خالد عبد القادر احمد
الحوار المتمدن-العدد: 3319 - 2011 / 3 / 28 - 16:19
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا يمكن الاستمرار في تعريف القوى السياسية وقراءة سلوكها وحركتها استنادا الى تقييم قديم, كانت فيه هذه القوى ذات طبيعة مختلفة وفي اطار ظروف وشروط مختلفة, بل يجب تطوير تعريفنا لهذه القوى تبعا للتغيرات الموضوعية التي تطرأ على طبيعتها. وشروطها وظروفها وحركتها.
منذ اكتشاف النفط وحتى الان اصاب قوى منطقة الخليج ايضا متغيرات جوهرية, فاكتشاف النفظ فيها واستخراجه منها, احدث متغيرات على ذات طبيعتها, وعلاقاتها الداخلية, وايضا على موقعها وحركتها واهميتها في الصراع العالمي. وليس علميا في شيء ان نستمر في النظر اليها نظرة عرقية عروبية فلا نرى منها سوى وحدة العرق واللغة والدين وتشابه العادات والتقليد فتترسخ فينا قناعة انها جزء منا ينتمي الينا فحسب, وان حركتها تاتي في سياق وحدة الصراع والتطلعات,
فقد غادرت هذه المجتمعات الصورة القديمة للمجتمع المشاعي القبلي وشبه القبلي ودخلت في صورة اولية لدولة الهرم السياسي الحديث, تبعا لسرعة وحجم تراكم راس المال بها, الى ان انتهت الى صورة المجتمع الطبقي الراسمالي, وإن بقيت في اطار قيد نظام اريستقراطي سلالي وراثي, تتنوع بينها حجم المشاركة الشعبية في الحكم تبعا لتنوع الصيغة الدستورية الناظمة لعلاقة طبقاتها الاجتماعية,
لكن هذا التطور في صورة العلاقات الداخلية لهذه المجتمعات, لم يتم بمعزل عن محيطه العالمي, بل تم تحت مظلة تاثير وسيطرة هذا المحيط, والتشابك معه سياسيا واقتصاديا, وكان تعزيز دور مراكز القوى العالمية المتنفذة في واقع المجتمعات الخليجية هو الشرط الذي يحدد اي من القوى المجتمعية يتعزز دورها في داخل هذه المجتمعات, وايضا يشترط اتجاه حركتها كانظمة ودول في الصراع العالمي, وهنا علينا ادراك حقيقة ان وجود او خلو المجتمعات من قوى الاستعمار الاجنبي ليس هو الناظم الوحيد لخضوع المجتمعات لنفوذ ورؤية مراكز القوة ولنفوذ العالمي, فصيغها الخاصة السياسية الاقتصادية المجتمعية تؤمن اذا كانت مناسبة هذا الخضوع وهي قد تدعو لعمل عسكري ضدها ان لم تكن كذلك. والعراق وليبيا كانتا ضحية هذه الحقيقة, فتغيير صيغ انظمتها كان من اسباب واحد اهداف العمل العسكري الذي مرس ضدها. والتي كان لدول الخليج في صورتها السياسية الجامعة_ مجلس التعاون الخليجي_ دور رئيسي في تقريره.
ان الدولة المستقلة سياسيا واقتصاديا لم تعد الاطار النهائي لصورة وجود هذه المجتمعات النفطية الخليجية, بل بات مجلس التعاون الخليجي هو الاطار النهائي لصورة هذا الوجود, رغم ان ذلك لا ينفي وجود استقلال نسبي لكل دولة منها داخل هذا الاطار, يتعلق بخصوصيات التعامل مع ثرواتها ومجتمعها, لكن حركتها في الصراع العالمي باتت على درجة عالية من التوافق في التوجه, فهي باتت ذات مواقف مشتركة وسلوك متحد يجري تحديده بالاتفاق كموجه مسبق للموقف والسلوك الفردي لكل منها,
إن انتظام دول هذه المجتمعات في صورة _ائتلاف_ مجلس التعاون الخليجي جاءت ضرورته الرئيسية, من وحدة الشروط الجيوسياسية لعملية انتاج النفط فيها, ومن حالة تشابه و تقارب صيغ انظمتها الحاكمة, ومن وحدة توجهها لكيفية استثمار تراكم راس المال بها, لكن ذلك كان سيكون اضعف لو انها كانت في قدرها السياسي خارج اطار النفوذ الاستعماري العالمي, فهي على العكس هنا نالت حالة تماسك اقوى فرضه تماثل علاقتها بمراكز القوة العالمية, فالسلالات الحاكمة فيها جميعا تشترك في كونها وكلاء للنفوذ الاستعماري في مجتمعاتها سياسيا واقتصاديا, وفي حقيقة عدم امكانيتها فض تشابك ثرواتها الشخصية والقومية بالراسمال الاستعماري العالمي, الامر الذي استدعى التعامل معه من مستوى كونه مال سياسي من الافضل لها ان تشرف على حركته في الصراع العالمي وان تنمي مردوده على هذا الاساس,
ان مجلس التعاون الخليجي اعلى من منظمة استثمارية اقتصادية, وهو ايضا اعلى من منظمة علاقات جوار, فهو منظمة انسجام وتناغم صيغ ورؤى سياسية اقتصادية اجتماعية, وهي شروط لم تتوفر في كل من العراق واليمن وايران, فلك من هذه الدول وجتمعاتها صيغ تسقط منها شروط عضوية مجلس التعاون الخليجي, وفي هذه الرؤية ربما علينا ايضا ان نرى سبب استمرار اعاقة انضمام تركيا للاتحاد الاوروبي, لذلك علينا ان نقر بان استقلالية وجود مجلس التعاون الخليجي هو اساس وموجه علاقاته الاقليمية والعالمية, والتي من اهدافها تامين وجود واستمرار هذا المجلس ماديا وفكريا ايضا,
ففي نفس الوقت الذي تتفق فيه دول المجلس على حماية عضويته من اي عدوان سياسي اعسكريا كان او ديبلوماسيا, فانها ايضا تعمل على حمايته من الرؤية العرقية القومية العربية التي ترى لنفسها حقوقية اصيلة بنفط الخليج باعتباره ثروة قومية عربية, وهي رؤية تستدرج حالة عداء من قبل السياسة الخليجية مع محيطها الاقليمي العرقي العربي, ولا يقل عن ذلك حالة العداء التي تستدرجها حالة تفاوت وتباين موازين القوى مع هذا المحيط, والذي يميل فيه الجانب المالي وتشابكاته العالمية منه فحسب لصالحها, اما ما عدا ذلك فهو يعمل في غير صالحها.
