|
أردوغان في كردستان
امين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 3320 - 2011 / 3 / 29 - 02:34
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
تزامنَ تَشّكُل أقليم كردستان العراق بحكومتهِ وبرلمانه في 1992 ، مع بروز أحزاب الإسلام السياسي على الساحة التركية ، وإعتلاءها السلطة منذ منتصف التسعينيات ، بدءاً بحزب الرفاه وحزب السعادة بقيادة نجم الدين أربكان ، ثم عبدالله غول وأردوغان . ولقد شهدتْ العشرة سنوات الأخيرة ، تثبيت زعامة " طيب اردوغان " لحزب التنمية والعدالة الحاكم في تركيا ، والإعتراف بنجاحاتهِ على مختلف الأصعدة الداخلية والخارجية ... وبالمُقابل ، الإستقرار النسبي لإدارة اقليم كردستان ، وإكتساب " مسعود البارزاني " لزعامةٍ شرعية للأقليم من خلال الإنتخابات العامة . شهدتْ التسعينيات ، أحداثاً مُتسارعة على الساحتين التركية والكردستانية ، وهذه الأحداث ليستْ منفصلة عن بعضها البعض ، بل هي مُتشابكة ومُعّقَدة ... يُمكن الإشارة الى بعض ملامحها الرئيسية : 1- إقامة اقليم كردستان العراق تحت حمايةٍ دولية ، كانَ نقلةً نوعية لم تستطع تركيا التَمّلُص من تبعاتها . 2- ظهور بوادر تحولات جذرية في الحياة السياسية التركية ، بتمكُن الاسلاميين من الفوز بكثير من المقاعد ، وبداية سطوع نجم مُنّظِر ومُهندس السياسة التركية الجديدة ، الأكاديمي " أحمد داود أوغلو " . 3- إلتقاء مصالح الحكومة التركية والحكومة السورية ، في تحجيم تجربة اقليم كردستان العراق منذ بدايتها ، وتزايد الضغط على حافظ الأسد ، من أجل الكف عن دعمه لحزب العمال الكردستاني وغلق مقراته في سوريا وطرد عبدالله اوجلان . مما أدى الى تشجيع سوريا لعناصر حزب العمال المتواجدين على أراضيها ، للتوجه الى أقليم كردستان .. وهذا ما حدثَ بالفعل ، وجّر حزب العمال الى خوضِ حربٍ عقيمة بلا معنى ، ضد حِزبَي السلطة ، الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني " أعتقد ان هذه الحرب المرسومة بحذاقة مِن قِبَل المخابرات التركية والسورية ، كانتْ ستقوم حتى لو كان غير هذين الحِزبين في السلطة " لأن الغاية منها كانتْ ، إضعاف كافة الأطراف الكردية قدر الإمكان ، وهو ما حصلَ فعلاً . 4- نجاح ضغوطات تركيا على الولايات المتحدة الامريكية ، بإعتبار حزب العمال الكردستاني ، تنظيماً إرهابياً ... وتورط سوريا في لُعبة مُخابرات اقليمية ودولية أدتْ الى إختطاف زعيم حزب العمال "عبدالله اوجلاان " مِنْ قِبَل المخابرات التركية . 5- إنجرار حِزبَي السلطة في اقليم كردستان العراق ، الى الإقتتال الداخلي فيما بينهما، من أجل السلطة والمال والنفوذ .. بعيدا عن مصالح شعب الاقليم ... مما دفعهما في النهاية وبتشجيعٍ امريكي ، الى الإستعانة بوساطة تركية وحتى بقوات عسكرية رمزية تركية للحؤول بينهما !. أما أبرز ملامح العشرة سنوات الأخيرة ، فيُمكن إيجازها في : 1- إحتلال العراق من قبل التحالف الدولي بزعامة الولايات المتحدة الامريكية ، وزوال حُكم صدام ، مما أدى الى خلط الأوراق في المنطقة بِرِمتها . 2- تَمّكُن أردوغان من الفوز ثانيةً في الانتخابات العامة وحصول حزبهِ على منصِبَي رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ، ونجاحهِ في تحجيم دَور الجيش التقليدي ، بل وتعديل تركيبة المحكمة العليا في صالحهِ . 