|
بيتٌ بدويٌ على شاطئ البحر-البداوة و التحديث في الخطاب الليبي المعاصر-صورة المدينة
أسامة الخوّاض
(Osama Elkhawad)
الحوار المتمدن-العدد: 3315 - 2011 / 3 / 24 - 10:02
المحور:
الادب والفن
في عام 1999 تشرت كتابي الثاني "خطاب المشّاء-نصوص النسيان"عن مركز الدراسات السودانية بالقاهرة على نفقتي الخاصة،مثلما أصدرت ديواني و كتابي الاول في نفس العام و من نفس المركز.و قد اشتمل القسم الأول على نصوص أسميتها "دفاتر الأعوج"،وتحتوي النصوص النثرية التي كتبتها في ليبيا و قد ضمت النصوص التالية:صورة انتقاضات السودان في الكتابات العربية-والتي نشرت هنا في المنبر-و بيت بدوي على شاطئ البحر –البداوة و التحديث في الخطاب الليبي المعاصر-صورة المدينة و مشهد النسيان-البنيوية و ما بعدها في السودان نموذجا--محاولة شهادة،و ستعرف القارئة-القارئ لماذا اسميتها دفاتر الاعوج بعد الانتهاء من قراءة مقدمة الدفاتر.و قد نشرت مقدمة الدفاتر في جريدة العرب اللندنية بتاريخ السابع من أبريل 1994. فضاء لا يتسع إلا لضمير الصامت مقدمة الدفاتر في أواخر العام 1992 دخلت هذا الفضاء الجديد،قرية نموذجية تقع في ضواحي مدينة الزاوية بالجماهيرية.استبدلت (بئر الأعوج) اسمها بقرية (ناصر).لكن هندسة الفضاء النفسية بقيت قائمة،و الأحساس بالبئر القديمة ظل ملاصقا لذاكرة سكانها البدو الطيبين.كنت قادما من (صوفيا) التي كنس فيها ‘عصار التغيير معاقل الشيوعيين،عدت و أنا شاهد الانهيار الكبير،لأحشر في هذا الفضاء الجديد.عدت أحمل حلم الكتابة و أنا أتمنطق أحلاما كبيرة،و حقيبتين تئنان من حمولة الكتب بلغات عديدة. أول ما صادفني في الطريق المؤدية إلى البيت الجديد،كان (الصمت)،صمت صامت! في هذا الفضاء الجديد سمعت خطاب "المغتربين: و خطاب (الحصار) و خطاب (الصمت).فكيف للكتابة أن تتحدث؟صمت عن الكتابة و الفرح!فهذا الفضاء لا يتسع إلا لضمير الصامت..مجموعة من الصامتين حشرنا في هذا الفضاء!وحده الأحلام المجهضة تحدِّث نفسها!وحدها الكوابيس سيدة المكان! في هذا الفضاء الصامت المثرثر بأحزانه،يسقط عنك حق الكتابة..في هذه الغرف الضيقة،الواسعة بأحلام صغيرة حشرت –في صمت-في رؤوس ساكني هذا الفضاء،تهرب منك أساراب الحروف! يسقط منك حق المطالبة بطاولة صغيرة،و صمت خصب،و أوراق و كتب مبعثرة لا تمس حرية كائن آخر.ذات مساء هادئ في الخرطوم،كان جيلنا يحلم بغرفة منفصلة ،و كتب مبعثرة،و امراة غجرية كي نعيد كتابة حساسية العالم..كم كنا حالمين!! كيف تصبح الكتابة ممكنة في فضاء نمشي فيه على أصابعنا حتى لا نخدش حق الآخرين في النوم على طريقة السردين المعلّب؟كيف يمكن الدخول إلى فضاء الكتابة بين صيحات لاعبي الورق؟هنا تطغى شخصيات أوراق اللعب على البشر..(الجوكر) هو سيد هذه اللحظات الصاخبة..يطغى الصوت الأجوف على التأمل العميق..التشنج في لعب الورق-أكتشف لأول مرة-هو تعبير عن قلق عنيف و رغبة خفية في الانتصار على الآخر الوهمي...المكان هو الآخر الوهمي،هو النوستالجيا المقموعة،و الحنين الصائت المدفون..يطغى الصوت الورقي الطنّان على (شاعرية أحلام اليقظة). الموت؟!! لأول مرة اكتشف الموت في هذا الفضاء المتكلم بأحزانه! ما العلاقة بين الفضاء و الموت؟ ما العلاقة بين الموت و النوافذ الواطئة التي تطل على لا شيئ؟ ما العلاقة بين الموت و الرحيل العبثي؟ الرحيل!الرحيل!الرحيل! وحده الموت هو الذي أحيا-فيَّ-الكتابة بعد موتها..و ماذا تكون وظيفة الكتابة إن لم تكن من بينها مواجهة "الموت"؟؟ للموت هواجس عدة تعبق بها مسام الفضاء و غبار الذكريات.الموت هنا شخصي و بطيئ و نفسي.الخوف من الشيخوخة؟و ماذا تكون الشيخوخة إن لم تكن الوقوع في هاجس الموت؟ حين يصبح الموت ملاصقا لك كذكرى العشق الأول،حين يوقظك كما ألم الأسنان،تنهض الكتابة من ركامها ..و تنهض "دفاتر الأعوج". و إذا كان (غرامشي) قد كتب (دفاتر السجن) و السجّان يحصي عليه أنفاسه،فإن هذه الدفاتر عاشت أنفاس (الحصار).نعيش حصارين: حصار القوى الغاشمة ،و حصار الفضاء للكتابة! هذه الدفاتر هي صرخة ضد سيكلوجيا الحصار،و ضد حصار الفضاء للمعنى! و إذا كان (درويش) في (ذاكرة للنسيان) قد صوّر حصار (بيروت)،فإن هذه الدفاتر تصوِّر الحصار المضاد (حصار الكتابة للفضاء)..الكتابة هنا وسيلة لامتلاك الفضاء و السيطرة عليه.. الحس الذي كتبت به هذه (الدفاتر) يتجذّر في (الشخصي) و (الثقافي)و (المجنون)..و هل هنالك من جنون داعر مثل جنون الرزق و الحاجة!؟ تبتعد هذه (الدفاتر) عن ذلك التنظيم و التأسيس المنهجي و الأكاديمي الذي يميِّز ما أسمّيه (الكتابة المطمئنة)...الاطمئنان لا يعني –هنا-الركون إلى بديهيات الأشياء،و الرضى بالظاهر و العابر و استخلاصات العقل الكسول،لكنه يعني التوفر على (طقس الكتابة)..و هل يمكن أن توجد الكتابة بلا طقس؟ هذه الدفاتر نوع من النوستالجيا الصامتة،نوع من النبش الخفي في باطن تلك الميثولوجيا المسمّاة (الوطن)،ذلك التذكُّر المجهد للتفاصيل الكبرى و الصغرى،هو ما تنضح به هذه الدفاتر. هذه الدفاتر نتاج حوار مرهق مع الكتب ،و العالم.نتاج تعرف على (الثقافة الليبية) و رموزها الهامة (مصطفى التير،أحمد ابراهيم الفقيه،ابراهيم الكوني،الكدي،العمّاري)و أسماء أخرى..إنها نوع من الوفاء لهذا الفضاء الذي أنتج هذه الكتابة!نوع من الاعتراف بالتناقض في موقفي تجاه المكان! و هي أيضا نتاج سيري اليومي من البيت إلى المدرسة،نتاج حوار طويل مع طلّابي،نتاج وحدة دامية تشكو قلة الأصدقاء و الرسائل و الفئران!صمتا!! فلندعو ا الدفاتر هذه تتحدث بضمير الصامت! ******************************************************************************************************** بيت بدوي على شاطئ البحر-البداوة و التحديث في الخطاب الليبي المعاصر-صورة المدينة (1) يستهدف هذا الدفتر من "دفاتر الاعوج" استكناه بعض تجليات إشكالية البداوة و التحديث في الخطاب الليبي المعاصر.و لقد تعاملنا مع كل الخطابات المختلفة (الخطاب السوسيولوجي،الأدبي،السياسي،النقدي) باعتبارها وحدة تعكس كل ما يهجس به الفضاء الثقافي الليبي المعاصر،مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية كل خطاب منها.ذلك اننا نعتقد ان أية ثقافة بكل خطاباتها تظل دائما في لحظات التوتر و التحول التاريخية حبلى و مليئة بدلالات واحدة ذات أشكال مختلفة. و هذا الدفتر في مطاردته لتلك التجليات،لا يستهدف تقويم تلك الخطابات،بقدر ما يرمي إلى مقاربة الأشكال و الدلالات التي تتبدى بواسطتها تلك التجليات. لم تكن هناك قصدية في اختيار النصوص الواردة في هذا الدفتر.و قد تولدت لدي الرغبة في مطاردة تلك الاشكالية لامتلاء الحياة الليبية المعاصرة برموز مثل "الخيمة الثقافية" الشهيرة أو بمقولات مثل "و نتصرت الخيمة على القصر".