|
شكرا لك، يا دوبي
أوري أفنيري
الحوار المتمدن-العدد: 991 - 2004 / 10 / 19 - 08:59
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
لا تكمن الأهمية في تصريحاته أو في سببها، بل الأهم هو وجهة النظر التي تكشف عنها هذه التصريحات.
لقد حاول الجميع تحليل تصريحات دوف فايغلاس، وهو أمين سر أريئيل شارون وأكثر المقرّبين إليه. لكن لم يكن هناك ما يجدر تحليله، فالتصريحات واضحة تماما: تهدف "خطة الانفصال" إلى تجميد عملية السلام لعشرات السنين، ووضع كافة مخططات السلام في محلول الفورمالين والقضاء على فكرة إقامة دولة فلسطينية إلى الأبد.
سيتم تفكيك مجموعة من المستوطنات الصغيرة بغية إبقاء كافة المستوطنين تقريبا في أمكنتهم في الضفة العربية. "ستتخلى" إسرائيل عن قطاع غزة الذي يشكل 1.3% من مساحة البلاد، للاستيلاء على الضفة الغربية نهائيا، التي تفوق مساحتها بحوالي 16 ضعفا. سيتم عزل قطاع غزة عن العالم في البحر والجو واليابسة، مثله مثل 7-8 قطاعات فلسطينية مشابهة ستنشأ في الضفة الغربية.
لماذا كشف "دوبي" أمر هذه الخطة؟ فأمر هذا الكشف هو بصقة في وجه حزب العمل، في الوقت الذي يحتاج شارون فيه إلى دعم هذا الحزب أكثر من أي وقت مضى!
الإجابة على هذا السؤال بسيطة: شارون يريد استقطاب اليمين إليه، وهو لا يأبه لليسار. 13 من بين 40 عضو كنيست في حزبه لم يصوتوا إلى جانبه هذا الأسبوع، في وقت لم يطرح فيه على جدول الأعمال سوى اقتراح بأن "تسجل الكنيست" تصريحا غير مهم أدلى به. شارون أراد أن يشرح لليمين المتطرف في حزبه بأن "الانفصال" ليس خطة سلام بل خطة حرب، وليس "تخل" عن مناطق، بل ضمها، وليس تفكيك للمستوطنات إنما توسيع مكثف وسريع للمستوطنات في الضفة الغربية.
لا يمكن لشارون أن يصرح بهذا بنفسه لأن هذا الأمر كان سيعرض جورج بوش على أنه إناء فارغ. لذلك حث مساعده الأمين على أن يتفوه بالكلمات عوضا عنه. كل مستوطن يعرف أن صوت "دوبي" هو نفسه صوت سيده.
كان يمكن لشارون أن ينظر إلى "اليسار" نظرة ازدراء تامة. والإثبات على ذلك خطاب بيرس أمام الكنيست الذي حلل فيه أقوال فايغلاس واستنكر أعمال شارون بشدة. بعد ذلك مباشرة، عقد اجتماع لكتلته في الكنيست وطالبها بعدم التصويت ضد شارون. إلا أن كتلته تأثرت بخطابه أمام الكنيست وقررت بعشرة أصوات مقابل تسعة معارضين وصوتت ضد شارون. فتذمر بيرس قائلا "لقد نجحت أكثر من المتوقع".
بعد ذلك أعلن الحزبان "اليساريان"، العمل وياحاد، بأنهما سيصوتان إلى جانب خطة الانفصال عندما سيقوم شارون بطرحها على الكنيست. لن يتراجعا عن ذلك بغض النظر عما سيتم الكشف عنه. شارون كان يعلم جيدا أنه يستطيع الاتكال على انصياعهما، وقد كان محقا في ذلك.
فايغلاس هو الوحيد الذي سيدفع الثمن على ما يبدو. من الصعب التصديق بأن الصداقة الحميمة بين "دوبي" و"كوندي" وبين فايس ورايس سوف تدوم بعد أن قام فايغلاس بتعريتها على الملأ.
إلا أن هذا ليس هو الأمر المهم في الحقيقة. فايغلاس لم يأت بجديد حين ذكر نوايا شارون. ومن يريد أن يوهم نفسه، يمكنه أن يستمر في ذلك بعد أقوال فايغلاس أيضا.
المهم في الحقيقة هي وجهة نظر شارون، كما بدت واضحة في خطابه، عندما كشف فايغلاس النقاب عما يفكر به سيده، وقد سلط ضوءا ساطعا على معتقدات وأفكار سيده وجوهرها ما يلي:
الكرة الأرضية هي عالم ببعد واحد، عالم مسطح، عالم ما قبل جاليليو.
عالم تسيطر عليه القوة، والقوة فقط.
هذا عالم ليس فيه ماض ولا مستقبل. ولا تستخلص فيه العبر من التاريخ ولا يمكن له أن يرى المولود. ما هو قائم الآن، قائم، وهو ما سيكون.
هذا عالم يفتقر إلى القوى الأخلاقية، ويفتقر إلى احترام قيم الشعوب الأخرى، عالم ستالين، الذي سأل ذات مرة ساخرا: "ما هو عدد فيالق بابا روما؟"
الشيء الوحيد الذي يقرر الأمور هو مصلحة إسرائيل والشعب اليهودي (كما يفهمها شارون ذاته.)
تقضي هذه المصلحة بالسيطرة على أرض إسرائيل كلها من البحر إلى النهر (على الأقل).
الفلسطينيون ضعفاء. لذلك ما الشعب الفلسطيني إلا كرة يمكن قذفها إلى كل الاتجاهات التي نرغب بها..
