صفاء بطاينة
الحوار المتمدن-العدد: 3322 - 2011 / 3 / 31 - 18:42
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
العودة الى دستور 1952 لا تكفي. ما الذي نريده بالضبط؟ هل هو كانت الديمقراطية البرلمانية؟ اذا كان كذلك فالمطلوب هو الحد من سلطات الملك ما يضمن استقلالية كل من السلطات الثلاث والفصل بينها. وجود الملك على رأس كل هذه السلطات مع قدرته على التدخل من خلال اليات عدة كتعيين مجلس الاعيان وصلاحيات حل البرلمان وتعيين الحكومة يلغي فعليا مبدأ الفصل بين السلطات.
العودة الى دستور 52 لا تكفي دون تعديلات اضافيه عليه, كالحكومة المنتخبة من البرلمان, وتعيين حدود المملكة, واعادة النظر في مجلس الاعيان.
مجلس الاعيان يجب ان يتم انتخابه او الغاؤه, او ان تحدد صلاحياته في حدود استشارية. وحتى وان كان في دستور 52 مواصفات وشروط لعضو مجلس الاعيان كأن يكون رئيس حكومة او وزير سابق, فهذه الطبقة البيروقراطية افسدت على مدى عقود ولا يمكن الثقة بها لتمثيل الأمة دون انتخاب.
اعتقد اننا بحاجة الى دستور جديد, وتطرح الملكيات الدستورية في بعض الدول الاوروبية كنماذج للاستعارة. ولكن هل تكفل الديمقراطية البرلمانية والملكية الدستورية, حتى في احد ارقى نماذجها الاوروبية, التمثيل الحقيقي للشعب?!
هل نريد دستورا يتم التراجع عنه بعد خمس سنوات كما حدث لدستور 1952؟ حيث لم تكن هناك قوى واحزاب سياسية مدعومة شعبيا بالقدر الكافي للحفاظ على الدستور لذلك افرغ من مضمونه بتعديلات خطيرة تكررت على مدى عقود. عندما لا يمثل الدستور ارادة الشعب وتكوينه وتوازن القوى فيه تسهل مخالفته والتراجع عنه.
هل يمكن ان نتجاوز الديمقراطية النيابية نحو شكل ارقى من الديمقراطية؟! الديمقراطية النيابية هي نتاج تطور غربي, ويمثل ذلك الواقع وارثه, وحروبه وثوراته التي سالت فيها الدماء من اجل كل فقرة في الدستور, وهي تحتاج وجود احزاب متبلورة و قوية, ومع ذلك فهي حتى في بلادها لا تمثل الشعب بل الطبقة الرأسمالية فيه. من يستطيع الترشح والنجاح في الانتخابات هو من يحصل على دعم حزبي ومادي واعلامي لا يتوفر لجميع افراد الشعب الراغبين في الترشح للانتخابات. وفي الاردن يبدو هذا المشهد مأساويا. والتقاليد الحزبية اردنيا ضعيفة جدا, لكن ذلك لا يعني عدم وجود ارث ديمقراطي لدينا حيث ما زلنا قريبي العهد بالتقاليد الديمقراطية العشائرية المباشرة, واعتقد اننا تطورنا اجتماعيا عنها ولكن ليس بالاتجاه الحزبي. فلماذا نلجأ الى استيراد تجارب الاخرين ولا نختار لانفسنا العقد الاجتماعي الذي يمثلنا فعلا, الدستور الذي نكون مستعدين لبذل دمائنا كي نحافظ عليه.
نحن نريد ترسيخ الديمقراطية بما تعنيه من حكم الشعب ووجود الاليات الملزمة لاتخاذ القرارات التي تمثل الشعب فعلا, وتكون كفيلة بتقدم المجتمع اقتصاديا واجتماعيا وبحرية افراده وتحرير ارادتهم واطلاق قدراتهم وابداعهم.
الثورات العربية الحالية تميزت بالمشاركة الشعبية الواسعة في الشارع وعلى الانترنت, اتاح انتشار الانترنت للمواطنين جميعا المشاركة في النقاش في القضايا العامة والسياسية, لقد حان وقت الديمقراطية المباشرة او للدقة شبه المباشرة. يجب ان يشرع التصويت الالكتروني والاستفتاء كاليات لاتخاذ القرار على مستويات عدة, ويجب ان يُكفل ذلك دستوريا. في عصر الانترنت اصبحت الديمقراطية المباشرة ممكنة اكثر من اي وقت مضى, واي دستور جديد يجب ان يتضمن وجوها من الديمقراطية المباشرة يتم الاتفاق عليها.
