|
الثورات العربية وأزمة الرأسمالية العربية
دينا عمر
الحوار المتمدن-العدد: 3323 - 2011 / 4 / 1 - 07:51
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
منذ معارك التحرر الوطني بالبلدان العربية لم تجتاح المنطقة ثورات شعبية بالقوةوالتأثير، الذي نشهده اليوم، ثورات استطاعت الإطاحة بديكتاتوريات عتيدة، وهو ماحدث في تونس ومصر، ومرشح أن يحدث في ليبيا واليمن، سوريا في الطريق.
لم تقتصر الاحتجاجات، على اختلاف مستوياتها، على الجمهوريات دون الممالك، نظرا لاشتراك كل الجماهير بنفس المطالب الاجتماعية كالقضاء على الفقر والبطالة، ولم تقود المظاهرات شعوب مدنية دون أخرى لا يزال يسسيطر عليها الطابع القبلي، فثوار سوريا والأردن يكافحون من أجل الديمقراطية والمطالب السياسية تماما كما قاتلت من أجلها قبائل ليبيا واليمن، هذا كله يضاف إلى أن المشاركة الشعبية لم تستثنِ فئات بعينها داخل المجتمع فلأول مرة يسجل فلسطيني مدينة الزرقا الأردنية مشاركة بالتظاهرات.
لكن لماذا اتخذت الحكومات الإجراءات نفسها، رغم ثبوت فشلها بعد السقوط الفعلي لأنظمة بن على ومبارك؟..
لاشك أن اتخاذ الأنظمة الإجراءات نفسها، المتبعة عند مواجهة الحراك الجماهيري يعكس حالة التأزم الحقيقية للسياسات العربية، التي لم تنفع معها سيناريوهات إصلاح، لا تمس مطالب الثورة من قريب أو بعيد، مثلما حدث بدعوة الرئيس اليمني المعارضة للحوار في الوقت الذي عمد إلى اعتقال ونفي كل الأصوات المعارضة طيلة ثلاثين عاما، ومثلما حدث بسوريا عند رفع حالة الطوارىء، في حين أن هناك مواد دستورية تقضي بسجن وإعدام نشطاء الرأي، وهو ما يعتبر تحايل وهمي من أجل السيطرة على الحكم دون تقديم تنازلات ملموسة غير التضحية بالحكومات ككبش فداء. بل سعت تلك الحكومات إلى الاستقرار بتسيير مظاهرات من المأجورين مؤيدة للرئيس، والتسويق لحملة من الأكاذيب بانتشار الفتن والفوضى التي ستحل على البلاد من دون الرئيس بشخصه. ففي اليمن كان الترويج لفكرة الانقسام في حين كل المؤشرات تؤكد وحدة الشمال والجنوب لطرد هذا الديكتاتور.
كل هذا التأزم السياسي لم يكن سوى مناورات، سببها إفلاس الأنظمة لإحداث تغيير حقيقي لشعوب عانت مرار الأزمة الاقتصادية، ولم تعد تقبل بانتشار الفقر ليصل إلى40% في مصر وسوريا و35% بطالة في اليمن، في ين يقيم عدد كبير من الليبيين يسكنون الصفيح ولم تصل لهم عائدات النفط. العامل المشترك بين هذه الحكومات هو اتباع نفس النظام الاقتصادي من خصخصة للشركات، التي وعدت بتشغيل العاطلين، في حين أن الواقع يشير إلى زيادة كبيرة في نسبة البطالة وتقليص في المرتبات، بما لا يكفي الحد الأدنى من المعيشة، كذلك الخضوع للاستثمار الأجنبي مقابل الإهمال تام لكوادر الشباب.
