|
الفوضى والنظام والحرية: سياسة الخوف
نبيل عبد الفتاح
الحوار المتمدن-العدد: 3314 - 2011 / 3 / 23 - 16:56
المحور:
اراء في عمل وتوجهات مؤسسة الحوار المتمدن
الفوضى والنظام والحرية: سياسة الخوف بقلم: نبيل عبد الفتاح منذ بدء الانتفاضة الشعبية الديمقراطية "الثورية" في 25 يناير 2011، وثمة ميل عارم لدى بعضهم نحو الخوف على المستويات شبه الجماعية والفردية والمهنية والسياسية والحزبية والعمالية والدينية. خوف يبدو غامضاً حيناً وملتبساً قى أحيان أخرى يشيع ويتمدد بين شرايين وخلايا فئات وشرائح اجتماعية عديدة، الأثرياء ورجال الأعمال عند قمة الهرم الاجتماعى المختل. بعضهم يخاف من الشكاوى والدعاوى التى يقدمها خصومهم أو بعض العاملين لديهم إلى النائب العام، ومن ثم الخوف من المحاكمات الظنية أو الحقيقية على ملفات فساد شامل لم يقتصر عليهم، بل وأمتد إلى قمة النظام ومراكز القوى التى سادت حوله. خوف بعض رجال الأعمال والمال من استمرارية الفوضى وتأثيرها على بيئة الاستثمار والإنتاج والاستهلاك وحركة البورصة والبنوك، وحرية التداول .. الخوف من الهجوم على المشروع الخاص واحتمالات استيلاء الدولة على بعضه مجدداً تحت ضغوط الشارع الذى تحركه الفوضى والانفلات الأمنى، والترويع والإشاعات. بيئة نفسية وسياسية من عدم اليقين والسيولة والاضطراب وغياب الروئ والأخيلة السياسية الرصينة .. بيئة من التشوش والغموض السياسى والميل إلى إشاعة النزعة التأمرية وثقافة المؤامرة التى أدمنت بعض أركان الصفوة السياسية والحزبية والدينية على الإيمان بها والترويج لها، بحيث باتت جزءاً من ثقافة بعضهم من الخاصة وغالب الجمهور الذى يفسر كل شئ على أنه تهديد للإيمان والإسلام والمسيحية على نحو ما تواطئت عليه مجموعات محترفة من رجال المؤسسات الدينية الرسمية على الجانبين، وبعض قادة جماعات الإسلام السياسى والسلفيين على اختلاف تكويناتهم ومشتركاتهم وتبايناتهم الإيديولوجية، وبعض النشطاء وجماعات الضغط المسيحية والإسلامية، في الداخل وفى المهاجر .. بث للخوف والرعب وروح التأمر، وكأن الجميع يتأمر على الجميع هكذا بلا ضبط ولا تمييز، ولكنها نزعة سيطرت واستحكمت بهدف سيطرة قلة وفرض وصايتها وهيمنتها على روح الأمة كلها من خلال تقسيمها إلى جماعات دينية، وشظايا لا يربط بينها رابط جامع ولا موحدات ولا مشتركات اجتماعية وثقافية وسياسية، وكأننا بلا رأسمال تاريخى، ورمزى، وخبراتى مشترك. سياسة للتذرية وتحويل تاريخنا الحديث والمعاصر كله – ولا اقول تاريخنا كله – إلى شظايا وتفتت وانقسامات وكأننا ذرارى .. وكأننا نعود إلى الدرجة الصفر عند نشأة المجتمعات البدائية حيث الخوف والزعر وحكم القوة والغلبة والسيطرة والتوحش. هذا ما أشاعه ولا يزال بعض الغلاة والمتعصبين والعصاة مستغلين بيئة تحول سريع وتضاغط قوى دولية وإقليمية تريد تحويل الانتفاضة الديمقراطية الثورية إلى هبة شعبية لمجموعات من "الغوغاء" !!