في الاسابيع الماضية شهدنا في الاردن طلاب مدارس يعتصمون من اجل تغيير المدير, او من اجل تغيير النظام المدرسي, وصحافيون في الرأي يعتصمون من اجل تغيير سياسة صحيفتهم ومدرائهم, والعديد من الحالات المماثلة في مؤسسات مختلفة. الضمان الامثل للديمقراطية هي مشاركة الناس المعنيين انفسهم, نريد من اي دستور جديد ان يحفظ حق الادارة الذاتية للمؤسسات من قبل افرادها, حقهم في اختيار مدرائهم, وفي المشاركة في وضع السياسات المتعلقة بها تحت رقابة المجتمع, ان تكون كل مؤسسة هي بناء ديمقراطي, ويجب ان يكون ذلك مكفولا في الدستور, وان تصدر القوانين لتنظيم شكل ممارسته حسب طبيعة كل مؤسسة. هذا من شأنه ان يمنع الفساد وان يطلق روح الابداع والمشاركة والتعاون عند الموظفين في المصانع و الشركات والمؤسسات العامة, وعند المعلمين والطلاب في المدارس والجامعات.
الشركات والمناجم التي تمت خصخصتها يجب ان تسترد وكذلك اراضي الدولة. يجب ان ينص الدستور على الملكية العامة لاراضي الدولة ومناجمها وشركاتها الكبرى ومشاريعها الاستراتيجية بحيث لا يجوز لاي حكومة التصرف بها بالبيع او التاجير, واي اجراء يتعلق بها يجب ان يتخذ ديمقراطيا من خلال الاستفتاء والتصويت المباشر لجميع المواطنين, وان يشارك موظفوها في ادارتها وتحديد سياستها ديمقراطيا كما في باقي مؤسسات الدولة. مع مشاركة النقابات والمجتمعات المحلية في المناطق التي تقام فيها هذه المشاريع, بالاضافة الى الرقابة العامة الممثلة بمجلس النواب وبالتناغم مع القوانين العامة التي يشرعها.
تبين لنا من تجاربنا مع مجالس النواب السابقة, ضعف قدرتها الرقابية. طبعا سيتحسن ذلك مع قانون انتخاب افضل وتقليص امكانية حل مجلس النواب, ولكن مصدر الضعف الاساسي الناتج عن اعتماد المواطنين على الواسطة في تامين الخدمات الاساسية وتحصيل الحقوق, سيبقى ما دام البناء الاقتصادي الانتاجي والخدمي مشوها, فليكن جوهر التغيير الدستوري الاتجاه لتعزير الرقابة المجتمعية على اداء الحكومة و المؤسسات الوطنية المختلفة وعدم حصرها في مجلس النواب من خلال تفعيل الرقابة المباشرة للمجتمع على تلك الموسسات من خلال موظفيها ووجود دور للمجتمعات المحلية في مراقبتها اضافة الى مجلس النواب. فليبقى مجلس النواب من اجل التشريع, مع وجود حق الاستفتاء لجميع المواطنين في القوانين والقضايا التي تمس الحياة المباشرة لغالبية المواطنين. ولتعمم الرقابة على اكثر من مستوى على ان تكون ملزمة.
ويمكن ان يكون لدينا مجلسين نيابيين, احدهما سياسي وتشريعي ينتخب على مستوى الوطن, واخر خدمي لمتابعة تنفيذ الخدمات والمشاريع التنموية تكون دوائره الانتخابية على مستوى المحافظات.
ويجب أن يعكس اسم الدولة, الطبيعة الفعلية للدولة, اذا اردناها ديمقراطية, فهي دولة الاردنيين, يحكم فيها الشعب الاردني من خلال مؤسساته وممثليه والياته المعتمدة في الدستور, ولا يجوز ان تبقى صفة " الهاشمية" موجودة في الاسم, هذا مهين ولا يليق بدولة في القرن الواحد والعشرين.
في الخلاصة المقترح هو دستور يكون فيه التشريع من خلال البرلمان والاستفتاء والتصويت المباشر, بينما تعمم فيه الرقابة الملزمة على عدة مستويات, ويعتمد على ملكية عامة وقطاع عام مدار ديمقراطيا ومراقب من قبل المجتمع عبر هيئات رقابية على كل مستوى. هي افكار للنقاش والتفكير, قد تكون حالمة او فوضوية, ولكن يجب ان نبدأ بالتفكير خارج الصندوق.
#صفاء_بطاينة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