الجريدة الإسرائيلية " يديعوت " عدد 13/8/2002
عضو البرلمان البريطاني عن حزب العمل جورج غالاوي المعروف بتأييده للعراق والعرب منذ سنوات طويلة، التقى في نهاية الاسبوع مع صدام حسين في مخبئه السري الموجود على مسافة ساعة سفر من بغداد.
غالاوي اسكتلندي الأصل وذو لغة لاذعة ويقوم بمهاجمة اسرائيل بشكل دائم وثابت، كما انه مؤيد قديم "للمطلوب الأكبر في العالم" حسب قوله. في السابق كان غالاوي قد عارض حرب الخليج، وهو يخوض حملة جماهيرية منذ سنوات ضد العقوبات الاقتصادية المفروضة على العراق. وصدام يرى به صديقا ويصغي لآرائه، وقد كان الاثنان قد التقيا قبل تسع سنوات في بغداد في وقت سابق. غالاوي احتفظ بعلاقة متواصلة مستمرة منذئذ مع ديوان الرئيس العراقي، وبهذه الطريقة تمكن من ترتيب اللقاء الحالي الذي كان مثابة اظهار للتعاطف من قبل عضو البرلمان البريطاني مع الشخص الأكثر تهديدا للسلام العالمي.
الاتصالات لتحديد اللقاء جرت في لقاءات وجها لوجه مع رجال اتصال. "الرئيس العراقي الموجود في حالة تهديد دائم على حياته، وهو لا يثق بالهواتف والاجهزة الالكترونية. ويقول غالاوي "علمت انهم قادمون لاصطحابي من الفندق".
غالاوي نقل الى مخبأ صدام، الا انه لم يكن قادرا على معرفة الاتجاه اذ ان السيارة كانت مغطاة بالستائر السميكة حسب قوله، كما ان مرافقوه المسلحين توقفوا في الطريق خمس مرات، وفي كل مرة كانوا يتوقفون داخل بناية حيث يستبدلون السيارة ويواصلون. في البناية الاخيرة أدخل الضيف البريطاني الى مصعد هبط بسرعة كبيرة في جوف الارض. "المخبأ موجود في عمق كبير في باطن الارض اذ استغرق المصعد 20 ثانية الى ان توقف". قال غالاوي وأضاف "القنبلة الأكثر اتقانا لن تتمكن في هذه الحالة من المس به".
حراس عصبيون وجيش خدم
المصعد فتح أبوابه داخل غرفة ضيوف مرتبة ومحاطة بالستائر والورود. صدام حسين يقضي اغلبية وقته الآن في عمق 90 مترا تحت سطح الارض وهو يسعى الى ترفيه حياته في داخل مخبئه قدر المستطاع حيث يحيطه حراس عصبيون مسلحون بأسلحة آلية وجيش خدم ببدلات بيضاء. وكل فعاليات وأنشطة حكومته تنتقل الآن الى مخابىء مماثلة.
على حد قول غالاوي صدام حسين هرم أكثر من السابق وازداد سمنة منذ لقائهما الاول قبل تسع سنوات. ومع ذلك يبدو هادئا مطمئنا وواثقا من نفسه، يدخن السيجار "هافانا"، وقد قدم لضيفه بأدب الشاي والقهوة والمياه المعدنية وغيرها من المعجنات.
في هذا اللقاء الذي استغرق ساعتين أرسل صدام من خلال عضو البرلماني البريطاني ثلاث رسائل: اولا، "أنا أفهم لماذا يقاومني رئيس وزرائكم طوني بلير أكثر من الرؤساء الاوروبيين الآخرين، نحن أعجبنا دائما بانجلترا العظمى وأحببنا قضاء اجازاتنا فيها ووثقنا ببنوكها، كما تبنينا اجهزتها الكهربائية. واذا كان بلير يعتقد حقا أننا ننتج الصواريخ والسلاح الكيماوي فأنا أدعوه لارسال وفد خبراء من طرفه لزيارة العراق. سأسمح لهم بفحص كل مكان يشتبهون به حتى يتأكد من خطئه".
