كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 991 - 2004 / 10 / 19 - 11:21
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
تتفق الغالبية العظمى من الشعب العراقي على عدد من النقاط المهمة بشأن طبيعة النظام والطاغية صدام حسين ورهطه, سواء الذين سيقفون أمام العدالة أو الذين ما زالوا هاربين من وجهها ويمارسون الإرهاب ضد الشعب وضد منشآت ومؤسسات الدولة والمجتمع حالياً. ولكن ليس كل العرب والعالم يعرف ذلك, رغم أن قسماً منهم لا يريد أن يعرف ذلك أصلاً. وكلما حاولنا وضع صورة مكثفة عن طبيعة هذا النظام يعجز الإنسان عن وصفه وعن تشخيص ما تسبب به للشعب العراقي والشعوب المجاورة من أضرار ستبقى تلاحقهم عقوداً قادمة. وسنحاول فيما يلي الإشارة السريعة إلى بعض ما جرى للشعب العراقي بقومياته المختلفة وأتباع أديانه ومذاهبه الكثيرة واتجاهات الفكرية والسياسية التي تستوجب تقديم هذا الذي استبد بأمره ومعه الطغمة التي حكمت العراق طوال 35 عاماً إلى المحاكمة في العراق وربما على الصعيد الدولي أيضاً:
1. أقام حزب البعث بقيادة أحمد حسن البكر وصدام حسين نظاماً استبدادياً مطلقاً في العراق منذ اليوم الأول من الاستيلاء على السلطة وإبعاد مجموعة القوميين الناصريين عنها على خلاف إعلانه الأول من أن حزب البعث يريد إقامة الديمقراطية في العراق والحرية للشعب ومعالجة القضايا في صالح الشعب العراقي.
2. رفض وضع الدستور الدائم للبلاد وإقامة المؤسسات الدستورية والفصل بين السلطات, بل ركز الصلاحيات والواجبات الدستورية بيد مجلس قيادة الثورة ومن ثم بيد شخص واحد هو صدام حسين ومن خلفه حفنة من قياديي هذا الحزب.
3. شن حملة إرهابية شرسة وحملة اعتقالات واسعة طالت جميع القوى السياسية العراقية ابتداءاً من القوميين العرب الناصريين والبعثيين اليساريين والشيوعيين والإسلاميين وضد القوى السياسية الكردية وزج بجمهرة واسعة جداً منهم في المعتقلات والسجون وسلط عليهم عمليات تعذيب شرسة أدت إلى موت الكثير منهم.
4. وجه حملة إبعاد تدريجية شملت في فترة قصيرة جميع الناس الوطنيين العاملين في القوات المسلحة وحولها إلى "قوات بعثية عقائدية", وحاول إدخال البقية إلى صفوف البعث بمختلف السبل المتوفرة لديه.
5. واصل الحرب التي كانت مشتعلة في كردستان العراق إلى أن أجبر على إيقافها وعقد اتفاقية آذار عام 1970, ثم بدأ بالالتفاف عليها حتى نسف جميع مضامينها وشن الحرب ضد الموقعين عليها وطاردهم إلى ما وراء الحدود العراقية.
6. مارس سياسة التحالف المؤقت مع طرف معين لضرب الطرف الثاني حتى انتهى به المطاف إلى ضرب جميع الأحزاب السياسية العراقية, بل وجه ضربات إلى قيادات حزبه على مدى الفترة التي كان صدام حسين على رأس السلطة. وكان من بين أبرز الأخطاء التي ارتكبتها بعض الأحزاب والقوى السياسية في العراق في فترة حكم البعث موافقتها في الدخول في تحالفات مع قيادة هذا الحزب والسماح له بتثبيت مواقعه وتحسين صورته على الصعيد الدولي رغم رفض الجماهير لتلك التحالفات. ويحس الإنسان, وأنا منهم, مدى الضرر الذي تسببت به تلك التحالفات والمسئولية الشخصية إزاء ذلك الخطأ الفادح. ولن يبرر ذلك الاعتقاد بأن مثل هذا التحالف يخدم الشعب والوطن, إذ أن المصداقية قد أصيبت بضرر كبير, إضافة إلى العواقب الكارثية على العراق التي تسبب بها نظام البعث وطاغيته صدام حسين.
