|
لايفل الحديد إلا الحديد
فيصل لعيبي صاحي
الحوار المتمدن-العدد: 3319 - 2011 / 3 / 28 - 01:17
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كل من تابع الأحداث الجارية على الساحة العربية من أقصاها الى اقصاها، وسمع تصريحات حكامها وأجهزتهم الإعلامية، سيجد اللغة المشتركة لخطب الحكّام وأجهزة الإعلام فيها ومسؤولي الأحزاب الحاكمة والناطقين بإسم الحكومات. إذ ينعت هؤلاء هذا ( التسونامي الشعبي والشبابي ) ، بنفس النعوت والتهم، وكأنهم قد بصقوا في أفواه بعضهم البعض. فقد نعت زين الدين بن علي جماهير مظاهرات الشعب التونسي ، ب " المخربين والذين يتلقون الأوامر من الخارج "، وهذا ما وصف به نظام مبارك حشود الشباب في ساحة التحرير، مضيفاً لها نغمة التخويف من الإخوان المسلمين، وقد سار اليمني علي عبد صالح ، على نفس الوتيرة، واضعا فوقها بعض المقبلات مثل " الإنفصاليين والطائفيين والأيدي الأجنبية "، أما القذافي، فهو قد بز أصحابه من الطغاة ، في نعت المحتجين حين وصفهم ب "المهلوسين والجراثيم والجرذ والفئران "، مع عبارة " طز " الشهيرة ، التي كان يرددها العقيد البائس ، إضافة الى القاعدة والإسلام السياسي الذي أصبح عنواناً يخيف الإدارات الغربية ويقلق مضاجع القادة الستراتيجيين في مراكز البحوث والتخطيط البعيد المدى في الغرب.ولم يختلف الأمر في الأردن ولا البحرين أو سوريا، التي تواجه أنظمتها اليوم مصيراً لا يختلف عن مصير حكّام تونس وحكّام مصر السابقين، فالتهمة جاهزة والنعت لايختلف وتلفيق الإثباتات الجرمية ، تتم بنفس الطريقة. إضافة الى دس المخربين لتشويه صورة وهدف الإحتجاجات ودعاتها، وهذا ما جرى حتى في العراق الذي يدعي حكامه الحاليين من امراء الطوائف والميليشيات الإجرامية وأحزاب الإسلام السياسي، في كونه يعيش الديموقراطية منذ " سقوط الصنم " ، فقد نعت رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي المتظاهرين وحنى قبل خروجهم، بالأرهابيين وأعوان القاعدة والبعثيين وغيرها من التهم .
هذه التهم والنعوت والأوصاف التي يتلفظ بها حكامنا وأجهزتهم الإعلامية، تذكرنا بتصريحات محمد سعيد الصحّاف وزير إعلام صدام أيام غزو العراق، ومع ان دخان ونيران المعارك كانت خلف هذا القرقوز، إلا أنه يصر على إنتصارات وهمية حققها " جنود القائد صدام " على "العلوج " ، فيما تظهر شاشة التلفاز ضبا ط الحرس الجمهوري وجيش القدس، وهم يتراكضون بالملابس الداخلية بجوار شاطيء دجلة ، هرباً من جحيم صدام والأمريكان على حد سواء. وكانت أساليب حل هذه الإشكالية بين المجتمع والحكومة ، متشابهة أيضاً من حيث الحلول الترقيعية، فقد ظن الحكام ، بأن رشوة موظفي الدولة بزيادات الأجور او إطلاق بعض المعتقلين ، كافياً لتهدئة الأمور، عاكسة العقلية التافهة والمنحطة التي يتحلا بها حكامنا. فكيف تسنى لمثل هذه المخلوقات ، أن تحكم بلدانها ، وبهذه الفترة اللامعقولة من السنين ؟؟؟ اليوم وقد تفكك النظام العربي المأزوم أساساً، والذي هو من ثمرات معاهدة ( سايكس – بيكو ) الإستعمارية، وإنقلابات الضباط والعسكر المعادين للديموقراطية وإحترام الرأي الاخر وسلطات الحزب الواحد وكذبة الشرعية الثورية ، وخرج الناس من بيوتهم الى الشوارع والساحات العامة، محطمةً جدران الخوف والعزلة والشك والريبة التي زرعتها هذه الأنطمة المستبدة. اليوم وبعد أن وعت شعوبنا، بأن مصيرها يجب ان يكون بيدها، فلم تعد تلال الوعود والمناورات التي تبديها حكوماتنا، مقنعة للجماهير وخاصة الشباب منهم.
ونلاحظ هنا، ان تراجعات الأنظمة متشابهة كذلك، إذ تبدأ بالتعنت والرفض، ثم ما تلبث ان تقدم التنازل تلو التنازل ، حتى يوم الرحيل او الهرب ، وترك الأمور على الفوضى التي خلفتها ممارساتهم السابقة في مجتمعاتهم الغاضبة .