ثانيا: "أنا أعود واقترح على الامم المتحدة ان ترسل المفتشين حتى يفحصوا اذا كنت أنتج الصواريخ النووية أم لا، هذا سلاح يصعب اخفاؤه حيث تحلق الأقمار الصناعية في أجواء العراق، وخبراء الامم المتحدة سيعرفون بالضبط اذا ما حاولت خداعهم. أنا أعد بأن لا أعرقل قيامهم بعملهم".
ثالثا: "اذا قامت الولايات المتحدة وغيرها من الدول بمهاجمة العراق رغم ذلك فسنكون على استعداد لذلك. ومثلما قال قائد حربكم ونستون تشرشل نحن سنقاتلهم في الشوارع ومن الأسطح ومن بيت الى بيت ولن نستسلم أبدا".
اللقاء الدراماتيكي الذي أجراه غالاوي مع صدام حسين لم يلق الاستحسان في لندن. البرلماني الاسكتلندي يعتبر خارج الأروقة السياسية في بريطانيا ويحظى احيانا بملاحظات ساخرة بسبب تأييده الاوتوماتيكي لموقف العرب. في السابق نظم معاهدات مدن وتوأمة بين دوندي مدينته الاسكتلندية وبين نابلس عاصمة الارهاب الفلسطيني. وقد كان عضو البرلمان الاول الذي صافح غاري آدامز زعيم الجيش الجمهوري الايرلندي في الثمانينيات عندما اتهم آدامز بالمسؤولية عن دماء الضحايا. كما ان غالاوي تفوه بتصريحات داعمة لعرفات ولفيديل كاسترو.
متحدث بلسان الخارجية البريطانية رد بالامس على اللقاء وقال: جورج غالاوي لم يحمل أية أنباء جديدة من بغداد. هذا تكتيك معروف يستخدمه صدام حسين لكسب الوقت وهو يستخدم الرسل الأكثر راحة له من اجل هذا الغرض. واذا كان قصده جديا - فهو يعرف العنوان. عليه ان يتوجه الى امين عام الامم المتحدة مباشرة وان يقترح اقتراحاته بصورة منظمة وليس من خلال تصريحات غير ملزمة.
المفتشون يستطيعون العودة
وزير خارجية حكومة الظل المحافظة مايكل اكرم كان أكثر قسوة تجاه عضو البرلمان المؤيد للعراق: "غالاوي هو من أنصار صدام منذ مدة طويلة، ولكنه أفرط في هذه المرة في خدمة الدعاية العراقية. صدام ليس الزعيم اللطيف وصاحب النوايا الطيبة كما يصفه غالاوي، وانما هو شخص دموي ارتكب المذابح الكثيرة في بلاده واستخدم السلاح الكيماوي ضد الأكراد ويتعامل مع سلاح الابادة الجماعية".
الصحف البريطانية هي الاخرى تحفظت من زيارة المخبأ السري. وحسب رأي اغلبية هذه الصحف صدام استغل اللقاء من اجل اثارة الانقسامات بين بلير وبوش في كل ما يتعلق بالهجمة على العراق. وغالاوي لم يسأل السفاح العراقي أي سؤال صعب حول تصريحاته السابقة القاسية اذ تحدث عن "بريطانيا الشيطانية". الصحف سخرت من تأثر واعجاب عضو البرلمان من عدة عبارات مؤدبة تفوه بها صدام باللغة الانجليزية. ولكن الامر الأكثر اثارة لغيظها كان ان غالاوي أعطى للرئيس العراقي منبرا حرا للاقتباس عن تشرشل، الشخصية البطولية البريطانية في فترة الحرب العالمية الثانية.
صحيفة "الغارديان" وحدها صاحبة الآراء اليسارية تعاملت مع غالاوي بجدية كبيرة. فقد طبعت موضوع الزيارة في عنوان رئيس: "العراق يقترح على الامم المتحدة صفقة جديدة من خلال عضو البرلمان - المفتشون يستطيعون العودة". كما ان "الغارديان" خصصت للمسألة مكانا في صفحة المقالات حيث صرح غالاوي: "لماذا ترفضون اقتراح صدام بشكل اوتوماتيكي؟ أنا أتوجه للامم المتحدة والولايات المتحدة والى بريطانيا لتدارس الامر بجدية، فما الذي سيخسرونه؟".
------------------------------------------------------