|
شعوب أم بذرة فناء
مصطفى القرة داغي
الحوار المتمدن-العدد: 992 - 2004 / 10 / 20 - 07:02
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قبل مائة عام من الآن ويوم كانت أمم كثيرة على هذه الأرض تدخل عصراً حضارياً جديداً ظَهَر في أمتنا رجال عظام حملوا مشاعل التنوير وبدأوا مشروعاً نهضوياً كبيراً كان من المفروض أن يوصلها لو أنها كباقي أمم الأرض الى مصاف أمم ننظر أليها اليوم بكثير من الأحترام والتقدير .. فرجال على شاكلة الأمام الخالد محمد عبدة والمفكر الأصلاحي الكبير قاسم أمين والزعيم التأريخي سعد زغلول وعميد الأدب العربي طه حسين والشعراء العظام أحمد شوقي والزهاوي والرصافي وكثير غيرهم لا يتسع المجال لذكرهم عبّدوا الطريق الذي كان من المفروض أن تسير عليه هذه الأمة لتصل الى بر الأمان بدلاً من الطريق الموحش الوعر الذي تسير فيه الآن والذي أختارته نُخب مشوهة من أجيال جائت بعد جيل هؤلاء العظام أنحرفت به عن طريقهم السوي وأرتضته شعوب هذه الأمة عن طيب خاطر ليوصلها الى ماهي عليه اليوم من تأخر وتخلف .. الشيء الغريب والذي جاء مخالفاً لكل قوانين الطبيعة البشرية هو أن الأجيال اللاحقة لذلك الجيل العظيم وبدلاً من أن تنجب رجالاً على شاكلة من سبقوهم بل وأفضل كحال كل شعوب الدنيا أنجبت نماذج مشوهة من البشر أصبحت نُخباً قادت هذه الأمة الى كوارث وأدخلتها في أنفاق مظلمة موحشة الله وحده يعلم أين ومتى وكيف ستكون نهايتها .. وقد كان آخر ما طالعتنا به هذه الأمة من نخب لقيادتها الى حتفها المحتوم ما يسمى اليوم بالمجاهدين ( الملثمين الخاطفين الأنتحاريين ) مالئي الدنيا وشاغلي الناس في هذه الأيام ليس بسبب فكرهم التنويري أو أبداعهم العلمي طبعاً بل بسبب أرهابهم ودمويتهم التي فاقت كل الحدود حتى باتت تطال الأطفال والنساء والشيوخ من البشر الأبرياء .. الكارثة هي أن هؤلاء ( المجاهدين!! ) كما يطلقون على أنفسهم يحظون بدعم غالبية ساحقة من عوام هذه الأمة بل وحتى جزء كبير من نخبها الأسلامية والقومية كما أن أعمالهم القذرة تلقى تأييد شبه مطلق من قبل شرائح واسعة من هذه العوام والدليل ما شاهدناه على شاشات التلفزيون من فرح وتهليل للكثير من العرب والمسلمين أبتهاجاً بتنفيذ حفنة ظلامية من هؤلاء لجريمة 11 سبتمبر كما أن الأستفتائات التي تجريها مواقع الأنترنت وبرامج بعض الفضائيات تثبت أنحداراً خطيراً في وعي أبناء هذه الأمة وآخرها كان الأستفتاء الذي أجراه برنامج ( الأتجاه المعاكس ) في قناة الدسيسة ( الجزيرة ) والذي كانت نتيجته أن % 92 من أبناء هذه الأمة يؤيدون عمليات الخطف التي تحصل في العراق ويعتبرونها أعمال مقاومة مشروعة أي أنهم يؤيدون ما يقوم به من يسمون أنفسهم ( مجاهدين!! ) في العراق من أعمال تأنف عنها حتى قبائل آكلي لحوم البشر والتي كان آخرها ذبح الرهينة البريطاني ( بيغلي) . وقبل