هذه السياسة المبنية على الاحتكار خلقت التناقض بالمجتمع بتحكم أقلية بثروات البلد، كاحتكار مناجم الذهب لمبارك ورجاله دون إدراج ذلك بالميزانية العامة، كما خلقت كبار الحيتان الذين تزاوجوا السلطة بثرواتهم، في الوقت الذي يُلام فيه العمال الذين يناضلون من أجل زيادة بدل الوجبة. ولم يكن عجبا منهم امتلاك البلد وتمرير مخططات التوريث المستقبلية كما في مصر واليمن والجزائر وليبيا. هذا طبعا لا ينفصل عن حماية الثروة بالقمع السياسي وتزوير الانتخابات والاعتقالات وإحداث الفتن الطائفية لتسجل البحرين أعلى نسبة اعتقالات بالمنطقة وضد الأقلية الشيعية.
وحتى بالنظر إلى الدول الديمقراطية التي لا تعاني من التأزم السياسي، نجد العاملين في اوروبا أيضا يعانون بصفة أساسية من تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية التي تسببت في تسريح عدد كبير منهم وفقدانهم لوظائفهم، أما ما لم يتم تسريحه فقد انخفض راتبه وزادت ساعات عمله اتباعا لخطط تقشفية تهدف لتخفيض الإنفاق الحكومي. وما أن احتج العمال على رفع سن التقاعد واجهتهم الشرطة بالضرب والاعتقال وحصل الرئيس على موافقة برلمانية لتمرير القانون برغم اعتراض الشعب. وهو ما يؤكد أن كل السياسات التي تتخذها الحكومات داخليا وخارجيا ليست من أجل الديمقراطية والشعوب لكن هي لإنقاذ النظام الرأسمالي المأزوم ولمصلحة الأقلية الحاكمة على حساب الأغلبية الشعبية.
اليوم، الطبقة العريضة من الأغلبية الشعبية التي وحدها الظلم والفقر تقرر حقها في حياة أساسها العدالة الاجتماعية والمساواة في توزيع الثروات، تقرر رفضها لكل سياسات الخصخصة والاحتكار والمتاجرة بحياة البشر في عبارات الموت أو في علاج باهظ الثمن. اليوم ترفض جماهير الأردن الحكومة الثانية والتي لم تحقق حد أدني للأجور ولم تكشف عن أى نوايا لتغيير قانون الانتخابات و تغيير سياسيات الخصخصة وتسريح آلاف العمال، كما لا تتبنى مواقف جادة تجاه وقف اتفاقية وادي عربة مع اسرائيل التي أهدرت كرامة الأردني. اليوم أيضا يرفض المصريون قانون حظر الإضرابات طالما هناك مبارك صغير فاسد في مؤسسات العمل ينهب الملايين ويفاوض على الملاليم من مرتباتهم.
انجازات الثورة لن تتحقق إلا باستمرار الجماهير لتلبية كل مطالبها، والتغيير الحقيقي لن نلمسه إلا بإسقاط النظام الرأسمالي المأزوم، الذي يجني أرباحه قلة من المجتمع، بينما يتحمل أزمته ملايين الكادحين، وليس إسقاط مبارك الذي ربما سيحل مكانه مبارك آخر وفي بقية البلدان ويطبق نفس السياسات.
#دينا_عمر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشعوب ترفض إصلاحات الحكومات
المزيد.....
-
الرئيس الفنزويلي يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
على طريق الشعب: دفاعاً عن الحقوق والحريات الدستورية
-
الشرطة الألمانية تعتقل متظاهرين خلال مسيرة داعمة لغزة ولبنان
...
-
مئات المتظاهرين بهولندا يطالبون باعتقال نتنياهو وغالانت
-
مادورو يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
الجزء الثاني: « تلفزيون للبيع»
-
عز الدين أباسيدي// لعبة الفساد وفساد اللعبة... ألم يبق هنا و
...
-
في ذكرى تأسيس اتحاد الشباب الشيوعي التونسي: 38 شمعة… تنير در
...
-
حزب الفقراء، في الذكرى 34 لانطلاقته
-
تركيا تعزل عمدة مدينتين مواليتين للأكراد بتهمة صلتهما بحزب ا
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|