كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 3314 - 2011 / 3 / 23 - 10:33
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعد سبات طويل عم شعوب منطقة الشرق الأوسط وسكوت مرير على الظلم والجور والقهر السياسي والاقتصادي والاجتماعي, وبعد معاناة طويلة من غياب العدالة الاجتماعية وسيادة الفساد المالي والإداري ونهب خيرات الشعوب وممارسة التمييز ضد القوميات الأخرى أو ضد أتباع الديانات الأخرى أو في ما بين أتباع المذاهب الذي تحركه القوى المتطرفة والحكومات الرجعية وضياع حقوق المرأة واضطهادها المتعدد الجوانب, صحت شعوب بلدان هذه المنطقة الواحد تلو الآخر في تنوع غير معهود في التحرك وفي تكوين تجارب جديدة متباينة ودروس غنية لبقية حركات التحرر من الاستبداد والتمييز والفقر والبطالة والفساد.
فتجربة شعب تونس تختلف عن تجربة شعب مصر, وتجربة البحرين غير تجربة اليمن, وما يجري في سوريا غير ما يجري في السعودية, وما جرى في إيران وسيعود لاحقاً غير ما جرى ويجري في الأردن والسودان أو المغرب أو الجزائر أو فلسطين أو العراق. ولكن هناك قواسم مشتركة بين جميع هذه الانتفاضات الشعبية والحركات الجماهيرية والتي يمكن بلورتها في النقاط التالية:
1 . إنها جاءت في أعقاب سنوات طويلة, وأن تباين عدد هذه الأعوام, من الاستبداد والظلم ومصادرة الحريات وحقوق الإنسان والحرمان.
2 . إنها تميزت بتحرك شبابي عبر عن طموحات جميع شرائح الشعب التي عانت تحت وطأة نظمها الاستبدادية وغير الديمقراطية, واستطاع هذا التحرك أن يعبئ حول الشباب الكثير من فئات الشعب في هذه البلدان.
3 . وإنها تميزت بطابعها السلمي الهادئ وبعيداً عن السلاح أو العنف بمختلف أشكاله, إنها مظاهرات واعتصامات وشعارات تعبر عن أهداف محددة وواضحة.
4 . وحيثما تفجر العنف كانت الحكومات وأجهزتها الأمنية هي المسؤولة عنه ولم يكن للمتظاهرين يد فيه, بل تسببت به أجهزة الأمن والإدارة وما يطلق عليه بشرطة "مكافحة الشغب !" كما جرى في العراق مثلاً.
5 . وإنها كانت في الغالب الأعم تعاني من البطالة والفقر والحرمان والتمييز والفساد المالي والإداري وتزوير الانتخابات العامة أو وجود زعماء سياسيين سنوات طويلة في الحكم (42 سنة القذافي, 30 سنة علي عبد الله صالح, 27 سنة زين العابدين بن علي, و23 سنة حسني مبارك, و30 سنة رئيس وزراء البحرين, و50 سنة عائلة الأسد في سوريا), وكذلك الفجوة المتسعة دوماً بين مستوى دخول وحياة ومعيشة الأغنياء, ومستوى حياة أوساط واسعة من الشعب الكادح, ووجود عدد كبير من سجناء الرأي والعقيدة, إضافة إلى المعاناة من التعذيب في المعتقلات والسجون.
6 . وإن القوى الأساسية في هذه الحركات قد انطلقت, وما تزال, بسبب مشكلات داخلية وذات طبيعة وطنية وغير خاضعة أو تابعة لأجندات أجنبية, كما يحاول حكام بعض الدول اتهام المشاركين فيها.
7 . وجميع هذه الحركات السلمية والديمقراطية في خطوطها العامة جوبهت بالحديد والنار من جانب حكومات ومستبدي هذه الدول وأجهزتها القمعية حيث سقط الكثير من الشهداء والجرحى والمعوقين. وفي الغالب الأعم حافظ المتظاهرون والمنتفضون على سلمية حركاتهم, كما كان عليه في تونس ومصر بداية, أو كما هو الحال في ليبيا واليمن والبحرين والسعودية أو في العراق, كما جرى في الموصل أو استكمالها بحملة اعتقالات جائرة.
8 . إن هذه الحركات لا تعبر عن عفوية, كما يشار إلى ذلك أحياناً, بل هي ثمرة نضال طويل مكبوت وسلبي لشعوب هذه البلدان تحول تدرجاً من حالته الكمية المتراكمة إلى كيفية جديدة, فهي تخضع لقانون الكم والكيف, مع إن الانطلاقة العفوية التي يشار إليها أحياناً, فهي بدورها لا تخلو من وعي مبطن.
