن الوزاني زعيم حزب الشورى والاستقلال ، لم يوقع بدوره على وثيقة 11 يناير 1944 التي ادمجها المركانتيليون الفاسيون في وثيقة التعادلية في 11 يناير 1963. فهل يجب الاتفاق مع عبدالكريم غلاب الذي كان دائما في عموده الذي كان يكتبه ( مع الشعب ) في وصف الحزب الشيوعي المغربي بالخيانة العظمى من المسالة الوطنية ؟ وهل يجوز إطلاق نفس الأوصاف القد حية على حزب الشورى والاستقلال ؟. اذا علمنا ان الأعضاء التي أشرفت على تنظيم الندوة التأسيسية الأولى للحزب في 14 نونبر 1943 كانت كلها فرنسية . واذا علمنا ان أغلبية المؤتمرين الذين حضروا المؤتمر الوطني الأول للحزب سنة 1946 ، والقيادة التي ستنبثق عن هذا المؤتمر فرنسية الأصل ، أمكننا ان نعرف لماذا ارتبط هذا الحزب بالحزب الشيوعي الفرنسي الذي كان له تصور مغاير من المسالة الوطنية . ومع هذا فان نعت الخيانة التي أطلقه من كان ( مع الشعب )لا يجد أساسه الطبيعي في هذا الإطار . ان الحزب الشيوعي المغربي سجل تحولا جذريا من المسالة الوطنية اثناء انعقاد المؤتمر الوطني الثاني في سنة 1949 ، فحقق نقلة نوعية في علاقته بالحزب الشيوعي الفرنسي وبالمسالة الوطنية . وبسبب هذا التحول الذي تحقق بفضل انتقال القيادة من مكتب سياسي ولجنة مركزية الى عناصر وطنية ، سيتمكن الحزب من رسم اتجاه آخر في تحديد موقفه من القضية الوطنية ، فتمكن خلال الفترة الممتدة من سنة 1951 والى 20 غشت 1953 من إنشاء منظمة مسلحة عرفت ب (الهلال الأسود ) فشاركت في عملية المقاومة الى جانب المنظمات الشبه عسكرية التي اشرف عليها الفقيه محمد البصري واحمد اكوليز وآخرون . ان هذا التحول يعد كافيا لإبعاد وصف الخيانة التي أطلقها على الحزب عبدالكريم غلاب . كتب الأستاذ علال الفاسي رحمه الله في كتابه ( الحركات الاستقلالية ) صفحة 127 " يكاد العهد الذي يفصل بين 31 مارس سنة 1912 و 16 مايو 1930 ان يكون عهد كفاح عسكري محض ، لان الأغلبية الساحقة من سكان البلاد أعلنت الثورة بعد توقيع الحماية ، ولم يمكن إخضاعها الا بعد جهود جبارة وبصفة تدريجية ، ولان نخبة الجيل الذي سبق الحماية او عاصرها التجأت كلها الى الجبال تقود الثورة وتدبر الكفاح . والذين غلبتهم القوة على أمرهم أصيبوا بدهشة العسكري المغلوب الذي لا يستطيع أي عمل بعد تجريده من السلاح ..". ان هذا النص الواضح يعني انه لتخطي وتجاوز هذه ألازمة النفسية التي ترتبت على دهشة العسكري المغلوب على أمره ، يجب انتظار نشوء جيل جديد متشبع بروح المقاومة السلمية التي لا تعطي السلاح المقام الأول في كل حركة . ويمكن التعاطي مع تعريف الأستاذ علال الفاسي للفاعلين السياسيين من خلال قراءتين اساسيتين : 1 – القراءة الأولى تاريخية ، نجد فيها علال الفاسي قد حاول تسليط الأضواء على ثلاثة مراحل تشكل وتحاول تقديم وعيه الشقي البرجوازي الفاسي صنيع القرويين بأهمية العمل السياسي المديني الوطني ، بدل العمل العسكري البربري العروبي الذي كان يهدده ويهدد وعيه ومصالحه . ويمكن ان نخلص هذه القراءة التاريخية في المحطات التالية : ا ـ مرحلة الكفاح المسلح في الجبال والسهول الذي قادته القبائل البربرية والعروبية التي رفضت الحماية وقررت مواجهة المحتل الكلونيالي البغيض . وتمتد هذه الفترة من 1912 الى 1934 من القرن الماضي . ب ـ مرحلة وصول العمل العسكري الى الباب المسدود وفشله في بلوغه هدفه الذي انتهى الى تجريد السكان من السلاح . ج ـ مرحلة بلوغ جيل جديد او طبقة برجوازية مدينية جديدة متشبعة بالمقاومة السلمية والنضال البوليميكي بغرض الدعاية الموجهة الى الخارج . وهذا يعني في فكر أصحابه انتصار المدينة على الجبال والسهول ، وانتصار البرجوازية الفاسية على المقاومة المسلحة بالمدن وجيش التحرير بالبوادي والجبال اللذان كان يشكلان نقيضا طبقيا لها . وسيتجلى هذا بكل وضوح في البداية الأولى للاستقلال ، حيث شرعت اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال في إصدار أوامر تجيز إعدام العديد من اطر حركة المقاومة وجيش التحرير . يلاحظ من قراءة هذا النص الذي يلخص فكر البرجوازية الفاسية ، ان علال الفاسي في معرض معالجته لتاريخ المغرب ، لم يكن يرى التاريخ في تاريخيته ، لأنه أراد إغماض العين عن حقيقة الصراع وأشكال تطوره وعن حقيقة الأحداث المسترسلة ، لأنه كان يدرك بحسه الطبقي والفئوي والجغرافي أهمية التناقض الأساسي في فكر سكان الجبال والبوادي المختلف جذريا عن فكر الطبقة الفاسية المركانتيلية التي وظفت الاستقلال بما خدم مصلحتها على حساب المصالح الأساسية لشعب المغربي . ان هذا التخوف لذا علال الفاسي وطبقته ترجمته عدة أحداث حصلت بالمغرب ضد دكتاتورية حزب الاستقلال ونذكر منها انتفاضة الشهيد عدي اوبيهي بتافيلالت حيث أعدمه الطبيب ( طولينو ) مدير مستشفى ابن سيناء بأمر من