اسلام احمد
الحوار المتمدن-العدد: 3316 - 2011 / 3 / 25 - 20:41
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تحت هذا العنوان كتب الدكتور حسن نافعة مقالا بالمصري اليوم في يناير الماضي علي خلفية حادث كنيسة القديسين وذلك اثر هجوم عاصف تعرض له من جانب المتطرفين الاسلاميين والمسيحيين علي حد سواء , ما شغله عما هو أهم , ولا اخفي عليكم أنني حين قرأت العنوان آنذاك قبل أن اقرأ مضمون المقال انفجرت من الضحك باستغراب رغم إدراكي لمغزاه ولم أكن اتصور أنني سأكتب يوما مقالا مقتبسا ذات العنوان غير أن ما دفعني لذلك أنني تعرضت لمثل ما تعرض له الدكتور حسن نافعة مع اختلافات طفيفة فضلا عما تشهده الساحة السياسية الآن من حالة طائفية , ذلك أنني فوجئت اثر نشر مقالي (حادث كنيسة اطفيح واللعبة القذرة) بتعليقات من جانب بعض المسيحيين أقل ما يقال عنها انها متطرفة بامتياز وذلك لمجرد أنني دعوت لفض اعتصام المسيحيين امام ماسبيرو حيث كنت أري أن ما يفعله المسيحيون امام مبني الاذاعة والتليفزيون ابتزاز حقير للدولة المصرية في مرحلة ضعفها الراهن من شأنه اشعال فتنة طائفية في وقت نحن احوج ما نكون فيه للوحدة الوطنية , ومن ثم افشال الثورة المصرية لصالح فلول النظام القديم , واليكم تعليق الاستاذة هيام فاروق تقول : "ماذا يفعل المسيحيون وهم يرون كنيستهم مهدومة تماما حتي الارض ومقدساتهم مهانة بهذه الوقاحة التي لم يسبقها وقاحة ناهيك عن البجاحة في اثناء عمليات الهدم وهم وسط صيحات التكبير والتهليل واقامتهم للشعائر الاسلامية وبنفس الوقاحة يقولون ان هذه الارض سميت بمسجد الرحمن حاشا لله ان يكون اله هؤلاء! ياله من جبروت بشع لا يقدر علي الانتقام منه سوي رب هذه الكنيسة وبكرة تسمع , وعايز المسيحيين يقفوا ليتفرجوا؟ وبعدين حضرتك اكيد سمعت ان قداسة البابا شنودة دعا (شعبه) لفض الاعتصام اكثر من مرة ولكن (الشعب) يريد تحقيق مطالبه واعتقد ان هذا حقه ام اننا نعطي الحق (لشباب الثورة) ولا نعطيه لهؤلاء لمجرد انهم اقباط؟"
كما جاءني تعليق من مسيحي متطرف اخر يدعي ابو مينا يقول ردا علي الحديث الذي ذكرته بالمقال _ " من اذي ذميا فقد اذاني" _ : " اهل ذمة ياللي معندكش ذمة ,الاقباط اصل مصر وامثالك وفد من جزيرة محمد بالسيف والارهاب للغزو والقتل وارجع لقرآنك الاسود"
ما حدث أكد لي حقيقة اكتشفتها ابان ازمة الطلاق بالكنيسة , يونيو 2010 , وهي أن الغالبية العظمي من المسيحيين في مصر متطرفة , والمفاجأة أن كثير منهم ,رغم تطرفهم , محسوبون علي التيار العلماني ومع كل أزمة تسقط الاقنعة ويتبين وجههم المتطرف القبيح حيث اتضح انهم انما يتخذون من العلمانية ستارا لاخفاء تطرفهم الدينى من جانب وللطعن فى الاسلام من جانب اخر!
ما اثار فزعي في تلك التعليقات المتطرفة هو وصف المسيحيين (بالشعب) وكأنهم لا يرون أنفسهم مصريين بل وربما لا يعترفون بمصريتهم علي الاطلاق! وانما يرون انفسهم مسيحيين وقد بدا هذا واضحا في قول الاستاذة هيام : " البابا شنودة دعا (شعبه)! , كما بدا التطرف باديا من قولها (انتقام الرب) فضلا عن اعتبارهم أن المسلمين في مصر محتلون جاؤا من جزيرة العرب ومن ثم يتعين طردهم واسترداد البلاد منهم , وهو ما يذكرنا بتصرح الانبا بيشوي الرجل الثاني في الكنيسة عن أن الاقباط اصل البلاد وان المسلمين ضيوف عليها! , وهو الحديث الذي اثار عاصفة من الجدل انذاك وتم علي اثره توجيه انتقادات حادة للأنبا بيشوي وللكنيسة! , اخطر ما في تلك التعليقات انها أكدت لدي الزعم بوجود مخطط شيطاني (غربي) لتقسيم مصر الي دولتين : دولة مسلمة في الشمال وأخري مسيحية في الجنوب (للشعب المسيحي)! , وهو مخطط غربي استعماري كثيرا ما حذرنا منه حيث تستخدم كل من الولايات المتحدة واسرائيل عملائهما من المسيحيين المتطرفين داخل مصر الي جانب اقباط المهجر لتمريره! , الامر الذي يفرض علينا الحذر من امثال هؤلاء
هذا علي الجانب المسيحي اما علي الجانب الاسلامي فقد أثارت خطبة الداعية السلفي الشيخ محمد حسين يعقوب الكثير من الجدل حيث قال علي خلفية اعلان نتائج الاستفتاء واصفا الاستفتاء بغزوة الصناديق! مؤكداً ما سماه «انتصار الدين» فيها!، وقال ايضا «كان السلف يقولون بيننا وبينكم الجنائز، واليوم يقولون لنا بيننا وبينكم الصناديق، وقالت الصناديق للدين نعم»!، داعياً الحضور إلى ترديد تكبيرات العيد احتفالاً بموافقة ٧٧% من الناخبين على التعديلات!. وقال يعقوب: «الدين هيدخل فى كل حاجة، مش دى الديمقراطية بتاعتكم، الشعب قال نعم للدين!، واللى يقول البلد مانعرفش نعيش فيه إنت حر، ألف سلامة، عندهم تأشيرات كندا وأمريكا!» مضيفاً: «مش زعلانين من اللى قالوا لأ، بس عرفوا قدرهم ومقامهم وعرفوا قدر الدين!». واعتبر الداعية السلفى أن «القضية ليست قضية دستور.. انقسم الناس إلى فسطاطين، فسطاط دين فيه كل أهل الدين والمشايخ، كل أهل الدين بلا استثناء كانوا بيقولوا نعم، الإخوان والتبليغ والجمعية الشرعية وأنصار السنة والسلفيين، وقصادهم من الناحية التانية ناس تانية!.. شكلك وحش لو ماكنتش فى الناحية اللى فيها المشايخ!». واختتم كلمته قائلاً للمصلين من أنصاره: «ماتخافوش خلاص البلد بلدنا!».