هناك خريطة جديدة تتشكل على الأرض، وتمتد من المغرب الى العراق، وتتواصل فيها الأماني وتشترك فيها التطلعات الواحدة، نحو الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الإجتماعية وهي من صنع الشعوب ، التي لم تعد تقنعها ما يلوح به حكامنا الكذبة والمجرمين والسرّاق الفاسدين، السلاح الآن بيد الجماهير التي نزلت الى الشارع ولن يوقفها شيء، ومعها قوّة الشباب وتجارب الحركات الثورية والديموقراطية والوطنية المخلصة، عبر تاريخ طويل من الكفاح، يمتد على عقود القرن الماضي منذ بداياته الأولى.
لايمكن إنجاح هذه اللحظة التاريخية النادرة، إلا من خلال التضامن والتكامل والتنسيق مع الأحزاب السياسية التي برهنت على مصداقيتها وتفانيها في سبيل الحقوق المشروعة للشعوب ومع النقابات والجمعيات المهنية والمنظمات الجماهيرية وسائر منظمات المجتمع المدني الحقيقية، إضافة الى العقول الواعية من نخبتنا المبدعة من علماء وفنانين وأساتذة ومفكرين ديموقراطيين وعلماء دين متنورين ومؤمنين بمساواة المرأة والرجل، ومنفتحين على كل ما هو جديد وحديث ونافع.
هذه اللحظة التاريخية الفريدة، والتي قد لا تتكرر، قد تفتح أمام شعوبنا فرصة توسيع ساحة السلطة الشعبية الديموقراطية في المنطقة وقد تؤدي الى بروز السوق العربية المشتركة وكذلك الإتحاد العربي الديموقراطي لبلداننا المنقسمة على نفسها، ونسف الحدود المفتعلة فيما بينها، فالعوامل المساعدة اكثر مما تتطلبها مثل هذه المهمة : حاجات متشابهة مع عنف وإستبداد وقهر مزمن ، أضف الى لغة واحدة- تاريخ مشترك – عادات و تقاليد متقاربة - قيم روحية جامعة وثقافة متواصلة وغير منقطعة الجذور، مع مجاميع بشرية متناسلة من بعضها .
الفرصة المواتية الان، قد تفتح آفاق جديدة لحل القضية الفلسطينية أيضاً، وسوف تختفي إسرائيل من الخارطة، وهذا مرهون بتظافر جهود القوى الديموقراطية العربية واليهودية من ابناء فلسطين الأصليين ونزولها الى الشوارع والساحات والتظاهرات والإعتصامات التي ستجبر دعاة الصهيونية ومنظماتها الى لف حاجاتهم والهرب من أرض فلسطين الى مواقعهم الأصلية ، و من خلال دعم وإسناد القوى الديموقراطية في النظام العربي الجديد والمنبثق من رحم هذه التحركات الجماهيرية نفسها . وستطرح خيارات البقاء أو العودة للمهاجرين اليهود القادمين من أوربا وامريكا وبقية العالم . هذا ليس وهماً او تسرعاً لأحداث لم تكتمل صورتها النهائية بعد، بل هو منطق الصيرورة التاريخية لمستقبل هذه المنطقة الجارية أمامنا .
لقد فشلت القوى القومية ، بفرعيها الناصري والبعثي ، في تحقيق حتى بعض شعاراتها المعلنة منذ تأسيسها، مع توفر الفرص التاريخية العديدة لها لتحقيق تلك الأهداف ، من خلال تسلمها السلطة أكثر من مرة على عدد من البلدان العربية ولفترة زمنية طويلة ، لم تتح لأحد غيرهم، وهذا ما يجب ان تقوم به القوى الديموقراطية والتقدمية والنقابات وسا ئر تنظيمات المجتمع المدني الحديث، أي تحقيق وإنجاز مهمات الثورة البرجوازية الوطنية ، فنحن نملك من الثروات والطاقات والعقول ما يساعد على تحقيق ذلك كما أن هذه الإمكانيات ، سوف تغري من يجدون مصلحتهم في منطقتنا، الى التسليم بشروطنا المحددة وسوف لن يضحوا بمصالحهم عندنا في سبيل دولة مصطنعة وغير أصيلة ولا تملك شروط بقاءها الطبيعية، فالمصالح ثابتة، اما الأصدقاء فمتغيرون.