و دعّم تلك الملاحظة ما أفرزته دور النشر في السنوات الأخيرة. الصدفة و المتاح في المكتبات،و انعدام تواصلي مع المؤسسات الاكاديمية،كل ذلك ساهم في أن تكون النصوص المختارة محدودة و غير شاملة لموضوع البحث،رغم الأهمية الفائقة التي تتمتع بها تلك النصوص،و من هنا فإن مقاصد البحث محدودة بما تتيحه تلك النصوص القليلة. و يبقى هذا الدفتر مساهمة متواضعة للتعريف بثقافة تعيش في ظل الهامش الثقافي العربي متلفعة رداء النسيان.و هذا ليس تبريرا أو اعتذارا عن العثرات التي قد تميِّير هذا الدفتر،بقدر ما انه دعوة لتعميق البحث و النظر العلمي في هذا الموضوع الحيوي. (2) في مبحثنا هذا ننطلق من الفرضية العلمية التي ترى (ان القول بوجود نمطين من المجتمعات بدوي و حضري،أو تقليدي و حديث قول فيه تبسيط شديد،و أن الظواهر ليست أسود و أبيض فقط،و انما هنالك تفريعات تجمع خصائص من الصفتين الرئيستين،لكن يظل هذا التنميط وسيلة منهجية مفيدة (2،33). و من ثم فاننا سنبحث في أشكال تضاد و امتزاج ذلك التنميط، مركزين على صورة المدينة كرمز للتحديث،و كحيز جغرافي و اجتماعي و تاريخي،باحثين عن الدلالات التي تتبدى بها (المدينة) في مختلف الخطابات،محاولين التنقيب في ما أسماه (قادربوه) (عدم انسلاخ الشعب العربي في الجماهيرية عن جلده البدوي)،(7،29). و رغم ما أدلي به (قادربوه) من أسباب و حجج،إلا اننا سنتجاوزها،و نقتطف عباره من عباراته لتصبح عنوانا رئيسا لهذا الدفتر.و قد وردت العبارة في قوله (و ما قد يثير الدهشة أن يشاهد المرء في فصل الصيف بيتا بدويا على شاطئ البحر في مثل هذه المناطق،و لكن ساكنيه لا تربطهم بالبحر أية صلة) (7،29). إن عباره "بيت بدوي على شاطئ البحر" تلخص لنا الموقف المتناقض الذي تقف فيه الثقافة الليبية المعاصرة. و لا نظن ان الخطاب الليبي المعاصرر خرج عن إطار محاورة هذه العباره،بالاتفاق معها ،أو الاختلاف ،أو المراوحة بين هذذين الموقفين.و نعتقد ان تلك العبارة تختزن في داخلها مترادفات أخرى تعبِّر عن ثنائية البداوة و التحديث مثل المدينة-القرية،الحضر-الريف،البحر-الصحراء..إلخ و الموقف من تلك الثنائيات يشكِّل موقفا فلسفيا و حضاريا كاملا تجاه قضايا معقدة تتعلق بعلاقة الليبي المعاصر بالزمن (الماضي-الحاضر-المستقبل)، الشرق-الغرب،البداوة-الحضارة،التراث-المعاصرة.و هي قضايا هامة و تلعب دورا حاسما في تحديد مسيرة و مستقبل المجتمع الليبي المعاصر. (3) معمّر القذافي:تجليات الثنائية الضدية (المدينة-القرية) المدينة و القرية-كما ذكرنا آنفا-هما الحيزان الجغرافيان اللذان يرمزان إلى التحديث و البداوة.و سنقوم برصد دلالات المدينة و القرية في مؤلف معمر القذافي (القرية القرية،الارض الارض،و انتحار رائد الفضاء)،و ذلك انطلاقا من أن معمر القذافي هو الذي قاد مسيرة تحديث المجتمع الليبي في ربع القرن العشرين الأخير-الذي له-كما يرى مصطفى التير دور خاص في تاريخ ليبيا الاقتصادي (فخلاله وقع حدث هام ترتبت عليه مجموعة تغيرات في الأنظمة و العلاقات سرَّعت من وتيرة إدخال عناصر جديدة في البنيات القائمة.هذا الحدث تمثّل في ثورة الفاتح و ما تلاها من تدبيرات اتخذتها القيادة،فأحدثت تحولا في حياة المواطنين.و هكذا انتقل بنتيجتها أفراد المجتمع من حال إلى حال،من أكثرية أمية إلى أكثرية متعلمة،و من أكثرية تعاني شظف العيش،إلى أكثرية تتمتع بمستوى حياة عال بالمقارنة بما هو موجود في بقية بلدان العالم الثالث التي ينتمي إليها المجتمع الليبي(2،6)،و من ثم فاننا نجد في رصد تلك الدلالات مؤشرا يدلنا على جانب من مفهوم التحديث عند معمر القذافي. في مؤلفه ذاك يقيم القذافي تضادا حادا بين المدينة و القرية يرقى إلى الثنائية الضدية.فالمدينة عنده ملعونة تاريخيا،و قد حملت لعنتها هذه حتى وقتنا الراهن،فهي (من قديم الزمان،ما بالك الآن!هي كابوس الحياة،وليست بهجتها كما يظن.لو كانت بهجة لكانت أصلا قد صممت أصلا لذلك.لكن المدينة لم تؤسس للرفاهية أو السرور أو المتعة أو البهجة)،(8،5).و لكن ما سبب هذه اللعنة التاريخية؟؟السبب يكمن في ظروف نشوء المدينة و قيامها،ذلك ان (المدينة حشر معيشي،وجدت الناس نفسها فيه بالضرورة و لم يأت أحد ليسكن المدينة من أجل النزهة،بل من أجل العيش و الطمع و الكد،و الحاجة،و النوظيفة التي تجبره على أن يعيش في مدينة)ص 5.هذا الشرط الاقتصادي الذي قامت عليه المدينة،هو الذي أكسبها صفة اللعنة لارتباطها بالحاجة و الرزق و الضرورة.و لذا فالمدينة-في نصوص القذافي-تحمل أصوأ الصفات،و ترتبط بالتخريب الاقتصادي و النفسي و البيئي،فالمدينة (مقبرة الترابط الاجتماعي)ص5.و هي (مجرد حياة دودية بيولوجية،يحيا فيها الانسان و يموت و هو داخل قبر في الحالتين.لا حرية في المدينة،و لا راحة ولا رواق)ص6.و المدينة ملعونة انطلاقا من فهم بيئي معاصر فهي (دخان..أوساخ،رطوبة..حتى لو كنت في صحراء،تتسخ حتى و لو كان عملك نظيفا)ص8.و المدينة –انطلاقا من هذا الفهم البيئي (ضد الزراعة،تنبني على الأرض الزراعية،تقتلع الأشجار المثمرة،تجذب الفلاحين و تغريهم ليتركوا الزراعة و يتحولوا إلى أرصفة المدينة تنابلة،كسالى،عطالى،متسولين)ص11.هذا التصور البيئي الانساني الذي يدين تخريب الطبيعة في مقابل تأسيس المدينة،سنصادفه –أيضا-عند خليل الامام-بطل ثلاثية أحمد ابراهيم الفقية في موقفه من مدينة طرابلس. من صفات المدينة انها تقتل الحس الاجتماعي،انطلاقا من ميكانيزم معين يتمثل-كما يرى القذافي-في انها (تعوِّد سكانها تكرار سلوك و مشاهد لما يكون ملفتا للانتباه في القرى،و الواحات،و الأرياف،و البوادي)ص12.أما قمة تراجيديا المدينة فتتمثل في اغتيال الطفولة،ذلك أن(طفل المدينة ينمو بيولوجيا،و لكنه سيكلوجيا هو وعاء لتلك الكبوحات و القموعات و عوامل الزجر و النهر.فهو نموذج لانسان العقد و الأمراض النفسية،و الانطواء و النكوض)ص17.إن الوأد المعاصر للطفولة يتم على المستوى غير المنظور،في أعماق سكان المدن،في اللاشعور،ذلك أن (دور الحضانةو الرعاية و المراجح،و حدائق الأطفال،و رياض الأطفال و حتى المدارس ما هي إلا تحايل على أولئك المخلوقين الأبرياء للتخلص منهم بطريقة عصرية للوأد)ص19. إن النص في تحليله لتراجيديا المدينة،يخلص إلى ان تلك التراجيديا نابعة من بنيات لا شعورية خارجة عن إرادة الأنسان،و كأنها فلتة من فلتات التاريخ الهوجاء التي لا ترحم النوايا الطيبة.إن تراجيديا المدينة نابعة –ببساطة-من حقيقة مفجعة حقا،و هي أن فعل الانسان ينقلب ضده.يقول القذ افي موضحا ذلك (ليس العيب في ساكني المدينة أبدا.الناس هم الناس في المدينة،أو في القرية،متشابهون في كل شيئ تقريبا،في القيم ،في الأخلاق،خاصة أبناء القوم الواحد،أو الدين الواحد العيب في طبيعة المدينة ذاتها،بما تفرضه على الناس من تكيف تلقائي تدريجي،حتى يصبح سلوكه معتادا بمرور الزمن في المدينة.الناس يبنون المدينة للضرورة و الحاجة.و لكن المدينة تصبح بعد ذلك كابوسا لا بد منه لأولئك الذين بنوها و سكنوها).إن إنسانية المدينة تتأسس بشكل مراوغ و مخادع لعقلانية الإنسان (هذه هي المدينة،طاحونة لساكنيها،و كابوس لمشيديها،تجبرك على تغيير مظهرك،و تبديل قيمك،و تقمص شخصيات مدنية ليس لها لون و لا طعم و لا رائحة و لا معنى)ص15.