|
وتبقى قناة ((الجزيرة)) ظاهرة صحية
حسين العودات
الحوار المتمدن-العدد: 219 - 2002 / 8 / 14 - 00:41
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
لم يبق سوى عدد قليل من انظمة الحكم العربية لم يحتجّ على قناة (الجزيرة) وبعض برامجها وسياساتها مباشرة او مداورة، سرا او علنا، ووصل بعض الاحتجاج الى سحب سفراء او اغلاق مكاتب القناة الفضائية، فضلا عن مهاجمتها بوسائل الاعلام المقروءة والمسموعة والمرئية في هذا البلد او ذاك، ووصفها (بالمشبوهة) او حتى العميلة لاسرائيل، والمشككة بالمسيرة القومية والمدمّرة للتضامن العربي. لقد شاركت في عشرات المحاضرات والندوات في عديد من البلدان العربية والاجنبية خلال الاعوام الاربعة الماضية كانت تدور مواضيعها حول الاعلام والاتصال والثقافة والعولمة وما يؤثر فيها او يتأثر، وكانت نادرة تلك المحاضرات او الندوات التي لا تكون فيها قناة الجزيرة محطا للحوار بين مناصرين ومهاجمين، وكان الجميع يذهبون بعيدا وكأن المشكلة هي المفاضلة بين قناة الجزيرة من جهة والاعلام العربي من جهة ثانية، متناسين او متجاهلين ان قضية الاعلام العربي تتعلق بعوامل عديدة ومتداخلة ذات علاقة بطبيعة الانظمة السياسية القائمة وسياساتها، وبنى مؤسسات الاعلام العربي، ودور تطور وسائل الاتصال والتقانية في العملية الاعلامية، وقبل ذلك وبعده بمدى الاعتراف بحرية الاتصال والاعلام والحوار والتعددية وقبول الرأي الآخر، وما قناة الجزيرة او غيرها الا مؤشرات على الاطار العام للعملية الاعلامية وواقع الاعلام العربي وسياساته ونشاطاته ومنهجيته وأساليب عمله وعديد من العوامل الاخرى، وعلى أية حال فإن حضور الجزيرة هذا انما يدل على فعاليتها وتأثيرها وتواجدها في كل مكان. ليس المجال الآن نقد الواقع البائس للاعلام العربي، والتخلّف المهني والسياسي الذي يعانيه، وارتهانه لأنظمته السياسية واستخفافه بعقول المتلقين، وتكريس نفسه لتبرير افعال واجراءات ونشاطات حكوماته ومدح (منجزاتها) التي لا نرى في الغالب منها شيئا، وفي احيان كثيرة اختراع (منجزات) غير موجودة او تضخيم ايجابيات هي اقل بكثير من واجب هذه الحكومات ونشاطاتها اليومية، كما ليس المجال للدفاع عن قناة الجزيرة فهي ولا شك قادرة على الدفاع عن نفسها، بما تملك من امكانيات بشرية وتقنية ومن منهج وسياسة تؤهلها لمثل هذا الدفاع، وإنما ما اريد التعبير عنه هو الدفاع عن ظاهرة قناة الجزيرة الصحية، التي غيرت واقع الاعلام العربي، وألقت حجرا في مستنقعه الآسن، وكشفت زيفه وتهافته وضعفه وفضائحيته التي لم يعُد يبررها شيء بعد (ثورة) الاتصال والمعلومات والتقانية والديموقراطية في العقد الاخير، هذه القناة التي اجبرت سياساتها وسائل الاعلام العربية والسياسات الاعلامية العربية على تطوير اساليبها والتخفيف من انغلاقها وغلوائها، واضطرتها للسماح بهامش (على صغره) للحرية وللآخر، فضلا عن افساح المجال للحوار (مهما كان محدودا) في برامجها، ومحاولة متابعة الاحداث واستدراج التعليقات عليها من موقع الحدث، هاتفيا او نقلا مباشرا، وتحريض الصحفيين والمذيعين في الاقنية العربية الاخرى على اعداد انفسهم مهنيا وسياسيا، والتزام بعض الجدية في تأدية مهماتهم، ووضع أقدامهم على طريق المهنة الطويلة، الذي لولا الجزيرة لما كان بعضهم يصل يوما لبداية هذه الطريق. لو تذكّرنا حال الاعلام العربي قبل خمس سنوات اي قبل انتشار تلقي الجزيرة وحاله الآن بعد كسبها المتلقي العربي، لأدركنا اي اثر تركته هذه القناة في دفع نشاطات الاعلام العربي وتنامي تأثيره وتنشيط فعاليته، ودورها في تشكيل وعي المتلقي العربي من خلال وضعه في قلب الاحداث العربية والعالمية، مهما كان مستواه الثقافي وانتماؤه الاجتماعي او السياسي، حتى اصبحت اقوى من اي حزب او تيار سياسي او ثقافي، والعامل الأساس في تكوين الوعي وتشكيل الرأي العام في البلاد العربية. من المهم ان نتذكر الدور الاعلامي لقناة الجزيرة خلال القصف الاميركي لأفغانستان والعراق وتجاه الهمجية الشارونية في فلسطين، وأظن ان قصف مكاتبها في كابول لم يكن خطأ، وأنه لولاها ولولا عدد محدود من الاقنية الفضائية الاخرى لما كان العرب في قلب الحدث الفلسطيني طوال السنتين الماضيتين، ومع ذلك يصرّ الكثيرون على نعتها بالمشبوهة والعميلة والخارجة على المصلحة القومية، ويطالبونها (وهي وسيلة اعلامية فحسب) ان