أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - أحمد مغربي - شبح ((الثقة المفقودة)) يجوب بورصات العالم مخرباً















المزيد.....


شبح ((الثقة المفقودة)) يجوب بورصات العالم مخرباً


أحمد مغربي

الحوار المتمدن-العدد: 218 - 2002 / 8 / 13 - 00:29
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


(1) 
 

ربما يصعب اغماض العين عما يجري في الاقتصاد الاميركي راهنا. هل اميركا في تحول عميق نحو نوع غير مألوف من <<اقتصاد الحرب>> ودولته؟ وهل انه انفجار في تناقضات العولمة، مضافا اليه هجمة <<المجمع العسكري الصناعي>> الاميركي لفرض مصالحه اثناء مرحلة حرجة؟ هل انه اعادة تعريف الدولة الاميركية، وتاليا الخارطة الاقتصادية السياسية العالمية؟ وما علاقة الازمة الاقتصادية بالازمة السياسية في انتخابات الرئاسة الاخيرة في اميركا؟ ربما لا تكون تلك التفسيرات كلها كافية او مقنعة، لكن ربما بررت ضخامة الاحداث الجرأة في محاولة استعراضها وتأملها.
في رصده لتفاقم السقوط المريع لاسواق المال الاميركية والعالمية خلال الاسابيع العشرة الماضية، لاحظ البرنامج اليومي <<خط المال>>، الذي يقدمه <<لودوبس>> المعلق الاميركي الشهير في <<سي ان ان>>، ان مديري الشركات الكبرى، وخصوصا تلك التي تعمل في الاتصالات والمعلوماتية، يحجمون عن الظهور في محافل الحياة العامة للنخب الاميركية. والحال انهم كانوا واسطة العقد في لقاءات نخب المجتمع الاميركي والعالمي. وبالتأمل في البرنامج نفسه هذه الايام، ثمة ملاحظة صغيرة جدا: فهل يخدع البصر ام ان المربع الصغير الذي كان لا يفارق من الزاوية السفلية الشاشة، قد اختفى اخيرا؟ ربما هو تفصيل صغير، لكنه لا يخلو من الدلالة. ويتابع البرنامج فقراته المألوفة: المراسلون في اسواق المال، ولقاءات مع خبراء ومحللين، واستضافة مسؤولين في الحكومة الفيدرالية الاميركية او الكونغرس او... الخ. وفي الشهرين الاخيرين، لم يعد لدى البرنامج المالي سوى اللهاث خلف حدث واحد: السقوط الكبير لاسواق المال في اميركا.
ترتفع الاسواق يوما، وتهبط اياما، وما لا يتغير هو الاحساس بأن <<تحولا ما>> كبيرا، بل مذهلا، يحصل في قلب الاقتصاد الاميركي. ويهيمن هذا الهاجس على برنامج <<سي ان ان>>، كما على البرامج المشابهة على شاشات <<سي ان بي سي>> و<<ام اس ان بي سي>> و<<اي بي سي>> و<<بلومبرغ>> الاميركية، وكذلك على <<بي بي سي>> البريطانية و<<قنال بلوس>> الفرنسية، وغيرها. انه دوي كبير، ويصم الآذان. وفي سياق الهاجس الواحد، صارت الاسئلة شبه مكررة، ومعظمها عن <<مسلسل الفضائح>> في الشركات الكبرى الذي حطم ثقة المستهلكين بالاقتصاد وبمستقبله، ما ادى الى ابتعادهم عن اسهم الشركات، فباتت تتهاوى كأوراق الخريف. الثقة... الثقة: ذلك العنصر المراوغ الذي لا تراه عين ولا تلمسه يد، بات الشبح الذي يجوب في اسواق المال، ويحدث زلزالا تهز خضاته المدمرة اميركا، وترج موجاته معظم بورصات العالم. هل لأجل <<الثقة>> اختفى ذلك المربع الصغير؟ والحال انه مرعب! ففي الفترة الاخيرة، صارت أسهمه تتدلى معظم الايام نزولا، وتغوص معها القلوب خوفا. والأنكى هو قراءة الارقام. كيف لا ترتجف العقول وجلا عندما ترى سوق <<ناسداك>>، الذي تصنعه شركات الانترنت والكومبيوتر والاتصالات، يتقلص يوميا بحيث ان حجم الف وخمسمئة نقطة صار بعيدا، بعدما كان سوقا صاعدة الى ما فوق 5400 نقطة؟ أليس مرعبا ان يكون سوق <<داو جونز>>، بورصة شركات اميركا في الصناعة والتجارة والخدمات وغيرها، يتخبط تحت حجم 8500 نقطة؟ ويعرف الكل جيدا ان نزوله الى ما دون العشرة آلاف نقطة يُعتبر عبورا لحدود <<الخطر الكبير>>؟ ربما يطمئن البعض اذا غاب عن عينه مربع الرعب الصغير، لكن ماذا عن <<سي ان ان>> نفسها؟ كلما ظهر <<الجينريك>> الشهير، يظهر تحت اسم CNN الكبير سطر صغير يعلن ان شبكة التلفزة الاشهر هي جزء من شركة كبرى هي <<تايم وارنر اي او ال>>. والارجح ان ذلك يكفي لعودة شبح الثقة المفقودة! فالهبوط الاخير، كان ابرز ما يكون في قطاع التكنولوجيا والاتصالات والشبكات، وتنتمي شركة <<اي او ال>> الى هذا القطاع. بل يمكن اعتبار ما اصاب هذه الشركة نموذجا من حال شركات الانترنت راهنا!
<<طهو الأرقام>>... وتحطم الاقتصاد الجديد
في ما يعطي صورة نموذجية مقرّبة عن حال اقتصاد الانترنت وشركاته، انخفض سهم <<اي او ال>> AOL، اكبر شركة لخدمات الانترنت في الولايات المتحدة والعالم، بنسبة فاقت السبعين في المئة من قيمته قبل عام، ووصل الى ما دون عشرة دولارات. حدث الهبوط بعد ظهور مقالات في <<واشنطن بوست>>، عن تلاعب <<اي او ال>> في ارباحها طوال عامي 2000 و2001. وأدت المقالات الى تحقيق فيدرالي عن حسابات الشركة، ما أضر بسمعتها في السوق.
وعلى سبيل المثال، يخصص الموقع حيزا لاعلان عن شركة <<إي باي>> E - Bay المتخصصة في المزادات على الانترنت. وتجري عمليات بيع وشراء عبر الحيز الاعلاني. وبالطبع، فان الاموال تقبضها شركة <<اي بي>>، اي صاحبة المزاد، ولا يقبض منها موقع AOL اي سنت. لكن عباقرة AOL ارتأوا وضع ارقام البيع والشراء لدى <<إي باي>> في خانة <<المردود>> لديهم، وكأنهم هم الذين يجرون المزادات، وليسوا مجرد معلنين! وبهذه الخدعة، انتفخت ارقام واردات الشركة وارباحها. والهدف؟ ايهام الجمهور والمستثمرين بأن وضع الشركة قوي، ما يجعلهم يقبلون على شراء اسهمها، وبالتالي يرفع سعر السهم. ومن الخدع الاخرى، تسجيل مردود شركة اسهم شركة <<بيرشيز. كوم>>، التي تولتها الشركة كمجرد وسيط على الانترنت، في خانة الارباح! وفي الموقع زاوية اعلان تمكن الجمهور من الاشتراك في احدى شركات الهاتف، ويتصل الناس بتلك الشركة ويشتركون في خدماتها الهاتفية. وتحايلت AOL ووضعت أعداد <<المتصلين>> في خانة... المشتركين المحتملين فيها هي! ومع بدء التحقيق الفيدرالي، سارعت الشركة الى <<تصحيح>> ارقام مشتركيها، وتبين ان الشركة لم تفلح فعليا سوى في اجتذاب عدد ضئيل من المشتركين الجدد، في الفصلين الاولين من العام الحالي. وعن اي شركة يدور الحديث؟ AOL التي اعتبرت نموذجا للنجاح الكاسح للاقتصاد الرقمي في العالم. وفي اواخر العام 1999، اشترت AOL شركة <<تايم وارنر>> في صفقة كانت الاكبر في تاريخ الاقتصاد الاميركي والعالمي. ولقاء عشرة مليارات، اشترت الشركة العملاقة على الانترنت، مجلة <<تايم>> و<<فوربس>> وشبكة التلفزة <<سي ان ان>> واستديوهات شركة <<ام جي ام>> للسينما و...الخ. واعتبر الاندماج نموذجا للصعود القوي لظاهرة الاقتصاد الجديد. وبدا ان الواسطة التكنولوجية الجديدة، اي الانترنت، <<اشترت>> وابتلعت ما سبقها من وسائط تكنولوجية مثل الكتاب والسينما والجريدة والراديو والتلفزيون. انه نموذج تفوّق الانترنت واقتصادها. وحينها، رأى البعض في صورة المدير الشاب، وعبقري الانترنت، ستيف كايس، رئيس <<اي او ال>>، وهو يتسلم القيادة من عواجيز ادارة <<تايم وارنر>>، صورة معبرة عن تسلم الاقتصاد الجديد ورموزه الشابة قيادة الاقتصاد في العالم. وقيل انها نموذج اقتصاد التكنولوجيا العالية... وقيل... وقيل...