إن هذا الشكل السلطوي و المرواغ و الضاغط على الإنسان يسميه القذافي (عدم القدرة على المقاومة في المدينة)ص9،و لذلك فالمدينة زئبقية،رجراجة،لا يمكن الإمساك بها لانها (تقليعة...صيحة...انبهار) ص9. و على النقيض من المدينة الملعونة،تبدو القرية و الريف رمزا (لعالم آخر يختلف في المظهر و الجوهر..هنالك لا ضرورة للقمع و الزجر و الضغط العكسي)ص17.فالقرية (هادئة و نظيفة و مترابطة،و أهلها يعرف بعضهم بعضا)ص24 أي بلغة السوسيولوجيا ان الضبط الاجتماعي غير رسمي،و القرية حيز له شخصيات تطبع بميسمها شخصيات قاطنيها،(فالقرية و الريف لا تعرف التقليعة و الطفرة و "الموضة" فمزاجهم هادئ وراق و غير متقلب،غير قابل للتقليعة و التحول)ص25.القرية-في نصوص القذافي-حيز ايكلوجي يخرج الانسان من اغترابه عن العالم،و يتيح له اكتشاف الطبيعة،و مشاهدة سرها الأكبر (الجمال)!(القرية و الريف...الفضاء الواسع...الانشراح...الملكوت البديع..يجعل الحياة مريحة هادئة بخلوها من ضيق المدينة و زحامها،للقمر معنى و في السماء متعة و للأفق رؤية)ص27. بعد أن رصدنا دلالات المدينة و القرية في نصوص القذافي،يبقى هنالك سؤال هام:ما هي العوامل التي شكلَّت تلك الثنائية الضدية؟تلك العوامل –في رأينا-تتمثل في الآتي: 1-النزعة الانسانية التي ترى في كل ما يهدد التناغم الانساني،خطرا ينبغي الوقوف ضده بحزم.و الفكر و الابداع الانساني بمختلف أشكاله يحفل بهذه النزعة المضادة للمدينة ،و المدنية على حد سواء. 2-الاستراتيجية التي انبنت عليها تجربة تحديث المجتمع الليبي،و التي تمثلت-كما يرى التير-في الانحياز للريف (2،165). 3-التأكيد على التحول الثوري للمجتمع،لا على تخريب ذلك المجتمع تحت أي ستار كان-و من هنا الاحتجاج على الآثار الضارة للتحديث.و يتضح ذلك في المقطع الساخر (هلموا لقطع دابر الزراعة و اجتثاث جذورها و الاسراع في التحول،ليس التحول الثوري..ل أقصد التحول إلى تجار..ز سنفازة ..و باعة متجولين،علِّموا أولادكم الحفاية و السمسرة..و التفريش في الشمس و الزمهرير،استمروا أيها الأحرار آناء الليل و أطراف النهاء في قطع الأشجار و محو الاخضرار على وجه الأرض الأبية،هشِّموا بسواعدكم المفتولة غابات الجبل الأخضر و أشجار النخيل من مزارعكم.و ابنوا على أنقاضها متجرا أو محل تزيين أو حلواني أو مقطع جير)ص60.تلك الآثار السلبية تمثلت في تدمير الطبيعة و الإخلال بالتوازن البيئي و سيادة الأنماط الاقتصادية الهامشية و الطفيلية. 4-الإعلاء من شأن الفضاء البدوي بصفته-كما يرى الفقيه-رمزا (للجوهر الإنساني(،حتى لا(يضيع منا في صخب الحياة العصرية و زيفها و صراعاتها)ص 137.و هذا الانحياز للبداوة بصفتها تلك،قد نجد جذوره في (الكتاب الأخضر) حين تم وصف الشعوب البدوية بانها (صانعة الحياة الجادة) (9،204). (4) مصطفى التير:المدينة في الخطاب السوسيولوجي كرّس عالم الاجتماع الليبي البارز مصطفى التير وقتا طويلا و جهدا ثمينا لرصد تحول المجتمع الليبي إلى فضاء التحديث،من خلال تطوير نظرية عربية للتحديث،مراعيا في ذلك خصوصية المجتمع العربي.و قد اهتدى التير في بحثه ذاك إلى نموذج للتحديث العربي يتكون من مؤشرات يمكن تلخيصها في الآتي: 1-تطوير لأجهزة الدولة الوطنية التي تتولى مسئولية وضع و تنفيذ برامج للتنمية الاجتماعية و الاقتصادية. 2-توفير المال اللازم للبدء في عمليات تغيير البنى التحتية و التي ستكون قاعدة تنطلق منها بقية مجالات التغيير. 3-انتشار التحضر و نمو المدن، و تنوع فرص العمل بها،نتيجة تواجد دواوين الحكومة و النشاط التجاري و الخدمات. 4-انتشار التعليم و اشتراك عناصر التراث مع عناصر العقلانية لتكوين العقل و نمط التفكير. 5-انتشار الأسرة النووية كوحدة سكنية حضرية و استمرار أهمية الأسرة الممتدة كنسق قرابي يسهم في بناء شخصية الفرد. 6-انتشار محدود للصناعة و استخدام واسع للتكنلوجيا. 7-ارتفاع مستوى الطموح أو التطلعات فيما يتعلق بالمكانة الاجتماعية و المقتنيات. 8-انتشار الاتجاهات التي تؤكد على أخمية المشاركة بأنواعها و للجميع بما في ذلك المرأة و خضوع أنواع المشاركة لتوجية عناصر الثقافة السائدة و الدور المتميز للدولة (2،50). استنادا على هذا النموذج العربي للتحديث،انتقل التير إلى مقاربة الخصوصية التي تميز الحالة الليبية.إن عمل التير في هذا الصدد طويل و متشعب،و سنكتفي منه بما يخدم مجال بحثنا بتقصي موقع المدينة في تجربة التحديث الليبية و علاقتها بالريف. يبدأ التير بمقارنة تجربة التحديث الليبية بمثيلاتها في الدول المشابهة لوضعية المجتمع الليبي مؤكدا على اهتمام الحالة الليبية بالريف.يقول في ذلك مستطردا (فعلى الرغم من أن غالبية محططات التنمية تؤكد في أهدافها على العناية بتوفير الحاجات الأساسية لجميع المواطنين فان الذي يحدث ان غالبية الفقراء لا يستفيدون من هذه البرامج على الوجه المطلوب إذ تتركز الخدمات الصحية و التعليم و مؤسسات الثقافة و المساكن الجديدة في عدد محدود من المدن الرئيسية،و يستفيد قطاع صغير من السكان فيحصل على نصيب الأسد من مخططات ميزانيات التنمية و لكن الذي حدث في التجربة الليبية أن الريف و القرى الصغيرة و النائية حصلت على النصيب الأكبر فوفرت المدارس بما في ذلك الثانويات و المعاهد التقنية في الريف،كما توافرت للريف الطرق الحديثة و النور الكهربائي و المياه الصحية و السكن الصحي و المراكز الصحية و الأسواق الحديثة،كذلك توافرت مجالات العمل بشكل يتلاءم و طبيعة الخبرات المتوفرة محليا بحيث لا يبقى شخص يرغب في العمل عاطلا (2،164-165). ثم يعرج التير بعد ذلك إلى رسم صورة للمدينة العربية عامة و من ضمنها المدينة الليبية حين يتحدث عن هجرة واسعة من الريف إلى المدينة ،و تحول سكان المجتمع العربي خلال فترة زمنية قصيرة من أغلبية ريفية إلى أغلبية حضرية (2،47). و لقد كان نمو المدن العربية (سريعا ،و تسببت سرعته في مظاهر اختلال كثيرة) (2،181).ثم يتحدث التير عن بعض مظاهر ذلك الاختلال في المدينة العربية و التي تمثلت في عجز (إدارات المدن عن مواكبة سرعة نمو السكان فنتجت ظاهرة الازدحام و يتلازم مع هذه الظاهرة عجز في توفير السكن الملائم و اختناقات السير و تدهور الخدمات الاجتماعية و تفكك الروابط بين الأفراد و ارتفاع معدلات الانحراف...الخ،كما لم تسمح سرعة نمو المدن بوضع برامج تضمن تأمين احتياجات المجتمع فنتج عن هذا ان المدينة العربية تستهلك أكثر مما تنتج ) (2،181). صورة المدينة العربية و من ضمنها المدينة الليبية المعاصرة تختلف عن مثيلتها في العالم المتقدم.يقول التير مقارنا (و يتوفر في المدينة غالبية ما هو موجود في المجتمع من وسائل ترفيه كالملاعب الرياضية و دور الخيالة و المسارح و حدائق الحيوان و المتاحف....الخ و لكن تبدو المدينة العربية الحديثة تعاني من نقص شديد في هذه الوسائل) (1،292).