وإذا كانت هذه وغيرها من نقاط الالتقاء بين هذه الحركات الشعبية, فإن هناك تبايناً في حجم المطالب التي طرحت من جانب المنتفضين. فأن بعض هذه الحركات الثورية السلمية قد اقتصر في مطالبه على رحيل رئيس الدولة المستبد بأمره, وبعضها الآخر طالب برحيل النظام الاستبدادي القائم مع المستبد بأمره, كما إن البعض الثالث طالب بتعديلات دستورية وتغيير نهج طائفي سياسي أو سياسات جائرة أو من أجل توفير خدمات اجتماعية ومكافحة الفساد والبطالة وهدر المال العام.
لقد أدهشت هذه الحركات الشبابية والشعبية وفاجأت شعوب العالم بحيويتها وسرعة تطورها وقدرتها على انتزاع حقوق بعضها, كما في تونس ومصر. وذهب التفكير إلى اتجاهات مختلفة وتفسيرات عديدة, سواء من اعتقد أنها من صنع الشعوب ذاتها, أم بعضهم الآخر الذي اعتقد أنها من فعل عوامل خارجية أم الذين اعتقدوا بتفاعل فعال بين الداخل والخارج. ولكن الحقيقة تعرفها شعوب الدول المنتفضة التي تحملت المرارات عقوداً طويلة حتى انتهى صبرها وقررت المجازفة بكل شيء لانتزاع حريتها وحقوقها واستعادة كرامتها المنتهكة من رؤساء وحكومات هذه الدول. فالأصل هو الداخل ولا شك في أن العوامل الخارجية تأثير على الداخل بما في ذلك جملة من منجزات التقنيات الحديثة التي ساهمت بتعجيل وتطوير الاتصالات.
لقد تحرك الشعب الإيراني منذ فترة غير قصيرة وقمع بالحديد والنار ولم يسكت وانطلق ثانية ليواجه من جديد بنيران الحكومة وعصاباتها المسلحة, ولكنه لن يسكت على الضيم وسينطلق من جديد ليحقق ما يصبو إليه من خلاص فعلي من القوى البالية والرجعية التي تحكم البلاد وتفرض عليه نظاماً استبدادياً باسم الدين وولاية الفقيه الذي فقد كل شرعية له بسبب مواقفه العدوانية من مطالب الشعوب الإيرانية وتدخله الفظ في شؤون الدول الأخرى, ومنها لبنان وفلسطين والعراق والبحرين على سبيل المثال لا الحصر.
وكانت شعلة العزيزي المضيئة كافية لتحرك الشعب التونسي وتطرد الدكتاتور زين العابدين بن علي وعائلته وحاشيته التي نهبت البلاد وأفقرت الشعب التونسي وعطلت حريته وحقوقه المشروعة. ثم كانت الحركة الشبابية المصرية التي تتحرك الآن ببطء واضح بسبب صراع محتدم بين من يريد الإبقاء على ما كان عليه الحال وبين من يريد تحقيق التغيير العميق الذي تريده الشبيبة المصرية المقدامة. ولكن الأمور تسير بالاتجاه الصحيح عموماً.
وإذا كانت اليمن ما تزال عصية على اللوي, فأن الانتقالات السريعة من قوى الجيش والدبلوماسية اليمنية والنواب والوزراء والقبائل إلى جانب الثوار كفيلة بتغيير ميزان القوى لصالح الشعب وترحيل علي عبد الله صالح الذي فقد كل شرعية له في الحكم بعد استخدامه الحديد والنار في قتل العشرات من المتظاهرين واستخدام الغازات السامة في عمليات ضرب المعتصمين.
أما ليبيا, فما زال المجرم الأكبر, القذافي, يواصل جريمته بقتل الناس الأبرياء في المدن المنتفضة أو اعتقال الكثير من البشر في طرابلس وقتلهم بهدوء أو زجهم بالسجون ليلاقي التعذيب والموت على أيدي عصابات القتلة من أتباعه, مما أجبر المجتمع الدولي إلى اتخاذ قرار بفرض الحماية الجوية للمنتفضين وإيقاف زحفه العسكري المسند بالقوات الجوية. واليوم ما يزال القذافي يقتل البشر في ليبيا ويدمر المدن وشبكات الكهرباء والماء ليحرم الناس منها, وبذلك يحاول إطالة أمد استمراره في حكم ليبيا وليزيد من عدد القتلى والجرحى والدمار بفعل الطيران الدولي أو مدفعيته الثقيلة وصواريخه. لقد فقد القذافي شرعية وجوده في السلطة منذ سنوات طويلة, ولم يعد مرغوباً فيه ولا بد له من إخلاء موقعه لمن يختاره الشعب لإدارة دفة البلاد على وفق الأسس المدنية والديمقراطية ومن أجل وضع دستوري مدني وديمقراطي جديد.
