فاروق عطية
الحوار المتمدن-العدد: 3320 - 2011 / 3 / 29 - 18:56
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كتبت فى مقال سابق تحت عنوان " أخشى على الثورة من المتسلقين" وجاء فيه: بعد نجاح ثورة اللوتس التى قام بها شباب مصر الذى رفض الخنوع وهب مطالبا بالتغيير, وبعد نجاح ثورتهم والتخلص من الديكتاتور, وقبل أن تتحقق جميع المطالب العادلة والقضاء على فلول النظام السابق, ظهر على السطع الكثير من المتسلقين والطامعين فى جنى مكاسب الثورة والادعاء بأنهم أصحابها ومفجريها. وحتى لا تتحول الثورة إلى كابوس مرعب يُديره المتأسلمون, وحتى لا نتجاوز الأحداث التي حدثت ومازالت تحدث ضد الأقباط المسيحيين, وحتى لا تظل الأسباب كالألغاز متوارية فى بيات شتوى ثم تنفجر في وجوهنا بعد حين. يملأنى القلق والتخوف على ضياع حلم السنين الذى عملنا من أجله ككثتّاب ومفكرين ظللنا ننفخ فى الرماد كل يوم وكل حين حتى بدأت الشرارة واندلع اللهيب. وعددت فى هذا المقال أسباب تخوفى بالرصد والأسانيد.
واليوم بعد الاستفتاء على التعديلات الدستورية أرى أننى كنت على حق فى تخوفى فقد حدث ما كنت أخشاه وتم اختطاف الثورة بالكامل, وأكاد أجزم أن السلطة بعد أن ضاعت من الديكتاتور وحزنه الواطى اللاوطنى هى الآن فى سبيلها لمن هم أكثر منه ديكتاتورية وإجراما. الثمرة الآن على وشك السقوط فى أيدى الجماعة ومن خرج من عبائتها من متأسلمين كالحماعات السلفية والجهاد والهجرة والناجون من النار وقتلة السادات متضامنين مع فلول وأيتام اللا مبارك إن لم تكن قد سقطت فعلا بين أيديهم. علي الرغم من فرحتى وفرحة المصريين جميعا بالمشاركة في اول استفتاء حر بعد ان ظللنا نرزح تحت نير النظم الديكتاتورية والقهرية قرابة الـ 60 عاما, شابت هذه الفرحة ظلال قاتمة السواد لفتاوي لا أنزل الله بها من سلطان بان نعم تعني طاعة الله ورسوله والشريعة والاسلام والإبقاء على المادة الثانية التى يعنى إلغاؤها العار والشنار وخراب الديار, وقول لا هى من اجل طاعة الرب والكنيسة وإلغاء المادة الثانية التى تعنى ديننة الدولة والقضاء على مدنيتها ودونية مواطنة المسيحيين وسحق آمالهم وتطلعاتهم لمواطنة كاملة. وبدلا من ان نفرح جميعا بوضع أقدامنا على أول خطوات الديموقراطية ويقظة الناس وتركهم السلبية السائدة وتدفقهم للإدلاء بأصواتهم بحرية ووفق قناعتهم الشخصية المستقلة, اذ بالتيارات الدينية المختلفة تحول الاستفتاء الي طقس وتنافس ديني لامعني له ينبئ ويؤكد تمسك الجماعات الدينية بالدولة الدينية ويدحض إدعاءاتها بالتمسك بمدنيها. وبعد ظهور النتيجة المخيبة للآمال خرج علينا الشيخ محمد حسين يعقوب أحد مشايخ السلفيين وهو يهلل ويكبر تكبيرة العيد لانتصار المسلمين فيما أسماه بغزوة الصناديق, معتبرا أن النتيجة هى انتصار للمسلمين على الكفرة والمشركين. معتبرا من قالوا نعم منتصرين للإسلام ولهم جنة الله بما فيها من حور عين وأنهار تجرى بالخمر والعسل ومن قالوا لا هم كفرة ومشركين وجزاؤهم جهنم وبئس المصير يخلدون فيها لأبد الآبدين. ثم قال مؤكدا نعم مصر دولة إسلامية ستدار بشريعة إسلامية وإن كره الحاقدين, ومن لا يعجبه ذلك وأشار بيده ما يعنى أن يرحل, مضيفا أن عليهم أن يبحثوا عن تأشيرة هجرة لأمريكا أو كندا أو أى بلد غربى, كأن من قالوا لا من المسلمين اللبراليين والعلمانيين وغير المتطرفين إضافة للمسيحيين ليسوا بمصريين وهم ليسوا أكثر من ضيوف على هذا البلد عليهم شد الرحال وترك البلد لأصحابها يعيثون فيها فسادهم كيفما يشاءون.