7. هجر صدام حسين ونظامه مئات الآلاف من العراقيات والعراقيين قسراً إلى إيران ومنها إلى في شتات العالم بحجة أنهم شيعة ومن تبعية إيرانية وهم من سكان عرب الوسط والجنوب الشيعة ومن الكرد الفيلية الشيعة وكلهم من أصل سكان البلاد.
8. قتل من الشباب من أبناء تلك العوائل المهجرة قسراً عشرات الآلاف ودفنهم في مقابر جماعية ستكتشف في قادم الأيام في العراق حالما تهدأ الأوضاع ويستعيد الشعب راحته واستقراره, تماماً كما تم اكتشاف العشرات من تلك المقابر وكذلك المقبرتين الجماعيتين الأخيرتين في الحضر قرب الموصل حيث دفن في إحداها النساء والأطفال وفي الثانية الرجال من مختلف الأعمار وكلهم من الكرد وهم مقيدون بحبال حيث تم أطلاق النار عليهم بالمسدسات من الخلف وفي الرأس أو برشاشات حصدت جميع الرجال دفعة واحدة. فمن الضروري توثيق وأرشفة هذه المعلومات, باعتبارها جزء من الوثائق الضرورية لتوجيه التهم مباشرة إلى رأس النظام ورهطه المشاركين في تلك العمليات, إضافة على أنها وثائق ذات أهمية كبيرة للبحث في أوضاع العراق وطبيعة النظم التي سادته وسبل منع تكرار حصولها.
9. والسياسات التمييزية والإرهابية القمعية التي مارسها النظام في العراق, سواء أكانت تمييزاً قومياً أم دينياً أم مذهبياً أم فكرياً وسياسياً, إلى هجرة أكثر من ثلاثة ملايين إنسان من العراق. ومن بينهم الكثير من المواطنات والمواطنين من الكلدان والآشوريين والأرمن. فدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا وكندا ونيوزيلندا وأوروبا الغربية مليئة بهم ويتراوح عدد من هاجر من هؤلاء الناس خلال العقود الثلاثة الأخيرة يتراوح بين 350-400 ألف إنسان, كما أجبر على الهجرة نسبة مهمة من الصابئة المندائيين والكرد الأيزيديين وأتباع الديانات والمذاهب الأخرى.
10. أقدم النظام على حبك وتنفيذ مؤامرة قذرة بالاتفاق مع شاه إيران في عام 1975 لضرب الحركة الكردية المسلحة في مقابل تنازل العراق عن مناطق حدودية في شط العرب وأماكن أخرى.
11. وقبل شن الحرب على إيران قام النظام ورأسه بعملية تصفية واسعة جداً لتنظيمات عدد من القوى السياسية العراقية وخاصة لقوى الحزب الشيوعي العراقي والمؤيدين له أدت إلى اعتقال وسجن عشرات الآلاف منهم وإلى قتل عدد كبير من المناضلين وهروب الآلاف إلى من مناطق سكناهم إلى كردستان العراق أو إلى خارج البلاد. كما توجه بالضربة إلى قوى الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني وقوى الإسلام السياسي المعتدلة في بغداد والنجف وكربلاء لتكريس وجوده والتهيئة لحربه العدوانية ضد إيران.
12. شن النظام ورأسه حرباً عدوانية دامت ثماني سنوات ضد إيران ثم تبعها بغزوه دولة الكويت واحتلالها. وقد نفذ في هذين البلدين سياسات الاجتياح والسلب والنهب والاستباحة الكاملة للمجتمع والسكان المدنين العزل, وكان الغزو والاحتلال سبباً لشن حرب الخليج الثانية. وهذه الحروب الثلاث وحدها كلفت الشعب العراقي حياة ما يقرب من ثلاثة أرباع مليون إنسان عدا الجرحى والمعوقين والخراب والتدمير الواسع للمنشآت الصناعية والبنية التحتية التي أقامها الشعب العراقي طيلة العقود المنصرمة.
