|
دور المثقف والسياسي في الثورة والاحتلال
صاحب الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 990 - 2004 / 10 / 18 - 08:33
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يلعب المثقف دوراً أساسياً في زيادة وتيرة الصراع الاجتماعي من خلال إثارة الأسئلة الملحة على صعيد الواقع وكشف عيوب السلطة وتأشير حقوق المواطن وواجبات السلطة السياسية تجاه الشعب. وهذا الأمر يؤدي لتحقيق اصطفافات جديدة في المجتمع مع وضد السلطة السياسية، فأن تم تنظيمها بشكل يخدم التوجهات المعارضة تهيئة الظروف الملائمة للقيام بثورة اجتماعية ضد النظام القائم. وغالباً ما تلجأ السلطة السياسية عند زيادة وتيرة الصراع الاجتماعي لإحداث تغيير غير جوهري في شكل السلطة من خلال تحقيق مصالح بعض القوى السياسية وأجراء نوع من التحالفات للالتفاف على حركة الجماهير أو قد تلجأ لانقلاب عسكري أو لتغيير بعض وجوه السلطة الفاسدة وتلبي بعض المطالب الاجتماعية لامتصاص النقمة عليها ومن ثم العودة لنفس ممارساتها السابقة بعد إجهاض العوامل المساعدة على الثورة. ولربما يحقق النظام مسعاه بالتغيرات وما يجريها في شكل السلطة ولكن تبقى نظرة الريبة والشك تدور حول إجراءات السلطة الجديدة، لأن التغيير قد حدث دون ثمن معنوي أي أن ثمن التغيير رخيص بالنسبة للمجتمع. في حين أن التغيير الناتج عن ثورة حقيقية، يدفع من خلالها المجتمع ثمناً باهضاً ينظر إليها بالتكريم والاعتزاز. يرى ((توماس بين)) عزائنا هو عندما يزداد عنفوان الصراع الاجتماعي، يزداد مجد النصر. وما نحصل عليه بثمن رخيص ينظر إليه دون اهتمام كبير، إما في حال حصولنا عليه بثمن غالٍ فهو وحده الذي يستحق البقاء والتكريم والاهتمام. إن أهداف الصراع الاجتماعي مختلفة، وليست بالضرورة (دائماً) أهداف سياسية لجميع أطراف الصراع. فهدف السياسي الاستيلاء على السلطة، وهدف المثقف التغيير الشامل للنظام لتحقيق مهامه الأساس كمثقف ولايسعى للوصول للسلطة وأنما المساهمة في خلق الوعي الثوري اللازم في المجتمع. ويعتقد ((أودنيس)) أن الثورة حركة شاملة، ليست السياسة فيها إلا بعداً واحداً من أبعاد كثيرة. والهدف الجوهري لكل مثقف ثوري مبدع ليس الوصول للسلطة، وأنما خلق الوعي الثوري الذي يحطم البنية اللاثورية في المجتمع. فالسيطرة السياسية يجب أن تكون تتويجاً لهذا الوعي. تأتي المحاولات الثورية لتغيير النظام السياسي نتيجة لحجب الحريات وانخفاض المستوى الاقتصادي، وزيادة وتيرة الاضطهاد والعنف الذي تلجأ إليه السلطة بغرض الحد من عمليات الاحتجاج والتذمر في صفوف المجتمع. وهذا الأمر يسبب حالة من الاختلال في معادلة الصراع الاجتماعي، فيجعل أحد أطراف الصراع قوي يمتلك كل وسائل الردع والعنف والطرف الأخر ضعيف يفتقد لآليات خوض الصراع. ولتحقيق حالة التوازن لمعادلة الصراع، قد يلجأ الطرف الأضعف لطلب العون من أطراف أخرى لها المصلحة في إعادة التوازن لمعادلة الصراع أو لتغليب الطرف الضعيف على الطرف القوي. وقد يكون الطرف المساعد في إعادة التوازن، طرفاً دولياً يلجأ إليه الطرف الأضعف. وطلب المساعدة الخارجية للتدخل في الصراع الاجتماعي الداخلي له أشكال متعددة منها: تحقيق المصالح الاستراتيجية للطرف الجديد، أو طلب المساعدة يتعكز على توافق الأهداف الأيديولوجية ليجد التبرير المناسب للتدخل المباشر أو غير المباشر في الصراع، وليس من الضروري أن يكون لكلا الطرفين (الأيديولوجي) فهم مشترك للأهداف الاستراتيجية. ولايتوقف الطلب من دولة عظمى للتدخل في الصراع الاجتماعي الداخلي على الأهداف حسب، وأنما على المصالح أو الجمع بين الأهداف والمصالح. كما هو الحال في الغزو السوفيتي لأفغانستان، وتقاسم الحزب الشيوعي الأفغاني السلطة مع الاحتلال. ويجد الإشارة إلى أن جميع الأحزاب الشيوعية العربية أيدت الغزو السوفيتي لأفغانستان (عدا الحزب الشيوعي اللبناني) وتقف أغلب الأحزاب الشيوعية العربية ضد الغزو الأمريكي للعراق، ويشارك الحزب الشيوعي العراقي في السلطة المتحالفة مع الاحتلال!. لقد انطلق الحزب الشيوعي العراقي من تأييده للغزو السوفيتي من منطلق الأيديولوجية والتبعية، ومن تعامله مع الغزو الأمريكي للعراق من منطلق المصلحة الذاتية وعدم الأنعزال!. ويتوقف طلب المساعدة من الخارج لإزاحة أحد أطراف الصراع على القوة المعنوية والتنظيمية والشعبية لطالب المساعدة، فأن كان من الضعف