هذه المقارنة سنلاحظها عند خليل الامام-بطل ثلاثية الفقيه الروائية-في رؤيته لمدينة طرابلس. بعد هذه الصورة العامة للمدينة،يقارب التير علاقة الريف بالمدينة باحثا عن الهجنة التي تميز المدينة العربية مبينا (الترييف) الذي يحدث للمدينة إثر انتقال الريفي أو البدوي إليها.و حسب رأي التير فإن الريفي أو البدوي المنتقل للمدينة (حمل معه الكثير من قيمه و عاداته التي ألفها،فاحتفظ بعلاقات الالتزام الاجتماعي مع أفراد الأسرة الممتدة و مع الأقارب في شكل زيارات جماعية و خصوصا في المناسبات الدينية و الاجتماعية الهامة، و حافظ على قيمة الأسرة الكبيرة و لم يفعل شيئا كثيرا في مجال تنظيم الاسرة و لعدم وجود فضاء كاف في المنزل أصبح الشارع هو المكان الذي يقضي فيه الأطفال الذكور جل وقتهم) (1،69). إذن المدينة العربية،في مقاربة التير لها،هجينة بين البدوي و الحديث،اختلطت فيها الأزمان و أنماط السلوك الاجتماعية،موزعة بين ماضيها البدوي، و حاضرها الحديث الرجراج،فهي تعيش حالة (تداخل الأزمنة و هي حالة عامة لا يقتصر ظهورها بين أفراد فئة معينة بل يشترك فيها جميع أعضاء المجتمع العربي،و هي مسئولة ولو إلى حد عن تلك الازدواجية التي يتصف بها العربي اليوم و التي تنعكس على كثير من مجالات أنشطته اليومية و على مواقفه بالنسبة إلى كثير من القضايا الريسية( (2،65). ثم يسال التير باحثا عن إجابة (و لكن لماذا حدث هذا ؟هل السبب كما يقترح الجابري يكمن في عدم تثبيت الزمن الثقافي أم ان السبب يرجع إلى طبيعة الظروف التي صاحبت دخول العرب العصر الحديث؟) (2،65). و يرى التير ان كثيرا من جذور سلوك الانسان العربي في المدينة تكمن في ذلك البدوي القابع في أعماق الانسان المدني ففي بحثه عن سبب ارتفاع التطلعات بين الأفراد العرب بالنسبة للرغبة في تملك السلع الاستهلاكية ينقب التير في ذلك البدوي متسائلا إذا كان ان النمط الاستهلاكي هو تعبير جديد عن عادة ريفية قديمة تتمثل في تخزين مؤونة العام كله؟ (2،189). تلك الشكوك حول اختلاط الأزمنة و تداخلها و امتزاج البدوي بالحديث جعلت التير يشير إلى هشاشة (الحديث) في المجتمع الليبي المعاصر و عمق (البدوي) في تجربة التحديث الليبي التي قضى زمنا طويلا في تتبع طعودها و قياس مؤشراتها و آثارها! ففي رد له على سؤال يتعلق بوجود مشكلة وعي يجيب قائلا (نعم،ذلك ان التغيير الاجتماعي الذي حدث منذ ما يزيد على ربع قرن في مجتمعنا كان تغييرا ماديا فقط:السكن،التعليم،الملابش و المعدات و الاجهزة التي دخلت حياتنا نمط الأكل و نمط قضاء الوقت.لم يواكب هذا التغيير المادي تغيير ثقافي أو قيمي.لم يواكبه تغير على مستوى الشخصية أو الأفكار التي يتبناها الناس فالتقاليد و العادات القديمة ما زالت واضحة في الأذهان لم تتزحزح) (3-ب،20). يبدو التحديث في رأي التير ماديا فقط،تختلط فيه التكنلوجيا الحديثة مع القيم البدوية العريقة و الريف مع المدينة،و ما زال البيت البدوي يشاهد على شاطئ البحر!! (5) الخطاب النقدي الأدبي:البحث عن مدينة جديدة العدد الذي أصدرته (الفصول الأربعة) بدون رقم و بدون تاريخ،عن المشهد الشعري الليبي (1970-1990)-علاوة على الشعر الجميل-يحتوي نصوصا نقدية تجتهد في مقاربة الحداثة الشعرية الليبية في الفترةالمذكورة أعلاه.الهمّ الذي تحمله تلك النصوص النقدية هو كيفية تأسيس حداثة شعرية ليبية تدخل في علاقة مع التاريخ الثقافي الليبي.و الموقف من تلك العلاقة يتحدد من خلال الكيفية التي تتم بها مقاربة إشكالية البداوة و التحديث.و الواضح من قراءة تلك النصوص النقدية ان هنالك موقفين من قضية علاقة الحداثة الإبداعية عموما بالتاريخ الثقافي الليبي الذي تسميه تلك النصوص (الثقافة البدوية الصحراوية البسيطة). الموقف الأول يتجسد في رفض تلك الثقافة البدوية،و تأسيس ثقافة معاصرة ليبية بديلة. أما الموقف الثاني فيرى ضرورة أن تكون تلك الثقافة البدوية مكونا من مكونات الثقافة الليبية الحديثة. و لنبدأ باستكناه منطق الموقف الأول.يرتكز ذلك الموقف في نظرته للحداثة الشعرية على أن الشعر في ليبيا يلعب في ساحة يملأها الأطفال الذين لا يملكون من هذه الساحة إلا المخيلة الأولى (مخيلة الرمل الذي يتشكل بالرياح في أفق ممتد لا تحده إلا الصحراء اللانهائية ،هذه الصحراء السراب التي تلعب مع المخيلة لعبتها :الصورة المحدودة و اللامحدودة،الرتابة و الافق اللانهائي،إنها تكرر اللانهائي) ص12.هكذا يرى أحمد الفيتوري الثقافة البدوية ثقافة محدودة فقيرة،و يرى المخيلة الصحراوية البدوية مخيلة هشة رغم امتدادها في أفق جغرافي لانهائي.و يرى الفيتوري ان مشروع الشعر الليبي كان دوما مرتبطا بالانقطاع عن تلك الذاكرة الثقافية البدوية .و ان الشعر الليبي في تخليه عن الثقافة البدوية ،كان دوما يبحث عن أب،حتى و إن كان من صنعه،و كان دوما يبحث عن مرجعية ثقافية يستند إليها لاكتساب هويته و شرعيته. أما أبو شناف فيعتقد ان أزمة الشعر الليبي في بحثه عن حداثته الخاصة،تكمن في أن ذلك الشعر يعيش أزمة هوية إذ انه لا يزال متراوحا بين البداوة و التحديث بمعناه الحضاري الشامل.و لهذا يرى (أن الروح الليبية حزينة عبر هذا الشعر،و هذا الحزن يبدو أقرب إلى البكاء المر على أطلال الانتماء للمجتمع و لقيمه القديمة و خوفا من المستقبل الذي لا تبدو قيمه واضحة)ص9.ذلك الالتباس الحضاري ألقى بظله على الساحة الشعرية الليبية و جعلها-كما الكل الحضاري العربي (تفتقد "للشاعر الرجيم" هذا الذي يتجرأ محطما ليس أيقونات الشكل الفني ظاهريا..بل و تتعمق تجربته لتحطيم أيقونات القيم الحضارية المتخلفة التي تخنق كل جديد بعنف أحيانا و أخرى تناور عليه مستعيرة ثوبه فقط)ص 9.و لكن ما هي صفات "الشاعر الرجيم"؟؟ يرى أبو شناف ان الشاعر الرجيم هو هذا الشاعر-الملاك بقيم المستقبل الجديد.إن موت الأب أو القبيلة مهمة شاعرنا الأولى)ص 9.إذن فالتخوم التي يقترحها أبو شناف للشعر الليبي،هي تخوم المستقبل المنتمية إلى ما أسماه التحديث بمعناه الحضاري الشامل،حيث يموت الماضي و يدفن،و ينمحي على شاطئ البحر ذلك البيت البدوي. أما المسماري فيربط بين التجربة الشعرية و النقدية الليبية حتى الستينيات كإفراز للمجتمع البدوي.و يحفر المسماري عميقا في (البدوي) في الثقافة الليبية،باحثا عن الأسباب التي أربكت تلك الثقافة،محللا طبيعة و أسس الثقافة البدوية و ركائز المجتمع البدوي محاولا أن يرسم ما نسميه ملامح العقل البديو. يقول المسماري مستطردا (و نقد الشعر الذي مررنا ببعض نماذجه،هو نتاج للتجربة الشعرية التي بدورها نتاج للواقع الاجتماعي و الثقافي لمجتمع بدوي يعتمد في انتاجه على اقتصاد الكفاف (الرعي و الزراعة الموسمية) و يتأطر اجتماعيا ضمن العلاقات القبلية و المفاهيم السائدة.إن ثقافة المجتمع الليبي،حتى الستينيات هي ثقافة بسيطة أفرزت القصيدة المباشرة و الحكاية (الخرافة) المعتمدة على الموعظة و الحكمة.