، أو إلى تمرد على الشرعية قاده بعض الشباب الصغار ومعهم مجموعات من "الدهماء"!!. روح من فقدان المسئولية الأخلاقية والسياسية الوطنية بل والدينية لأطراف متعصبة لا يهمها سوى ظهورها في الإعلام المرئى والفضائيات وفى وسط الحشود الغفيرة كى تلتقط لها بعض الصور وبهدف أن يكونوا جزءاً من مشاهد اللحظة وكأنهم صانعيها! الخوف والزعر العمدى الذى يرمى إلى اضطراب الأسواق وإحجام رجال المال والأعمال عن الاستمرار في الاستثمار، وإلى تهريب الأموال! ولا أحد يطمئن أحداً ! ولا ضمانات تقال وبوضوح للجميع أن الثورة – عندما تستكمل مقوماتها وتتحقق معالمها بنيوياً من خلال تغيير النظام السياسى وقوانينه وهياكله – والديمقراطية وحقوق الإنسان يشكلان البيئة الأكثر ملاءمة للاستثمار والمشروع الحر ذو الوجه الاجتماعى والإنسانوى، وليس الاستبداد وقوانين الفوضى والفساد والأعراف وحكم القوة العارية عن الشرعية هو الذى يؤدى إلى ازدهار الرأسمالية والمشروع الخاص وقوانين السوق ذات الوجوه الاجتماعية العدالية. السلطة الغاشمة المؤسسة على القوة المادية لا حكم الدستور أو القانون هى التى أدت ولا تزال إلى تحالف الفساد والاستبداد وإلى دمج عصب البلطجية والإجرام في بعض منظومة الأمن، وفى اعتماد بعض رجال المال والأعمال وكبار الفنانين وسواهم على "الأمن الخاص"! على سواعد وأسلحة ومجموعات "البودى جاردز" Body Gurdes وإلى اعتماد كثيرين في الحصول على حقوقهم "القانونية" من خلال منظومة أمنية موازية تعمل خارج قانون الدولة، وقادرة على فرض قانونها الخاص، قانون القوة والجريمة والبلطجة والترويع .. كل هذا كان جزءاً من عمليات هدم الدولة الحديثة ومؤسساتها وعلى رأسها السياسية والأمنية والقانونية، لأن الجميع تحولوا للدفاع عن مصالحهم الخاصة، ولأن الفساد استشرى في غالبية خلايا المجتمع الفئوية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والإعلامية والثقافية والدينية .. إلخ! خوف شاع وتمدد قبل 25 يناير 2011 المجيد، وثمة على ما يبدو سياسة عمدية من بعضهم لإشاعته كى يكون أداة الفوضى والاضطراب والانهيار لعقاب الأمة وغالبية أبناءها – من الأجيال الجديدة للطبقة الوسطى المدينية، والأغلبية الشعبية المعسورة – كنتاج لضعف الوازعات الأخلاقية والوطنية لدى غالبية من يطلق عليهم "الصفوة" ورجال الدين، وقادة الجماعات الدينية السياسية المرامى والمصالح، وبعض الطامحين من رجال النظام الاستبدادى الفاسد للوثوب إلى كرسى الرئاسة الأول في البلاد في تواطوءات لا تخطئها سوى العيون الدامسة والقلوب التى يسكنها الغرض والهوى والعقول التى يسكنها الجهل وقلة الخبرة وعدم التبصر وقبل ذلك وبعده الخوف العميم. ثمة من المضللين – من دعاة النظام الاستبدادى ورموزه ومن كافة الأطياف السياسية والدينية – من يشيعون الخوف والترويع بالإشاعات، وهى أحد مكونات ثقافة مصرية شائعة لا تأبه بالمعرفة والمعلومات والشفافية والمسئولية عن جرائم بشعة ترتكب يومياً، من أجل خلق بيئة ملائمة للانقضاض على الانتفاضة وأجيالها الشابة الفوارة بدماء التجديد و"الثورة الديمقراطية" و"الدستورية" والتحول السلمى نحو مصر الديمقراطية الاجتماعية الجديدة الشابة. تواطوءات بين عديد الأطراف