سنوات سَنَحت فرصة لهؤلاء ( المجاهدين!! ) لكي يحكموا بلداً أسلامياً مستفيدين من ظروف أستثنائية عاشها ذلك البلد وكان هذا البلد هو أفغانستان التي أبتلي أهلها المساكين فجأة بهؤلاء المعتوهين فما كان منهم ألا أن أعادوها وشعبها الى القرون الوسطى وأصبحت دولتهم ( التي سميت آنذاك دولة طالبان لا أعادها الله ) أضحوكة العصر والأوان بسبب الممارسات المشينة والمضحكة التي كان يقدم عليها رجال هذه الدولة .. فجميعنا يذكر جواب ما سمّي آنذاك بوزير خارجية طالبان عندما سُئل من قبل مراسل أحدى الفضائيات عن أسلحة جيشهم القديمة المهترئة وكيف بأمكانها أن تدخل في معركة مع أكبر قوة عسكرية في العالم ( وكان المقصود حينها أمريكا ) أذ قال " أنها ستعمل بدعاء الأئمة " وياليته عنى بالأئمة أئمة أهل البيت الأطهار عليهم السلام أو أئمة المذاهب الأربعة العظام رضوان الله عليهم فقد عنى بقوله هذا أمام التخلف الملا عمر وأمام الأجرام بن لادن اللذان يقبعان اليوم كالفئران في جحور جبال أفغانستان بعد أنهيار دولتهم المأبونة . أما الفقهاء الذين يأتمر هؤلاء ( المجاهدين!! ) بأمرهم ويطيعون تعليماتهم وفتاويهم طاعة عمياء كطاعة الشاة لراعيها فليسوا بأفضل حالاً من تابعيهم فهم يفتون اليوم بأمور ما أنزل الله بها من سلطان كقولهم على سبيل المثال بأن الأرض مستوية وليست مدورة كما هو معروف للطفل الرضيع وكما هو مُصوّر من قبل الأقمار الصناعية والمركبات الفضائية أو قولهم بأن الشمس تدور حول الأرض وليس العكس كما هو مثبت علمياً أو أفتاء أحدهم قبل أيام بحرمة أستخدام السيارة والطائرة والقطار وأخيراً وليس آخراً الهاتف النقال ذو الكاميرا وغيرها كثير من الفتاوى المخجلة التي لنا أن نتصور الى أين ستوصل البشرية لو قدّر لهؤلاء الجهلة الظلاميين أن يأسسوا دولتهم الكبرى والتي لن تقوم لها قائمة بالطبع ألا بأبادة شعوب بأكملها من على وجه الأرض كونهم يعتبرون كل من يختلف معهم في الرأي أو الدين أو المذهب كافراً يَحِل جَلدُه وذبحُه وقتلُه وسَبي نسائه بل والتمثيل بجثته وتقطيعها أرباً أربا . تصوروا فقط أن تكون لدينا عشرة دول في العالم على غرار دولة طالبان أو أن يتحول كل العالم ( لا سمح الله) الى دولة طالبان .. ماذا سيكون مصير العالم والبشرية آنذاك ؟ الجواب ببساطة هو أن نماذج طالبان ومن على شاكلتهم ممن يسمّون أنفسهم ( مجاهدين!! ) وكما هو معروف للقاصي والداني متخلفون تكنلوجياً وطبياً وعسكرياً لذا فأنهم لن يصمدوا أمام أي أختبار أو خطر خارجي من الممكن أن تتعرض له الكرة الأرضية وما سيتبقى منها بعد أبادتهم كما أسلفنا لغالبية البشر .. فلو حاولت حضارة أخرى موجودة في مكان ما من الكون على سبيل المثال الأتصال بكرتنا الأرضية بطريقة ما في أثناء فترة حكم هؤلاء لن يكون بأمكانهم طبعاً ونتيجة لتخلفهم التكنلوجي المريع