13. وأثناء الحرب ضد إيران وضع وخطط ونظم ونفذ عملية عنصرية دموية كاسحة ضد الشعب الكردي أطلق عليها بعمليات الأنفال حيث قتل فيها أو غيب بطرق مختلفة, كما يشير إلى ذلك المسؤولون في كردستان العراق, أكثر من 182 ألف إنسان من أهالي كردستان, وأكثر من 98 % منهم من النساء والأطفال والرجال الكرد. وكانت بضمنها مجزرة حلب?ة حيث استخدم الكيماوي في تلك العمليات ضد الناس الكرد الآمنين.
14. وشن صدام حسين حربه العدوانية ضد انتفاضة الشعب العفوية التي انطلقت في نهاية حرب الخليج الثانية, إذ استخدم أبشع أساليب الإرهاب وأدى ذلك إلى قتل عشرات الآلاف من العراقيات والعراقيين في مدن الجنوب والوسط وكردستان العراق. وحيث أجبرت ما يقرب من مليون إنسان كردي وعشرات الآلاف من العرب على الهرب إلى الدول المجاورة في واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية التي لحقت بالشعب العراقي.
15. مارس النظام أساليب التعذيب التي مورست في القرون الوسطى وكذلك الأساليب الأكثر حداثة التي تستهدف إنزال الموت والعقاب وأكبر الضرر بالناس الذين اعتبرهم مناهضين له أو مخالفين لقوانينه مثل التعذيب حتى الموت والإعدام أو رمي في مكائن فرم اللحوم العملاقة أو قطع الرؤوس والأطراف والآذان وجدع الأنوف وقلع العيون ووشم الجباه ... الخ.
16. لقد تجاوز النظام ورأسه على الناس بمختلف السبل غير المشروعة, سواء بالاعتداء على العرض أم التعذيب أم نهب الأموال المنقولة وغير المنقولة أم الفصل والطرد من الوظيفة والخدمة أم التهجير القسري أم غيرها من الأساليب المخالفة لمبادئ حقوق الإنسان.
17. ومارس النظام سياسة وأساليب عنصرية في فرض التعريب والصهر القومي على الكرد والتركمان وغيرهم, إضافة إلى ممارسة الترحيل القسري عن مناطق السكن وخاصة من بعض المدن الكردية ومنها كركوك, وإسكان العرب في بيوتهم أو منحهم مساعدات لبناء البيوت هناك. كما منع الشعب الكردي من ممارسة حقه في الحكم الذاتي, بل ترك البعثيين العرب وبعض الأعوان المستعربين من الكرد يهيمنون على الحكم الذاتي المشوه والناقص في كردستان العراق ويستخدمونه ضد الشعب الكردي.
18. لقد أدت الحروب التي خاضها النظام إلى تحميل العراق خسائر مالية هائلة تقدر بأكثر من 600 مليار دولار أمريكي, كما استخدم الأموال العراقية لرشوة الناس في العراق والدول العربية والعالم من أجل الحصول على تأييدهم في كل الممارسات غير الإنسانية التي مارسها في العراق, وبشكل خاص مجموعات من الصحفيات والصحفيين والسياسيات والسياسيين وأصحاب المواقع الاجتماعية المهمة وجمهرة من الشعراء والكتاب المرتزقة.
19. أدت سياسة النظام العدوانية إلى تحمل العراق حصاراً دولياً ظالماً دام 13 سنة أدى إلى موت أكثر من 600 ألف طفل عراقي, إضافة إلى موت الكثير من المرضى, وخاصة من كبار السن بسبب عدم توفر الدواء والغذاء المناسب. وباختصار ساهم مع الولايات المتحدة وبريطانيا بتجويع الشعب العراقي طيلة الفترة الواقعة بين 1990-2003, وما يزال الشعب العراقي يعاني من جراء تلك الفترة.
20. تسبب النظام بتلويث البيئة العراقية على نطاق واسع سواء عبر الحروب التي خاضها والأسلحة التي استخدامها أم بالمشاريع الصناعية الملوثة للبيئة التي أقيمت وفق رغبته وأهدافه, إضافة إلى إهمال العناية بالبيئة والطبيعة والإنسان.