لذلك كان من الطبيعي بجانب عوامل أخرى أسهمت في ضعف التطور الثقافي في بلادنا أن تبدأ يقافاتنا بداية مرتبكة و بسيطة تركز على المهام الأولية الأساسية لواقعها و إشكالياتها)ص 37. إن المسماري يدين الثقافة البدوية بوضعيتها البسيطة الفقيرة،و يرى غن ذلك الارتباك الذي عانت منه الثقافة الليبية،لا يتحقق إلا بتجاوز الثقافة البدوية،و تأسيس ثقافة متجاوزة بديلة يسميها (الثقافة المركبة و المتشعبة)،و هي بالتأكيد نتاج مجتمع غير بدوي (مجتمع ينتج الفلسفة و علم الاجتماع و التاريخ و ينتج القصيدة ذات الأسئلة المتعدد كما ينتج النقد)ص 37. و المستبطن في خطابه ان الحداثة تتأسس بتخطي الفضاء البدوي و القطيعة معه،حيث يتوارى على شاطئ البحر ذلك البيت البدوي. أما الموقف الثاني الذي لا يرفض الثقافة البدوية كمكون من مكونات الثقافة الحداثية،فيتمثل في مقالة عمر الكدي المهمة الموجزة (الزهور البرية).يرتكز تحليل الكدي لمراحل الثقافة الليبية أساسا على علاقة المجتمع الليبي بالمدينة و إرثه البدوي،و أصداء تأثير المدينة على المثقفين الليبيين.و حسب الكدي،فإن علاقة المثقفين الليبيين بالمدينة بدأت في الأربعينيات و الخمسينينات حين (فتحت ليبيا صندوق رمالها،لتعصف به الرياح،رياح التحديث،و رياح المدينة و رياح البادية التي لم تلفظ أنفاسها بالسهولة التي توقعها جيل الستينيات،ذلك الجيل الذي كبت خوفه من المدينة،و حنينه الظامئ إلى قيم تموت أمام عينيه،دون أن يستطيع رفض موتها،لأنه ينحاز إلى قيم الرواد المشرقيين الذين عاشوا في مدن أكثر عراقة و تطورا من مدن الرمال و أفرزت ظواهر اجتماعية،كانت لا تزال تتشكل في ليبيا)ص 185.و حسب الكدي فان الفصام الستيني في موقفه من المدينة أفرزه عاملان أساسيان و هما اختلاط ظاهرة التحديث بالارث البدوي و الانتماء لمدينة مشرقية بتغييب المدينة الليبية التي تفتقر إلى عراقة المدينة المشرقية.أعقب الفصام الستيني فصام السبعينيات إبان التسارع العنيف للتحديث حين كان مصطفى التير منشغلا بأبحاثة الامبريقية عن مسيرة التحديث.تمثل الانفصام السبعين في الانتماء إلى مدينة مستعارة .يقول الكدي موضحا ذلك (و في السبعينيات بدأت محاولات الخروج من أعراض الفصام الستيني،اتسمت بالانحياز الكامل لقيم المدينة،و محاولة رصد البداوة التي تجتاح المدينة،و السخرية منها،و مع ذلك ظهر نوع آخر من الفصام،تمثل في استعارة مدينة أخرى غير واقعية،و لا تمت لمدينة البدو باي صلة،هي أقرب ما تكون لمدينة الصعاليك البرجوازيين،الذين ظهروا في أوروبا،ليهاجموا القيم البرجوازية)ص 185.مرة أخرى نجد أنفسنا إزاء ما يمكن أن نسميه (الاعتراب المديني) الذي يستلف مدينة غائبة يسقطها على المدينة الحاضرة.و ذلك (الاغتراب المديني) هو نتيجة للفرق اشاسع بين المدينة كواقع متجسد فعلي و بين المدينة كفكرة و نموذج لا يوجد إلى في أدمعة المثقفين الليبيين.و ذلك الفرق الشاسع بدأ يتضاءل في الثمانينيات عندما تم اكتشاف الحقيقة الفاجعة:اختلاط التحديث و التمدن بالبداوة!!! يقول الكدي موضح ذلك (في الثمانينيات لتي اتسمت بانفتاح الأصوات المبدعة،بشكل كامل،على كافة التجارب شرقا و غربا،استوعبت المدينة بداوتها،و هي تنوء بحملها،مفسحة المجال لظهور نصوص أكثر قدرة على استيعاب الواقع المشوه،و بدأت المحاولة لتأسيس صوت أكثر محلية من سلفه،و أكثر على التواصل مع المحيط من حوله)ص 185.إنجاز جيل الثمانينيات الأساس لا يتمثل في مضاداة العقل البدوي كليا-كما يرى الموقف الأول-و إنما في ما يسميه الكدي (تشذيب البداوة و الاغتراب)و (تشريح التاريخ بحثا عن مدينة تصلح لتكون سكنا لأجيال أنهكتها الرحلة السريعة من القرون الوسطى).ص 185.إن موقف الكدي من التراث البدوي لا يتمثل في رفضه،إذ ان ذلك الموقف لا يفضي إلا إلى العدم:دفن البداوة و عدم العثور على المدينة!إذن كيف يمكن للثقافة الليبية المعاصرة أن تنتج هوية ثقافية صحيحة و متماسكة في إطار علاقتها بالبداوة و التحديث؟يجيب الكدي على هذا السؤال قائلا (آن الأوان لكي نعيد تأسيس المدينة و مؤسساتها،و لا يكفي أن نكتب الشعر فقط،بل علينا أن نراجع تراثنا،و أن نعيد تقييم تجاربنا،بحثا عن حداثة أقرب إلينا من حداثة مستوردة،لا تتوافق مع موقفنا التاريخي،الذي ما زال على مشارف عصر الأنوار بمفهومه الأوروبي)ص 186.إذن فالتراث البدوي –مُراجَعاً-هو مكون أساسي من مكونات الحداثة المتوافقة مع الخصوصية الثقافية و الحضارية،و هو –أي الكدي_لا يدعو إلى قتل الأب،و إنما إلى محاورته.يتبقى هنالك سؤال مهم و هو :كيف يمكن استيعاب الثقافة البدوية ضمن المشروع الحداثوي المقترح و هي قائمة –حسب الكدي-على التشابه و التكرار الأبدي؟و بطريقة أخرى:ما هو موقع البيت البدوي على شاطئ الحداثة المقترحة؟ (6) الفقيه و الكدي:انشطار المثقف أشرنا في الفقرة السابقة إلى الفصام أو "الاغتراب المديني" الذي يعيشه المثقف الليبي المعاصر.إذن كيف عبَّر المثقف الليبي المعاصر عن الهوة الشاسعة التي تفصل الواقع المديني المثقل بالبداوة عن أحلامه بمدينة أخرى وواقع حضاري حداثي غير متخم بكوابح العقل البدوي و إفرازات الفضاء الصحراوي؟ للإجابة عن هذا السؤال اخترنا نصا للروائي أحمد ابراهيم الفقيه،و نصا شعريا لعمر الكدي،محاولين من خلال القراءة السوسيولوجية لهما إبراز ملامح انشطار المثقف الليبي بين البداوة و التحديث،بين الماضي و الحاضر،بين المدينة الواقعية و المدينة المتخيلة،و كذلك توضيح الأسس التي تفرز ذلك الانشطار و الطريقة التي تم بها حل ذلك الانشطار.
"6-أ" سنبدأ بإيراد نص طويل نسبيا لخليل الإمام بطل ثلاثية الفقيه الروائية يحاكم فيه مدينة طرابلس .يقول خليل الإمام "أخذنا السيارة،و ذهبنا نطوف بها في شوارع طرابلس،بحثا عن لحظة اندماج معها،و رغبة في تجديد الوشائج التي تربطنا بها،و كأننا نريد أن نختبر حكمة الأقدار التي اختارتها لنا،و اختارنتا لها.و لكنها ظلت و برغم صلة الدم التي تربطنا بها،تمنحنا وجها مقفلا لا يعد بأية مسرة.مغلقة بأزمنتها.لم تعد قرية و لم تصبح مدينة بعد.لا هي شرقية و لا هي غربية،لا تنتمي إلى الماضي و لا تنتمي إلى العصر.معلقة بين البحر و الصحراء،و بين زمن مضى و زمن لا يأتي،تعيش مأزقها التاريخي،منذ أن تخلت عن طبيعتها القروية و فشلت في اكتساب طبيعة جديدة.انتهى الزمن القديم بأفراحه البدوية،و حلقاته الشعبية التي تعقد في الأسواق و موالد الأولياء وحفلات ختانه و أعراسه،و تيوته المتداخلة المندمجة في بعضها البعض،و قد اكتظت بسكانها الذين يصنعون لكل مناسبة عيدا.و باغتها زمنن جديد لم تكن مهيأة له،أو راغبة في أساليب حياته العصرية،فرفضت الانتماء إليه،و ظلت معلقة بين ماضيها و حاضرها،و لا تجد شيئا تنتمي له أو ينتمي إليها،تنظر بريبة و خوف إلى العالم الذي يحيط بها.أخذت من العصر الجديد شبكات الطرق الاسفلتية التي تحرقها الشمس،و صناديق العمارات التي تسعفها الريح و تتكدس حولها الأتربة،و يسكنها بشر خرجوا من خباء القبيلة و لا يعرفون التعامل مع جيرانهم إلا بمنطق النظرات المذعورة التي تطل من وجه إنسان مشنوق.ثم ركام هائل من الحديد الذي يقذف به البحر على شواطئها كل يوم في شكل سيارات و مصاعد و مطابخ و مدافع و أسياخ تصنع منها منصات الخطابة.