تقوم بما لم تقم به انظمة سياسية عربية اخذت معظم شرعيتها من شعار مواجهة العدو الصهيوني. تزعم قناة الجزيرة (من خلال عشرات تصريحات المسؤولين فيها) انها وسيلة اعلامية لا تخرج عن الموضوعية في تناولها للأحداث وتساهم في التعريف بالرأي والرأي الآخر في اطار واسع من الحرية، مستفيدة من ثورة التقانية وتطور وسائل الاتصال ومتمشية مع مسيرة الاعلام والاتصال المعاصرة، وقد نجحت دون شك في ان تصبح اهم قناة فضائية عربية وواحدة من الاقنية الرئيسية في عالمنا. وفي ضوء ذلك من حقها التحدث عن المسكوت عنه في البلدان العربية، وتمزيق غلالة الأكاذيب والتضليل التي يمارسها معظم الاعلام العربي (المرئي خاصة)، وقد قطعت فعلا اشواطا كبيرة في هذا المجال، وقدمت للمتلقي العربي صورة واقعية (مهما كانت مؤلمة) عن حال بلاده وسياسات انظمته وممارساتها، حتى بدا وكأن أنظمتنا السياسية تخشى فضح المستور والمسكوت عنه، اكثر من خشيتها من اي شيء آخر. لقد كشفت قناة الجزيرة تهافت نظامنا العربي وأنظمتنا السياسية وضعفها وفساد بعضها وعمق الهوة بينها وبين شعوبها، وأكدت اهمية الموقف الاعلامي النقدي للواقع الحالي للأمة ولتاريخها وتراثها، وكسبت ملايين المشاهدين العرب، وأثبتت ان الحرية والحوار هما جوهر نجاح وسائل الاعلام، وأن علة اعلامنا (الذي نشكو من تخلفه) تأتي بالدرجة الاولى من افتقاره للحرية الاعلامية وتجاهله للآخر وسكوته عن المسكوت عنه. تقع قناة الجزيرة وصحفيوها بأخطاء مهنية وسياسية، بعضها خطر وذو نتائج سلبية على سياستها اولا وعلى وعي متلقيها ثانيا وتبالغ احيانا، فلا اجد مثلا مبررا كافيا لإعارة منبر الجزيرة الذي يبلغ عدد مشاهدي بعض برامجه عشرين مليونا لمعلّق اسرائيلي (وأحيانا يترك له الحبل على الغارب)، ولا يكفي الزعم (بالتمسك بالحرية الاعلامية) لقبول هذه السياسة (فهل رأينا مرة اعلاما غريبا مهما كان حرا يسمح لعدوه بالتعليق على امر فيه بعض الخطورة؟) كما لا ارى من الحكمة نهج بعض الزملاء صحفيي الجزيرة وأساليبهم المبالغ فيها (حيث يتحول بعضهم احيانا الى قاض او الى محرّض او يهتم باستعراض معلوماته وآرائه) او تلجلج معدّ النشرة ورئيس تحريرها عندما يعطي تعليماته للمذيعين، ولا يبرر تمكن هؤلاء الزملاء من مهنتهم الشطط هنا وهناك، الا ان هذا كله يبقى حسب اعتقادي في اطار الاخطاء المهنية او السياسية وربما الاجتهاد، وتجاهل ضرورة فصل الرأي الشخصي للصحفي مقدم البرنامج عن اسلوبه المهني. يبدو لي ان قناة الجزيرة ظاهرة صحية من ظواهر صحية نادرة في بلادنا في العقد الاخير، والخشية ان الانظمة العربية التي لم تعد (تطيقها) سوف تنجح في تغيير نهجها ومسارها وسياساتها، وإعادتنا الى ما كنا عليه متلقين لإعلام عربي ما هو الا نشرات لوزارات الخارجية وبيانات رسمية للحكومات، يتعامل مع المجتمع وكأنه كتلة صماء واحدة موحّدة وعنصر واحد غير مركّب.
جريدة السفير
#حسين_العودات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مدفيديف: الناتو منخرط بشكل كامل في الصراع الأوكراني
-
السعودية.. إحباط 5 محاولات لتهريب مئات آلاف حبوب -الكبتاغون-
...
-
مصر.. الداخلية تكشف تفاصيل واقعة مصرع عامل دليفري بعد تداوله
...
-
اليونيفيل: إصابة 4 جنود إيطاليين من قوات حفظ السلام في جنوب
...
-
محمود الهباش: وجود إسرائيل في غزة لن يكتسب شرعية مهما طال
-
مشاركة عزاء للرفيق رؤوف الحباشنة بوفاة جدته
-
من هو الكاتب بوعلام صنصال وما مصيره منذ وصوله للجزائر؟
-
خبير عسكري: الاحتلال يستهدف مربعات سكنية بسبب تعثر عمليته ال
...
-
هل اكتشفت أم محمد هوية الواشي بنصر الله؟
-
قوات الاحتلال تقتحم جنين ونابلس واعتداءات للمستوطنين في الخل
...
المزيد.....
-
فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال
...
/ المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
-
الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري
...
/ صالح ياسر
-
نشرة اخبارية العدد 27
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح
...
/ أحمد سليمان
-
السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية
...
/ أحمد سليمان
-
صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل
...
/ أحمد سليمان
-
الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م
...
/ امال الحسين
المزيد.....
|