أين تلك الصورة البهية مما رصده <<لو دوبس>> من ميل مدراء شركات الاقتصاد الرقمي الى <<الاختفاء>> عن الحياة العامة؟ انها لحظة نقيضة تماما. وقد لاقى ما فعلته <<اي او ال>>، ما بات معروفا عن افعال شركة <<ورلد كوم>>، وتعتبر من عمالقة الاتصالات والشبكات، وتزود الانترنت بالهيكل العظمي الاساسي للحركة الالكترونية، وهو الذي تتم عليه ايضا تعاملات التجارة الالكترونية في العالم. ويبلغ عدد موظفيها 85000، وبلغت مبيعاتها في العام 2001 ما يقارب 2،35 مليار دولار، وهي تتكون من فرعين: <<ورلد كوم>> و<<ام سي اي>> التي تدير الزبائن والاعمال الصغيرة، وتوفر خدمات المعلومات والهاتف والدخول الى الانترنت، وادارة شبكات الكومبيوتر، وتدير واحدة من اضخم شبكات العالم على الانترنت، عبر بروتوكول الانترنت <<اي بي>> .I. P، وتعتبر الثانية بعد <<ايه تي اند تي>> في الاتصالات بعيدة المدى في الولايات المتحدة، وتملك 94 في المئة من <<ديجيكس انك>>، التي تتولى اعمال الاستضافة على الانترنت. وتبين ايضا انها تلاعبت بارقام موازنتها لتخفي خسائر قدرت بنحو اربعة مليارات دولار. واتبعت <<ورلد كوم>> طرقا مشابهة لما سبق ذكره من تلاعبات شركة <<اي او ال>>. وتطلق الصحافة العالمية على هذه الطرق في التلاعب اسم <<طهو الارقام>>. وسارت مجموعة من كبريات شركات الانترنت والاتصالات في مسار <<طهو الارقام>>، و<<طهت>> شركات مثل <<غلوبال كروسينغ>> و<<كويست>> و<<اديلفي>> و<<تايكو>> ارقامها لخداع الجمهور والايحاء بأنها تقوم باعمال كبرى. وسارت على الخطى نفسها شركات اعلامية كبرى ابرزها <<فيفاندي>>. وأما الشركات الاصغر في الاقتصاد الجديد، او ما يسمى الشركات المبتدئة Start Ups، فسبق ان تلقت الاسوأ منذ عامين، وفي العاصفة الجديدة، انهار المزيد منها. وعلى سبيل التذكر، ففي ربيع العام الفين، شهدت سوق <<ناسداك>> انهيارا مفاجئا، وهوت اسهم شركات كبرى بصورة مفاجئة، وفقدت اسواق الاقتصاد الجديد ما يقارب تريليوني دولار في اقل من 48 ساعة، واخذت الشركات المبتدئة بالانهيار واغلاق الابواب، وسميت تلك الظاهرة باسم <<انفجار فقاعة الانترنت>>. ولم يكد الاقتصاد الجديد يستعيد بعض العافية، وبصورة جزئية تماما لم تمكنه من تجاوز مستوى الثلاثة آلاف نقطة، حتى جاءت ضربة الارهاب في 11 ايلول 2001، فتبعها انهيار آخر. ولم تكن سوق <<الناسداك>> لتقدر على تجاوز مستوى الالفي نقطة، عندما حدث الانهيار الحالي. والارجح ان جزءا من وصف ما نشهده راهنا، يمكن اختصاره، ولو بشيء من الظلم، بأنه <<تحطم اسطورة الاقتصاد الجديد>>، ولم يكن الاقتصاد الرقمي وحده. وفي وصف مختصر، فإن الانهيار الحالي ابتدأ بأزمة ثقة مفقودة تدحرجت ككرة الثلج منذ فضيحة شركة <<انرون>> للبترول. اي ان المشكلة ابتدأت في البروز في اوساط الاقتصاد التقليدي اولا، على الأقل ظاهريا. ولأن التداخل ضخم بين قطاع الاتصالات والانترنت، وبين مناحي الاقتصاد كافة، فإن الزلزال طاول الجميع.
الاثنين: صدام <<الدولة القوية>> مع اقتصاد العولمة.