لذلك لم يكن غريبا ان مجلس التعاون الخليجي منذ انشاءه وحتى الان عمل على اعادة صياغة ميزان القوى بينه وبين محيطه الاقليمي, وكان تطوير التسيق بين دوله الى صيغة سلوك برنامجي مشترك سياسي اقتصادي هو الاطار الذي يتم فيه ذلك. وهنا علينا ان نقر ان دول مجلس التعاون استطاعت فعلا استثمار حالة تشابكها المالي والسياسي مع مراكز القوة العالمية وان تحولها ليس فقط قوة عسكرية ضاربة تحمي بها نفسها, وتدمر بها التهديد الذي يواجهها,_ العراق مثلا _ بل ايضا اكتشفت ان مثل هذه الاعمال العسكرية تشكل فرص استثمار اقتصادي استراتيجي, لذلك نجدها تدفع تكاليف مثل هذه الاعمال ليس باعتبارها ضريبة وجزية السيطرة الاستعمارية بل باعتبارها تكاليف انشاء مشروع استثماري مجدي. وهنا نفسر سلوكها السياسي حيال ليبيا, ويتضح لنا جدواه الاقتصادية.
لقد خرج مجلس التعاون الخليجي من مرحلة الدفاع عن النفس, وبات جزءا من قوى حالة الهجوم الاستعماري العالمي. بل هو يطرح نفسه بديلا لمراكز اقليمية تقليدية كالعراق وتركيا وايران, يمكن لها ان تكون في خدمة مراكز النفوذ العالمي في نفس الوقت الذي تنمي به مصالحها الخاصة. وفي هذا الاطار يمكن فهم دور مجلس التعاون الخليجي التامري على ايران, والذي تتدرب على المشاركة به لاحقا عبر نهج تكديس السلاح في الخليج وايضا عبر مشاركتها العسكرية التدريبية في مناورة تدمير وتفكيك ليبيا,
ان هذا النهج الخليجي ليس بعيدا عن الرضى الاستعماري العالمي. وخاصة رضى الولايات المتحدة الامريكية, فهو نهج يمكن دول مجلس التعاون الخليجي خاصة بعد انهاء معضلة ايران من التحول الى مركز قوة اقليمي قادر على حماية مصالح المراكز الاستعمارية في المنطقة خاصة بوجود حالة تناغم وانسجام في التوجه بين النهج الخليجي والنهج الصهيوني, وهو امر برهن الخليج على نواياه الطيبة فيه بطرح مبادرة السلام العربية, وهي مبادرة لا يعترض عليها عمليا سوى الكيان الصهيوني ذي التوجهات العدوانية التوسعية التقليدية.
ان العلاقات بين النهجين الصهيوني والخليجي يقوم على توافق استراتيجي تستهدف تقاسم النفوذ في المنطقة, غير انه تعترضها حالة مساومة محدودة وطارئة ومؤقتة تتعلق بمسالة مصير الارض الفلسطينية المحتلة والشكل المستقبلي للوجود القومي الفلسطيني, ومسالة الاراضي السورية المحتلة, وبهذا الصدد تمثل المبادرة العربية الحد المتفق عليه خليجيا والذي تعرضه كمساومة على الكيان الصهيوني والحجم الجغرافي الذي يمكن للنهج الخليجي ان يسمح للكيان الصهيوني بالتوسع اليه, ليكف عن توتير الصراع بينهما, ومن الخليج فرصة التركيز على المشروع الايراني, لكنها قطعا ليست علاقات صراع وجود بحسب ما يظن واهما الفكر العرقي القومي العربي, لذلك لا يجب ان نرى في العلاقات القطرية الصهيونية سوى علاقات خليجية صهيونية, لا علاقات قطرية صهيونية فقط,
ان الكيان الصهيوني يدرك الى اين يتجه النهج الخليجي والاهداف التي ينتوي تحقيقها ورضى مراكز النفوذ العالمي عنها خاصة ان هذا النهج الخليجي يحمل حلولا جيوسياسية اقتصادية استراتيجية لازمتها الاقتصادية العميقة. من ضمنها تحجيم السوق الصيني. والكيان الصهيوني تبعا لذلك يدرك ان هذه هي احسن فرصه للمساومة لذلك لا نستغرب امساكه بتلابيب المشروع الايراني ومحاولته توظيفه في هذه المساومة معتبرا ان ضم كل فلسطين والجولان ويهودية الدولة والتقاسم الاقتصادي الاقليمي هو الحد الادنى لاي اتفاق يمكن له القبول به.
#خالد_عبد_القادر_احمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