التفاهم معها وسيتعاملون مع مثل هكذا حدث تأريخي بطريقة ظلامية متخلفة لأنهم لا يملكون غيرها ولأنهم لا يعتقدون أصلاً بوجود مثل هذه الحضارات فمفتيهم الذي توفي في نهاية القرن العشرين المنصرم رحل عن الدنيا وهو مُصِرّ على أن الأرض هي مركز الكون وأن الشمس هي التي تدور حولها وليس العكس كما أسلفنا .. أما لو تعرضت الكرة الأرضية لهجوم من حضارة أخرى في الكون فبالتأكيد لن يكون بأمكان هؤلاء الوقوف أمام هجوم تلك الحضارة التي ستكون بجميع الأحوال أكثر تطوراً وأفضل تسليحاً من هؤلاء المتخلفين .. كما أن هذا التخلف التكنلوجي سيقف حائلاً أمام أتخاذ أي أجراء حاسم أمام أي كويكب أو نيزك كبير من الممكن أن يضرب الكرة الأرضية في أي وقت وزمان خصوصاً وأن أحد منظّريهم المجانين قد صرح قبل أيام بأن علينا أن نعود الى أستخدام الدواب والحمير في التنقل بدلاً من السيارة والطائرة والقطار .. وعلينا أن لا ننسى بأن تخلفهم هذا سيكون السبب في عدم أيجاد أي علاج لأي مرض فتاك مفاجيء من الممكن أن يظهر على وجه الكرة الأرضية وقد يؤدي الى فناء ساكنيها .. هكذا يا أخوتي سيكون حال دولة ( المجاهدين!! ) الكبرى وحال البشرية بل وحال الأرض كلها لو قدر لهؤلاء أن يتحكموا في مصائر خلق الله .. والتصورات والأمثلة عما يمكن أن يكون عليه حال العالم آنذاك كثيرة لكن المجال الآن لا يتسع لذكرها جميعاً وأترك تصورها لمخيلة القراء الكرام . أعلمتم الآن لم هؤلاء هم بذرة فناء البشرية ... ولكن علينا ومن الأنصاف القول بأنه في مقابل هذا الجهل وهؤلاء الجهلة هنالك من أبناء هذه الأمة من يقف لهم المرء أجلالاً وأكباراً لعلمهم وثقافتهم ووعيهم المتنور كشاكر النابلسي ومجدي خليل وهاشم العقابي وأحمد الربعي وعبد الرحمن الراشد ونبيل ياسين وسامي البحيري وحسن ساتي وعادل حزين وأحسان طرابلسي ووحيد عبد المجيد وغيرهم كثير ممن لايتسع المجال لذكرهم في هذه العجالة .. فمِن هؤلاء مَن هو أكثر وعياً وتنوراً حتى من بعض مفكري الغرب لكن المزاج الشعبي العام للشارع العربي والأسلامي ووعيه الجمعي المخزي يقف حائلاً أمام محاولات أمثال هؤلاء لأنهاض هذه الأمة الميتة مقارنة بباقي أمم الأرض . لقد خلق الله الأنسان لكي يعيش ويسعد على هذه الأرض ولكي يعمّرها ويستصلحها لا لكي يجعل منها ساحة للحرب وبركة من الدماء لأقرانه ونظرائه من البشر .. لكن حال أبناء هذه الأمة هو عكس ذلك وعكس سننّ الخالق سبحانه وتعالى فالموت عندهم هدف وهم يرددون ليل نهر بأنهم مشاريع موت وشهادة سواء كانوا من القاعدة أو من حماس أو مما يسمى اليوم بالمقاومة العراقية فهذه الحركات والتنظيملت تمثل بحق ضمير أبناء هذه الأمة الذين لا يعرفون غير الموت سواء لهم أو لغيرهم والسبب هو أنهم من أمة تعشق الموت وترمي بأبنائها على الدوام في أتون حروب عبثية خاسرة لذا لا ولن يمكنها يوماً أن تصنع