21. شوه النظام الدكتاتوري الثقافة العراقية وزيف التاريخ العراقي وفرض المشاركة معه في عمليات تزييف هذا التاريخ وشوه كثرة من المثقفين العراقيين بمختلف السبل والأساليب وخلق جمهرة من شعراء وكتاب وصحفيين وأدباء السلطان ومرتزقته. وبعضهم كان ضحية هذا الجلاد المستبد. وفي الوقت نفسه أدت سياسة النظام إلى قتل عدد مهم من المثقفين والمبدعين العراقيين الديمقراطيين والتقدميين ومن مختلف الاختصاصات والاتجاهات, كما أدت إلى هجرة كبيرة جداً لنسبة عالية جداًُ من رواد الفكر والعلم والثقافة والآداب والفنون العراقية, وغالبيتهم ما تزال تعيش في الخارج بسبب ممارسات فلول النظام والقوى الإسلامية الإرهابية المتطرفة في العراق.
22. شوه التعليم وطبعه بالفكر الشوفيني العنفي في مختلف مراحل الدراسة ووجه التلاميذ والطلبة وجهة غير عقلانية وحرمهم من التمتع بالعلم والثقافة المتفتحة والاحتكاك بالعالم المتمدن وحرمهم من الفضائيات والإنترنيت وكل ما هو حديث ومتقدم يساهم في رفع مستوى وعي الإنسان وتفاعله مع ثقافة الإنسان في بقية أرجاء العالم.
23. إن عملية غزو الكويت واحتلاله لم يكن مجرد هيمنة واحتلال وإلحاق الكويت غير الشرعي بالعراق فحسب, بل وأدت إلى تشويه مفهوم ومضمون الوحدة العربية التي يسعى إليها العرب في أقطارهم المختلفة وإلى توريط جمهرة واسعة من المنظمات والأحزاب والدول العربية على تأييده في ذلك المسعى العدواني مما ساعد في تعميق الفجوة والانشطار في الساحة العربية الرسمية والشعبية والتي ما يزال العرب يعانون منها.
24. وتسبب أخيراً وسهل مهمة خوض حرب جديدة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ضد النظام وإسقاطه وتخليص الشعب منه, ولكنه كان بذلك السبب أيضاً في احتلال العراق والمآسي التي يعيشها اليوم بسبب الإرهاب الدموي الذي تمارسه فلول نظامه وقوى الإسلام السياسية المتطرفة والإرهابية.
هذه وغيرها من السياسات والأساليب التي مارسها والعواقب التي تسبب بها معروفة على نطاق واسع في العراق, وهي لا تحتاج إلى إثبات, كما يقول البعض الذي يطالب بقطع رؤوس هذه الحفنة من الناس وبسرعة. ولكن هل الغاية هي قطع رؤوس هؤلاء الناس أم أن الهدف الرئيسي من وراء المحاكمة يكمن في قضية مركزية أخرى, هي التي يفترض التركيز عليها وإبرازها للشعب العراقي وشعوب العالم التي ابتلت بدكتاتوريين مشابهين أو مقاربين لسلوكيات الدكتاتور صدام حسين؟
ليس الهدف قطع الرؤوس بأي حال من الأحوال, ليس الهدف تصفية هؤلاء الناس, فهذه الكلمات يفترض أن تلغى من قاموس اللغة في العراق لتحل محلها لغة أخرى تنسجم مع طبيعة الإنسان وهدفه بالحياة وقيم الحياة الجمالية التي لم يتمتع بها الشعب العراقي إلا ما ندر. إن الهدف الرئيسي والمركزي من تقديم صدام حسين ورهطه, إذ أن كلاً منهم كان بديلاً متوقعاً لصدام حسين, إلى المحاكمة هو أن لا ينجب الشعب العراقي ويربي شخصاً آخر يماثل صدام حسين في هذه الأيام والقادم منها. إن المحاكمة التي نريدها لهذا الطاغية ورهطه, يفترض فيها أن تقدم درساً بليغاً لكل من تسول نفسه أن يكون دكتاتوراً مطلقاً ومستبداً ظالماً على الشعب العراقي لكي يبتعد عن هذا الدرب المشين المناهض لمصالح الشعب, أن يتعلم العراقيون الحب والصداقة والاحترام للإنسان وحقوقه ومصالحه وحريته الفردية وحرية المجتمع, أن يتعلم العراقيون على احترام الرأي والرأي الآخر, أن يمد الإنسان يده حيثما يشاء بحيث لا يمس أنف غيره, أن يتمتع بالحرية بما لا يعيق حرية الآخرين, أن يساهم في بناء الحياة لا في تهديمها, أن يغني الثروة الوطنية لا يفرط بها, أن يساهم في بناء الوطن ولا يخربه على رؤوس أهله, أو يصرفه في بناء الصناعات العسكرية وإشعال الحروب وتنظيم الإرهاب وبناء أجهزة الأمن والمخابرات الموجهة ضد الشعب.
