|
أسئلة ما بعد التغيير السوري
عبدالله تركماني
الحوار المتمدن-العدد: 3323 - 2011 / 4 / 1 - 03:52
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
بعد أن سالت دماء سوريين من أجل التغيير الوطني الديمقراطي أضحى هذا التغيير على جدول الأعمال السوري، لذلك من المهم محاولة رؤية محتوى ومضامين ومستويات هذا التغيير وصوغ أسئلته. إذ يمكن تلخيص قصة العالم العربي السياسية، بعد ثورتي تونس ومصر وإرهاصات ثورتي ليبيا واليمن والحراك الشعبي في الأقطار العربية الأخرى، في التحول المؤسسي القائم على مجموعة قيم: الحرية والكرامة والشفافية والديمقراطية وحقوق الإنسان في داخل الدول. فبعد انتفاضة أغلب المدن السورية بلغت سورية نقطة مفصلية حاسمة، فهل يعي الحكم السوري ذلك قبل فوات الأوان، ويتجاوز استجاباته البطيئة للأحداث، بعد أن حملت في الآونة الأخيرة طابع ردود فعل متوترة وعقيمة، تهدف إلى شل حراك ناشطي الشأن الوطني العام، حين أقدمت سلطة الاستبداد على تصعيد نوعي وخطير قام به شبّيحتها وقواتها الخاصة، بهدف إدامة ثقافة الخوف وإسكات أي صوت معارض وإعادة المجتمع السوري إلى زمن مملكة الصمت ؟ أم ينتقل إلى مقاربة جديدة تقطع الطريق على الأخطار من خلال الشروع في مصالحة وطنية طال انتظارها وكثرت المطالبات بها، وإصلاح النظام بجدية وعمق، وإعادة تحديد المشكلات التي يجب أن تعالجها سورية بجهود أبنائها، والذين لن يتمكنوا من مواجهة الخطر بغير تحوّل نظامهم من نظام أمني إلى نظام سياسي، يعترف بحقهم في الحرية والكرامة، وبحق أحزابهم ومنظمات مجتمعهم المدني في الشرعية والعلنية، ويقوم على نمط من الإدارة والتنظيم يستند على مشاركة المواطن في الشأن العام، دون قيود تبطل حريته أو تتعارض معها، وبتحويل الدولة من دولة حزب إلى دولة حق وقانون تخص كل واحد من مواطنيها ؟ إنّ الحالة التي وصلت إليها سورية، في حجمها وجديتها وأيضاً في تنوعها وشدة تواترها، يضعها أمام خيار هو الأسلم، بل الأفضل لحاضر سورية ومستقبلها، لكنه الأصعب على أغلبية أهل النظام ومصالح بعض المتنفذين بينهم، يقوم على تعاطٍ عقلاني مع الواقع القائم واتجاهات تطوره، تحسباً من أن تصل الأمور إلى حافة الهاوية، وتالياً استثمار مساحات الوقت الضائع، لاتخاذ قرار تاريخي وجريء بنقل مركز الثقل وبؤرة الاهتمام السياسيين صوب الداخل، والسير قدماً نحو الإصلاح الديمقراطي الحقيقي الشامل والانفتاح على المجتمع وقواه الحية، بما يعيد صياغة الشرعية السياسية على أسس جديدة: الحرية فوراً لجميع معتقلي الرأي والضمير في سورية من خلال تبييض السجون، وإلغاء حالة الطوارئ والمحاكم الاستثنائية في البلاد، وعودة المنفيين السوريين إلى وطنهم من بوابة المواطنية وليس من البوابة الأمنية، وفتح الملف الإنساني للمفقودين في السجون، وإقامة دولة القانون الديمقراطية الدستورية. وفي كل الأحوال لن نستغرب إن بقيت القيادة السورية تراوح مكانها في سياساتها التي أكل عليها الدهر وشرب، فبنيتها الاستبدادية تبدو عصية على الانفتاح وفهم متغيّرات ومستجدات العصر، إذ أنّ مراكز القوى الأمنية فيها لا زالت أسيرة عقلية من مخلفات الماضي. لقد نهضت الانتفاضة السورية بفعل عوامل داخلية أساساً وبسبب تفاقم معاناة الشباب الثائر في بحثه عن لقمة عيشه وكرامته وحريته، ربطاً بحالة غير مسبوقة من الاستبداد والقهر واستشراء الفساد أفضت إلى تخريب البنى الوطنية وامتصاص طاقاتها لحساب مجموعة صغيرة من أصحاب النفوذ والامتيازات، وهذه الأخيرة يسكنها هاجس الخوف من مصير غير محمود في حال أُزيحت عن مواقعها. لقد عقد الشعب السوري العزم على أن يخرج من حياة العبودية, التي تخبط في أوحالها وظلماتها أكثر من 40 سنة, ويعود حراً كما ولدته أمهاته. فما الذي ينبغي تغييره ؟ وما الذي ينبغي الإبقاء عليه ؟ وكيف نضمن التطورات المستقبلية ؟ وماذا نفعل بالثقافة السلطوية القديمة ؟ وهل التغيير يحدث من تلقاء نفسه أم لابد من إدارته ؟ وما الذي خسرته البلاد أثناء الحكم الشمولي ؟ وما هي الفترة التي ستستغرقها عملية التحول ؟ وهل يمكن لثقافة بكاملها أن تتغير لتحل محلها ثقافة أخرى ؟ إنّ عملية التحول الديمقراطي تقتضي إعادة صياغة القيم السائدة، وتغيير أنماط السلوك من خلال مجموعة كبرى متكاملة من التحولات، من أهمها: التغيير من مناخ اليأس والقدرية إلى مناخ الثقة بالذات والقدرة على التحكم في المصير، والانتقال من القدرية التي يسيطر عليها الماضي إلى التوجهات المستقبلية. وفي هذا السياق لا ينبغي توجيه طاقات الشعب السوري لتصفية الحساب مع الماضي وإهمال تحديات الحاضر وتأجيل التفكير في آفاق المستقبل، لأنّ تصفية الحساب مع الماضي ينبغي، استعانة بخبرات الدول الأخرى التي انتقلت من السلطوية إلى الديمقراطية، ألا تؤدي في النهاية إلى تفكيك الدولة ذاتها إلى مكوّناتها الفسيفسائية. إنّ التحركات الشعبية في سورية تفرض على النظام امتحاناً جديداً، فعلى الضد من لجوء أجهزة الحكم إلى الهراوة الغليظة وتكليف بعض الشبّيحة والرموز الأمنية بالحوار مع المتظاهرين، لا يملك المطالبون بالحرية سوى العمل السلمي حتى لو كانت أثمانه الإنسانية باهظة. إنّ انتفاضة الشعب السوري دخلت في طور نوعي جديد، حين رفعت شعارات تتصل بالحرية والمواطنة وحقوق الإنسان والدولة المدنية، وتطلعت إلى إرساء أرضية جديدة لنهوض سوري شامل ركيزته إرادة الشعب الحر، الذي قرر أن لا يقبل من جديد بالمهانة والذل. والمهم أن تصل الرسائل الحازمة إلى السلطة بأنها ليست فوق المحاسبة، إنما أمامها استراتيجية خروج من نفق المواجهة قبل تعقّد الأمور وتكرار الرهانات الخاسرة، فالحكم الديمقراطي القابل للمساءلة هو الضمان الوحيد للاستقرار السياسي الحقيقي، والتنمية المستدامة، والسياسات الاجتماعية المتوازنة. المهم هو أن يتم إطلاق مسار إصلاحي واضح وشفاف يراعي تلبية وتنفيذ الأولويات السورية في الإصلاح، على أن يتم ذلك بمشاركة فاعلة وحقيقية من كافة مكوّنات المجتمع السياسية والفكرية والقومية، فالشعوب لا تنتفض لمجرد الرغبة في الثورة والانتفاضة، وإنما لتحقيق أهداف ومطالب مشروعة، وإذا تم التعامل بجدية مع هذه المطالب ستتوقف التحركات الشعبية. المهم هو الجدية في التعامل مع هذه المطالب وعدم الالتفاف عليها، فالشعب السوري أصبح واعياً ومدركاً ولا يمكن الالتفاف حول مطالبه، وأي تأخير في إحداث الإصلاح المنشود يترتب عليه حدوث ارتفاع في سقف المطالب الشعبية. والتحدي الكبير هنا لا يقتصر على إصلاح التخريب الإنساني والوطني الذي تسبب به الاستبداد، بل يتعداه إلى ظهور الإنسان الجديد، الفرد المستقل الضمير والعقل. فما هو قادم لا يزال كبيراً، ولا يقل عن ثورة دائمة في أشكال وتعبيرات سياسية وثقافية وإنسانية مختلفة. وما هو قادم أصعب من أن يُحتوى بتنازلات شكلية أو بحلول اقتصادية لمشكلات هي في الأساس سياسية. فالحكم الصالح اليوم يتطلب دستور جديد يؤكد قيم الحرية والعدالة، وينجح في إرساء تقاليد التداول على السلطة في ظل انتخابات حرة وشفافة وضمانات لكل مكوّنات المجتمع. ففي المرحلة الجديدة لن تكون مصادرة حرية الرأي مقبولة، ولن يكون سجن صاحب الرأي ممكناً بلا مقاومة، ولن يكون انتهاك حقوق الإنسان مقبولاً، ولن يكون السكوت عن الفساد والتسلط أمراً طبيعياً. وفي المرحلة الجديدة لن يقبل الناس بعدم المشاركة ولن يخضعوا لحالة الطوارئ، بل سيتصرفون انطلاقاً من حقهم الطبيعي في الكرامة والعدالة والمساواة التامة في وطنهم. وهذا سيعني اعتبار الوطن ملكاً لجميع مكوّناته وليس لفرد أو حزب أو أقلية.
#عبدالله_تركماني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في أهمية - الكتلة التاريخية - لنجاح الانتقال من الاستبداد إل
...
-
العزة لشعب سورية العظيم
-
تونس على طريق الجمهورية الثانية
-
كي تكون الدولة ملكوت الحرية
-
الثورة العربية الجديدة وتألق تيار المواطنة
-
الربيع الديمقراطي العربي وآفاق دور المرأة
-
تحديات التغيير الديمقراطي في سورية
-
أسباب تأخر إدراك الشباب السوري لدوره في التغيير
-
المنظور التنموي للدرس التونسي
-
دروس ثورة الشعب التونسي للسلطوية العربية
-
تحديات التحول من الاستبداد إلى الديمقراطية في تونس
-
رسالة مفتوحة إلى الرئيس بشار الأسد .. سورية الوطن والشعب هي
...
-
تونس تشق طريقها إلى المستقبل
-
تداعيات ثقافة الخوف
-
إنذارات البطالة والمجاعة في الوطن العربي
-
حول دور المثقف في الزمن العربي الصعب .. حراس الفساد المقيم
-
في الحاجة العربية إلى التغيير .. قمع وتهميش واستبداد
-
حول مستقبل العروبة
-
في الحاجة العربية إلى الإصلاح السياسي
-
الثقافة العربية وصدمة المستقبل .. لماذا تراجع العرب ؟
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|