إبراهيم اليوسف
الحوار المتمدن-العدد: 990 - 2004 / 10 / 18 - 08:33
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
إذا كانت الجبهة الوطنية التقدمية في سوريا قد تأسّست في العام 1972بمبادرة من الرئيس الراحل حافظ الأسد-وذلك نظراً للحاجة الماسة في البلاد الى التعددية السياسية,بعد تجربة سابقة للشيوعيين السوريين من هذا النوع منذ 1936 من خلال دعوة الحزب ، وكترجمة- منه آنذاك - لنداء الكومنترن لتشكيل أكبر جبهات ضدّالفاشية ، كحاجة ملحة لمتطلبات تلك المرحلة ، طبعاً ، وإن يغدو في تصوري –الآن - أي تحالف مع البرجوازية النّهمة - تحت أية ذريعة – وعلى ضوء إرث التجربة المحلية والعالمية ، مدعاة خسارة فادحة ،لاربح .. مرتجى ، في عرف و لغة الحساب العادي .
ولعلّ ميثاق الجبهة الوطنية قد ولد ميتاً-آنذاك-رغم انه توقف عند نقاط مهمة وطتياً وقومياً,ومن خلال إشراك عدد من الأحزاب السياسية من شيوعيين وقوميين,سرعان,ما بدؤوا يتخّلون عن خصوصيتهم,ليتماهوا- تدريجياً - مع خطاب حزب البعث العربي الاشتراكي:القائد للدولة والمجتمع,حرصاً على مصالح فئوية ,وان كان الشيوعيون-في الأغلب-لم يتخلوا في هذه اللّعبة عن كامل-أوراقهم- وهو ماسيبقي أحزابهم – للوهلة الأولى -الأكثر حفاظاً على بنيانها,لا سيما وان قواعد هذه الأحزاب غير المستفيدة ، ستبقى تردّد شعاراتها,وتحافظ على مواقفها ما قبل الجبهوية, من خلال الاعتماد على إرث الذاكرة ، مقنعة نفسها بصحة النظرية,والخط العام للحزب....!,لتشكّل قوة ضغط-تخفّ ، أو تثقل-على قياداتها ، بين حين وآخر ،لتحافظ على بعض الخصوصية أ و: ماء الوجه , لدى بعضها ،في أقل تقدير.,!وهو عموماً غير كاف,ودون الطموح البتة....!...
ومن هنا,فان الجبهة الوطنية التي ولدت كاستجابة لمرحلة محّددة لم تتمكن البتة من أن تطّلع بالإجابة عن أسئلة تلك المرحلة,لا سّيما عندما بدأ إسمها يقترن باستئثار المكاسب الذاتية الضيقة,والانخراط في ارتكاب الاختراقات الانتخابية لتهميش الحياة الديمقراطية , وعدم إفساح المجال أمام الجماهير العريضة بالمشاركة السياسية بالشكل المطلوب,لأن الحياة السياسية في سوريا" كانت أكبر من جبهتها", وان جاء تعبير خالد بكداش- الأمين العام الراحل للحزب الشيوعي السوري - في الثمانينيات-قريباً من مثل هذه الفكرة عندما رأى ضرورة توسيعها لتشمل كلّ مصنع وكل شارع,وكل حي,ومدينة,مع إن عدم دعوة حزبه للانفتاح المطلوب على الشارع السياسي السوري غير الرسمي – كما هومطلوب منه قبل غيره ، باعتباره يحمل لواء حزب الجماهير جاء لأمرين :
1-ترجيح مفهوم النزعة الستالينية في السلطة – وإن بشكل غير مباشر –على الشعار الديمتروفي- الذي تمّ تبنيه في المقابل - والمتمثل في دعوة الكومنتيرن المشار إليها أعلاه، وإن كان في الشأن العام..
2-الخشية من احتواء حركات إسلامية متطّرفة ،لاسيّما على ضوء وجود من يدعو إلى تبنيها- ربما - من ضمن حزب البعث نفسه ، لدواع عدة لا مجال –هنا – لخوض غمارها كما يرام .