شبح <<الثقة المفقودة>> يجوب بورصات العالم مخرباً (2)
صدام <<الدولة القوية>> مع اقتصاد العولمة 
  
 


 

بعد غارات 11 أيلول، صبت الكثير من اجراءات الرئيس بوش في ما يشبه إقامة <<اقتصاد الحرب>>، خصوصا ان الحرب العالمية الاولى للقرن 21 لم تنته فصولا. ومع الحرب، بدت أميركا وكأنها تسير نحو <<عودة>> الدولة القوية، وخصوصا مؤسساتها الامنية والرقابية.
ويتناقض ذلك مع مجمل مسار الاقتصاد الاميركي منذ عهد الرئيس الجمهوري نيكسون، خصوصا منذ التجديد الرأسمالي العالمي عبر العولمة، ابان ولاية الرئيس ريغان. وكأن بوش يعيد أميركا الى عهد الرئيس الديموقراطي ايزنهاور. والمفارقة ان أقوى فورة في العولمة حدثت في عهد الرئيس الديموقراطي كلينتون، الذي بدا وكأنه يسير على خطى الرئيس الجمهوري ريغان! الى أي مدى يسهم هذا التناقض في الازمة الحالية؟ وكأن بوش في خضم <<اعادة تعريف>> أميركا نفسها، وهي القلب من اقتصاد العالم وعولمته. وفي المقابل، فإن استفادة المجمع العسكري الصناعي واضحة تماما. وتتفاعل هذه الامور جميعا، في ظل أزمة <<ثقة>> عميقة تهز الاقتصاد ولا توفر السياسة. ولم يكن الرئيس بوش ولا نائبه في منأى عن فضائح الشركات. فكيف تتفاعل هذه الامور في الازمة الاقتصادية الراهنة؟
ال<<أوبشن...>> ال<<أوبشن..>>
لم تتردد كلمة على الشفاه، في فضائح الشركات وانهيار الثقة بها، أكثر من كلمة <<اوبشن>> Option. وتعني الخيار. ويمثل <<اوبشن>> نوعا من الحجز للسهم بقيمة معينة، يعطي الحق في بيع هذا السهم في أي وقت يراه صاحب ال<<أوبشن>> مناسبا. فمثلا، لنفترض انك تراهن على ان سهم شركة معينة سيرتفع بعد بضعة أسابيع. بدلا من شراء السهم كله بعشرين دولارا، تحجز ألف سهم مقابل دفع دولار لكل <<اوبشن>>، وعندما يرتفع السهم الى خمسين دولارا، تبيع ال<<اوبشن>> الألف، وتحصد 49 ألف دولار ربحا صافيا. وفي الشركات الاميركية، أقبل موظفو الشركات ومدراؤها على شراء <<اوبشن>> الشركات التي يعملون فيها. وبالنسبة الى المديرين، صار المهم هو إدارة سعر السهم، لضمان أرباح خيالية من ال<<اوبشن>>. ولهذا السبب قاموا ب<<طهو الارقام>> ليوهموا الجمهور بقوة الشركة، وليضمنوا بقاء سعر السهم مرتفعا. وبعد بيع ال<<اوبشن>>، لا يهم ان تذهب الشركة الى الجحيم، وعندما يحس مدير ما ان شركته ستنهار، برغم كل الخدع، يبيع ال<<أوبشن>> ويحصد الارباح على حساب جمهور كبير من حاملي الاسهم! وفي فورة التجارة الالكترونية، راهنت أعداد كبيرة من الاميركيين بمدخراتها ومعاشاتها التقاعدية على الاسهم. فأي خضة كبرى أصابت هؤلاء حين سمعوا ان الشركات التي راهنوا عليها ب<<جنى العمر>> لا يهم مديرها سوى جني الأرباح الخيالية لأكداس من ال<<اوبشن>>! وذلك أحد جذور أزمة الثقة المفقودة. والامر ان الادارة الحالية لم تكن في منأى عن هذه الممارسات. واتهم الكثير من أعضائها انهم خاضوا في ممارسات مشابهة حين كانوا مدراء في شركات.
قاطنو البيت الابيض
اذاً، هل يمكن ان نغمض العين لحظة لنتخيل اجتماعا للادارة الحالية في البيت الابيض؟