3- النجاح المُلفِت للنظر ، للبروفيسور " أحمد داود اوغلو " بمنصبهِ الجديد كوزيرٍ للخارجية ، في ترسيخ مكانة اقليمية ودولية مُحتَرمة ، لتركيا ، من خلال التوجُه المُبرمج والفعّال للعالَمَين العربي والإسلامي ، بإعتبارهما يُشكلان العمق الطبيعي الاقتصادي والسياسي لتركيا ، بدلاً من التشبث والإصرار على فكرة الإنضمام الصعب للإتحاد الاوروبي . وبالفعل فأن تركيا لعبتْ أدواراً كثيرة في السنوات الماضية ، في افغانستان وباكستان وايران ودول بحر قزوين ،وكذلك في اسرائيل ولبنان وسوريا ومصر وشمال افريقيا ... عَكسَتْ وجهاً جديداً مقبولاً لتركيا في العالم . 4- على الرغم من عدم تَحّمس تركيا للتغيير الذي حصلَ في العراق في 2003 ، في البداية ، إلا انها تداركتْ الأمر ، ونجحتْ في جعل تركيا محطة مُهمة ، على طريق " حل المشاكل العراقية " ، بل انها تفوقتْ على سوريا والاردن والسعودية ، في هذا المجال ، إضافةً الى إستغلالها لحاجة العراق الى مُختلف البضائع والخدمات ، بحيث انها تنافس اليوم ايران في ذلك ، الى جانب قدرتها على التأثير السياسي في الوضع العراقي ، من خلال علاقاتها الوثيقة مع أطرافٍ عراقية عديدة . ....................................................................... لا شكَ ان ( المسألة الكردية ) في تركيا هي من أكبر التحديات التي تواجه حكومة أردوغان ، وعلى الرغم ، من الخطوات الإيجابية التي تحققتْ خلال السنوات الماضية ، إلا انها بعيدة كثيراً عن الطموحات الكردية في تركيا ، وبقدر ما تُحسَب هذه " المكاسب " إنجازاً لأردوغان وحزب العدالة والتنمية ، فهي في الحقيقة ، نتاج النضال الطويل والتضحيات الكبيرة التي قّدمها الكُرد في سبيل الحصول عليها . وعلى هامش الزيارة التأريخية التي سيقوم بها اليوم الثلاثاء 29/3 ، أول رئيس وزراء تركي ، الى أقليم كردستان العراق ، وإجتماعهِ المُرتَقَب مع مسعود البارزاني رئيس الأقليم ، أدناه بعض الملاحظات العامة : 1- إفتتاح القنصلية التركية في اربيل ، ومطار اربيل ، مِنْ قِبَل أردوغان شخصياً ، وإجتماعهِ " رسمياً " مع رئيس اقليم كردستان ، يُعّدُ سابقة ، تفتح صفحة جديدة في العلاقات بين الطرفين . 2- تُركيا شأنها شأن جميع دُول المنطقة ، تُراقبُ عن كَثب ، التغيرات الثورية الكبيرة الجارية ، من شمال افريقيا حتى اليمن .. وتُرّكِز بالذات على ما يحصل في سوريا ، فكُل الدلائل تُشير الى ان تطورات جذرية على الطريق ، وربما يكون من تداعياتها ، حصول كُرد سوريا على حقوقهم أو على بعضها على الأقل ، ولا بُدَ ان يؤثر ذلك على الجانب الآخر من الحدود . 3- يدرك أردوغان جيداً ، ان ايران ليست بمعزَلٍ عن كل التطورات الجارية ، بل هي في القلب منها ، وان صراع المصالح بين الولايات المتحدة الامريكية وايران ، له إنعكاساته المباشرة في العراق والبحرين والسعودية ولبنان واسرائيل ، وتلعب تركيا في هذه المعمعة ، الدور " المُوازن " بين طَرفَي الصراع ، وتلقى قبولاً من الجانبَين . 4- من الملفات المُلحة على طاولة المباحثات ، بين أردوغان والبارزاني ، هي المفاوضات " غير المُعلَنة " بين حزب العمال الكردستاني والحكومة التركية ، والتي يلعب فيها البارزاني دور الوسيط . أعتقد ان التوصل الى إتفاقٍ يُرضي الطرَفَين ما زال بحاجة الى مزيدٍ من المرونة وخاصة من جانب أردوغان ، الذي لايملك الآن كُل الاوراق التي تُمكِنه من إتخاذ خطوات جريئة على طريق الحَل . فاليمين والقوميين الاتراك وبعض المتنفذين في الجيش ، ما زالوا يُعارضون بِشدة ، أي إعترافٍ بالحقوق الكردية في تركيا . 