والأطياف على الساحة "السياسية" و"الدينية" يشيعون الخوف والترويع، ومن أسف يرتد إليهم فيقعون أسراه على نحو يؤدى إلى فوضى شاملة تدفع نحو انهيارات تقع فوق رؤوسهم أولاً، وفوق الجميع الأثرياء والفقراء ومتوسطى الحال، والشرفاء والمدنسين بالجرائم والفسادات كلها!! نزعة تشويه من الجميع إزاء الجميع حيث يتهم بعضهم الجميع بالاتهامات المرسلة والبلاغات التى تختلط فيها الحقائق بالأكاذيب والادعاءات، ولا يكاد غالب الناس يعرف عما إذا كان ما يحدث حقيقى أم أننا إزاء "واقع افتراضى" وأمام "هلوسات" أو إحدى روايات الرعب، أو "الواقعية السحرية" الدامية! نعم تختلط الأمور على غالب الناس من حجم الفساد المعمم وتشابكاته ومؤشراته التى فاقت أخيلة الجميع وخاصة القلة القليلة الإصلاحية أو "الثائرة" ممن رفعوا لواء الخطاب السياسى والاجتماعى النقدى للنظام التسلطى ورموزه وفساداته في ظل هيمنته وسيادته وذلك في موضوعية ورصانة وعمق. هل إشاعة بيئة الاتهامات والمحاكمات ترمى إلى إشغال الجمهور والأجيال الثائرة على الاستبداد والفساد بينما تتم محاولة السطو على الحدث الثورى، وتحويله إلى متهم بإشاعة الفوضى وعدم الاستقرار والخوف؟! بعضهم يذهب نحو هذا المنحى من التفكير! يبدو أن ثمة تواطوءات عن وعى أو عن غفلة بين الأطراف المتواطئة – ولا يحتاج التواطؤ إلى مؤامرات أو خطط مكتوبة – على إشاعة الخوف والفوضى والذعر وروح عدم الاستقرار الأمنى والسياسى والأخطر النفسى – الجماعى والشخصى – بما يؤدى إلى انهيار وفوضى بحيث يتصور بعضهم أنه الأكثر قدرة على الوثوب إلى السلطة عنوة عن طريق الغلبة أو التنظيم الحديدى السرى أو المعلن، ويئتلف مع آخرين لفترة ثم ينقض عليهم بعدئذ عندما تواتيه الظروف والبيئة النفسية والسياسية والأمنية الملائمة. ثمة حاجة إلى وقفة حاسمة وصارمة وضارية مع دعاة الفوضى وناشرى الخوف والجرائم والترويع أيا كانت مكانتهم ونفوذهم. إن معدلات ارتكاب الجرائم من الجانحين ومعتادى الإجرام ربما لم تزد كثيراً عما كان يرتكب قبل 25 يناير ولم يكن يصل إلى علم السلطات المختصة، أو لا يعلن عنه، وربما أقل بكثير من عديد الدول التى اجتاحتها لحظات الفوضى والاضطراب والهبات الجماهيرية أو تفكك الآلة الأمنية، ومن ثم يبدو وبوضوح سادت قيمة "الدولة" المركزية النهرية والحديثة "الدولة / الأمة" ومواريثها وثقافتها سادت أثناء الحدث الثورى وبدى أنها قيمة راسخة في الوعى الجمعى للمصريين، حيث سرعان ما نظموا أنفسهم على نحو طوعى لحماية الممتلكات الخاصة والعامة، وهذا الفهم والسلوك شبه الجمعى يعكس نتيجة إيجابية وهامة تقهر الخوف وتنتصر على الفوضى والاضطراب الذى يحاول بعضهم إشاعته حتى لا يخضع للمساءلة القانونية والمحاكمة. أن جيش مصر هو جيش الأمة المصرية كلها وجزء لا يتجزأ منها ومن حركتها الوطنية ومن عمليات الحداثة والتحديث المؤسسى ومن ثم يمثل خط أحمر لا يمكن تجاوزه في هذه اللحظة التاريخية الحرجة في تطور مصر من التسلطية إلى الديمقراطية وحكم القانون. ويترتب على ذلك عدم التشكيك في نزاهة مقصدة وهو يحمى