في الواقع لقد تضمن حديث الشيخ يعقوب الكثير مما يستحق الرد عليه , الا أن اخطر ما جاء به هو تقسيمه للناس الي قسمين : مسلمون وهم من قالوا (نعم) وكفار وهم من قالوا (لا)! , ما يؤكد أن التكفير ما زال مخيما علي خطاب وفكر الجماعات الاسلامية بشكل عام , فضلا عن اقصائه للاخر , تماما مثل المسيحيين المتطرفين في مفارقة غريبة بقوله : "البلد بلدنا واللى يقول البلد مانعرفش نعيش فيه إنت حر، ألف سلامة، عندهم تأشيرات كندا وأمريكا"!
لفت نظري أيضا فيما قاله الشيخ يعقوب قوله "الديمقراطية بتاعتكم"! , مستخدما ضمير المخاطب (كم) , ما يؤكد أن السلفيين لا يعترفون بالديمقراطية ولا يؤمنون بها وانما يتخذونها مطية للوصول للحكم حسبما يرون!, في انتهازية حقيرة , ذلك أن من شأن الموافقة علي التعديلات الدستورية اجراء انتخابات برلمانية لن يكون مستعدا لها سوي الاخوان المسلمين وفلول الوطني , ومن ثم رأي الاسلاميون علي اختلاف تياراتهم أن الفرصة سانحة للوصول للحكم الاسلامي من خلال الاخوان! , والغريب أن السلفيين يختلفون مع الاخوان فكريا ومنهجيا بشكل كبير وكثيرا ما هاجموهم بعنف , ما يعني أن السلفيين قد اتخذوا أيضا من الاخوان مطية اخري لتطبيق الحكم الاسلامي في مصر! , وقد فهمت من كلام الشيخ يعقوب أنه يحتفل بالانتصار الذي أتت به الديمقراطية التي اختزلها في صندوق الاقتراع بمعني أنه يراهن علي الديمقراطية كوسيلة , مشروعة في نظره رغم تحريمه لها , للغاية وهي الحكم الاسلامي في مصر! , الأمر الذي يفرض علينا ونحن مقبلون علي الانتخابات البرلمانية الحذر , وضرورة الاستعداد للانتخابات بالاتفاق علي قائمة موحدة تضم شخصيات وطنية تحظي باحترام الجميع مع الضغط علي القوات المسلحة لتكون الانتخابات بنظام القائمة النسبية بزيادة قائمة للمستقلين
المدهش أن الشيخ يعقوب نفي ما بدر منه قائلا أنه كان يمزح وأن ما جاء علي لسانه مجرد هزار وبالتالي فلا داعي لاخذ كلامه علي محمل الجد! , ما يعني اعترافا ضمنيا منه بأنه كذاب , ومن ثم فلا يجب أن يؤخذ الدين من الدجالين والكاذبين!
ولأنني اعتقد جازما أن ذلك الفكر المتطرف بشقيه المسيحي والاسلامي يمثل خطرا كبيرا علي مصر ومن شأن استمراره حدوث ما لا يحمد عقباه فادعو الحكومة الجديدة برئاسة الدكتور عصام شرف لسن قوانين صارمة لقمع هؤلاء ومنعهم من تبوأ المنابر الإعلامية والدعوية حفاظا علي الدين من التلوث! ,بالإضافة لسن قانون آخر يحظر بشدة كل ما من شأنه اثارة الفتنة الطائفية وذلك كي نصل بمصرنا الي بر الامان بقيام دولة مدنية حديثة علي اساس مبدأ المواطنة
المفارقة الغريبة أنني لم اتعلم من درس استاذنا الدكتور حسن نافعة حيث انسقت مثله رغما عني في معارك جانبية , نتيجة وقاحة الاسلاميين علي خلفية الاستفتاء! , شغلتني عما هو أهم المتمثل في العمل لاعادة بناء الدولة المصرية علي اسس سليمة.
#اسلام_احمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