افقير ، كما ظهرت في انتفاضة المحجوبي احرضان بتأسيسه الحركة الشعبية ، وترجم الاختلاف بالواضح في انتفاضة أحداث الريف في سنة1958 ، كما ظهر في الانقلاب العسكري لسنة 1971 وانقلاب 1972 اللذين أطرتهما عناصر بربرية وعروبية مناهضة للبرجوازية الفاسية . ان اغلبية الوزراء الذين القي عليهم ( القبض ) مباشرة بعد الانقلاب فاسيون . هذا دون أن ننسى مشروع جمهورية الريف لعبد الكريم الخطابي . وحتى يقلل علال الفاسي من أهمية الحقيقة التاريخية الممتدة من 1912 والى 1934 قام باختزال مكشوف للمرحلة عن طريق تطويعها لضرورة القراءة التاريخية التي هي على نحو واضح قراءة فلسفية للتاريخ ، أي قراءة برجوازية متحيزة وليست علمية وموضوعية . وربما ان علال الفاسي الذي شعر بالخطر الذي ستسببه الجبال والبادية عند حصول المغرب على استقلاله بسبب تضارب وتناقض المصالح مع آل الفاسي ، حاول استعمال الإيديولوجية للتمويه وإخفاء حقيقة التناقض الذي لا يزال جاثما حتى الآن على صدر البرابرة والعروبيين . 2 ـ القراءة الثانية هي القراءة الإيديولوجية لعلال الفاسي للتاريخ ، وهو ما يفيد اختزال التاريخ في الإيديولوجية . أي ان علال الفاسي قام باختزال مكشوف في التاريخ من اجل توفير إمكانية هذا الاختزال . ونستخلص هذا الاستنتاج في نص علال الفاسي ذاته حين قال ان الكفاح المسلح الذي قام به الجيل الأول انتهى الى الفشل والى الباب المسدود ،في حين ان عنوان المرحلة الحالية هو العمل السياسي الذي ستتحمل مسئوليته البرجوازية الفاسية المدينية . اما الجبال والبادية بحكم فشلهما منذ 1912 فيبقيان تابعين لجهلهم بالسياسة وبالدبلوماسية وفنونهما التي يتقنها الفاسيون ، ثم لجهلهم للثقافة وللإيديولوجية . هنا فان علال الفاسي كان ينظر للانتشار والسيطرة على مختلف دواليب وقطاعات الدولة الأساسية عند حصول المغرب على استقلاله ( الابناك ، الشركات الكبرى ، المؤسسات الاستراتيجية ، وزارة الخارجية ، المؤسسات العمومية والمناصب الوزارية ... الخ ) . وعليه ومن خلال هذا التشويه الذي تعرض له تاريخ المغرب السياسي من طرف أولئك الذين استغلوا هذا التاريخ ووظفوه في خدمة أغراض سياسية وطبقية معروفة ، فراكموا الثروات وحصلوا على الامتيازات ، وهو ما حرم منه ابناء المقاومة وجيش التحرير وابناء شهداء القوات المسلحة الملكية في الصحراء ،،، تاتي هذه الدراسة لا لمعرفة تاريخ بعض الأحزاب التي وظفت عنوان ( الحركة الوطنية ) و (أمجادها ) ، ولكن لاستخلاص القوانين المتحكمة في مجرى الصراع وذلك حتى يمكن تجاوزها وتصحيح الخلل الناتج عنها . لذا فان الأساس في هذه الدراسة لا يتعلق باستعراض جزئيات الحركة و لا بجزئيات الأحداث التاريخية إلا بالقدر المسموح به في الاستنباط . فهي بذلك دراسة نقدية في الصميم لهذه ( الحركة ) في سياق تاريخي محدد . اذا كانت ( الحركة الوطنية ) تعني مجموع ردود الفعل العضوية او المنظمة لشعب او لأمة من اجل الدفاع عن السيادة الوطنية ، فان ( الحركة الوطنية ) في المغرب تمثل في الذاكرة الشعبية المقاومة وجيش التحرير ، وتمثل في ذاكرة السياسيين ( الأحزاب ) التي تكفلت بالتحضير لشروط المرحلة الجديدة التي ستتوافق مع المصالح الحالية للفئات السياسية التي ستنظر بإفلاس العمل العسكري الذي قادته الجبال ( البرابرة ) والسهول ( عرب البادية ). وكيف ما كانت التقييمات والأحكام التي تدعم وجهة النظر وهذا الجديد الذي أفتى بفشل مرحلة من مراحل الكفاح الوطني الجدري ،تتحدد مرحلة النضال الوطني مع بداية تدخل الاستعمار الفرنسي الى المغرب سواء عسكريا او دبلوماسيا من خلال الاتفاقيات الدولية لتوزيع مناطق النفوذ بين الدول الإمبريالية . لقد توج التدخل الفرنسي بالمغرب بإبرام عقد الحماية في سنة 1912 ، وما تبعتها من اتفاقيات مجحفة بين فرنسا وأسبانيا حول المنطقة الشمالية من المغرب . وبين فرنسا وبريطانيا حول نظام طنجة الدولي . لقد كان هذا الوضع يعني في الفكر السياسي الإمبريالي إلغاء دور الدولة المغربية في المجتمع وتطويعها في محاولات يائسة حتى تصبح سندا أساسيا للاستعمار . الأمر الذي جعل محمد الخامس و نجله الحسن الثاني رحمه الله الذي كانت فرنسا تنعثه بالأمير الأحمر يقدمان الدعم والمساندة للقوى التي استرعى اهتمامها بالمسالة الوطنية . و لا أذل على ذلك ان الحسن الثاني كان وراء وثيقة 11 يناير 1944 ، حيث حررت بالديوان الملكي وخرجت منه خلسة ، ولتعود محملة بالتوقيعات التي استثمرت هذا الحدث في مراكمة الثروات والظفر بالامتيازات على حساب الدولة والشعب . اما عن الوجدان الشعبي المغربي ، فكانت كل هذه التحولات تعني خلق الظرف الموضوعي لتفجير الحماس الوطني وإعلان المقاومة بشكلها العام . أي تنظيم حركة رد الفعل المضادة للإدارة الكلونيالية الفرنسية . لقد تبلورت حركة المقاومة في مواجهة الإدارة الاستعمارية من خلال ثلاث مرحل متباينة في شكلها التنظيمي والنضالي . تتحدد هذه المراحل كالاتي : ا ـ مرحلة المقاومة المسلحة التي قادتها القبائل المغربية ممثلة بجيش التحرير المغربي في الجبال والبادية . تبتدئ هذه المرحلة من 1912 الى 1934 .