و ما عدا ذلك فقد ظل هذا الحديد شيئا لا تقوى على الاقتراب منه،حتى لو أدركت أن بعضه ضروري لاستكمال شكلها الحضاري،فإن قلبها البدوي يرتعب عندما يأتي ذكر الأندية و المسارح و الملاهي و الحانات و المكتبات وقاعات الرقص و مدن الألعاب و مراجيح الأطفال و دكاكين الورد و جمعيات الرفق بالاطفال و الأشجار و الطيور،و مستشفيات القطط و الكلاب ،كبديل لزهدها البدوي و أفراحها القروية القديمة التي انقرضت يوم أن خرج أهلها يحرقون الأشجار و يستبدلونها بأعمدة الأسمنت،ثم قاموا بمسيرة جماعية لنحر جمالهم و استبدالها بحشرات حديدية يركبها الواحد منهم و كأنه نبي تخلف عن عصره و جاء يركب براقه كي يلحق بهذا العصر.(6،235-237). الواضح من النص السابق ان خليل الامام كان يبحث عن خيوط تمكنه من الاندماج مع المكان،و هو هنا مدينة طرابلس في شكلها التحديثي.و الواضح أيضا أن هذا الاندماج غائب،و غياب الاندماج هو بالضروة اغتراب.إذن ما سبب ذلك الاغتراب؟ هنالك أسباب كثيرة لذلك،و لكن في رأينا ان أهمها هو نموذج المدينة لدى خليل الإمام،و الذي هو المدينة الاسكتلندية أو الانجليزية،إذ انه عاش فيها حين كان يحضر رسالة الدكتوراة عن العنف و الجنس في الليالي العربية.إذن المدينة الغربية هي المقياس في زاوية الرؤية التي ينظر بها إلى مدينة طرابلس بعد التحديث.و هنالك سبب آخر مهم هو الذاكرة الطفولية،أي أحداث طفولته التي قضاها في طرابلس القديمة قبل التحديث.في محاكمته لطرابلس ينطلق خليل الإمام من ذاكرتين:الذاكرة الغربية و الذاكرة الطفولية.و كما ذكرنا فإن ذاكرة الإمام الغربية تشكلت إبان تحضيره لرسالة الدكتوراة،و ذلك التشكل لم ينفصل أبدا عن محاصرة الذاكرة الطفولية له،و عن محاصرة الغرب له بصفة البداوة.تلك المحاصرة بالبداوة نستشفها من أسئلة ليندا له:"ما الذي فعلته بنفسك أيها البدوي؟"(5،29)، "ما رأيك أيها البدوي؟"(5،49)،"ما هذا الذي تفعله أيها البدوي؟"(5،12(.و كان الإمام مقتنعا بصفة البداوة،إذ يقول معلقا على السؤال الأخير"لم يزعجني السؤال"(5،12).و هذا الإقتناع يبدو أكثر وضوحا في تعريفه لنفسه.فقد قال مرة لساندرا"سبق أن أخبرتك بطبيعتي البدوية التي ترفض الإقامة في مكان واحد"(5،143).إذن كان الإمام يعي جيدا أنه بدوي،و يعي أكثر ان لقاءه مع الآخر أي الغرب هو لقاء مع الذاكرة الطفولية،لقاء عنيف مع الأنا،و اكتشاف لقوة البدوي في ذاته.يقول عن رحلته للندن انها كانت مناسبة "لأن أتعرف على هذا البدوي،الذي يحمل ميراث مجتمع ظل لعصور طويلة يخبئ النساء داخل عباءة ثقيلة من التقاليد و القيم المستعارة من عصور الحريم و السلاطين،باعتبارهن مخلوقات هشة ضعيفة،يؤذيها ضوء الشمس،و أفتش عما تبقى من هذا الميراث في وعي و لاوعي الرجل الذي خلع أرديته البدوية،و تخلى عن خيمته،و شياهه،و ناقته،و اكترى مقعدا في طائرة تحط به في أكثر مناطق العالم تحررا،و انعتاقا من سطوة القرون الوسطى"(5،41). في تقديرنا ان ذلك اللقاء مع الآخر،مع الأنا البدوية،ساهم في تشكيل رؤية الإمام لمدينة طرابلس.و من هنا كانت تلك الرؤية واقعة بين ضغط و مقاييس ذاكرتين:الذاكرة الطفولية و الذاكرة الغربية.و لذلك اتخذت طرابلس ذلك "الوضع البيني" في رؤية الإمام لها.فطرابلس عديمة الهوية ترفض الإنحياز إلى إحدى الداكرتين،و لذلك تعيش ما أسماه الإمام "مأزقها التاريخي"،فهي موزعة بينهما،و هي يبينية الموقع:بين الزمن البدوي و الزمن المعاصر،بين الماضي والحاضر،بين الصحراء و البحر،بين القرية و المدينة،بين البداوة و التحديث.فهي قد دفنت الزمن البدوي القديم"الذاكرة الطفولية"،و لم تعثر على الزمن الحداثي "الذاكرة الغربية".إن علاقتها بالحاضر و الحداثة لا تعدو أن تكون علاقة مادية صرفة، و ترتبط بالمظاهر الخارجية "شبكات الطرق،العمارات الحديدية،السيارات،المصاعد،المطابخ..إلخ. إن ما جرى من تحديث في طرابلس مظهري و شكلي،و هو في جوهره يشكل فقط عملية استبدال "مثلا استبدال الجمال بالسيارات"،و في عملية الاستبدال تلك ظل الجوهر البدوي هو الأساس،هو المسيطر،و هذا ما يسميه الإمام "القلب البدوي".ذلك الجوهر البدوي يتجسد أيما تجسيد في نموذج المواطنين الذين سكنوا طرابلس الحديثة.فتلك السكنى لم تكن إلا ترييفا للمدينة،إذ انتقلت الذهنية البدوية إلى المدينة،و عاش سكان المدينة بعقلية القبيلة مما أدى إلى تشويه الطابع الحداثي للمدينة.يتحدث الإمام في مكان آخر عن "مجتمعات القبائل الصحراوية التي جاءت تسكن المدن،و تصنع شكلا مشوها للعلاقات التي تحكمها قوانين الفضاء الصحراوي،بينما هي تحيا داخل مكعبات الاسمنت"(5،41).ذلك التشوية هو نتاج ما ذكرناه عن تسارع وتيرة التحديث بحيث لم تتح الفرصة الكافية لتكوين سلوك اجتماعي مديني. حسب الإمام فان افتقار التحديث إلى جوهره،يتجلى في عدم استكمال الشكل الحضاري.و في ذلك يرجع الإمام إلى ذاكرته الغربية.فهو يرى أن مدينة طرابلس تعادي الجديد بافتقارها إلى "الأندية و المسارح و الملاهي..إلخ و غيرها من العلامات التي تميز المدينة الغربية.إن الراوي يدين أيضا الطريقة التي تم بها التحديث منطلقا من رؤية بيئية مثل تلك التي لاحظناها عند معمر القذافي.فإقامة التحديث تأسست على التضحية بمظاهر الطبيعة،ذلك ان إقامة العمارات تمت على حساب الأشجار.و يوضح تلك الإدانة في مكان آخر حين يتحدث عن المدينة التي تقتل العصافير و تخنق الأشجار و تحيل الورود إلى بيوت للشاحنات (6،248). ‘ن قمة الأشارة إلى شكلية و خواء التحديث،وردت في حديث الراوي عن تعامل أهل المدينة مع وسيلة من وسائل التكنلوجيا و هي السيارات،يقول معتذرا عن سناء "أعتذر لها ملقيا اللوم على هؤلاء الرجال الذين صارت السيارات وسيلتهم الوحيدة للتنفيس عن لحظات الغضب و التوتر و الكبت الجنسي و القهر الاجتماعي و الاختيارات المفروضة و قبح الحياة في مدينة خاوية مثل صدف حيوان بحري ميت،ملقاة فوق رؤوسها على شاطئ البحر"6،237). إن الإمام –كما رأينا-يدين تجربة التحديث التي مرت بها طرابلس و يرفضها جملة و تفصيلا،مما جعله منشطر الذات بين أزمنة متداخلة متناقضة و هو يعيش بينها معلقا-كما مدينة طرابلس-مما أدى إلى إصابته بالعلل.إذن كيف واجه الإمام انشطار الذات و تناقضاتها؟ إن حل الإمام تحقق عبر القبول مبدينة طرابلس بوضعتها البينية التي أوضحناها.يقبل الإمام تلك الوضعية "متصالحا مع صناديق الأسمنت،و طرقات الأسفلت،و أكداس القمامة المبتهجة،و أرتال الشاحنات التي تلوِّن الأفق بدخانها الجميل،متواصلا مع الرجل الآخر الذي كان خصامي معه سبب ابتلائي بالعلل و انشطار الذات" (6،257). يبدو حل الأنشطار –عند الإمام-مقترنا بقبول الواقع الردئ و التصالح مع التحديث المشوه و إفرازاته.يتحقق ذلك في القاء سلاح الرفض و النقد و الاحتجاج،و القبول بالقهر و العنف،و الرضى بما يسميه الإمام "الزمن الثالث" أي "زمن السقوط و الفخاخ و الأقنعة و الطحالب،زمن الرعب الجميل ،الجميل، الجميل" (6،258).