والبحرين حيث كانت الحركة الديمقراطية منذ سنوات طويلة تطالب بتغيير الأوضاع لصالح الملكية الدستورية والالتزام بالدستور وتطبيق مبدأ المواطنة بدلاً من اعتماد مبدأ الطائفة والتمييز الطائفي والتزوير وإبعاد الكثير من الناس عن الحكم. ولكن الملك واصل سياساته غير الديمقراطية والتمييزية مما فجر الصراع الجاري حالياً. ولا شك في أن هذا الصراع وبسبب دخول السعودية ودويلات الخليج على خط الدعم العسكري المباشر لقوات الملك, أضفت على الصراع بعداً طائفياً سيئاً, دفع إيران بالتدخل السياسي والإعلامي لمساندة الشيعة في البلاد, في مقابل دعم السعودية ودول الخليج للسنة, في حين أن الشيعة والسنة يعانون من سوءات الحكم في البحرين. إن الحركة الوطنية والديمقراطية البحرينية يفترض فيها أن تنتزع المبادرة من أيدي الطائفيين السنة والشيعة, وإبعاد السعودية ودول الخليج من الصراع ومنع إيران من تعقيد الأمور من خلال تدخلها السياسي والإعلامي الفظ في هذا الصراع. والتدخل العسكري السعودي والخليجي لن يحل المشكلات القائمة في البحرين بل يزيدها تعقيداً, فلا يمكن طرد الشيعة من البلاد ولا بد من معالجة ما يعانون منه من تمييز لصالح وحدة الشعب البحريني وليس لصالح طائفة ضد أخرى. ولهذا لا بد من العودة للحوار مع قوى المعارضة السياسية وسحب القوات السعودية والخليجية من البحرين وإطلاق سراح المعتقلين والاعتذار الرسمي عن سقوط الشهداء ومحاسبة المسؤولين عن استخدام السلاح ضد المعتصمين. إن الدعم الذي ينبغي أن يتوجه صوب البحرين يفترض فيه أن يبتعد عن الحس الطائفي المقيت الذي برز في سلوك الحكومة الإيرانية مثلاً أو في موقف جمهرة من أعضاء مجلس النواب العراقي الطائفيين, بل من حس مدني وديمقراطي يرفض التمييز ويرفض التدخل العسكري الخارجي ويرفض الطائفية السياسية المقيتة في كل الأحوال.
وفي العراق تستمر مظاهرات أيام الجمعة بمطالب جديدة, وتقابل باستمرار بعدم ثقة الحكومة بالشعب وبالقوى التي تدعو إلى معالجة المشكلات العويصة التي يعاني منها العراق. وكلما أبدت السلطة السياسية تعنتاً في مواجهة المتظاهرين وزادت من قوى أجهزة الأمن في الساحات العامة والشوارع والأزقة لمنع المتظاهرين من المشاركة في التظاهرات, سيزداد ويتسع رفض الناس لهذه الأساليب التي تعود إلى ترسانة المستبدين من الحكام والرافضين لإرادة الشعب. إن الأيام والأسابيع والأشهر القادمة سترى مزيداً من التحرك حين لا تتحقق للناس تلك المطالب التي ناضلوا وما زالوا يناضلون من أجلها والتي تبلورت بوضوح في مظاهرات الأسابيع الأربعة المنصرمة.
نحن أمام حركات شبابية وشعبية كبيرة يمكنها أن تغير وجه الشرق الأوسط حين تتواصل لتحقق ما بدأت به من إصرار على التغيير وبناء دولها على أسس مدنية وديمقراطية وبناء مجتمعاتهم المدنية الحديثة وتطوير اقتصادياتهم وحياتهم وتحسين مستوى معيشة السكان ومكافحة كل تلك العوامل التي تسببت في هذه الانتفاضات الشعبية. نحن أمام مرحلة جديدة من أساليب وأدوات وأشكال النضال التي ستحقق ما تسعى إليه شعوب المنطقة وأن غداً لناظره قريب.
22/3/2011 كاظم حبيب
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