كانت القاعدة العريضة البشرية لهذه المقاومة تتكون من الفلاحين والرعاة والمستضعفين يقودهم بعض زعماء القبائل المجاهدين مسترشدين في ذلك بالواعز الديني والاثني وارتباطهم بالارض منطلقين من احساس ايماني ووطني وعاطفي . وللاشارة فقد تميزت هذه المرحلة باختلاف اساليب المواجهة ، واختلاف الا فكار السياسية التي اطرت حركة المقاومة . ولعل حركة الهيبة في الجنوب والثورة الريفية بالشمال وانتفاضة موح او حمو الزياني بالأطلس المتوسط تشكل انضج وابرز فضائل هذه الحركة في تاريخ المغرب في بداية القرن الماضي . فالثورة الريفية مثلا تميزت بقدرتها على الربط بين المقاومة المسلحة وبين المنظور السياسي الإيديولوجي متجاوزة بذلك الاقتصار على العصبية القبلية التي كانت نبراسا في توحيد العمل الوطني لمواجهة الحماية الغاشمة . ب ـ حركة الإصلاحات السياسية التي قادتها المعارضة السياسية المدينية بتوجيه وإشراف من القصر . تمتد هذه الحركة من نهاية الربع الاول من القرن الماضي وحتى منتصف الاربعينات منه . خلال هذه الفترة تم التركيز على العمل السياسي بالمدن من خلال نشر الفكر السلفي والوعي البرجوازي . فمن وجهة نظر السلفيين ( علال الفاسي ) كان المجتمع المغربي في الربع الاول من القرن الماضي غارقا على التوالي في ضلالات دينية وخاضعا للسيطرة الاستعمارية ومحروما من الديمقراطية مقضيا فيه على رمز السلطة السياسية القائمة . وان هذه العناصر والسمات ، كانت من المبررات العامة لإطلاق عنان المشروع الوطني طريق خلاص المغرب من الاحتلال . ومن جهة أخرى التحرك من خلال مطالبة السلطات الفرنسية بإنجاز الإصلاحات السياسية التي تضمنها عقد الحماية ، وهي إصلاحات تهم مختلف المرافق العامة بالدولة ، ثم تاطير بعض الفئات في المجتمع ضمن تنظيمات سياسية سرية أحيانا وعلنية أحيانا أخرى ، ثم القيام بتاطير إعلامي من خلال إنشاء الصحف ، وتربوي من خلال إنشاء المدارس الوطنية مثل مدرسة محمد جسوس ومدارس محمد الخامس بالرباط . ج ـ مرحلة المطالبة بالاستقلال وتأسيس المقاومة المسلحة في المدن وجيش التحرير في الجبال والبادية . تمتد هذه المرحلة التاريخية من أواخر النصف الثاني من الأربعينات والى اواخر الخمسينات . يلاحظ ان الشيء الذي ميز هذه الفترة على نقيض سابقاتها هو ارتباط حركة الجماهير في المدن ( العمال ، المعطلون والتلاميذ ..الخ ) بحركة القرى في البوادي وبالجبال في عملية المقاومة من اجل الاستقلال وعودة الأسرة الملكية من المنفى ومحمد الخامس الى العرش . لقد لعب الحسن الثاني رحمه الله من خلال التنسيق والتوجيه مع مناضلي العمل الوطني وكان على رأسهم قواد جيش التحرير الذي انضم بعد الاستقلال الى الجيش المغربي ، وقواد المقاومة المدينية والسياسيين وعلى رأسهم المهدي بن بركة رحمه الله الدور الرئيسي في تسريع مغادرة فرنسا للمغرب . لقد كان الضباط الكبار في الإدارة الفرنسية يعتبرون الحسن الثاني رحمه الله عدوا استراتيجيا ، وكانوا يحملونه المسئولية عن جميع أعمال المقاومة التي كانت تحصل ضد جحافل الغزاة . الى جانب هذه الكتلة برزت الحركة العمالية المغربية منصهرة في الحزب الشيوعي المغربي كقوة لها أهميتها القصوى في النضال الوطني والصراع الاجتماعي بالمدن المغربية الكبرى خاصة بمدينة الدار البيضاء . ان عبقرية الحسن الثاني في النضال الوطني لم تبق مفهوم ( الحركة الوطنية ) حبيسا للأحزاب التي اعتمدت النضال البوليميكي الموجه الى أمريكا والى الشرق ، لكنها اغتنت بمساهمة القصر والمقاومة المسلحة وجيش التحرير والعمال والطلبة والشعب في مواجهة المحتل . وبخلاف الجزائر ، ظلت هذه القوى مجتمعة الى جانب القصر وظلت عبر المفاوضات مع الحماية هي الموجه الأساسي لحركة الجماهير . اذا كانت جميع الحركات التحررية في العالم التي قادت الكفاح من اجل الاستقلال قد تبوأت الحكم ، فان الحركة التحررية بالمغرب رغم الدور الفعال الذي قامت به في سبيل الاستقلال ، فانها ظلت بعيدة عن الحكم الذي احتكرته المؤسسة الملكية ، حيث تحول الصراع غداة الاستقلال من صراع مع نظام الحماية ، الى صراع بين القصر والمعارضة التي تأثرت بتجارب الأنظمة البرجوازية الصغيرة في الشرق العربي . اذا لماذا لم تستطع بعض الأحزاب من ضمن الحركة الوطنية وعلى غرار الجزائر من الوصول الى دفة الحكم رغم المحاولات الكثيرة التي قامت بها في هذا المجال ؟ وعلى النقيض من هذه الحقيقة ، كيف يمكن ان نفهم ان الذي استفاد من خيرات الاستقلال كان الضباط الذين عملوا داخل الجيش الفرنسي والباشوات والقواد الذين عملوا ضمن ادارة الحماية حيث راكموا الثروات واستأثروا بالامتيازات ، في حين كان نصيب المقاومة وجيش التحرير الأبعاد والتهميش والتفقير . وهي نفس الحالة تعرض لها شهداء القوات المسلحة الملكية في الصحراء ، والجنود الذين امضوا أكثر من ستة وعشرين سنة في سجون البوليساريو دون ان تعترف لهم الدولة بهذه التضحيات التي تكبدوها في سبيل الدفاع عن الصحراء وعن النظام . انها أسئلة كثيرة تبقى الإجابة عنها محيرة ، ورغم ذلك سنحاول ان نجيب قدر الامكان . وقبل هذا لا بد من طرح بعض الملاحظات : الملاحظة الاولى ، هي ان تصنيف حلقات النضال في تاريخ الحركة الوطنية لا يعني انها كانت منسجمة ، او كانت خطا تاريخيا واحدا ومستمرا . فاختلاف اساليب العمل واختلاف القاعدة الاجتماعية المحركة واختلاف الذهنية الموجهة ثم اختلاف مستوى تطور تناقض ما يسمح بفهم تباين هذه الحلقات وتمايزها ودون ان يعني ذلك انقطاعا ولكن تواصلا ولكن ليس استمرارا ووحدة . الملاحظة الثانية ، وتتعلق بدور المعارضة السياسية وحركة المطالب بين هذه الحركات . فقد بقيت المعارضة السياسية مؤثرة بشكل او بآخر ، سلبي أو ايجابي في مرحلة المقاومة وجيش التحرير . من هنا تأتي اهمية بحث وتحليل المرحلة التي نشطت فيها المعارضة السياسية اكثر من المراحل السابقة خاصة المرحلة الممتدة من 1912 الى 1934 اذا كانت المقاومة وجيش التحرير يمثلان في تاريخ المغرب شكلا من أشكال النهوض الثوري ضد المحتل الفرنسي . واذا كانت المعارضة المدينية تمثل شكلا من أشكال النهوض السياسي ضد الأجنبي ، فما هو الوجه الحقيقي لهذا الاستعمار ؟. وهذا يعني ان الاستعمار الفرنسي للمغرب لم يكن مجردا ومنفصلا عن محيطه في تحركه ، ولكن كانت له قاعدة خلفية من العملاء كانوا يشكلون سنده الرئيسي ووسائل عمله ودعايته . اذا ما هي بنيات الاستعمار الفرنسي في المغرب ؟ : هناك عدة عناصر تحدد بنية الاستعمار الفرنسي بالمغرب وهي : 1 ـ الجيش والشرطة كأجهزة إرهاب وقمع : كان هذا الجهاز يقوم بعدة وظائف منها ضبط وحفظ الأمن ، إخضاع وتطويع وتركيع الشعب لإدارة الاحتلال . لقد استعمل هذا الجهاز عدة وسائل في تنفيذ مأموريته منها الاحتلال المباشر ، التطويع ثم الهجمات القمعية وسياسة التوغل السلمي الإيديولوجي عن طريق الأعمال الإنسانية مرة وعن طريق التظاهر بالقوة لتجنب استعمالها وعن طريق التوسع المعقول ، أي حسب الامكان وأهمية المنطقة ، والتدريجي حسب تقسيم المارشال ليوطي للمغرب . 2 ـ المعمرون : يتكون هؤلاء من الفرنسيين الاستعماريين الذين استولوا على اجود الأراضي الفلاحية المسقية والشبه المسقية . ومنذ 1913 صدرت عدة قوانين تعزز قوة المعمرين عن طريق المزيد من نزع الملكية من الفلاحين وتحويل مياه الأنهار والوديان نحو أراضي المعمرين . 3 ـ الموظفون السامون : هؤلاء هم من كان يشكل بيروقراطية الدولة الاستعمارية . فقد كانوا يشكلون بحكم وضعهم الاجتماعي ومدا خيلهم ومراكز النفوذ التي يحتلونها والقدر الكبير من السلطات المخولة لهم ،،، احد الدعائم الأساسية للادراة الكلونيالية ، كما أنهم كانوا يسخرون لخدمة القواد والباشوات والشيوخ والمقدمين . 4 ـ رجال الأعمال : أسس هؤلاء الغرفة الفرنسية للتجارة والصناعة سنة 1913 كما كانت لهم أغلبية تمثيلية في مجالس شورى الحكومة . وللدفاع عن مصالحهم في مواجهة بيروقراطية الدولة المستعمرة وبرجوازية الحركة الوطنية المركانتيلية ، اندمجوا في جمعيات مهنية تحمي امتيازاتهم ، فكانوا بالإضافة الى هذا يحصلون على سند المؤسسات الرأسمالية والدولية مثل بنك باريس ، بنك الأراضي المنخفضة ، بنك الوحدة الباريسية ، بنك روتشيلد .. الخ . 5 ـ برجوازية صغيرة ومتوسطة : كانت تتكون من التجار وأرباب معامل متوسطة وصغيرة . يلاحظ انه رغم عدم وضوح الخط الإيديولوجي والتنظيمي لهذه البرجوازية ، فانها كانت تشكل القاعدة البشرية التي اعتمدت عليها سلطة الاحتكار المالي الاستعمارية . تلك اذا كانت قاعدة التركيب الاجتماعي للاستعمار الفرنسي وهي قاعدة نظمت وجودها القانوني والسياسي من خلال الشروط المجحفة لعقد الحماية . ان العلاقة التي أقامها الاستعمار الفرنسي كانت علاقة احتلال وقمع وتحويل للسيادة الوطنية مع ما يقتضيه ذلك من علاقات رأسمالية استغلالية من شانها إدخال تعديلات نسبية على علاقات الإنتاج وأساليبه . علاقات كانت في جوهرها تسعى الى البحث عن حليف او مجموعة حلفاء يعززون نفوذ الاستعمار والادارة الفرنسية . حلفاء الاستعمار الفرنسي : يمكن ان نحدد العناصر التي اعتمدها الاستعمار الفرنسي في تغلغله وبسط نفوذه كما يلي : 1 ـ الزوايا الدينية والطرقية : يتكون هؤلاء من فئة من الناس لهم مناطق نفوذها تتمثل في أراضي خصبة ، صدقات ، هبات ، مداخيل الزوايا وبعض الشعودات . وكان لهم مريدون وأتباع وخدم وحشم يقومون على خدمتهم وخدمة زواياهم ، ويمارسون نوعا من الشعائر اللاهوتية كخيط رابط بين المريدين ، وفاصل مميز بين أتباع زاوية وزاوية أخرى . لقد أيدت هذه الطرق الصوفية الاستعمار الفرنسي ووقفت موقفا سلبيا في عمليات تضبيع الجماهير وتخديرها . نذكر من بين هده الزوايا اشراف وزان ، الدرقاويون ، الناصريون ثم الكتانيون والعيساويون ...