جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3318 - 2011 / 3 / 27 - 20:29
المحور:
سيرة ذاتية
في منزلي ثلاثة فصائل متنوعة في دمائنا وأكثر من 7 ريموتات كنترول تحكم عن بعد وحين نفقد واحدا منها ننطلق جميعا مستنفرين للبحث بين الفراش وبين الوسائد وتحت الأغطية عن الريموت المفقود فنسأل عنه كل مشتبه به بأنه أخذه أو مثلا وضعه في مكان ما بين الوسائد ونسيه عن غير قصد حتى نجده أخيرا تائها يبحثُ عن أي مكان يرتاحُ فيها من أصابع يدينا وقديما كانت تفرض علينا الآداب العامة أن نجلس أمام التلفزيون وكأننا في قداس ديني وكانت الآداب العامة تفرض علينا الجلوس في حضرته إما لساعة أو لساعتين ونحن محتشمين في مظهرنا وطريقة جلوسنا, وكنا في كل ساعة أو ساعتين نحتاج مرة واحدة لنمد أصابعنا على زر التحكم بالقنوات أما اليوم فأنا لا أستطيع أن أجلس أمام التلفاز إلا إذا كان الريموت كنترول بين يدي وكأنه قطعة حلوى , وأحيانا تنزعجُ أمي من هذه العادة فتقول لي (منشان ألله بيعني الريموت وأعطيني إياه أي حولت عيوني وانت اتغير من محطه إلى محطه ول ريح حالك وريحه ساعه) ولست أنا وحدي من يملك هذه العادة فأيضا زوجتي تملك الريموت كنترول بل ولها ريموت خاص بها تخبئه في مكان سري لا تصل إليه لا يدي ولا يد الأطفال, وكذلك ابني علي لا يستطيع المشاهدة إلا والريموت كنترول بين يديه ليفعل ما يفعله أبوه وهو أنه يُقلب بالمحطات في كل دقيقة أكثر من عشر محطات وفي الساعة أحيانا أنتقل بين عشرين وثلاثين وأربعين محطة , وكذلك حين أذهب لزيارة رسمية إلى منزل إحدى شقيقاتي فورا أقوم بالسؤال عن صحة الريموت كنترول العقلية فأقول : هل ما زال يستوعب ويتجاوب مع أصابع اليد ؟ وإن كان مفقودا أنزعج جدا ولا أستطيع الاستمرار في الجلوس وحين يشعرون بذلك يبحثون عنه ويقدمونه لي كضيافة مع الشاي أو القهوة فأبدأ بممارسة هوايتي وهي تقليب المحطات والتفتيش عن شيء أنسجم معه بعد أن فقدت من حياتي (الروتانا طرب) كأفضل محطة بث تلفزيوني فضائي شاهدتها في حياتي , وحين أذهب في زيارة إلى الجيران فورا يتفهمون عادتي فيقدمون لي الريموت كنترول كاحترام لي كوني ضيف ساعة من الزمن, وأنا أبادل جيراني وشقيقاتي نفس المشاعر في الاحترام فحين يتفضلون لزيارتي فورا أقدم لهم الريموت كنترول كأسلوب ضيافة مع الشاي أو القهوة فأقول لجاري : تفضل اشرب الشاي ودونك الريموت كنترول إلى جوارك, فيسألني عن نوعه ومدى استجابته وسرعته ومدى البعد الذي من خلاله يتحكم بجهاز الستلايت.