عملية التحول الثورى من دعاة الفوضى والإجرام، وعدم الاستقرار إلى الدفاع الضارى عن الأمة / والدولة المصرية الحديثة ومؤسساتها وقوانينها وحدودها، والأهم أنه درع أبناء الأمة الشباب فى مواجهة العصاة من دعاة الهدم والفوضى والانقضاض على "الانتفاضة الديمقراطية الثورية". من هنا لابد من سرعة إصدار قرار بقانون – وليس مرسوم لأنه من مخلفات اللغة القانونية في العصر الملكى- من السلطة الفعلية يغلظ العقاب على نحو رادع لأى تلاعب بالدين في السياسة، أو الحض على كراهية الأديان أو ازدراءها أو الاعتداء على دور العبادة أيا كانت أو استخدامها في التعبئة السياسية والطائفية، أو في محاولة السيطرة على مساجد الدولة للخطابة فيها بدون ترخيص أو إذن مسبق من وزارة الأوقاف أو الأزهر الشريف، أو إثارة الشائعات المغرضة بهدف الفتنة وإشاعة الفوضى .. إلخ، وتقديمهم إلى المحاكمة العاجلة أمام محاكم أمن دولة أو عسكرية تحقيقاً للردعيين العام والخاص، وتجريم وقتى – لمدى زمنى وانتقالى محدد – وتغليظ للعقاب على بعض الأشكال المخططة لإشاعة الاضطراب والفوضى في بعض مؤسسات الدولة. نحتاج إلى وقفة حازمة مع دعاة الفوضى وصانعى الخوف، ولكن في ظل تصور جديد أكثر ديمقراطية وحرية و"لخارطة طريق" لدستور جديد لنظام نيابى برلمانى، وبيئة ملائمة لانتخابات ديمقراطية ونزيهة برلمانية، ورئاسية في ظل تمديد للفترة الانتقالية كى تتدفق الدماء الجيلية الجديدة الديمقراطية والإنسانوية والعدالية إلى قلب السياسة المصرية .. من هنا نبدأ الطريق إلى مصر الجديدة! وليس العودة المتأمرة لبعض العصاة والغلاة والفاسدين إلى ما قبل 25 يناير 2011. مصر الشابة تتحرك إلى الأمام ولا عودة إلى الوراء.
#نبيل_عبد_الفتاح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عودة الروح الدستورية والقانونية في مصر
-
نظرية في -القلة المندسة-:خطاب سلطوى قديم لا يثير أى دهشة!
-
دروس الحالة التونسية:البحث عن سياسة الأمل
المزيد.....
-
لاستعادة زبائنها.. ماكدونالدز تقوم بتغييرات هي الأكبر منذ سن
...
-
مذيع CNN لنجل شاه إيران الراحل: ما هدف زيارتك لإسرائيل؟ شاهد
...
-
لماذا يلعب منتخب إسرائيل في أوروبا رغم وقوعها في قارة آسيا؟
...
-
إسرائيل تصعّد هجماتها وتوقع قتلى وجرحى في لبنان وغزة وحزب ا
...
-
مقتل 33 شخصاً وإصابة 25 في اشتباكات طائفية شمال غرب باكستان
...
-
لبنان..11 قتيلا وأكثر من 20 جريحا جراء غارة إسرائيلية على ال
...
-
ميركل: لا يمكن لأوكرانيا التفرّد بقرار التفاوض مع روسيا
-
كيف تؤثر شخصيات الحيوانات في القصص على مهارات الطفل العقلية؟
...
-
الكويت تسحب جنسيتها من رئيس شركة -روتانا- سالم الهندي
-
مسلسل -الصومعة- : ما تبقى من البشرية بين الخضوع لحكام -الساي
...
المزيد.....
-
مَوْقِع الحِوَار المُتَمَدِّن مُهَدَّد 2/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
الفساد السياسي والأداء الإداري : دراسة في جدلية العلاقة
/ سالم سليمان
-
تحليل عددى عن الحوار المتمدن في عامه الثاني
/ عصام البغدادي
المزيد.....
|