هذا يتطلب من القوى الديموقراطية والوطنية في عالمنا العربي، ان تعقد لقاءاً مشتركاً فوراً، لتدارس تجليات هذه الظاهرة وتحولاتها السريعة، وتشكيل غرفة عمليات أو قيادة إدارة الأزمات، وتنسيق الجهود فيما بينها مع تبادل الخبرات وتوحيد العمل المشترك ومعالجة نواقص التحرك الشعبي، فمثلاً، كانت نواقص التجربة المصرية والتونسية، هي غياب أو عدم وجود قيادة محددة تملك برنامجها الواضح، عند إندلاع التظاهرات، لما بعد سقوط النظام، ولهذا ظلت بعض الرؤوس الحاكمة من النظام السابق في مواقعهم، حتى بعد سقوط النظام نفسه ورحيل رأسه ، مما جعلهم الخروج مجدداً الى الشارع لإسقاط تلك الوجوه ، ولا تزال هاتين التجربتين تعانيان من مخلفات النظام السابق وعناصره التي لم يتم التخلص منهم في الوقت المناسب . بينما تكشف التجربة الليبية عن فطنة لهذا النقص فشكلت قيادتها المؤقتة للثورة ، تستطيع التفاوض والتعامل مع العالم الخارجي بيسر ومرونة، مع إعتراف عام وشامل بشرعيتها. وهناك اكثر من كعب اخيل وثغرة ، في عملنا الجماهيري والشعبي، هو في حاجة الى الدرس والفحص الدقيق، مثل ، توحيد القوى الديموقراطية في كل بلد ، في جبهة عريضة، كمقدمة لتجميعها على مستوى الوطن العربي الكبير ، أو إستقلالية النقابات، وتوحيد برامجها، بدلاً من تعدد مرجعياتها وهيمنة الأحزاب عليها وغيرها من عيوب المرحلة السابقة لعملنا السياسي ، أي مرحلة الحرب الباردة ونقاط ضعف منظمة دول عدم الإنحياز . ان تشكيل ورش عمل دائمة لمتابعة التطورات ، تعتبر أيضاً من ضرورات نجاح هذه التجربة الشعبية العارمة في مجتمعاتنا الناهضة حالياً.
إن عقد مؤتمر او لقاء لقوانا الوطنية والديموقراطية، من المغرب الى العراق، يسمح لرسم ملامح المرحلة القادمة وستراتيجيتها، يعتبر اكثر من ضروري وأكثر من ملح وآني بامتياز. وهي مسؤولية لايمكن تجاهلها.
ان تشكيل قيادات ميدانية سلمية وغير مسلّحة، سوف تعزز الدور الشعبي والجماهيري لمثل هذه التظاهرات، وهنا يمكن ان نشير الى تاكتيك ( اللاعنف ) ، الذي طبقه الماهمتا غاندي، دون نسيان وسائل العمل الثوري المجربة بكل أنواعها. هذه الصيغة العملية لوجهي العملية الثورية، مهمة جداً وهي صيغة مرنة تحجّم الأضرار والخسائر، وتشل تحركات الأنظمة المستبدة. نحن مقبلون على نظام عربي جديد أكرر هذا مجدداً، لكن هذا مرهون بدرجة التنظيم و الإستعداد وتوفر الإمكانيات للقوى الشعبية و إستجدام الأسلحة النضالية التي قادت الى إنتصارات تاريخية هامة على مسار التجربة الثورية لشعوبنا، في هذه البلدان الممتدة من المحيط للخليج .
#فيصل_لعيبي_صاحي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
محروس بسور سليمان من عين كل العوجان
-
التمرين الأولي للثورة
-
النضال الجماهيري - الفريضة الغائبة
-
الجليس الأنيس
-
أسئلة العقل والقلب والضمير
-
الفكر - الثقافة - الإعلام - الواقع
-
إسم الحزب مرة أخرى
-
سلاماً يا أم سلام!
-
مباهج العراقيين
-
مباهج عراقية
-
ناظم رمزي
-
بغداد
-
العنف والطغيان - التناقض - التسامح والحرية
-
رسالة الى الرفيق وزير العلوم والتكنولوجيا
-
ماقبل الكارثة !!
-
الدستور والثقافة
-
القرصان العجوز- الى سعدي يوسف
-
الإستبداد وأنواعه
-
علاقة الثقافي – السياسي
-
الحزب الشيوعي العراقي ونقاده
المزيد.....
-
رصدتهما الكاميرا.. مراهقان يسرقان سيارة سيدة ويركلان كلبها ق
...
-
محاولة انقلاب وقتل الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا.. تهم من ا
...
-
ارتفاع قياسي للبيتكوين: ما أسباب دعم ترامب للعملات المشفرة،
...
-
الكربون: انبعاثات حقيقية.. اعتمادات وهمية، تحقيق حول إزالة ا
...
-
قائد القوات الصواريخ الاستراتيجية يؤكد لبوتين قدرة -أوريشنيك
...
-
روسيا تهاجم أوكرانيا بصاروخ جديد و تصعد ضد الغرب
-
بيع لحوم الحمير في ليبيا
-
توقيف المدون المغربي -ولد الشينوية- والتحقيق معه بتهمة السب
...
-
بعد أيام من التصعيد، ماذا سيفعل بوتين؟
-
هجوم بطائرات مسيّرة روسية على سومي: مقتل شخصين وإصابة 12 آخر
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|