بحيث لايمكنه المساهمة مع الطرف الخارجي لإسقاط الطرف الأخر من الصراع فأنه يذعن للشروط التي يفرضها الطرف الخارجي ويقبل بشكل النظام الجديد وإلا فأنه لن يشارك في السلطة الجديدة وهذا الشكل من طلب المساعدة يمكن ملاحظته في العراق!. وهناك شكل أخر مشروط لطلب المساعدة من الخارج، هو أن يكون طرف الصراع الأضعف رافضاً أملاءات الطرف الخارجي وينظر للأمر من زاوية الأهداف الإيديولوجية ويرفض التواطؤ لتحقيق الأهداف الإيديولوجية والمصالح في آن واحد للطرف الخارجي. وحينئذ قد يرفض الطرف الخارجي تقديم المساعدة كونه يقدم المصالح على الأهداف الإيديولوجية!. وحدث هذا الشكل من طلب المساعدة للتدخل الخارجي، عندما لجأ بعض مثقفو إنكلترا إلى فرنسا لطلب المساعدة في إسقاط الإمبراطورية البريطانية. حينها اقترح ((نابليون)) عليهم غزو إنكلترا!. فأجابه ((توماس بين)) "يجب أن تدرك (أيها الجنرال) أن في إنكلترا هناك: الشعب والإمبراطورية. إما الإمبراطورية فبالإمكان تحطيمها، وإما الشعب فلا سبيل لقهره!. إن القوة ستؤدي لتضامنه واتحاده، ولو أنزلت جيشاً على سواحل إنكلترا لوجدت أفراد الشعب سيتناسون أنهم يعملون طوال النهار لقاء أجر زهيد. ويتذكرون شيئاً واحداً أنهم إنكليز، أن الثورة ينبغي أن تنبثق من داخل نفوسهم لا عن طريق الغزو الخارجي، إما الإمبراطورية فأمرها مختلف جداً. أنشر (يا جنرال) لواء السلام؛ وأمنح المواطنين حق التصويت الدستوري؛ وأقر بحقوق الإنسان؛ وأمنح رواتب للشيوخ والعجائز؛ وخفض ساعات العمل؛ وزد أجور الفقراء عندئذ ستجد الشعب الإنكليزي يهب لنصرتك". يتوجب على الأنظمة السياسية التصرف بحكمة وعقلانية في إدارة الصراع الاجتماعي بحيث لايخرج الصراع عن أهدافه الوطنية، فاستخدام العنف المفرط ضد أطراف الصراع الأخرى يدفع نحو اختلال أسس المواطنة وبالتالي يمنح (المبررات) لطلب المساعدة الخارجية للحفاظ على التوازن في معادلة الصراع الاجتماعي. وهذا الأمر سيجعل أطراف الصراع تختلق الحجج والذرائع لتبرير طلب المساعدة من الخارج، وحينئذ تبدأ الاتهامات بـ (الخيانة الوطنية). يرى ((توماس بين)) "أني لست عديم الإيمان بحيث أتصور أن الله قد تنازل عن الكون وترك مسؤوليته للشياطين. لذا لا أصدق الحجج التي يسوقها ملك إنكلترا ويصلي من أجلها، طالباً العون من السماء لتنصره علينا. فإذا كان له الحق في إقامة الصلاة وطلب العون، فأن القاتل وقاطع الطريق والمعتدي يكون له الحق في صلاة وطلب مشابه".
#صاحب_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
موقف السلطة الفاشية من الثقافة
-
السياسية والعنف في المجتمع
-
السياسة والثقافة في المجتمع
-
الأحزاب السياسية وجماعات الضغط
-
الأحزاب الشمولية وقياداتها الديناصورية
-
العملية الانتخابية وشرعية السلطات
-
ظاهرة تفشي الرشوة والفساد الإداري سياسة جديدة تتبعها الأنظمة
...
-
سلطة الاستبداد والعنف في المجتمع
-
التحديث والعصرنة للأحزاب السياسية في الوطن العربي
-
المؤسسات الدينية والسلطة في الوطن العربي
-
صراع السلطات بين الدين والدولة
-
أنماط التداخل والحدود بين الثقافة والسياسة
-
توظيف التاريخ والأعراف الاجتماعية لخدمة العملية الديمقراطية
-
معوقات التغير والتحديث في المجتمع
-
المنظومات الشمولية والديمقراطية واللبيرالية بين الممارسة وال
...
-
الديمقراطية تعبير عن الذات والحب
-
السلطة الديمقراطية والمجتمع
-
الأهداف والتوجهات في الفكر الشمولي والديمقراطي
-
المواطنة والديمقراطية في الوطن العربي
-
المبادئ الجديدة للإصلاح في النظام الديمقراطي
المزيد.....
-
مزارع يجد نفسه بمواجهة نمر سيبيري عدائي.. شاهد مصيره وما فعل
...
-
متأثرا وحابسا دموعه.. السيسي يرد على نصيحة -هون على نفسك- بح
...
-
الدفاع الروسية تعلن حصيلة جديدة لخسائر قوات كييف على أطراف م
...
-
السيسي يطلب نصيحة من متحدث الجيش المصري
-
مذكرات الجنائية الدولية: -حضيض أخلاقي لإسرائيل- – هآرتس
-
فرض طوق أمني حول السفارة الأمريكية في لندن والشرطة تنفذ تفجي
...
-
الكرملين: رسالة بوتين للغرب الليلة الماضية مفادها أن أي قرار
...
-
لندن وباريس تتعهدان بمواصلة دعم أوكرانيا رغم ضربة -أوريشنيك-
...
-
-الذعر- يخيم على الصفحات الأولى للصحف الغربية
-
بيان تضامني: من أجل إطلاق سراح الناشط إسماعيل الغزاوي
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|