6-ب نص الكدي الشعري الذي اخترنا يحمل عنوان "بلاد تحبها و تزدريك"(4-ب). و إذا كان الكدي –كما رأينا-قد نظَّر لإشكالية البداوة و التحديث،و أرّخ لمراحل تطور موقف المثقف الليبي من المدينة الليبية،فإنه على المستوى الشعري يبرز وعي جيل الثمانينيات بتلك الإشكالية أي قدرة ذلك الجيل على ما أسماه "استيعاب الواقع المشوّه"،و مواجهة حالة "الفصام و الإعتراب المديني". هذا النص الشعري يجسِّد روح مشروع الكدي الشعري الإبداعي الذي يبدو-كما يرى أبوشناف-متميزا "في اهتمامه بالبيئة الليبية و تصويره الإنطباعي"، "2-ب-9).و قبل أن نقرأ هذا النص،بحب أن ننبه إلى حقيقة مهمة،و هي ان النص الشعري –خاصة الحداثي-لا يكشف عن بنياته الدلالية بوضوح-كما في بعض أنواع الخطاب الروائي-و من ضمنها ما حللناه من نصوص الفقيه الروائية.إن ذلك لا ينفي علاقة الشعر بالمجتمع و ثقافته.فالشعر ليس مجرد لعب بالكلمات-كما يرى البعض-ز لكنه مزدوج في علاقته بالمجتمع و اللغة.يقول يوري لوتمان موضحا ذلك الإزدواج "إن الهدف من الشعر،بالطبع، ليس الصور ،بل معرفة العالم و العلاقات التي تربط بين الناس،و معرفة الذات و تطور الشخصية الإنسانية في عملية التقدم و الإنفصال الاجتماعي.و في النتيجة النهائية يتفق مطلب الشعر مع مطلب الثقافة ككل.غير ان الشعر يحقق هذا المطلب بصورة نوعية،و يستحيل فهم طبيعته الخاصة،إذا تجاهل المرء آليته و بنيته الداخلية،و لا تتكشّف هذه الآلية إلا حينما تدخل في صراع مع الضبط الذاتي للغة (4،108).إذن فتحليلنا و قراءتنا لهذا النص،يهدفان إلى ربطه بثقافة المجتمع الليبي. هذا النص-في مجمله-قصيدة حب متوتر للوطن،و تحتوي على عدة محاور تدور كلها حول الفضاء المسمَّى الوطن،و علاقة ضمير المتكلم-و ليس الكاتب طبعا-بوطنه ليبيا.إن مفهوم الوطن-في هذا النص-لا يتطابق مع المفهوم المثالي الذي ينظر إلى الوطن ككيان فانتازي خالٍ من العيوب و النقائص.مفهوم الوطن-أي ليبيا-يقبع في المسافة بين الحب و الإزدراء-كما يقول عنوان النص-بين اللعنة و الشتم و الكراهية،و الحب و العشق الفيَّاضين،يمتزج فيه الخارج "الوطن" بالداخل "أنا المتكلم". يتكون هذا النص من خمسة مكونات أساسية،و هي بحسب تواترها في النص يمكن تلخيصها كما يلي: 1-وصف ليبيا. 2-وصف علاقة ضمير المتكلم المتوترة بليبيا. 3-وصف ما فعله أهل ليبيا من أجل وطنهم. 4-تجليّات حب ضمير المتكلم لوطنه من خلال علاقاته بالعلامات الآتية: أ-الأطفال. ب-المرأة التي يمكن تقسيمها إلى هذه العلامات الفرعية: 1-الفتيات. 2-النساء المقهورات و الأميات "الأمهات". 3-المتعلمات. 4-العانسات. ج-الرجال. د-الشباب. ه-الشيوخ. و-الشوارع القذرة. ز-الأصدقاء. س-الأقارب. 5-التعبير المزدوج عن الحب و اللعنة في موقف صمير المتكلم من وطنه. بالطبع لن نقوم بتحليل مستوف ٍ لتلك المكونات،إذ اننا سنركز على رصد تمظهرات إشكالية البداوة و التحديث في ذلك النص،و كيف عبَّر النص عن انشطار المثقف الليبي بين البداوة و التحديث. يبدأ النص بإقرار حقيقة تنبني عليها كل مكونات النص،حين يقول: "ليبيا بدوية شرسة تحب حين تحب من تشاء و تكره حين تكره من تشاء" فإقرار الطبيعة البدوية الشرسة لليبيا،يعتبر النقطة التي تبدأ منها نظرة ضمير المتكلم لوطنه.إن تلك النظرة تأتي من إنسان في أواخر القرن العشرين و منفتح على العالم،و تنبني من خلال البنيتين الأساسيتين اللتين تحكمان النص،و هما الحب و الإزدراء.يوضح ذلك النص: "أحبها مثلما أحب هذا الوجه الذي يقابلني دائما في المرايا مقطبا و هادئا الذي يفرع بصليله قطعان هدوئي و عصافير أحلامي الذي يغيظني و يهزأ بي و يفضح حين أخفي خلجاتي الدقيقة الضامرة الذي عادة ما يثقب البالونات في سماء غروري و ينبش في حدائق زهوي قبر أسراري" في هذا المقطع نرى أن علاقة ضمير المتكلم بوطنه تتراوح بين الثنائيات الضدِّية الآتية: الهدوء و الفزع،الإخفاء و الفضح،الانتفاخ و الانفلاش،و هنا تتم مضاداة المفهوم المثالي للوطن،و يبدو أن الموقف من الوطن مزيج من الرضاء و الرفض، من القبول و النبذ.و يتضح هذا الموقف أكثر في المقطع التالي: "و أكرهها مثلما أكره عاداتي السمجة و هذا التطاول الأحمق على العقل و الألم، دلِّيني كيف نتفق أيتها الأنثى المكابرة و ارفقي بحبي المبصر و قدري الكفيف دلِّيني كيف أبثك حنيني النحيل و كيف أتماسك في حضرتك بوجداني المشطور" مرة أخرى نواجه بثنائية ضدية تلف موقف ضمير المتكلم من وطنه،و هذه الثنائية الضدية هي الإبصار-العمى.فالحب المبصر يعني ذلك الموقف من الوطن الذي يربطه بالإشارة إلى و تلمّس سلبيات و مآخذ الوطن.أما القدر الكفيف فإشارة إلى الواقع السيئ الذي يلف مصير ضمير المتكلم.القدر الكفيف هو "الخارج" الردئ الذي يكونِّ "الداخل" أي الذات،و ذلك ما أسماه النص "الوجدان المشطور".أي ذلك الوجدان المنقسم بين الخارج و الداخل،بين الحب و الكراهية،بين البداوة و التحديث.و لكن كيف يجسِّد النص الإنقسام الأخير أي بين البداوة و التحديث؟إنه يتجسَّد في نقد البداوة و إفرازات الثقافة البدوية.ذلك النقد يتجلَّى في الآتي: 1-الألقاب المتوحِّشة. 2-الملامح المرَّة المشاغبة. يقول النص موضِّحا ما ذكرناه آنفا: "من أجلك نحتمل ألقابنا المتوحشة و نحمل هذه الملامح المرَّة المشاغبة" و لقد ارتبطت البداوة دوما –كما عند ابن خلدون-بالغلظة و الخشونة و الصرامة.و نواتج الفضاء البدوي مثل الألقاب و الملامح تحمل تلك الصفات المميِّزة للبداوة. 3-الموقف من المرأة: و يعبِّر عن ذلك النص قائلا: "أحب فتياتك الصاخبات صباحاً الهامدات في المساء من أجلهنَّ تنبض أسلاك الهواتف، و تنام السمَّاعات الهامسة، على الوسائد البكماء أحب نساءك المقهورات اللواتي يروضن الرجال بالصبر و الأولاد الأميَّات اللواتي شققن دروبك بحثا عن الحطب حفرن صخورك بحثا عن الماء، المتعلمات الهاربات من بياض اللحاف لسواد الحجاب و أحب العانسات كيف تذبل العيون ضاحكة خلف تجهم الأبواب؟ كيف ينضج الخوخ و يتغضن تحت الثياب؟ و كيف تعيش نخلة لم تهزها الريح و لم يستيقظ على عراجينها الندى؟" يصوِّر المقطع الشعري وضع المرأة الليبية بشرائحها المختلفة.و ذلك الوضع يتراوح بين الصخب و الهمود،الهمس و البكم،الضحك و التجهّم،السفور و الحجاب،و النضج و التغضّن.إنه يصوِّر وضعية القهر التي تعيشها المرأة الليبية.صحيح ان هذه الوضعية لا تميِّز المرأة الليبية البدوية فقط،إذ ان "المرأة بصفة عامة سواء في المدينة أو القرية مواطنة من الدرجة الثانية" (2،113). و صحيح أيضا ان مشاركة المرأة الليبية البدوية في النشاطات الإقتصادية و الإجتماعية للرجل أكثر من نظيرتها في المدينة.إلا ان الوضعية الكلية لقهر المرأة تنبع في رأينا من "ميراث ظلّ لعصور طويلة يخبئ النساء داخل عباءة ثقيلة من التقاليد و القيم المستعارة من عصور الحريم و السلاطين،باعتبارهنّ مخلوقات هشَّة،يؤذيها ضوء الشمس(5،41).ثم يتوغل النص الشعري في عالم المدينة محاولا رسم صورة للمدينة الليبية المعاصرة.يتضَّح ذلك من خلال الآتي: 1-صورة الشباب المديني: يعبِّر النص الشعري عن ذلك في المقطع التالي: "أحب شبابك الضائعين الواقفين أبدا عند مفترق الطرق الصاخبين الضاجين الضاحكين الغاضبين دون سبب المتبرمين بكل شيئ الذين يبيعونني خمر المساء في الأزقة المظلمة الذين يدخنون الحشيش و يراقبون شوارعك من خلف النظّارات القاتمة و في السيارات البطيئة المسالمة شبابك المتشنجين المتزمتين الذين يؤمنون بالعنز حين تطير الذين ينخرهم الفراغ و تطردهم شيخوخة مبكرة" صورة الشباب المديني الضائع-في هذا المقطع-مستمدة من المدينة،لإذ ان الأزقة المظلمة و بيع الخمر و تعاكي الحشيش هي من علامات المدينة و الحياة المدينية.