يمكننى أن أؤكد أن الانتخابات البرلمانية إذا أجريت في غضون 6 أشهر كما يؤكد العسكريون, ويردد الاسلاميون والسلفيون بفصائلهم المختلفة وبقايا الحزن الواطى اللاوطني أنهم سوف يسيطرون علي مجلس الشعب الجديد وربما مجلس الشوري ايضا, ومعنى هذا ان الجمعية التأسيسية التي سوف يتم اختيار أعضائها من داخل مجلس الشعب لكي تضع مواد الدستور الجديد, ستكون كلها من أعضاء التيارات الاسلامية وفلول وأيتام اللامبارك التي قامت ثورة 25 يناير للاطاحة بهم. ولن يكون للتيارات الليبرالية والديمقراطية وشباب 25 يناير الذين بذلوا دماؤهم فى سبيل التغيير والاقباط المتطلعين للمساواة والعدل ادني تأثير او تمثيل للمشاركة في وضع هذا الدستور المنتظر. وبالطبع ستطرح علينا الجمعية التأسيسية المتأسلمة شكلا وموضوعا, دستورا جديدا يحمل بذور وأد الديموقراطية وترسيخ ديكتاتورية الفقيه, دستور سوف يثير المزيد من الجدل والتأزيم بدلا من إرضاء أغلب المواطنين. وبالطبع سوف توافق عليه الاغلبية المنقادة والمغيبة دينيا بنفس طريقة التأثير والادعاء التي استخدمت في الاستفتاء السابق, معلنين على المنابر والميكروفونات ان رفض هذا الدستور الجديد يعني رفض الإسلام والوقوع فى براثن الديموقراطية الوثنية, وأن من يقول نعم هو يقولها للشريعة وللاسلام وان من يقول لا فهو مرتد وجزاؤه جهنم وبئس المصير..!! ولا بأس من تحفيز المغيبين بما تيسر من زجاجات الزيت وعبوات السكر والأرز والبقول. عندها يكون قد تم الانقضاض والاستيلاء علي ثورة 25 يناير واختطافها ولا عزاء لأصحاب اللبرالية والعلمانية والمدنية البرلمانية. والغريب فى الأمر الإصرار على إجراء انتخابات الرياسة بعد الانتخابات البرلمانية بـ 6 شهور أخرى, ويبدو الأمر أنه مرتب بين الجماعات وقيادة الجيش حتى تتاح الفرصة وتكون مواتية لفبركة دستور يمهد ويفرش الطريق لرئس إسلامى قد يكون من كبار قادة الجيش, يعيد لنا نظاما ديكتاتوريا دينيا لا فكاك منه حتى ولو بعد مئات السنين. وأخشى ما أخشاه أن تنزلق مصر إلى نفق مظلم ويضيع منا الطريق فلا نعرف أين نسير أو إلى أين المصير.
قد يظن القارئ أننى متشائم خاصة مع تصريحات الجماعة أنهم لا يطمحون لأكثر من 30 % من أعضاء البرلمان. ولكن أحب أن أؤكد أن هناك تنسيق محكم بين الجماعة والجهاديين والسلفين وهم ثالوث يجمعهم اتفاق على احتكار الكلام باسم الدين إما أن تتفق معهم أو تكون واحدا من اثنين لا ثالث لهما مرتدا أو كافرا وإذا تسامحوا معك فستكون علمانيا أو عاصيا. رغم ما بينهم من خلافات أيديولوجية هم يلفهم هدف واحد هو الدولة الدينية, يتطلعون لأن يحصل كل فصيل على 30% من الأعضاء ـ أقل أو أكثرـ عندها سيكونون هم الأغلبية المطلقة يفعلون كيفا يشاءون ويخططون كيفما يرغبون وتعود دولة الخلافة ومرحبا بدياجير القرون الوسطى وسيطرة الظلام, ثم يتفرغون للتخلص من بعضهم البعض لتكون الثمرة لأكثرهم خبثا وتخطيطا وهم جماعة الأخوان
أما الحلم بدستور جديد تضعه جمعية تأسيسية تمثل جميع التيارات والنخب وعلى رأسها شباب 25 يناير ويحظى بتوافق وطني, أرى أنه حلم مستحيل وحتى يتحقق الحلم نحن فى حاجة لفترة انتقالية لمدة بين عام أو عامين يسيّر الأمور فيها لجنة رياسية ثلاثية بها واحد من قادة الجيش واثنين مدنيين, ونحن بحاجة لإعطاء الأحزاب القائمة فرصة الاستعداد والتنظيم وإلى إطلاق حرية تكوين أحزاب جديدة بلا تعقيدات. وخلال هذه الفترة الانتقالية تشكل لجنة من القانونيين الدستوريين ومثقفى الأمة وشبابها الثائر لوضع الدستور الجديد وبعد الاستفتاء عليه تتم انتخابات الرئاسة يليها انتخابات البرلمان (مجلس الشعب) مع إلغاء مجلس الشورى الذى لا محل له من الإعراب أو يحول إلى مجلس شيوخ له اختصاصات دستاورية وتشريعية واضحة ومحددة.
#فاروق_عطية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