الخ . ومن وجهة نظر السلفيين ( علال الفاسي ومحمد بلعربي العلوي ) .. كان المجتمع المغربي في بداية الربع الاول من القرن الماضي غارقا على التوالي في ضلالات دينية وخاضعا للسيطرة الاستعمارية . فجاءت السلفية كإيديولوجية ضد التقاليد الخرافية ، وثورة ضد الانحرافات الخلقية ، وثورة ضد التزيد على الدين ما ليس له اصل بالكتاب والسنة ، ولا في عمل الصحابة والتابعين والائمة المجتهدين . كما انها كانت ثورة ضد الزيغ والطغيان والكفر والبهتان والخرافات والاكاديب والبهتان . 2 ـ القياد والباشوات : يتكون هؤلاء ممن كانوا يملكون اقطاعات ارضية كبيرة ، وتؤهلهم قوتهم العشائرية والقبلية والأسرية وعلاقتهم بسلطة الحماية وبالادارة المركزية الكلونيالية ،ليصبحوا حاكمين في مناطقهم واقاليهم ، يمارسون الظلم والاستبداد لتخويف اهل البادية الأشد ارتباطا بالعرش . لقد عمل الاستعمار على تعزيز سلطة هؤلاء ، وفي نفس الوقت على تركيز وضعهم كرجال إقطاع مع محاولة دمجهم ولو بشكل صوري في بعض أشكال الإنتاج العصري ، بل وفي بعض الأجهزة الإدارية لبعض المؤسسات الرأسمالية الناشئة بالمغرب. ان ابرز هؤلاء المتعاونون نجد الباشا لقلاوي في مراكش . هذا و لا نستغرب اذا وجدنا ان ابناء هؤلاء الخونة من قياد وباشوات الذين ترعرعوا في حضن الاستعمار ، هم الذين سيطروا على المناصب الحساسة في الدولة منذ الاستقلال والى اليوم . تركبة المجتمع المغربي في عهد النظام الكلونيالي : كان للدخول الاستعماري للمغرب في بداية القرن الماضي عدة أثار سلبية على المجتمع المغربي . فبالإضافة الى الوجود الاروبي ، حدثت تغييرات في شروط الحياة والعلاقات الاجتماعية وذهنية المغاربة . فبعدما كانت الفلاحة وتربية المواشي في نهاية القرن التاسع عشر تكون الاهتمام الرئيسي للسكان ، نجد ان المنطقة الفرنسية أصبحت في المغرب قابلة لان تصنف في مرتبة البلدان ذات النمط الزراعي والنشاط الصناعي التابع . أي ان شروط علاقات الإنتاج اخذت في التحول التدريجي نحو الدخول في علاقات إنتاج رأسمالية تابعة ومشوهة . وهنا لا يمكن إغفال البعد الاستعماري لعملية التحول هده اذ انه كان على حساب جماهير الفلاحين في القرى والطبقات المتوسطة بالمدن . يلاحظ انه من خلال وصف واقع بنية التركيب الاجتماعي لسكان المغرب في ظل الحماية الفرنسية يمكن تأكيد دلك الاستنتاج . لقد عانت البادية المغربية في ظل الحماية الفرنسية من اجرائين استعماريين خطيرين زيادة طبعا على القمع المتواصل يوميا . يتمثل هادين الاجرائين في نزع ملكية الأراضي من أصحابها وتحويلها الى المعمرين ، الأمر الذي تسبب في تضخم الهجرة نحو المدن وإغراقها بالبراكيك والكاريانات خاصة بمدينة الدار البيضاء . نتج عن هذا انتشار البؤس ، الفقر ، الأمراض ، الجوع والأوساخ بسبب ثقل الضرائب ونظام السخرة والاندماج العنيف في الاقتصاد النقدي بالنسبة للفلاحين الدين ظلوا بالبادية . إضافة إلى ما كان يؤدي إليه دلك الاندماج ألقسري من مضايقة إنتاج الحبوب من طرف الاستعماريين ودلك بتخفيض واحتكار البيع وتحويله الى السوق السوداء . اما الإجراء الثاني ، فقد تمثل في تركيز الملكية في أيدي الاستعماريين والأعيان والملاكين الكبار . هؤلاء يكونون 10 ./. من السكان القرويين ويمتلكون 90 في المائة من الهكتارات ، في حين نجد ان القاعدة العريضة تتكون من الملاكين الصغار والملاكين المتوسطين حيث تعيش من إنتاج مزارعها ومواشيها . وللتذكير فان الفلاحين الصغار والمتوسطين كانوا ضحايا حاجيات نقدية متعاظمة ومشاريع اقتطاع ارضي عدواني استعماري محلي . وفي أسفل السلم نجد القرويين من العمال الزراعيين الدين تفاقمت شروط عيشهم خاصة بعد الحرب العالمية الثانية . اما في المدن وبخلاف البادية فقد عرفت بنية التركيب الاجتماعي هي الاخرى تعديلا وتفاقما في نفس الوقت . نجد أولا البرجوازية الكبيرة وهي طبقة تقليدية ( فاسيين ورباطيين ) من التجار المغاربة ومن العائلات الثرية . فرغم الغنى الذي أصاب هده البرجوازية التجارية فيما بين الحربين فقد اقتصر نشاطها على الأنشطة التقليدية وعلى الاستيراد وإعادة توزيع المواد الاستهلاكية كالشاي والسكر .. وفي مقابل دلك تكونت طبقات متوسطة وبروليتارية كانت تضم الحرفيين والقرويين المهاجرين والموظفين ووكلاء المصالح العامة والعمال ، بسبب تزايد النشاط الصناعي ( المعدني