ولعلّ نقطة الخلل الأولى ، أن هناك أحزاباً سورية تمّ تجاهلها ، سواء أكانت قومية ، أو إسلامية ، أو أممية – في مابعد (و بعد انشقاقاتها العامودية والأفقية من الحزب الشيوعي السوري) تحت غطاء ، أو بسبب الموقف من الجبهة ،لاسيما بعد خطوة الأتاسي التي شكّلت – آنئذ – علامة ذات دلالات هائلة بالنسبة إلى المواطن العادي ،غير المنخرط – بعد – في لعبة التصفيق للشّعار – تحت الطلب – سمة مرحلة سياسية ، ستطول في ما بعد لعقود ،وهو ما سيوسّع الهوّة بينها والسلطة ، إلى درجة الاصطدام، حيث تتحمل السلطة نتيجة الخلل في علاقاتها مع المواطن – بعيدا ً عن الشعار – وفي التالي سوء معالجتها لكلّ التراكمات الهائلة التي ستطرأ،كي يتمّ دفع ضريبة ذلك على نحو عام ، كلّ من موقعه طبعاً ....
مؤكّد انه من الصعب في وقفة كهذه ،توثيق كل نقاط الخلل المستشرية، والمتفاقمة والتي صارت تسم الحياة العامة ،وليس أدل ّعليها أكثر من رداءة واقع حال المواطن العادي ، غير المتقن لأفانين النفاق السياسي ، من قبل المهرةالأفاكين ، في كل مؤسسة سياسية (لأن لاهوية محددة لهذا الانموذج الذي سرعان ما يحط على أي دبق جذّاب ) ناهيك عن أعداد المهجّرين في كافة أصقاع المعمورة: شرقاً وغرباً شمالً وجنوبا ً ..و أسفل.. في الحضيض ... الحضيض ... بحثا ً عن رغيف ، وهواء ، وانحلال منظومة القيم لدى أعداد هائلة ، من مواطنينا ، نتيجة الإفساد الشامل ، الذي يبتلع الأخضر قبل اليابس ، وإن ما يمكن أن يقال هنا – باختصار – هو انه كان ثمة حاجة جوهرية لاستحداث وتطوير ميثاق الجبهة ، في ما يخصّ العلاقة الناظمة بالمواطن ، حيث نبذ نقاط الخلل – على كثرتها - أنّى وجدت –وإبقاء ما هو استراتيجي وطنيّ فيه: كذلك في ما يتعلق بقضية فلسطين ، والموقف غير المهادن من الاستعمار ،والسعي الدؤوب لاستيعاب أحزاب جديدة ، بعد إطلاق عنان الحياة السياسية النظيفة –في المفهوم الوطني الديمقراطي الصحيح، وليس من وجهة نظر حزبية ضيقة ، فحسب ، وذلك بعد إطلاق عنان قانون الأحزاب الذي لاغنى عنه البتة ، قبل بدء تجديد الميثاق ، وإن كانت هناك عبارة خجولة فيه تشير إلى قابلية استيعاب أحزاب جديدة !، مع أن السؤال يبقى هنا قائماً : وما الذي منع من إضافتها إلى قوامها ، مع تسعة الأحزاب الأخرى التي لايتعدّى قوام بعضها عشرات الأعضاء – كحدّ أعظمي – إلخ.....، ناهيك عن غياب حياتها السياسية المطلوبة ، بغياب استقلاليتها ، مادامت اللوحة السياسية واضحة لاسيما أن الأكراد الذين يشكّلون ثاني أكبر قومية في سوريا ، لم ترد أية إشارة في الميثاق بخصوصهم!! .وإن كنا نجد – في الوقت نفسه - نقاطاً مهمة مطروحة بخصوص : الاشتراكية – الديمقراطية ..