وحين نجلس جلسة ود وصفاء نتحدث عن أيام زمان كيف كنا نجلس أمام التلفزيون فقبل 25 سنة لم يكن في منزلنا ولا أي جهاز (ريموت كنترول) وكنا نجلس أمام التلفاز بكل هدوء بكل أدب ولم يكن باستطاعة أحد أن يغير المحطة التي نشاهدها إلا بعد أخذ رأي الجميع ولا أحد لديه أي رغبة بأن ينهض من فراشه لتغيير محطة (عمان) التي نجلس جميعنا لمشاهدتها وذلك بسبب تثاقلنا إلى الأرض فكنا نتقاتل فيما بيننا على من سيغير المحطة وخصوصا في فصل الشتاء ونحن مستدفئون في فراشنا وتحت أغطيتنا ,وكنا نقوم ونمشي حتى نصل التلفزيون لنحرك المحطات ولننتقل من محطة إلى محطة وكنا في كل ساعة أو ساعتين حتى تكون لدينا رغبة في تغيير المحطة , وكانت في تلفزيوننا ثلاث محطات الأولى هي عمان والثانية إسرائيل الأولى وبعد ذلك زادت محطة إسرائيلية جديدة وهي إسرائيل الثانية وكنا لا نشاهد إسرائيل إلا وقت تقديم نشرة الأخبار فقد كانت أخبارهم صادقة وجميلة جدا وكنا نشاهد أيضا فيلم يوم الجمعة المصري الذي تبثه محطة إسرائيل الأولى مساء, والثالثة كانت محطة سوريا وكانت الأخيرة تأتي بصعوبة, وكان التلفزيون الأردني أو السوري يبدأ بثه في تمام الساعة الثانية بعد الظهر أو الخامسة مساء باستثناء يوم الجمعة حيث كان البث يبدأ في العاشرة صباحا ويغلق بعد تقديم نشرة الحادية عشر وكانت لنا شبكة تلفزيونية ن ضعها فوق السطح وهو أعلى مكان مرتفع ٍ نحركها حين نريد أن ننقل البث من إسرائيل إلى سوريا أو إلى المحطة التي بدأت تبث من جديد وهي (تلفزيون الشرق الأوسط), وكنتُ أنا الذي يصعد السطح لأحرك الشبكة يمينا ويسارا وأحيانا كنا نتناوب على من سيصعد السطح لتحريك الشبكة وكان أخي الأصغر مني يقف تحت السطح مثل ضابط الملاحظة يوجهني كضابط ملاحظة المدفعية فيقول لي (أيوه كمان اشوي..لالا, زودتها, بس خلص حركها مقدار شعره وحده , لا كمان شعره ثانيه..كمان شعره بسيطه..لالا ,أبوه..درجه على اليمين ..ارجع للوراء..كمان ارجع....كمان درجتين على اليمين وخلص انزل أجت المحطه طبع) فأنزل بعد ساعة كاملة من تحريك الشبكة والجيران والجارات كلهم منزعجون من صوتي أنا وأخي وأخواتي فقد كان إخوتي وأخواتي وأبناء الجيران الذين يكونون بضيافتنا يصرخون جميعاً عليّ بصوتٍ عالٍ ويوجهونني بأصواتٍ مزعجة وكأنني في معركة حامية الوطيس, وكان أيضا أبناء الجيران الكبار والصغارعلى شاكلتنا يفعلون ما نفعله لذلك كان كبار السن وهم يجلسون ساعة المساء يتضايقون من أصواتنا لقد كان منظرنا ونحن نصعد السطح وننزل مثل الحراميه أو مثل القطط التي تقفز هنا وهناك أو فعلا كأننا قرود بشرية , وكل ذلك من أجل أن نشاهد فيلم كرتون(اللاعب حميدو)أو (سندباد) على محطة الشام أو فيلم إسرائيل العربي المصري يوم الجمعة, وكان التلفزيون يثبت يوما كاملا على سوريا الشام أو يومين كاملين وعلى عمان نفس الشيء ولم نكن نحرك بالتلفزيون من محطة إلى محطة, وبقينا على ذلك لحين سنة 1995م حين ظهرت ال أم تي في اللبنانية فكنا نضع على الشبكة نيون كهرباء أو صحن ألمنيوم من أجل تقوية البث وكلما وصف لنا شخص ما أي آلة أو أي أداة لتقوية البث كنا نسعى إلى شراءها كالرجل العاجز جنسيا حين يصف له طبيبٌ أو رجلٌ آخر مجربا دواء جديدا لتقوية انتصابه جنسيا .. وهكذا طوال الليل والنهار كنا نتداول على من سيصعد السطح لتحريك الشبكة التلفزيونية وكانت توجيهات أخي لي وأنا أقومُ بلف الشبكة بناء على توجيهات تأتيه ليست من فوق وإنما من التي تقف وجها لوجه أمام التلفزيون, وكنتُ أحيانا حين أصل التلفزيون وأقفُ أمامه وجها لوجه يطلبون مني العودة للسطح مرة أخرى فأرفض وأقول : والله لو شو ما كان ما راح أطلع مره ثانيه.
