|
المهنية والمصداقية والإعلام الموجه
سعد تركي
الحوار المتمدن-العدد: 3321 - 2011 / 3 / 30 - 12:57
المحور:
الصحافة والاعلام
المهَنية والمصداقية عاملان مهمان يُفترض توفرهما ـ من بين عوامل أخرى ـ في أية وسيلة إعلامية تحترم المتلقي الذي يتابع حدثا ما تنقله هذه الوسيلة، وغياب هذين العاملين كان صفة لازمت الإعلام في عالمنا العربي الذي غلبت عليه صفة الإعلام الموجه المسيطر عليه حكوميا.. إعلام حوّل هزائم الأنظمة إلى انتصارات، والتأخر العلمي إلى تقدم، والتخلف إلى ازدهار، والفقر إلى رفاه، وشكوى وأنين المظلومين إلى مؤامرة "دبرت بليل" ضد الوطن وقيادته الحكيمة.. إعلام دفع المواطن إلى اللجوء ـ لاستقاء الحدث والخبر ـ للإشاعة حيناً، أو لوسائل إعلام اجنبية ـ غريبة ـ غالبا لوثوقه بأنها أكثر صدقا وأعلى مهنية.. إعلام مازال لغاية الآن يتبع المثل الشعبي القائل "حب وحجي واكره وحجي"!! المهنية تعني تقديم الخبر أو الحدث بطريقة احترافية عن طريق حشد كل الإمكانات المتاحة التي توصل الفكرة إلى المتلقي بالصورة والصوت ان كانت الوسيلة مرئية، وباللغة إن كانت مقروءة.. والمصداقية أن يتم هذا النقل من دون انحياز لطرف على آخر ونقله عاريا من كل شيء إلا الحقيقة وحدها. بعد 2003 صار لدينا عدد كبير من الوسائل الإعلامية بمختلف أنواعها المقروءة والمسموعة والمرئية، وكان الظن والمأمول أن هذه الوسائل ستغنينا عن اللجوء إلى غيرها بعد غياب الرقيب وتحطم مقصه البشع.. غير أن التباين الحاد في نقل خبر ما بين هذه الوسائل، جعلنا ندرك ان المقص الكبير للرقيب لم يتحطم إنما تشظى إلى مقصات صغيرة بيد من يمول هذه الوسيلة الإعلامية أو تلك يفصّل به الخبر حسب أهوائه وغاياته ومراميه.. ولعل احدث الصدمات التي عشناها حين نراقب وسائل الإعلام المحلية تنقل صورة التظاهرات في العراق. قبل أيام خرج موظفو المراكز الفرعية في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في تظاهرة يطالبون بتثبيتهم على الملاك الدائم، بعد أن أقر مجلس النواب تعيينهم ووافقت وزارة المالية على تخصيص الدرجات الوظيفية لهم، لكن أمانة مجلس الوزراء وافقت على تعيين 2059 من موظفي المكاتب الوطنية واستثنت 8208 هم موظفو المراكز الفرعية.. بمحض الصدفة كنت استمع لتقرير إحدى الفضائيات المحلية التي استهلت تقريرها بالآتي: " التظاهرات صارت لسان حال كل من يريد مطلباً، بغض النظر عن مشروعية هذا المطلب من عدمه، وحتى لو كان هذا الحق بالتثبيت في دائرة لا يعمل أفرادها إلا مرة واحدة كل فترة كمفوضية الانتخابات على سبيل المثال".. وواضح ان الفضائية ـ لسبب ما ـ انحازت منذ البدء ضد مطالب مواطنين عملوا سنوات في المفوضية وقدموا تضحيات كبيرة في سنوات الانفلات الأمني حين كانت جهات عديدة تستهدف حياتهم. الفضائية تجاهلت ـ عن عمد ـ المهنية، حين أخلّت منذ البدء بأهم لازمة من لوازم التقرير الصحفي، وهي نقل الحدث ووجهات نظر المشاركين في صنعه من دون تدخل أو إبداء وجهة نظر الوسيلة الإعلامية، فالتقرير ليس تحليلا خبريا كما انه ليس مقالة يقال فيه رأي.. بعد أن يورد التقرير بعض أحاديث المتظاهرين يقول مفنداً وساخراً:" لم يكن القانون هو القشة التي تمسك بها المتظاهرون، فبعضهم طالب بتعويض عن الولاء للمالكي الذي قالوا أنه منح درجاتهم الوظيفية إلى الفصائل المسلحة"!.. هذا الجزء من التقرير كان- بالاتكاء على قول احد المتظاهرين بأنهم أوصلوا المسؤولين إلى كراسيهم- متجاهلاً ان كل متظاهر تقريباً في كل التظاهرات على اختلاف وجهاتها ومطالبها يردد نفس الكلام.. فضلاً عن أن النص أعلاه فيه اتهام واضح للمتظاهرين بانهم غشوا واحتالوا في انتخابات شهدت منظمات محايدة محلية ودولية على التزامها بالمعايير الدولية. لم تكلّف الفضائية نفسها عناء سؤال احد المسؤولين الحكوميين، ولولا وجود رئيس اللجنة القانونية في مجلس النواب النائب سليم الجبوري الذي أيّد شرعية وقانونية مطلب المتظاهرين، لما سمعنا رأيا لمسؤول، وعلى الرغم من ذلك فان التقرير ادعى ان اغلب المتظاهرين من الذين عملوا في المفوضية من يوم واحد إلى ثلاثة أيام في الانتخابات البرلمانية السابقة، مساويا بذلك ـ عن جهل أو عمد ـ بينهم وبين موظفي الاقتراع!! لا أعلم على وجه اليقين ما مصلحة هذه الفضائية في تشويه صورة مواطنين خرجوا مطالبين بحقهم المشروع في حياة كريمة بوطن لم يرفعوا يوما سلاحا ضد احد أبنائه ولم يسلبوا ثروته ولم يحيلوا مدنه إلى خراب.. لاأعلم لماذا تعتقد الفضائية ان هؤلاء المتظاهرين لا يستحقون نقل معاناتهم وشكواهم بحيادية مثلما تعاملت مع معاناة غيرهم؟ لعلها منحازة إلى الجهة التي يريد المالكي منح وظائف المتظاهرين لها.. حقيقة لا أعلم!!
#سعد_تركي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وطن أوسع من الأحلام
-
الدم الملوث!
-
آسف.. نحن لا نعتذر!!
-
أعيدوا شبابي!
-
ثورة قد تفضي إلى ظلام!!
-
الإصغاء.. فن!!
-
صگر فويلح!!
-
دناءة!!
-
تعظيم سلام!
-
خطر الديمقراطية
-
تونس.. قلبي على الثورة
-
بعض الهمة والغيرة!!
-
رصاص للتشييع!!
-
فوضى الخطط وغياب الهدف
-
صنّاع القوانين!
-
الجنسية وشهادتها
-
يحصدون فقط!
-
رسوم متحركة
-
هيبة الوطن والمواطن
-
لا جديد تحت قبة البرلمان
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|