أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - من السلطة الشخصية الدائمة إلى الجمهوريات الجديدة















المزيد.....

من السلطة الشخصية الدائمة إلى الجمهوريات الجديدة


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3318 - 2011 / 3 / 27 - 20:27
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قد يكون من أبرز ما أظهرته الثورات والاحتجاجات المتفجرة في عدد من البلدان العربية هو الطابع الشخصي لممارسة السلطة في بلداننا. أي الحضور الكبير لشخص الحاكم وروابطه العائلية وقرابته في ممارسته الحكم. ليس هناك مسافة بين الرئيس بدلالة منصبه ووظيفته العمومية وبينه مندرجا في روابطه العينية كزوج وأب وأخ، وكشخص محسوس جدا منسوب إلى محلة وعشيرة وأصحاب وشركاء. يُعتقد أن الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي كان يعد زوج ابنته صخر الماطري لخلافته، وقيل الكثير في بضع الأسابيع الماضية عن دور سياسي لزوجته، ليلى الطرابلسي، لا يقتصر على استغلال الدولة لجني المال والنفوذ، بل يتعداه إلى تدخلات سياسية تصل إلى تعيين وزراء. ومثل ذلك يقال على سوزان مبارك التي كانت تأمر وتنهي، وتتسبب في متاعب لمن يفقد حظوته عندها. ومعلوم أن نجل مبارك، جمال، كان يعد لوارثة أبيه في حكم مصر. وتقال أشياء عن دور للسيدة سوزان في دفع مبارك الأب في هذا الاتجاه. أما الابن الثاني علاء فيُفضِّل مجال "الأعمال"، وهو من كبار أصحاب الوكالات والأموال. وقد كان "الدكتور في الفلسفة" سيف الإسلام القذافي، أول من ظهر على التلفزيون الليبي بعد تفجر ثورة 17 فبراير، مهددا متوعدا باسم نظام أبيه. بعده ظهر الأب مثنيا على ما قاله الابن. أما الأبناء الآخرون فيقودون كتائب أمنية خاصة لحماية نظام الوالد. فيما تمارس الزوجة التجارة، وتستخدم نفوذ زوجها لنيل احتكارات وامتيازات خاصة. وكان من أول ما تعهد به الرئيس اليمني علي عبد الله صالح هو أنه لن يترشح لفترة رئاسية جديدة عام 2013 ولن يورث الحكم لابنه، قائد الحرس الجمهوري اليوم. ومثل هذا كثير هنا وهناك.
في الحالات هذه كلها، الحاكم يحكم بكل شخصيته وروابطه وتعييناته. وهو يحكم لأنه ممتاز واستثنائي، وامتيازه كلي وشامل، وليس مهارة سياسية متفوقة، أو شجاعة سياسية أو حربية مجربة، أو نزاهة وحسا بالعدالة مشهورين. إنه استثنائي كيانا وليس أداء، ولا يقاس به أي من محكوميه. والامتياز الكياني اللصيق بشخص الحاكم جوهري وأساسي ولا يكتسب. وهو صفة طبيعية له، مثلما النطق صفة طبيعية للإنسان، والطيران للطيور والسباحة للأسماك. وهو تاليا صفة وراثية. توريث الحكم مكتوب في الحكم الشخصي، القائم على الامتياز.
وهذا في غير الجمهوريات أشد رسوخا مما في الجمهوريات، دون أن يكون أكثر شرعية. القاعدة العامة في هذا الشأن أنه إن كان للرئيس أو الملك أن يحكم، فلا ينبغي أن يجري تعريفه بنسبه وحسبه وأصوله وأسرته الخاصة؛ وإن كان له أن يعرف على هذا النحو فلا ينبغي أن يمارس الحكم العام. وهو ما يقضي بوجوب الفصل بين الحكم والملك على نحو ما يجري الفصل بين السلطات الثلاثة، أو بين الدين والدولة. ما يقضي أيضا بأن يتجرد ممارسو الحكم من روابط الأسرة والنسب والعشيرة، أو يحيلوا هذه الروابط إلى المجال الخاص، بحيث تكون معدومة التأثير على ممارسة السلطة العامة.
الواقع أن التمييز بين المجالين الخاص والعام، والفصل الدقيق بينهما، من مكاسب الحداثة السياسية التي جرى التفريط فيها في بلداننا في العقود الأخيرة بعد أن لم يكن متأصلا، ولعل من شأن الثورات الجارية أن تعيد التأكيد عليها. الرئيس شخص مجرد، إن جاز هذا التعبير المتناقض، لا يمارس السلطة إلا بالتجرد عن روابطه الخاصة. له بالطبع حياته الخاصة من أسرة وزوجة وأبناء وأصحاب وأقارب، لكن خارج المنصب الحكومي. في منصبه، للرئيس "قيمة تداوليه" فقط، تتحدد بقواعد ممارسة الحكم وبالمصلحة الوطنية، وهي قواعد عامة مطردة يتعين أن ينضبط بها متولو المناصب العليا، ولا تنضبط هي بهم أو بأذواقهم وأهوائهم. ولا تكون للرئيس "قيمة استعمالية"، تتصل بوضعه المحسوس وروابطه المتنوعة، إلا في المجال الخاص.