،التفريق بين الإرهاب والمقاومة- نتيجة للالتباس الهائل الذي تمّ في أذهان كثيرين ، رغم خسارة التجربة الجبهوية على امتداد – تأريخها – في السنوات الماضية فحوى هذا الرهان الاشتراكي ، في نسخته المحلية ، وظهور أصوات لاتتورع عن النداء- بلا حياء - بضرورة بيع كل مؤسّسة خاسرة للقطاع الخاص ، وهو ما يخشى انسحابه على المؤسسة السياسية التي أكّدت خسارتها ، قبل سواها .. ، كما انه كان مطلوبا ً من الميثاق القيام بمراجعة نقدية جريئة ، لتقويم مساحة زمانيةلأكثر من ثلاثة عقود هي عمرها ، وأداء الأحزاب المنضوية تحت جناحيها،لأنها – من حيث درجة الإمكانات والأداء - على سويات متفاوتة ، تتدرج بين حدين أعظميين : الّصفرواللانهاية من حيث الصلاحيات ...!!، وهوما لم يتم للأسف ...!، لأن المواطن لم يعد في تلك الروحية التي تسمح له تعليق أحلامه في نيل – كامل حقوق المواطنة الكريمة –على مشجب الوعود والتسويف، ناهيك عن ان سوريا قد شهد ت محّطات مفصلية عديدة خلال الفترة الماضية المليئة بالأحدات:1973- 1979- 1982- 2000إلخ.....إلخ.......
ولعل ّ من أبسط حقوق مليوني ونصف مواطن كردي سوري تقريبا ً (رغم عدم وجود إحصائية دقيقة بخصوصهم )ان يكون لهم حق العمل العلني في المشاركةالسياسية ضمن السقف الوطني ، والاعتراف بثقافتهم، وفتح المدارس لتعلّم لغتهم ، و إشراك ممثلين عنهم في أيّ مفصل حكومي ، ورفع سائر السياسات التمييزية الممارسة ضدّهم ،كما هو قائم ، وهو ما لم يتم ّرغم ان الميثاق طرح للنقاش منذ عدة أشهرعلى قواعد أحزاب الجبهة – كما هو مفترض – دون أن يشار إلى ا لأكراد " من قريب أو بعيد " ، لاسيما وان مأساة 12آذار –جاءت بدلالات هائلة، كان من السهل والممكن المطلوب أن تستفيد منها السلطة والجبهة – وطنياً- وعلى ضوء الموقف الذي عبر عنه د. بشار الأسد رئيس الجمهورية عبر فضائية الجزيرة 1 أيار 2004،مما وضع االحد ّ لتخرّصات غلاة الشوفينيين ، بحقّ ، وإن مثل تلك القراءة الصائبة المرجوة للأحداث كانت كفيلة بتعزيز الصف الداخلي وأواصر الأخوة ضمن النسيج السوري - حقّاً لا تلفيقاً – بعد الشرخ المفزع الذي بلغ أقصاه على أيدي مفتعلي هذه الأحداث الرهيبة ، و مشعلي شرارتها الأولى ، ممن لم تتم محاسبتهم حتى الآن ..!!- -–في وجه كل أعداء سوريا داخلاً وخارجاً ، وهم واضحو الهوية ، انطلاقاً من معرفة أن كل من يحاول إيجاد شرخ مدروس في الوحدة الوطنية ، إنما هو أخطر من أعداء الخارج ، نظراً لخدماتهم الجليلة لهؤلاء ،. مهما تبرقعت شعاراتهم الزائفة في إهاب زعم الوطنية التي سرعان ما تنسى أمام طفيليتهم ، و سائرممارساتهم اللاوطنية المكشوفة ، والمفضوحة ، مع ان المواطن الكردي السوري يظلّ الأكثر دعوةً إلى انموذجها الصحيح ، ربما لأنه الأكثرحاجةً إلىمثل هذه الوحدة الوطنية – غير المطبقة حتّى الآن –والمتوخاة ، والتي يعول على –مرحلة التطوير والتحديث إحقاقها ، وترسيخها في حياة البلاد ....