والنسيجي ) ومحاولة تجهيز المغرب بشبكة من طرق المواصلات وبسبب حركة النشاط العقاري ومقاولات البناء. الملاحظ ان هده الطبقة كانت تعاني من البؤس الاجتماعي والاقتصادي الشيء الكثير . فالبنسبة للعمال فبالإضافة الى ضعف الأجور وقساوة ضروف الحياة ، فإنهم عانوا من عدم استقرار الشغل وسهولة تعويض الأيدي العاملة غير المرغوب فيها وعدم مراعاة مقاييس التامين على الشغل ... الخ . اما الطبقات الوسطى من الحرفيين وهي تمثل اكثر من 3/1 السكان بالمدن ، فكانت تعاني منافسة المنتوجات الصناعية المستوردة ، وانخفاض القدرة الشرائية لزبنائهم القرويين والمدينيين من فقدان الاسواق التقليدية في الجزائر والسنيغال . لقد كان لهده الظروف انعكاس سيئ على تجارة التقسيط ، فعرف أصحاب الدكاكين والحرفيين البيع بالخسارة ، زيادة على ثقل حجم الديون والضرائب والمنافسة ، مما أدى الى توفر شروط موضوعية لهده الطبقة لتنخرط في مسلسل السخط والاحتجاج والمشاركة في اية حركة من شانها ان تخلصها من البؤس المقيت . يلاحظ ان واقع التركيب الاجتماعي هذا يشكل وجها آخرا للمتناقضات الرئيسية التي كانت تواجهها ( الحركة الوطنية ) بشقيها العسكري والسياسي . انه تناقض يتعلق بمحتوى البنية الطبقية للسكان المغاربة الذين عارضوا الاستعمار وانبثقت التنظيمات السياسية من وسطهم . وهنا نطرح سؤالا بالنسبة للبادية والمدينة على ضوء هذا التشريح والتحليل للنظام الكلونيالي بالمغرب . فبخصوص البادية ومن خلال الشرح اعلاه ، هل يمكن الحديث عن برجوازية قروية نوعا ما ؟ . وبالنسبة للمدينة هل كانت فعلا ( الحركة الوطنية ) تعبر عن واقع طموح الجماهير الشعبية خاصة الديني منها ؟. انطلاق حركة الرفض للاستعمار : كان منطلق الاتجاه الديني الرافض للاستعمار بالمغرب في البداية دينيا من خلال العمل على تجديد الدين في إطار مشروع سلفي متأثرا بأفكار المفكرين السلفيين الإصلاحيين في الشرق العربي خاصة محمد عبده ، الافغاني ، شكيب ارسلان وغيرهم كثيرين . وفي نفس الوقت متفتحة على الغرب المسيحي من خلال عملية مجهدة لإيجاد نوع من التطابق بين بعض القيم السياسية والفكرية الليبرالية الغربية وبين بعض المفاهيم الدينية في السلطة والتشريع وأشكال النظام السياسي . هؤلاء المفكرون السلفيون يختلفون عن مفكري الحركات السياسية الإسلامية التي ظهرت بالمغرب ابتداء من بداية سبعينات القرن الماضي في أوجه مختلفة . لقد عرف المغرب العربي الإسلامي ظهور مجموعة من الرواد السلفيين أمثال الشيخ السنوسي والشيخ شعيب الدكالي والشيخ محمد بلعربي العلوي الذي قاده فكره السلفي الى تعبئة القوى المؤمنة خاصة من بين الشباب والطلبة الذين كانوا يزدحمون على حلقات دروسه بجامعة القرويين وبمساجد الرباط ، مكناس ، سلا ، والدار البيضاء .. الخ حيث كانت محاضراته وخطبه تجهز على أوكار التخاذل والتواكل والانتظاريين التي كانت تعشعش فيها الأفكار الرجعية الخرافية التي لا تمت بصلة الى الدين . كما قاده فكره السلفي الى خوض معارك الإصلاح ومحاربة البدع والشعودات وبث روح التحرر والانعتاق من الأوهام في وسط الشباب وفي وسط طلبته من امثال علال الفاسي ، محمد المقري ، عبد العزيز بن باديس .. الخ . لقد تركزت عملية التجديد الديني هذه على مقاومة الطرقية المنتشرة بالمغرب ، والتي اصبحت حليفا موضوعيا للاستعمار ، وهي عملية ساهمت في تجميع فئة من الشباب من خريجي القرويين ومن بعض الجامعات الاروبية في حلقات سرية تطورت بفعل الوقت الى التفكير في تاطير أوسع المواطنين من اجل احترام بنود عقد الحماية . وكانت الثورة الريفية عامل هام في إيقاظ وعي إيديولوجي يختلف جذريا عن ذاك الوعي الذي كان يحرك بعض الأئمة والعلماء والشيوخ . ومع ان بعض الكتابات حاولت التقليل من أهمية التنظيم السياسي خلال تلك الفترة ، فان صدور الظهير البربري في 16 مايو 1930 أحدث منعطفا مهما في تطور واتساع جبهة الرفض التي أصبحت معارضة سياسية علنية الاحتجاج والتظاهرات الجماعية وقراءة اللطيف في المساجد . وهي احتجاجات اتخذت لها كشعار للتعبئة الرابطة الدينية عاملا من عوامل الوحدة الوطنية ،ثم المطالبة بتطبيق بنود الحماية ( الإصلاحات السياسية ) ، فالمطالب المغربية المستعجلة ، فوثيقة المطالبة بالاستقلال التي تم تحريرها وصياغة بنودها بالقصر الملكي . ومما يغفله الكثير من المؤرخين والباحثين عند الحديث عن الظهير البربري المشئوم ، انه لم يكن من ابتكار او من مطالب البرابرة الذين تمسكوا بالوحدة الوطنية . لكنه كان من صنع دهاقنة الاستعمار الفرنسي مما يجعل منه ظهيرا فرنسيا بامتياز وليس ظهيرا بربريا . هذا من جهة . ومن جهة أخرى يلاحظ عن هؤلاء الباحثين عند حديثهم عن الظهير البربري ، إغفالهم للأبعاد الاقتصادية لسياسة الظهير البربري . اذ لم يكن الامر يتعلق فقط