|
المحكم و المتشابه في القرآن الكريم
مناع النبواني
الحوار المتمدن-العدد: 990 - 2004 / 10 / 18 - 07:14
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
/ المحكم والمتشابه / (( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هنّ أم الكتاب ، وأخر متشابهات . أما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلاّ الله )) سورة آل عمران _ الآية _ 7_ . هكذا قدّر الله وقضى في كتابه ، وبيّن للناس وللمؤمنين أن القرآن قسمان / وجهان / وجه روحاني وآخر مادي ، وجه ديني وآخر دنيوي . أما الوجه الروحاني / الديني / فهو الذي جاءت به آيات من القرآن العظيم سماها الله تعالى : (( الآيات المحكمات )) . وقد سُميت محكمة لأنها صالحة لكل زمان و مكان ، للدين والدنيا ، آمرة بالخير أياً كان وجهه ونفعه ،ناهية عن الشر مهما كانت فعلته وضرره . كما أنها نزلت لجميع بني البشر مسلمين وغير مسلمين ، مؤمنين وغير مؤمنين ، نذكر منها على سبيل المثال والاستشهاد ما يلي : – (( الله لا إله إلاّ هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلاّ بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيّه السماوات والأرض ولا يؤده حفظهما وهو العلي العظيم )). / آية قرآنية / (( لا إكراه في الدين قد تبيّن الرشد من الغيّ )) . /آية قرآنية / _ (( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم )). /آية قرآنية / _ (( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون )). / آية قرآنية / _ (( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ))./ آية قرآنية / وبشكل عام فهي الآيات التي تتحدث عن وحدانية الله أولاً وعن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثانيا ً، والموجهة لجميع بني البشر ثالثاً. هذا هو المحكم من القرآن، وهذا هو المقدّس منه . أما الوجه الدنيوي المادي فهو بقية الآيات التي تتشابه مع بعضها أولاً ومع النواميس والشرائع السابقة للقرآن ثانياً ، أو تتحدث عن أي شيء آخر ثالثاً مثل : (( العبادات – القصص – الترغيب والترهيب – التشريع – الوصف والإخبار ..... إلخ )) وهذا هو المتشابه من القرآن . ملاحظة هامة : قد يقول قائلٌ : إن الآيات المحكمات والمتشابهات تحدثت عنها كتب الفقه والاجتهاد , وتحدث عنها علماء الدين سابقاً , ولا مجال لتغييرها أو تبديلها . وأنا أرد مقتدياً بقول للإمام ( أبو حنيفة ) عندما سألوه : كيف تجتهد بما يخالف اجتهاد الصحابة والتابعين ؟ أجاب : (( هم رجال ونحن رجال )) . المحكم من القرآن هو الثابت الذي يصلح لكل زمان ومكان كما أسلفنا ، كما أنه يصلح للمسلمين وغير المسلمين . أما المتشابه فهو المتحول القابل للتبدل والتغيير ، وأدل شيء على صحة ذلك هو الآيات التي أتت لتنسخ آيات نزلت قبلها عملاً بالآية القرآنية -106 – من سورة البقرة (( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها )) . فلماذا يأتي الله بخير منها ؟ هل لأنه أخطأ في الأولى فأصاب في الثانية ؟ - حاشى الله عن الخطأ – لقد جاء بها ليبيّن لنا وليسلخ عنا جلد الغباء و غشاوة العمى وظلمة الجهل والتعصب ، ويقول لنا : لكل حادثة حديث ، ولكل جديدة جديد ، ولا شيء ثابت ولا مقدس في هذا الكون إلاّ الذات الإلهية ولذاتها فقط . ولهذا نزل القرآن منجّماً ( آيةً آيةً ) ومنسجماً مع المكان والزمان مع القول و العمل ، متجدداً متطوراً ، ولم ينزل دفعة واحدة كدين جامد مقفل الأبواب والنوافذ . لماذا تعددت النواميس والشرائع والديانات السماوية التي يؤمن أصحابها أنها من عند الله ؟!! لماذا جاءت هذه الديانات مختلفة مبنى ومعنى ، ولم تأتِ مطابقة لبعضها رغم وحدانية مصدرها ( الله ) ؟!! هل لجهل إلهيّ ؟! كلاّ وألف كلاّ . لقد تتالت الديانات ، وتتالى الرسل والأنبياء، تفصل بينهم فترات زمنية مختلفة قد تطول وقد تقصر ، ولكنها لا تقلّ عن مائة عام في أقصر فترة لها . أليس هذا دليلاً يقينيّاً على تطور الحياة وتبدل المفاهيم ؟ أليس هذا أمراً إلهيّاً لبني البشر بضرورة تطوير حياتهم ومفاهيمهم وسلوكهم بما يتلاءم وروح العصر الذي فيه يعيشون ؟!. أليست الصلاة والصيام موجودين قبل الإسلام ، عند بقية الديانات الأخرى . نعم لقد كانت الصلاة موجودة ، والصوم كان موجوداً أيضاً ، ولكن الإسلام جاء بشكل جديد لهما أو لغيرهما من أنواع العبادات الأخرى . كلّ دين وكل رسول أو نبيّ طور أشكال العبادة وطقوسها لديه . - القبلة – مثلاً كانت باتجاه بيت المقدس ، ثم تحولت إلى مكة . لننظر مثلاً إلى النهي عن شرب الخمر في القرآن – لقد تم تدريجياً وعلى فترات ، ولم يتم دفعة واحدة بدءاً من الآية التي تقول : (( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس )) إلى الآية (( ولا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى )) حـتى الآية : (( إنما الخمر والميسـر والأنصاب والأزلام رجـس من عمل الشيطان فاجتنبوه )) . فلماذا هذا التدرج ؟! هل لأن الله غير قادر على منعه دفعة واحدة وفي آية واحدة ، أم لسبب آخر ؟! (( إن في ذلك لآيات لقوم يتفكّرون )) أي يعقلون . لا شيء ثابت ولا شيء مقدس إلاّ الذات الإلهية ولذاتها فقط ، وما عداها فهو قابل للتطور والتبديل والتغيير وحتى التعطيل أو الإلغاء . ألم يعطّل أعدل العرب والمسلمين – الفاروق – عمر بن الخطاب – النص القرآني بقطع يد السارق في عام الرمادي / عام المجاعة / ؟ وهل أدخله ذلك التعطيل جهنماً . كلاّ وألف كلاّ . إنما أدخله أفضل أماكن الجنة في الدنيا والآخرة – قلوب وعقول البشر في الدنيا ، وجنة الخلد والرضوان في الآخرة _ . عمر بن الخطاب لم يعطّل نصاً محكماً ، لكنه عطّل نصاً متشابهاً / تشريعياً / . أليس هو من صاغ نظرية – تبدل الأحكام بتبدل الأزمان ؟! أليس هو من قال : (( تلك على ما حكمنا وهذه على ما نحكم )) ؟ أليس هو من قال : (( أخطأ عمر وأصابت امرأة )) ؟! (( أنتم أعلم بشؤون دنياكم )) هذه أول قاعدة تطويرية، وأول ركن وأساس للاجتهاد والتحديث والتغيير ، وضعها محمد بن عبد الله ، وهو رسول الله ونبيّه .أم أن هناك من هو أكثر إيماناً وأشد حرصاً من الرسول النبي على دين الله الذي جاء وتعذب من أجله ؟! سبحان الله !!! أما المتشابه من القرآن : فهو جميع الآيات التي لم تدخل ضمن نطاق المحكم، فهي تشمل : العبادات بكافة أنواعها وتسمياتها وأشكالها – التشريع أنّى وجد لدنيا أو لآخرة – الترغيب والترهيب – الأوامر والنواهي – الحدود – الثواب والعقاب – الوعظ والإرشاد – القصص القرآني – الجبر والتخيير – الأمثال والحكم – الوصف والإخبار – و …… إلخ . الإيمان ليس قراءة القرآن أو تلاوته / آياتٍ وسوراً / فالقرآن لم يأت لتتفنن الناس بتلاوته وتنغيمه ، إنما جاء ليفهم الناس مقاصده ومعانيه ، لا ألفاظه ومبانيه فقط . الإيمان بالقرآن واحترامه هو أن نبحث ما وراء الكلمات وما بين السطور ، القرآن جاء علماً وعملاً ، لا حفظاً وتلاوة ، عقلاً وفكراً، لا جهلاً وببغاوية . أليس القرآن من القراءة، والقراءة هي العلم جميعاً ؟!. (( واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله و عدوكم )) ماذا أعد العرب والمسلمون جميعاً لدينهم ولدنياهم خلال ألف سنة خلت حتى هذه اللحظة ، لم يعدّوا إلاّ إذلال أنفسهم وشعوبهم، إلاّ إذلال دينهم ودنياهم ، إلاّ البعد والعداء للعلم والمفكرين ، إلاّ الدعارة والجريمة بأبشع صورها وأقرفها ، ماذا يحدث في اليمن والجزائر وقصور الخلفاء والأمراء والملوك ؟ ! ماذا حدث ويحدث في فلسطين الآن وفي العراق تحت سمع وبصر كل المسلمين عرباً وغير عرب ؟ ! وربما بموافقتهم ! . أليس هذا أكبر دليل على صحة ما أقول ؟. يتحدثون عن علماء عرب مسلمين : فهل من اخترع الكهرباء والذرة والكمبيوتر كفاراً وزنادقة وجهلاء ، أما الذين يتجادلون بأي رجل يجب الدخول إلى الحمام/ المرحاض / باليمنى أو اليسرى ، هم عاقلون وعلماء ؟
المحامي مناع النبواني
#مناع_النبواني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الوطن والمواطنة
المزيد.....
-
وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور
...
-
بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
-
” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس
...
-
قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل
...
-
نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب
...
-
اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو
...
-
الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
-
صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
-
بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|