ولا أدري حقيقة العبارة الاحترازية في الميثاق الجديد في ما يتعلق باعتبار أية دعوة إلى الإنفصال ذات علاقة بالاستعمار ، وفي خدمته ، وهي ذات دلالات تكهنية مفزعة ، من وجهة نظري ، لتكريس عامل الريبة والحذر ومن ثمّ الفرقة - دون جدوى – بدلاً عن أواصر المحبة و اللحمة المتوخاة ، لاسيماأن تدوين مثل هذه العبارة ضرب من النبوءة السوداء ، كما أسلفت ، لأن ّكافة مكونات النسيج السوري هي التي أسهمت- معا ً - في الحفاظ على خريطة الوطن ، وذلك في ذروة احتداد حمّى دعوات الاستعمار إلى تشكيل" كيانات خاصة"، بل وإن الأكراد السوريين- على سبيل المثال - مأخوذين بالوعي الوطني الصحيح – منذئذ – رجّحوا الخيار الوطني ، رغم أنهم يعيشون منذ آلاف السنين في هذا الجزء من ترابهم ، وخريطتهم، وهي نقطة تسجل لصالح هؤلاء الوطنيين الأكراد أسوة بسائر الوطنيين السوريين ، وهو ما تصر ّ عليه سائر برامج الحركة الكردية في سوريا.....!.
وبأسف ، إن معالجة السلطة خلال العقود الماضية- لكلّ ما سبق وسواه – من المآخذ ، ونقاط الخلل الهائلة ، لم يكن سليماً البتة ، معتمدة بذلك على مواجهة أيّ صوت يخرج عن مسار – الصوت الأحادي – وأصدائه....،من خلال تغييبه بكل السبل ، وفي التالي تخوينه ، لاعتمادها على المعيار الأوحد :إن كل ما لايتماهى مع الخط ّّّالسياسي المطلوب- إنما هو مروق ، ونشاز ، وخيانة وطنية ، إلى آخر ادعاءات الذهنية التخوينية المفضوحة ..!!.
عود على بدء :
أعتقد أن ميثاق الجبهة الوطنية ، كان ينبغي أن يطرح للنقاش الوطني العام ، وعبر سائر وسائل الإعلام ، لأنه لايطرح نفسه ليقود بضعة الأحزاب التي تشكل هذه الجبهة ، مضافاً إليها – اتحادا العمال والفلاحين العامان – وهما ملحقان في تركيبتيهما كما يبدو لكل ذي بصر وبصيرة كسائر الاتحادات و النقابات الأخرى بحزب البعث – وهي – أي مجمل أحزاب الجبهة - ليست الأكثر وطنية من سواها – على أي حال – وهي نفسها لاتقبل بهذا - لأن مصلحة سوريا ، وإنسانها شأن وطني ّعام ، و من حقّ أي وطني سوري غير منضو تحت خيمة أحد تلك الأحزاب ،وهو ما يجعل ملامسة الميثاق لهاجس المواطن السوري المعني ّ- أولا ُوأخيراً –ليس في الشكل الذي يناسب المرحلة ، وأسئلتها الأكئر إلحاحاً وحساسية .....على الإطلاق ..
وفي مظنتي أن أصواتاً وطنية غيورة كثيرة ستتعالى ، وفي حدود النقد المسؤول ، الواعي ، لتشير إلى أن الميثاق –رغم ما قد تكون فيه من نقاط مضيئة هنا وهناك – جاء مخيّباً للآمال ، لنتذكر – تماماً – قانون المطبوعات الذي جاء هو الآخر قبل ثلاث سنوات مخيباً للآمال ، كما علّق عليه كثيرون وقتئذ – وأنا منهم – وهاهي الحياة تثبت ذلك ، كما يعترف ويعلن عن ذلك أصحاب القرار أنفسهم ، ولعلّ الحياة- المرجع الفصل - خير حكم لنا جميعاً.....!!..
#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