بتقسيم شعب وتمسيح جزء منه ، أي جعله مسيحيا ، ولكن إضافة الى ذلك كان يستهدف ضرب المصالح الاقتصادية للبرجوازية المركانتيلية الفاسية وللطبقات الوسطى المغربية الآخذة في النمو والاتساع نسبيا ، وذلك عن طريق إخراج المناطق التي يشملها الظهير من سوق التعامل التجاري ، وبالتالي إضعاف نفوذهم السياسي المستقبلي . ان أقوى المظاهرات التي عرفتها مدينة آزرو بالأطلس المتوسط مثلا قامت بها فئات من التجار . ولهذا دلالاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية الدالة . لم تقتصر ظاهرة تفاقم الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية على خريجي القرويين ( البرجوازية الفاسية ) وأبناء الطبقات الوسطى والعمال في المدن ، لكنه شمل حتى البرجوازية المغربية مع ما كان من تأثير للمدارس العصرية وللأفكار الاروبية المتنقلة مع الشبيبة التعليمية المغربية ممن تابعوا دراستهم في الخارج بالدول الاروبية . هذا ولا يجب ان ننسى الظروف الدولية العامة في أعقاب الحرب العالمية الأولى حيث ظهرت مجموعة من الأفكار التقدمية واتجاهات وطنية تعارض التسلط الاستعماري . في هذا الباب لعب تأثير الثورة البلشفية دورا أساسيا في إثارة حركات الرفض للاستعمار وتوسيع الاحتجاجات المنادية بالاستقلال . ان كل هذا الثقل المادي السياسي والإيديولوجي ساهم في بلورة حركة الرفض المضادة في اطار معارضة سياسية منظمة . لقد كان الاستعمار والطرقية الصوفية وتراجع المقاومة المسلحة ثم الآثار السياسية للثورة الريفية وما يسمى بالظهير البربري ، وتفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في ظل شروط دولية معينة .. الخ من أسباب وعوامل تظافرت كلها لتدفع بالوعي الوطني للتبلور والبروز . فهل كانت ( الحركة الوطنية ) في مستوى ذاك الوعي وبالتالي كيف وظفت ذاك الوعي الجماهيري العارم في التعامل مع المسالة الوطنية ؟. ان استقراء تاريخ ( الحركة الوطنية ) بالمغرب خلال مرحلة المعارضة السياسية ومرحلة المطالبة بالإصلاحات وبتحليل أساليب تعاملها يمكن ان يؤدي الى الخلاصات التالية : 1 ـ ان اول استنتاج يمكن ملاحظته هو ان القصر الملكي وعلى رأسه الحسن الثاني رحمه الله هو الذي نفخ في الحركة الوطنية حين احتضنها ونظمها ووجهها نحو الأغراض المرسومة . ومن ثم فان الحركة الوطنية لم تعتبر النظام الملكي تناقضا رئيسيا او ثانويا . لكنها كانت تسعى دائما للحصول على مباركته وحمايته . ان المقاومة المسلحة وجيش التحرير المغربي والحركة الوطنية باتجاهها الديني السياسي شددوا في مطالبهم على ضرورة العودة الملكية من المنفى وعودة المغفور له محمد الخامس الى العرش . 2 ـ بخلاف المقاومة المسلحة في المدن وجيش التحرير في الجبال والبوادي ، فان الحركة الوطنية تعاملت مع عقد الحماية من خلال تحليل قانوني وليس سياسي . لهذا ظلت الحركة منذ نواتها الأولى وحتى منتصف الأربعينات تطالب فقط باحترام بنود اتفاقية الحماية مع إدخال بعض الإصلاحات السياسية . وهذا يعني رفض الحركة للنضال المسلح لحركة المقاومة وجيش التحرير . ان هذا الخلط الذي وقعت فيه الحركة بين القانوني وبين السياسي . بين النضال الإصلاحي والدعاية البوليميكية الموجهة الى الخارج للاستهلاك واثبات الوجود ، وبين رفضها النضال المسلح للبرابرة والعروبيين ،،، دفع بها الى السقوط في خلط خطير اخر ، وذلك عندما ركزت في بياناتها على ضرورة بعض المعاملة التمييزية بين المستوطنين الفرنسيين وبين المغاربة . وكان الفرنسيين المستوطنين ليسوا استعماريين ، مع العلم انهم هم وقود الاستعمار بالمغرب. ان هذا التعامل القانوني مع عقد الحماية من قبل القيادة السياسية للحركة الوطنية ، غيب في مفهوم الحركة طرح الاستعمار كتناقض رئيسي له حلفاء رئيسيين يشكلون امتداده الطبيعي والجغرافي . فتحول الصراع في المغرب من صراع ضد الاستعمار والاحتلال الفرنسي ، إلى صراع ضد المقيمين العامين الذين لا يحترمون عقد الحماية . و قد كان هذا التعامل القانوني للحركة الوطنية سببا في اختفاء عبارة الاستقلال من القاموس السياسي للحركة ، وهو ما صححه الحسن الثاني رحمه الله عندما اشرف شخصيا على تحرير وصياغة جميع بنود وثيقة المطالبة بالاستقلال في 11 يناير 1944 . 3 ـ ظلت الحركة الوطنية حركة مطالب فقط لا تستند الى أي مجهود نظري في التحليل والتفسير والتبرير ، مع غياب خطة عمل سياسية وتصور إيديولوجي متماسك وبأفق وطني حقيقي . لقد كانت مطالب حزب الاستقلال غارقة في الذهنية التشريعية المهيمنة على قيادته السياسية ذات التكوين الثقافي الديني التقليدي او القانوني العصري . وكان الأمر يتعلق بمرافعات الدفاع أمام المحاكم للدفاع عن حقوق السكان الأصليين في مواجهة الحماية بخصوص الإصلاحات القضائية والإدارية وإصلاح التعليم ومشاريع السكان والإسكان في الجماعات البلدية والقروية والإقليمية والمهنية ...