لهم الحياة فهي أمة تعيش وتلد أبنائها لتقتلهم وفعلاً بعض شعوب هذه الأمة متثقفة على أن تنتهج أسلوب الزواج المبكر وأنجاب الأولاد كالأرانب لأرسالهم عند الكبر للحرب أو للأنتحار بسيارة مفخخة وحزام ناسف وسط أناس هم على ألأغلب من الأبرياء .. أن هذا التناقض لم يوجد سوى في عقول أبناء هذه الأمة التي لاتعرف أن تعيش ولا كيف تعيش فهي أمة كانت ولا تزال من أكثر أمم الأرض جهلاً وتخلفاً وأبتعاداً عن الواقع لذا فلا غرابة من أن لا يفكر أبنائها سوى في أنهم مشاريع موت كونهم وعلى مر العصور مشروع دائم للفشل . أن وحوش ومشوّهي هذه الأمة من المجاهدين ( الملثمين الخاطفين الأنتحاريين ) سيكونون بذرة فناء للغرب في حال عدم أجتثاثهم من أوروبا وأمريكا وأستراليا ودول جنوب شرق آسيا حيث مراكز صنع القرار السياسي والأقتصادي للعالم وسيكونون بذرة فناء للبشرية جمعاء في حال وصولهم الى سدة الحكم في بعض دول العالم أو في حال حكمهم للعالم ككل .
#مصطفى_القرة_داغي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأنتخابات العراقية وحماية الديمقراطية
-
عنصرية العروبيين تطال أكراد بغداد
-
حرب العراق .. والحديث عن الشرعية
-
برنامج كاريكاتير .. وبناء العراق الجديد
-
11سبتمبر.. وبذرة فناء الغرب
-
مليشيات العراق الجديد وأشكالية العلاقة بين الماضي والحاضر
-
مثقفون أبرياء لكنهم مع الأسف .. مذنبون
-
العراق ما بين أرادة الحياة والمقدر والمكتوب
-
فضائيات ام غرف عمليات
-
العراق الجديد بين حكومة في العلن وحكومة في الخفاء
-
ما الذي يحدث في العراق .. ديمقراطية أم فوضى و تسيّب ؟
-
أقليّات العراق .. و رسالة الأحد الدامي
-
مشكلة شعوب لا رؤساء
-
14 تموز ثم 17 تموز و مسلسل الأنقلابات
-
ذكرى 14 تموز .. بين الأحزان و الأفراح
-
مقال سياسي : عراقيوا المنافي و الأنتخابات و التلاعب بمقدرات
...
-
العراق الجديد ما بين التمثيل بالجثث و أختطاف الرهائن
-
العراق الجديد .. و مفترق الطرق
-
أحتكار حق المواطنة .. و تكرار المأساة
-
العراق الجديد بين الثرى و الثريا
المزيد.....
-
لثاني مرة خلال 4 سنوات.. مصر تغلظ العقوبات على سرقة الكهرباء
...
-
خلافات تعصف بمحادثات -كوب 29-.. مسودة غامضة وفجوات تمويلية ت
...
-
# اسأل - اطرحوا أسئلتكم على -المستقبل الان-
-
بيستوريوس يمهد الطريق أمام شولتس للترشح لفترة ثانية
-
لندن.. صمت إزاء صواريخ ستورم شادو
-
واشنطن تعرب عن قلقها إزاء إطلاق روسيا صاروخا فرط صوتي ضد أوك
...
-
البنتاغون: واشنطن لم تغير نهجها إزاء نشر الأسلحة النووية بعد
...
-
ماذا نعرف عن الصاروخ الروسي الجديد -أوريشنيك-؟
-
الجزائر: توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال
-
المغرب: الحكومة تعلن تفعيل قانون العقوبات البديلة في غضون 5
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|