أما الإشارة إلى الفراغ الرهيب المميت و الوقوف على الطرقات،فإنها تكشف غياب مؤسسات التثقيف و الترفيه.و هذا الغياب-كما رأينا سلفا-هو من خصائص المدينة الليبية الحديثة كما تشير إلى ذلك دراسات مصطفى التير السوسيولوجية.كما يرمي المقطع الشعري في حديثه عن إيمان الشباب الليبي المديني بطيران العنز،إلى توضيح اختلاط التمدن بالبداوة من خلال الوقوع في إسار التزمت كسمة من سمات العقل البدوي. 2-سلطة السفور و إزدواجية السلوك تجاه المرأة: يصوِّر النص الشعري هاتين الموضوعتين في المقطع التالي: "أحب رجالك المرتبكين في حضرة النساء السافرات الذين تزوجوا كيفما اتفق الذين يندبون في الحانات الغريبة أيامهم القاحلة الذين يصطحبون زوجاتهم في الكراسي الخلفية و يصطحبون العاهرات في الكراسي المجاورة" يعكس هذا النص سلطة السفور في نفوس رجال المدينة الليبية،و يوضح نفسية الرجل المديني في مواجهة المرأة السافرة.الارتباك الذي يصيب الرجل المديني ليس ارتباكا نفسيا فقط،و إنما هو ارتباك في علاقته بالنموذج الثقافي القديم في المدينة الليبية الذي يقوم على الحجاب.ينقِّب التير في التاريخ الإجتماعي الليبي في علاقته بالمرأة ليشير إلى "ان حياة المدن ارتبطت بظاهرة الحجاب في ليبيا" (2،98). و يتجاور مع ذلك الارتباط،ازدواج في السلوك الذكوري المديني تجاه المرأة في السيارة كنمط من أنماط السلوك الإجتماعي للرجل.فالمرأة-العاهرة،بمركزها الإجتماعي المتدني،تتمتع بموقع المجاورة، أما الرأة-الزوجة ،بمركزها الإجتماعي الرتفع،فتتمتع بموقع متدنٍ-الوراء أو الخلف. ثنائية الجوار و الوراء تعكس نمطين سلوكين مختلفين،النمط السلوكي المديني و النمط السلوكي البدوي.و مرة أخرى نجد أنفسنا في مواجهة اختلاط التحديث بالبداوة.تبقَّى لنا-في علاقتنا بالنص الشعري-سؤال رئييس،و هو : من الذي يتحدث في هذا النص؟في رأينا ان ضمير المتكلم يعكس رؤية المثقف المبدع الليبي.و دليلنا على ذلك قول ضمير المتكلم عن أصدقائه: "أحب أصدقائي الرائعين الذين يهدهدون وحدتي نتعاطى السخرية و الشعر و نتساند حتى لا نقع" الإشارة إلى السخرية و الشعر و الإحساس بالوحشة و الإنعزال،هي إشارة إلى فئة المثقفين المبدعين الذين يتسبّب وعيهم النقدي الحاد بالعالم و الواقع،في وقوعهم في إسار الوحدة و عذابات الوجدان المشطور. لكن ضمير المتكلم-هنا-يحاول مواجهة وجدانه المشطور،و تخطِّي حالة الفصام و الإغتراب المديني،كما يتبدّى في المقطع التالي: أحبك هكذا لأنني ضميرك المشاغب الذي يزعجك حين ينفض تبلّده و يقرِّعك مثل طفلة تبول في فراشها" تجاوز الانفضام –هنا- يتمثَّل في مواجهة الواقع،و الإعتراف برداءته،و ذلك بتبني الضمير المشاغب الذي هو حالة مناقضة لواقع التبلّد.إن مواجهة الإنشطار-على العكس من هروبية خليل الإمام=تتم بمضاداة الركود و الواقع المشوَّه.استراتيجية المواجهة –هنا-لا تقترح الاندغام و التماثل مع الواقع المنشطر،بل تقترح التمرد و الرفض،و قول الواقع كما يتجلّى في حقيقته.استراتيجية المواجهنة هناا تتقمَّص المشاغبة،لكن تلك المشاغبة تتم في فضاء أبوي أليف حنون،و من هنا عظمة هذا النص الشعري الجميل. (7) النصوص التي قاربناها-على اختلافها-تهجس ب و تحاور الموقف الخلدوني القديم من البداوة و التحضر.و هو موقف لا يقتصر فقط على الثقافة الليبية العاصرة،و لكنه يشمل الثقافة العربية المعاصرة عموما.و نضرب مثالا مشرقيا لذلك،و الذي نجده في موقف بطل "الزمن الموحش" الدمشقي حين يقول"نظريا كنت أتصور أشياء غامضة عن المدن المركزية،حيث العالم يجيش بالعظمة و المعاناة و الفهم الخلّاق.و عمليا كان الريفي المقيم فيَّ،يبدو في وفوده على دمشق مذعورا،صغيرا،لا يعرف بعد كيف يعوم" (3،23). تحاكم تلك النصوص تجربة التحديث الليبية،و تقوم بمراجعتها من الأساس.و هي –في الغالب-تعكس نوعا من عدم الشعور بالرضاء عن آثار التحديث و الطريقة التي تمت بها تلك التجربة.و كلها تتفق في الآتي: 1-الانتقاد الحاد للآثار السلبية تتحديث "تدمير البيئة،الجريمة،غياب الترابط الإجتماعي،تدهور و غياب المؤسسات المدينية الحديثة..إلخ". 2-استناد تجربة التحديث على أساس مادي فقط،و غياب تغيير ثقافي يفرز بنية فوقية حداثية تتقاطع مع التحديث المادي. 3-النمو السريع للمدينة الليبية مما أدى إلى إضفاء الطابع الهجين عليها.أدى ذلك الطابع الهجين إلى بروز نقد حاد للبداوة و العقل البدوي،و في نفس الوقت قاد ذلك إلى إحداث انفصام في موقف المثقف الليبي من المدينة الليبية الحديثة. و تمّ اتباع استراتيجيتين في مواجهة ذلك الفصام:استراتيجية الاندغام و الهروب،و استراتيجية التمرد و المشاغبة. نلاحظ نزوعا نحو التمسك بالمدينة كخلاص نهائي،يتمثل في نقد ما أسماه الكدي "بدونة المدينة،و الدعوة إلى أن المدينة "هي نهاية المطاف"و بدونها سوف نعود إلى المتاهة الصحراوية فاقدين الارتباط بالمكان و الزمان" (1-ب،8). ذلك الموقف-المنحاز إلى المدينة-في أحد أوجهه-يصم الثقافة البدوية بالبساطة مما يردي-منطقيا-إلى استبعادها من مكونات الثقافة المستقبلية.و لكن يبقى سؤال هام:على أية مرجعية ثقافية ستستند تجربة التحديث المقترحة؟و ما هو موقع البيت البدوي-الآن و مستقبلا-على شاطئ البحر؟ و هذا –في رأينا-سيكون السؤال الرئيس الذي ستواجهه –و لزمن طويل-الثقافة الليبية. المراجع اكتفينا في إيراد الاستشهادات بكتابة رقم المصدر في ثبت المراجع،متبعين ذلك برقم الصفحة،و حين يكون المصدر معروفا في السياق،نكتفي بكتابة رقم الصفحة. أولا: الكتب: 1-التير،مصطفى عمر،الوجه الآخر للسلوك،قراءات في مظاهر الانحراف الاجتماعي،الطبعة الأولى،معهد الإنماء العربي،بيروت،1992. 2-التير،مصطفى عمر،تحديث المجتمع الليبي:مواءمة بين القديم و الجديد،الطبعة الأولى ،معهد الإنماء العربي و الهيئة القومية للبحث العلمي،بيروت،1992. 3-حيدر،حيدر،الزمن الموحش،الطبعة الرابعة،دار أمواج،بيروت،1992. 4-شولز،روبرت،و آخرون،في اللغة و الخطاب الأدبي،ترجمة و اختيار سعيد الغانمي،الطبعة الأولى،المركز الثقافي العربي،بيروت-الدار البيضاء،1993. 5-الفقيه،أحمد ابراهيم،سأهبك مدينة أخرى،الطبعة الأولى،رياض نجيب الريس للكتب و النشر،لندن-قبرص،1991. 6-الفقيه،أحمد ابراهيم،نفق تضيئه امرأة واحدة،الطبعة الأولى،رياض نجيب الريس،لندن-قبرص،1991. 7-قادربوه،عبد السلام إبراهيم،مقاعد أصحاب الصوب،الطبعة الأولى،المنشأة العامة للنشر و التوزيع و الإعلان،1985. 8-القذافي،معمر،القرية القرية ..الأرض الأرض و انتحار رائد الفضاء و قصص أخرى،الطبعة الأولى،الدار الجماهيرية للنشر و التوزيع و الإعلان،1993. 9-القذافي،معمر،الكتاب الأخضر،الطبعة العاشرة،يناير 1984. ثانيا: المجلات و الصحف: (1-ب) صحيفة الشمس،العدد 368،طرابلس،27-10-1994. (2-ب)مجلة الفصول الأربعة،المشهد الشعري الليبي (1970-1990)،عدد خاص ،بدون رقم و بدون تاريخ. (3-ب) مجلة "لا"،العدد 34،طرابلس،التمور-اكتوبر 1993. (4-ب) مجلة "لا"، العدد 24،طرالس،الكانون-ديسمبر 1992.
#أسامة_الخوّاض (هاشتاغ)
Osama_Elkhawad#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صورة انتفاضات الشودان في الكتابات العربية
-
اللاجئون الجنوبيون في مصر في -تغريدة البجعة-
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|