الخ . ان كتاب النقد الذاتي لعلال الفاسي في الخمسينات يدل على هذا التصور في التحليل . 4 ـ مارس حزب الاستقلال أسلوب الاستبدال والوصاية على الحركة الجماهيرية . فكان يفاوض المستعمر في غيبتها . هذا همش تجدير دور الجماهير في الاحتجاج والتظاهر والاصطدام بشرطة وعساكر الاحتلال . لقد كان الحزب يحرك الجماهير فقط حينما يريد ممارسة بعض الضغط على إدارة الحماية لجرها للتفاوض قصد الحصول على بعض التنازل السياسي الذي كانت يزيد او ينقص حسب مزاج المقيمين العامين وحسب أوضاع فرنسا العسكرية والدولية . وخلاصة ما سبق فان العمل السياسي للحركة الوطنية ارتكز على فهم خاطئ لأساليب العمل والتعامل وآفاقه وعدم وعي حقيقة التناقضات الأساسية التي كان الواقع التاريخي يفرزها في مواجهة الإدارة الكلونيالية وعملائها . ويفسر التركيب الاجتماعي المغربي والتناقضات الكامنة فيه ، ثم كيف وظفت القيادة السياسية للحركة وعلى رأسها حزب الاستقلال المضمون الوطني لهذا التاريخ في اتجاه خدمة مصالح ضيقة استفادت منها هذه القيادة بعد مرحلة الاستقلال ، ويستفيد منها أبناءها اليوم على حساب القاعدة العريضة من البرابرة والعروبيين الذين منهم تكونت حركة المقاومة وتكون جيش التحرير . ولعل سماع نفس الاسماء التي تتوارث المناصب والمسئولية ابا عن جد منذ الاستقلال والى الان ( آل الفاسي ، الدويري ، غلاب ، بادو ..الخ )خير دليل على هذا التناقض الصارخ الذي يعاني منه اغلبية الشعب المغربي اليوم . ان هذا التوظيف يطرح في العمق بعض الأسئلة في أزمة ما يسمى اليوم ب ( الحركة الوطنية ) التي انشطرت الى أطياف وخوارج ، مما يطرح معه السؤال عن من يجسد استمرارية الحركة من الأحزاب . سيما وقد رحل الى دار البقاء أكثرية من كانوا ينتسبون الى تلك الحركة وملئ أحزابها بأجيال جديدة لا علاقة لها بمشروع الحركة الوطنية يتبين من هذا ان تاريخ المغرب منذ الأربعينات ارتبط بثلاث قوى سياسية تفاعلت في ما بينها تفاعلا أدى الى إحراز المغرب على استقلاله . القوة الأولى ومثلها القصر الملكي وعلى رأسه محمد الخامس والحسن الثاني رحمه الله الذي لعب دورا أساسيا وجذريا إثناء مواجهة إدارة الحماية . القوة الثانية مثلتها المقاومة المسلحة المدينية في المدن . القوة الثالثة مثلها جيش التحرير في الجبال وبالبوادي . واذا كانت القوة الأولى قد تعرضت للانقلابات والمؤامرات المختلفة التي كانت تستهدف إسقاطها ، فان القوتين الثانية والثالثة تعرضتا للتصفية الجسدية من قبل اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال ، كما تعرضتا للإبعاد والتهميش من طرف البرجوازية المركانتيلية والخونة الدين خدموا في الإدارة الفرنسية الدين فهموا كيف يوظفون الاستقلال لخدمة مصالحهم ومصالح أبنائهم وعائلاتهم وطبقتهم ، وهو ما يعني وجود خلل خطير ينخر بنية المجتمع المغربي لصالح اقلية مترفة على حساب الاغلبية الساحقة من البرابرة والعروبيين الذين اليهم يرجع الفضل الاول في تكوين قواعد المقاومة وجيش التحرير ، كما اليهم يرجع الفضل الاعظم في الدفاع عن الصحراء المغربية . فهل من قراءة جديدة لتاريخينا على ضوء المعطيات اعلاه ؟.
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ملك يسود ولا ( يحكم )
-
ازمة الفكر العربي ( المعاصر )
-
هل يمكن الحديث عن مشروع ايديولوجي عربي ؟
-
رواد عين العقل العربي بين التنظير الإيديولوجي والعمل السياسي
-
هل تدق طبول الحرب في الصحراء ؟
-
حركة 3مارس1973 خنيفرة مولاي بوعزة
-
الطائفية في لبنان
-
دول الحق والقانون
-
من يحكم الله ام الشعب ؟
-
الرئيس المستبد المريض معمر القدافي
-
الإسلام السياسي
-
امة الشعارات
-
على هامش ثورة الكرامة في تونس : الغلاء وارتفاع كلفة العيش في
...
-
الاشتراكية و الدين .. أية علاقة أي تقاطع
-
هل أصبح الحكم الذاتي خيارا مغربيا لا مفر منه ؟
-
الانتلجانسيا - الثورية - اللاثورية - كان يا مكان في قديم
المزيد.....
-
وفاة الملحن المصري محمد رحيم عن عمر يناهز 45 عامًا
-
مراسلتنا في الأردن: تواجد أمني كثيف في محيط السفارة الإسرائي
...
-
ماذا وراء الغارات الإسرائيلية العنيفة بالضاحية الجنوبية؟
-
-تدمير دبابات واشتباكات وإيقاع قتلى وجرحى-.. حزب الله ينفذ 3
...
-
ميركل: سيتعين على أوكرانيا والغرب التحاور مع روسيا
-
السودان.. الجهود الدولية متعثرة ولا أفق لوقف الحرب
-
واشنطن -تشعر بقلق عميق- من تشغيل إيران أجهزة طرد مركزي
-
انهيار أرضي يودي بحياة 9 أشخاص في الكونغو بينهم 7 أطفال
-
العاصفة -بيرت- تتسبب في انقطاع الكهرباء وتعطل السفر في الممل
...
-
300 مليار دولار سنويًا: هل تُنقذ خطة كوب29 العالم من أزمة ال
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|