نحن بحاجة ماسة إلى تربية أنفسنا والشعب العراقي معنا بقضايا الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ومبادئ المواطنة والحق الكامل في ممارسة الحقوق القومية وحرية الأديان والمذاهب والأفكار والآراء ... الخ. نحن في العراق بحاجة ماسة إلى وعي عميق ومسئول بحقوق الآخر وليس بحقوقنا فحسب, إذ في هذا الأمر تكمن الكثير من الإشكاليات في عالمنا المعاصر. علينا أن نخرج من دائرة الفكر الشمولي والشوفيني والتمييز الديني والطائفي والعشائري والفكري أو التمييز بين المرأة والرجل, فهي مسائل تعود لقرون خلت ورفضت حتى في تلك العهود.
إن محاكمة صدام حسين يفترض أن تقدم الدرس البليغ لكل العراقيين والعراقيات, وأن تكون محاكمة شرعية شفافة وعادلة ورصينة تصان فيها حرمة المتهم, رغم كل التهم الموجهة له ولرهطه بارتكاب أبشع الجرائم بحق هذا الشعب والشعوب المجاورة. لهذا يتطلب الأمر ما يلي:
1. أن يستند تشكيل المحكمة إلى قانون يصدر عن المجلس الوطني ومجلس الوزراء وباقتراح من أعلى هيئة قضائية مستقلة في العراق. وأن تضم فيها خيرة القضاة العراقيين الذين يتميزون بالديمقراطية والحيادية في تطبيق القوانين والوعي بالمسئولية التاريخية التي تقع على عاتقهم في مثل هذه المحاكمات الكبرى.
2. أن تهيأ التهم وأسانيدها والوثائق الضرورية لها بشكل علمي وقانوني في ضوء الوقائع التاريخية التي مر بها العراق. على أن تأخذ بنظر الاعتبار القضايا الداخلية والقضايا الدولية التي مارسها النظام وارتكب بها أعمالاً تستوجب توجيه التهم له ولنظامه وللرهط العامل معه.
3. يفسح في المجال لتوجيه التهم الخاصة التي تضرر بها من جرائها جمهرة كبيرة من المواطنات والمواطنين في شتى أنحاء العراق, لكي يرد الحق إلى أصحابه, وأن تلتزم الدولة بتكليف محامين يدافعون عن تلك القضايا الخاصة ويسترجعون حقوق الناس ممن يعيش في الداخل أو ما يزال في الخارج أو استرجاع حقوق العوائل التي فقدت بعض أفرادها وأموالها المنقولة وغير المنقولة أو التي تعرضت لأضرار أخرى.
4. أن تكون المحاكمة علنية وجدية وبعيداً عن المنابر الشعبية التي جرت في فترات سابقة, على أن تذاع من تلفزيون الجمهورية العراقية, مع إيلاء عناية خاصة بترجمة تلك المحاكمات إلى اللغة الكردية وغيرها بهدف إيصالها إلى كل الناس في العراق وخارجه,
5. أن يفسح للمتهمين بتكليف محامين يدافعون عن التهم الموجهة لهم ويتسنى لهم الاطلاع على كل الوثائق التي يفترض ويحق للمحامين الاطلاع عليها.
6. أن يهيئ المدعي العام شهوداً في كل قضية من تلك القضايا المعروضة بما يمنح الدعوى والتهم مصداقية كاملة يصعب على أحد تشويهها أو نشر الأكاذيب حولها.