يقوم هذا التمييز على مبدأ أن الناس متساوون مبدئيا، وأن أكثر تفاوتهم مكتسب وليس أصليا. فلا دماء زرقاء متفوقة، ولا نظريات حمراء كلية القدرة، ولا طبقة نبيلة وراثية أو طبقة عاملة رسولية، ولا أصناف اجتماعية ثابتة، ولا عبقرية وراثية، أو سلالات شريفة. لذلك ليس ثمة ما يحتم أن يكون ابن العالم عالما، أو يضمن أن يبقى ابن العامل عاملا، أو يسوغ أن يكون ابن الحاكم حاكما. وقد يتفوق ابن العامل على ابن الحاكم، والولد الفقير على سليل الأسرة الميسورة. وهو ما يقوض شرعية توريث الحكم التي تستند، بالمقابل، على ثبات المراتب الاجتماعية أو تثبيتها.
وقد نضيف إلى مبدأ المساواة مبدأ مكملا يفيد أن الحكم شأن عام، وليس شأنا تخصصيا مثل الطب والمحاماة والعلوم الدقيقة المتنوعة. ليس هناك مجال علمي يتخرج المرء منه حائزا على شهادة حاكم أو رئيس. والحكم شأن عام بعدُ بمعنى أنه يتأثر بأفعال ممارسيه وقراراتهم كل الناس الواقعين في مجال ولايتهم، وأن أفعال الحاكمين وقراراتهم تطال الناس في كل جوانب حياتهم.
ولأن الناس متساوون ولا شرعية لأن ينفرد بعضهم بحكم الجميع دون رضاهم، ولأن الحكم ليس اختصاصا مهنيا، تعين أن يكون شأنا تنافسيا، منضبطا بمبدأ الانتخاب الحر. هذا المبدأ لم تعرفه الحياة السياسية العربية إلا لماما.
بل لقد كنا نسير بعيدا عنه. كانت سمة التطور السياسي في البلدان العربية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين هي التحول الطبيعي للحكم الشخصي الأبدي إلى الحكم السلالي. هذا تحقق في "جمهورية" واحدة، وكانت غير جمهورية تعتزم السير على الدرب نفسه. ويمكن سوق العديد من القرائن على ارتباط هذا التطور بتفاقم الرجعية الاجتماعية والسياسية والفكرية في بلداننا، وانسداد آفاقها، وتفشي النزعات والإيديولوجيات العنصرية والطائفية في أوساط نخبها وطبقاتها. فضلا عن حكم الهوى والنزوة والاعتباط. هذا المسار الانحداري هو ما يؤمل أن الأزمنة الثورية الراهنة تسير في اتجاه القطع معه.
لكن هذا ما يرتب على الثقافة والمثقفين الكثير من الأعباء. لقد وجدت لدينا جمهوريات دون أن تكون لنا قيم جمهورية، أو سجل من الكفاح من أجل الجمهورية (تراثا جمهوريا). أي المواطنة والمساواة بين السكان بصرف النظر عن الأصل والدين والجنس والعرق وسيادة الشعب، وكذلك تجريم الاستبداد والحكم الأبدي والتمييز بين السكان. لم يكن المثقفون في مواقع قيادية في ثورات اليوم، لكن المثقفين هم المؤهلون لترجمة هذه الخبرات الكفاحية المهمة إلى ثقافة، فكر وفن وأخلاقيات وسلوكا ورموز. على هذا النحو يمكن أن يتكون تراث جمهوري عربي.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قٌضايا الإصلاح الوطني في سورية، ورقة نقاش
- -لاستقلال الثالث- وأفق الثورة الثقافية
- من الوطنية الممانعة إلى الوطنية الديمقراطية
- قضايا في شأن تونس الجديدة
- فرِّق تسد، خوِّف تأمن، اعزل تدم!
- الخطة الشعبية المجرّبة لإسقاط الأنظمة المتجبرة
- في شأن الثورات العربية والاحتمالات السورية
- العرب، الرابطة العربية، القومية العربية: نظرة جديدة في أوضاع ...
- مصر وتونس، ونهاية عالم ما بعد 11 أيلول!
- غياب -الأجندات- ليس فضيلة ثورية
- أهؤلاء نحن؟ لا بأس بنا!
- مثل المصريين والتونسيين تماما، لسنا خارج الأمر!
- حركات التحرر المواطني...
- ثورات الكرامة
- من يتضرر من الثورة التونسية؟
- مغتسلا بالنار، المغمورُ بطلا
- في تونس ثورة... مفتوحة الآفاق
- من نزاعات الهوية إلى الاحتجاج الاجتماعي
- مناقشة لكتاب -السلفي اليتيم- لحازم الأمين
- الماهية والكراهية: الأديب الفصيح ضد -الرعاعة الأمة-


المزيد.....




- ترامب يعلن نيته الإبقاء على -أوباما كير- إذا أصبح رئيسا.. وي ...
- العقيد ماتفيتشوك يتحدث عن المعارك في منطقة كورسك
- حماس ترفض المشاركة في مفاوضات مع إسرائيل
- قتيلان جراء اصطدام طائرتين عسكريتين فرنسيتين
- مصر.. إيقاف لاعب قطري معروف بأمر -الإنتربول-
- خطوات أساسية في تناول الطعام لحرق السعرات الحرارية
- إسبانيا.. ظهور أول خروف معدل وراثيا!
- فوائد الجبن ومخاطر الإكثار منه
- إسرائيل متخوفة من فتح جبهة الأردن
- سلالة -إلهة الشمس-.. قصة صعود وسقوط -الإمبراطور الإله- في ال ...


المزيد.....

- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس
- التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري / عبد السلام أديب
- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - من السلطة الشخصية الدائمة إلى الجمهوريات الجديدة