أوروبا تفتقر إلى القوة، إذن فلتذهب أوروبا إلى الجحيم.
هناك قوة واحدة فقط في العالم: الولايات المتحدة. فهي "مديرة العالم".
ترتكز كل قوة الولايات المتحدة في البيت الأبيض. الرئيس واثنان أو ثلاثة أخرون هم المدراء.
هذا ما يحدث الآن، وهذا ما سيكون في المستقبل أيضا.
لذلك كل ما هو مطلوب هو الحفاظ على قوة الجيش الإسرائيلي وعلى الصداقة مع البيت الأبيض. كل ما هو غير ذلك هو بمثابة ترّهات، ونزوات يتحلى بها المثقفون.
الجيش الإسرائيلي والبيت الأبيض – هذه هي المعادلة المنتصرة. بهذه الطريقة سنستولي على أرض إسرائيل كلها، بدون تقديم تنازلات. لا حاجة لعملية سلام، لأن لا حاجة للسلام أصلا. الفلسطينيون هم شيء لا يجدر النظر إليه، فليجلسوا في هذه الأثناء في جيتوهاتهم، ومع مرور الوقت سيختفون من البلاد.
إلى هنا وجهة نظر شارون استنادا إلى فايغلاس.
تبدو هذه لأول وهلة صورة واقعية. شارون هو إنسان رجعي ولذلك ينظر إلى الأمور عند حدوثها فقط.
هل هذا صحيح؟ هل هذه هي الصورة الحقيقية؟ تبين الحقائق التاريخية أن القوة العسكرية الضاربة هي أداة فاترة، لا يمكنها حل المشاكل على المدى البعيد أبدا. من يتّكل عليها وكأنه يتّكل على عصا هشة، يمكن لها أن تجرح الأيدي.
حين كتب توماس جفرسون في الإعلان عن استقلال الولايات المتحدة عن "احترام رأي الإنسانية"، لم يقصد بهذا شعارا فارغا من المضمون. لقد كان ذلك بمثابة إقرار عقلاني. الرأي العام يؤثر على تصرف الدول بألف صورة وصورة. يمكنه أن يؤدي إلى نتائج بعيدة المدى. قال كاتب إنجليزي حكيم "القلم أقوى من السيف". ولدى بابا روما فيالق رغم أنها لا تسير مجتمعة.
القوة العسكرية ما هي إلا إحدى القوى الفاعلة في العالم. القوى الاقتصادية لا تؤثر بأقل منها، وهي تؤثر أكثر بكثير على الأمد البعيد. للقوى الأخلاقية، غير الظاهرة للعيان، تأثير كبير. هذا ما قاله نابليون، أحد أكبر القادة في التاريخ.
لا يمكن التغلب على التطلع الإنساني إلى الحرية، ولا على تطلعات الشعوب المقموعة إلى التحرر. لا يعتبر تجاهلها منطقا بل عمى.
حتى جورج بوش ذاته، وهو إنسان ليس بأقل رجعية وهمجية من شارون، قد تعلم أن "لإدارة العالم" تقييدات كبيرة. إنه منغمس في الوحل العراقي. إن التفكير في أنه من الممكن حل مشكلة إسرائيل عن طريق التعاهد مع "إدارة العالم"، من خلال تجاهل كل الآخرين، هو وهم كبير.
العالم ليس أحادي البعد، حتى وإن وصلت إحدى الدول فيه إلى تفوق عسكري واقتصادي باهرين. العالم هو مكان معقد جدا ومركب جدا، تعمل فيه قوى لا تعد ولا تحصى، ولا يتجمد أي شيء فيه في مكانه. وكما قال اليوناني القديم "كل شيء يسير".
وإذا أعدنا صياغة ما قاله هاملت: هناك أشياء في السماء وعلى الأرض، يا أريك، أكثر مما تحلم به في نظرتك للأمور!
لذلك يمكن أن نقول أن وجهة نظر شارون، التي تبدو واقعية، هي الأقل واقعية. إنها وجهة نظر تؤدي إلى كارثة.
ونقول لدوف فايغلاس الذي كشف عنها للجميع شكرا جزيلا، بغض النظر عن الأسباب الذي حذت به إلى ذلك.
#أوري_أفنيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لا تصدقوا كلمة واحدة
-
كل البيض في سلة واحدة
-
مفجرو المساجد
-
هذه إرادة الله!-
-
على اللاعنف السلام
-
حرب أحادية الجانب تماما
-
قحط في تكساس
-
ترتيب الفوضى
-
الأوليغارخيون أو: البتول التي تدهورت إلى الزنى
-
جلد الدب
-
الرجل الطيب والسيدة العجوز
-
حقا هناك قضاة في هاغ
-
العدل، الغاز والدموع
-
ذهب الزرزور إلى الغراب…-
-
أضرار نفسية غير مرتجعة
-
فليشربوا من بحر غزة
-
طومي والجدة
-
اغتصاب رفح
-
بوشارون: العد التنازلي
-
المسخ الذي تصدى لصانعه
المزيد.....
-
روبرت كينيدي في تصريحات سابقة: ترامب يشبه هتلر لكن بدون خطة.
...
-
مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية يصدر قرارا ضد إيران
-
مشروع قرار في مجلس الشيوخ الأمريكي لتعليق مبيعات الأسلحة للإ
...
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
المزيد.....
-
فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال
...
/ المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
-
الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري
...
/ صالح ياسر
-
نشرة اخبارية العدد 27
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح
...
/ أحمد سليمان
-
السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية
...
/ أحمد سليمان
-
صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل
...
/ أحمد سليمان
-
الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م
...
/ امال الحسين
المزيد.....
|