7. الابتعاد كلية عن تعريض المتهمين أثناء التحقيق إلى أي شكل من أشكال التعذيب الجسدي أو النفسي أو إساءة المعاملة في مسائل الغذاء والزيارات وما إلى ذلك ما دامت لا تتعارض مع سرية التحقيق وحماية مصالح الشعب.
8. أن تنشر التهم الموجهة إلى المتهمين في الصحف أو في كتب يطلع عليها الجمهور مع بدء المحاكمة, إذ يمكن أن يحصل المدعي العام على معلومات إضافية حول التهم الموجهة لهم أو على شهود إضافيين يفترض الاستماع إلى شهاداتهم.
9. من المفيد والضروري الاستعانة بخبراء في القانون في القضايا المماثلة, وخاصة الخبرة التي تكونت في محاكمات نورنبيرغ, بالرغم من مرور ما يقرب من ستين عاماً على تلك المحاكمات, فمنهجية المحاكمة والتهم ومطالعات الإدعاء العام لها أهمية خاصة في هذا الصدد, وكذلك محاكمة الدكتاتور اليوغسلافي التي ما تزال جارية حالياً في هولندا.
إن من إشكاليات العراق البارزة حتى الآن تكمن في واقع التربية العامة والدينية التي تعمق المفاهيم الشمولية والذكورية واستعادة الحق بالقوة وما اغتصب بالقوة لا يستعاد إلا بالقوة وما يزيد من التطاحن بين الأديان والمذاهب المختلفة أو بين الأفكار المختلفة والتثقيف بامتلاك كل مجموعة أو دين أو مذهب أو فكر للحقيقة المطلقة والآخر لا يمتلك غير الباطل, إضافة إلى التقاليد الموروثة والتراث الاستبدادي للعراق على امتداد ألاف السنين, وهي التي تسمح ببروز شخصيات مثل صدام حسين, أو أن يكون في كل منا شيء من صدام حسين. فما أن سقط صدام حسين حتى برزت لنا شخصيات من بين صفوف المعارضة التي قاومت صدام حسين تريد الحلول محله وتحاول ممارسة أساليب مارسها صدام حسين ذاته إزاء الشعب, وتريد فرض إرادتها على المجتمع بالرغم من إرادة الأكثرية, سواء تحت ستار محاربة الاحتلال أو الدفاع عن الفقراء أو باسم الدين. كما إن الشعب يعيش من فلول صدام حسين ذات الأساليب التي مارسها صدام حسين وهو في الحكم ونتلمسها في عمليات الغدر والقتل والتخريب اليومي في مناطق عديدة من العراق, إضافة إلى ممارسات قوى الإسلام السياسي المتطرفة, سواء أكانت عراقية أم عربية أم إسلامية من خارج البلاد.
إن الهدف الأساسي من تقديم صدام حسين ورهطه إلى المحاكمة يتمثل في منع بروز ظاهرة صدام حسين ثانية في العراق, بغض النظر عن الرداء الذي يتلفع به والحجة التي يسوقها والراية التي يحملها والشعرات التي يطلقها. فنحن بحاجة إلى مجتمع مدني يدين بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات والعدالة الاجتماعية, ولن نبلغ ذلك ما لم نبدأ بأنفسنا, كما أن تقديم صدام حسين ورهطه إلى المحاكمة يمكنها أن تكشف عن مضمون السياسات والأساليب والأدوات التي مارسها هذا الدكتاتور إلى جميع العراقيات والعراقيين طبيعة هذا النظام وربما بعض ما في أنفسنا لنكره ذلك ونتخلى عنه. نحن جميعاً بحاجة إلى عملية تربية حقيقية واسعة وطويلة الأمد وجادة في صفوف الشعب كله. عندها يمكن أن تتعزز قناعتنا الذاتية بقدرة أفرادنا ومجتمعنا الواعية والمسئولة في إقامة جمهورية ديمقراطية فيدرالية متحررة ومستقلة ومزدهرة, وإلى ذلك نتطلع ومن أجله نعمل.
برلين في 17/10/2004 كاظم حبيب
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