وفجأة نزلت إلى السوق شبكة نوع ياباني ومعها (مُحول) يحولها على الكهرباء 360ْ فصرنا نحول بالشبكة ونحن جلوس أمام التلفزيون, وصرنا نملك في بيتنا تلفزيون ملون نوع (سوني) ومعه ريموت كنترول, ومن ثم صرنا نملك شبكة بمحول ومع المحول ريموت كنترول, فصار في منزلي ريموت كنترول عدد 2, وبعد فترة وجيزة من الزمن صار بإمكاننا أن نشاهد الأفلام ونحن في البيت منبطحين مرة على ظهورنا ومرة على بطوننا, ومنذ عشرة أعوام انتشر الستلايت وانتشرت المحطات الفضائية واليوم في منزلي 600 محطة على كل قمر من أقمار البث بعد أن كان في منزلي ثلاث أو أربع محطات فضائية وكنت أجلس أمام التلفاز يوما كاملا على مشاهدة محطة واحدة, أما اليوم فأنا أجلس وأمامي أكثر من أربع أو خمس ريموتات تحكم عند بعد وأكثر من جهاز موبايل وعدة أجهزة الكترونية ولا أستطيع الجلوس أمام التلفزيون إلا والريموت كنترول بيدي وفي الساعة الواحدة أشاهد أكثر من 100 محطة فضائية أتنقل من هذي إلى تلك ومن تلك إلى أخرى, ولم يخطر ببالي في يوم من الأيام أن يأتي يوم عليّ وأنا أقود شاشة التلفزيون كما أقود أي سيارة ولم يخطر ببال ذلك الولد الذي كان يطلع وينزل 100 مرة من على سطح دار أبيه لكي يحرك شبكة البث التلفزيوني 100 مرة لكي يتمكن من مشاهدة برنامج تبثه دولة مجاورة أحيانا تكون عدوة وأحيانا صديقة وفي أكثر المرات عدوة يحذرنا الناس من إعلامها,نعم, لم يكن يخطر ببالنا كل هذا لأننا أصبحنا نملك فيديو ومع الفيديو ريموت كنترول , فصار في منزلنا ريموت كنترول عدد أربعة ريموتات لأن للفيديو لوحدة ريموتات اثنين واحد سلكي والثاني لا سلكي ,وبعد مضي 5 خمسة أعوام على ذلك صار في منزلنا جهاز (سيديه) لعرض أشرطة الكاسيت وجهاز آخر مسجل أو استيريو وللإستيريو ريموت كنترول نتحكم بواسطته بالإستيريو عن بعد وأيضا ريموت كنترول بالسيديه لنتحكم بالسيديه عن بعد, ومنذ تلك اللحظة وأنا أخبط جدا بين الريموتات المنتشرة في منزلنا خصوصا وأن الريموتات تتشابه جدا مع أجهزة الموبايلات التي انتشرت في بيتنا والآن أجلس في بيتي أمام التلفاز وأمامي أكثر من خمسة ريموتات للتحكم عن بعد ولا أدري هذا لمن وذاك لمن وأحيانا أخبرط جدا بينهن وأحيانا أخربط بين موبايلي وبين الريموت كنترول, وإذا فقدتُ في منزلي الريموت كنترول أشعرُ وكأنني فقدتُ واحدا من أولادي فأنا لا أستطيع مشاهدة التلفزيون بدونه
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