5- " لو " كانت أجزاء كردستان متواجدة ، في منطقة طرفية نائية أو صحراء قاحلة أو خالية من النفط والمياه ... لكان من السهل تشكيل دولة كردية مُستقلة بدون تعقيدات تُذكَر ... لكن جغرافية كردستان في الاجزاء الاربعة ، في منطقة بالغة الحيوية ، غنية بالنفط ومُسيطرة على منابع دجلة والفرات .. يجعل مسألة توحيدها او تشكيل دولة ، أمراً عسيراً ومُعّقداً في هذه المرحلة ... القيادات الكردية في اقليم كردستان ، تدرك هذه الحقيقة ، كذلك دول المنطقة ... عليهِ فلا أرى اليوم ولا في الاُفق القريب ، اي إمكانية لتوحيد اجزاء كردستان . 6- بصورةٍ عامة ، تمتلك تركيا " أوراقاً " أكثر وأقوى من تلك التي بيد البارزاني .. فالبارزاني له علاقات جيدة مع قيادة " حزب المجتمع الديمقراطي " ، الحزب الكردي الذي له شعبية واسعة في جنوب شرق تركيا ، والذي هو في الحقيقة ، إمتدادٌ لحزب العمال الكردستاني .. وكذلك له إتصالات مع بعض قيادات حزب العمال نفسه ... والاقليم يستطيع ان يستوعب المزيد من الشركات التركية العاملة في مُختلف المجالات . بينما اردوغان يملك ورقة التأثير المُباشر على التركمان ، لاسيما في كركوك ويقدر على " إقناعهم " بالتعاون مع الكرد .. كذلك اردوغان يستطيع التلويح بالعصا الغليظة وإستخدام القوة العسكرية والطائرات ، كعامل ردع ... إستطاعتْ تركيا لاسيما في السنوات الاخيرة ، ان تتحكم الى حَدٍ ما ، بمعظم مفاتيح إقتصاد الاقليم ، من خلال مئات الشركات التركية العاملة .. والتجارة بين الطرفين ، هي في الحقيقة ليستْ " متبادلة " ، بل هي إستيراد فقط من قبل الاقليم وتصدير من قبل تركيا !. ...................................................... أعتقد ان على قيادة اقليم كردستان ، ان تركز على نقاط اساسية في المباحثات اليوم مع اردوغان ، ومتابعتها بجدية خلال اللجان المشكلة لاحقاً ... ومنها : محاولة إقناع تركيا برفع صفة " الارهاب " عن حزب العمال الكردستاني . التوصل الى صيغة مقبولة لحل مشكلة كركوك والمناطق الاخرى . سحب القوات التركية المتواجدة في بعض مناطق الاقليم لإنتفاء الحاجة اليها . إقناع الجانب التركي ، بتحسين شروط عمل الشركات التركية في الاقليم ، بما يخدم مصلحة شعب الاقليم بالدرجة الاولى ، وإقامة مشاريع " إنتاجية " وتشغيل اليد العاملة المحلية . ..................................................... أعتقد ان زيارة اردوغان والوفد الكبير المُرافق له ، الى بغداد واربيل ، ومَهما كانت النتائج الاقتصادية والسياسية المُتوقعة ، ناجحة ومُثمِرة ... فهذا لايعفيه من إستحقاقٍ داخلي ضروري ومُهم .. ألا وهو : حَل عادل للقضية الكردية في تركيا . كذلك ، فان المكاسب المعنوية الكبيرة المترتبة على هذه الزيارة ، التي يحصل عليها البارزاني ... لاتعفيه ايضاً من إستحقاق داخلي ضروري ومُهم .. ألا وهو : إصلاحات جذرية سريعة !.
#امين_يونس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
- الأحمر - واللعب في الوقت الضائع
-
أفكارٌ سورية
-
ديكٌ وحِمار .. في مكتب الوزير
-
عُطلة بين عُطلتين
-
ألله كريم !
-
الذي يَملُك والذي لا يَملُك
-
حكوماتنا وبُطلان الوضوء
-
- نوروز - مَصدر إلهام الثُوار
-
سُفراء المُحاصصة الطائفية والسياسية
-
إنتفاضة الشعب السوري
-
الحظر الجَوي .. بداية اللعبة
-
بين المواطن والسُلطة
-
مُناضِلوا الشامبو والنَستلة !
-
طقوس الفَرَح
-
إنتفاضة دهوك 1991
-
مَنْ المُصاب بالصَمَم ؟
-
إستجواب برهم صالح وخطاب البارزاني
-
أسعار النفط .. لعبة الكِبار
-
المحكمة الإتحادية العليا في العراق
-
بين السُلطة .. والمُعارَضة
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|