يردد الاعلام الاميركي ان جشع مديري الشركات الكبرى، وخداعهم وانعدام الاخلاقيات لديهم، هي في أساس أزمة الثقة المفقودة التي تعصف بأسواق المال في العالم. ترى كم من مدراء شركات في الاجتماع المذكور؟ لنعد على الاصابع: الرئيس بوش، المدير السابق لشركة <<هاركين>> للنفط، نائب الرئيس ديك تشيني، المدير السابق لشركة <<هاليبيرتون>> للنفط، وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، المدير السابق لشركة <<جنرال انسترومنتس>> الصناعية، وزير المال بول اونيل، المدير السابق لشركة <<الكاوا>> الشهيرة في صناعة الالمنيوم، وزير التجارة دون ايفانز، المدير السابق لشركة <<توم براون>> للنفط، رئيس موظفي البيت الابيض اندروكارد، ممثل سابق لصناعة السيارات، مسؤول الجيش توماس وايت، مدير سابق في شركة <<انرون>> للنفط، مسؤول القوات الجوية جايمس روش، مدير سابق في شركة <<نورث غرومان>> للصناعة، غوردن انغلند مسؤول الاسطول، مدير سابق في شركة <<جنرال داينامكس>>، ومدير هيئة الرقابة على الاسهم هارفي بيت، محام سابق عن شركات المحاسبة. الوظائف الخمس الاعلى في رأس هرم الادارة <<محجوزة>> لمدراء الشركات!
وحتى مجلة محافظة من وزن ال<<إيكونوميست>> لم تتردد في الاشارة الى تناقض مذهل. فالرئيس بوش أتى كوريث لخط الرئيس السابق رونالد ريغان، أي يمين الحزب الجمهوري. ولم يحط ريغان نفسه سوى باثنين من مدراء الشركات السابقين، هما جورج بوش (الاب)، الذي كان نائبا للرئيس، ورئيس موظفي البيت الابيض جون سنونو. ومعظم من كان في الصفوف الاولى من الادارة الريغانية هم أكاديميون تحمسوا لأفكار أساسية مثل تقليص مؤسسة الدولة ودورها ونفقاتها، وإعطاء دور متزايد باستمرار الى القطاع الخاص، وانفتاح أسواق العالم، وإزالة عوائق تبادل السلع والرساميل والخدمات عبر حدود كل دول الارض، وخفض الضرائب على الدخل... الخ. وكما هو معلوم، باتت تلك الامور <<وصفة>> عالمية سعت أميركا الى تعميمها على الجميع عبر <<العولمة>>. وتلى ريغان بوش الاب، الذي سار على النهج نفسه. وتلى بوش الأب الديموقراطي بيل كلينتون الذي حفظ الخط الريغاني، مع محاولة إعطاء العولمة بعض لمسات من <<العدالة>> في الداخل والخارج. وشهد عهد كلينتون توسعا انفجاريا في <<الاقتصاد الرقمي>>، ما جعل العولمة تندفع بقوة رياح التكنولوجيا المتطورة، إضافة الي قوى الاقتصاد التقليدي. اذاً، حافظ الجميع على اقتصاد معولم، يقوده الاقتصاد الاميركي، ولما وصل الامر الى بوش (الابن)، الذي تباهى بقوة انه من تيار ريغان، سارت الامور في وجهة مغايرة تماما، وبدا كأنه يهم بمسح الارث الريغاني!
بين تقريرين ل<<منظمة التعاون والتنمية>>
ربما يفيد إجراء نوع من مقارنة سريعة بين تقريرين صادرين عن <<منظمة التعاون والتنمية>>، وتعتبر من أهم المؤسسات التي تتولى صوغ الآفاق الاستراتيجية للدول الصناعية الكبرى، وهي من أعرق قلاع النظام الرأسمالي العالمي، أنشأها الحلفاء الغربيون بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة، وفي مطلع العام 2000، صدر عنها تقرير عنوانه <<الاقتصاد الجديد؟>>، ويدل العنوان على مدى تحفظها عن مصطلح <<الاقتصاد الجديد>>. وبرغم ذلك، فقد لاحظت ان الكثافة في استخدام تكنولوجيا الكومبيوتر والاتصالات في الاقتصاد الاميركي أدى الى تفاوت كبير في النمو بينه وبين باقي الاقتصاديات الكبرى في أوروبا وآسيا، في فترة التسعينيات. وهي المرة الاولى منذ الحرب العالمية الثانية يحدث فيها هذا التفاوت. ورأت (المنظمة) ان التفاوت لم تسببه تكنولوجيا الاتصالات والانترنت في حد ذاتها، وانما تفاعلها مع بنية اقتصادية هائلة وقوية مثل الاقتصاد الاميركي! تلك كانت أيام كلينتون: العولمة في عزها، وحلفاء أميركا يشكون من شدة قوتها. وفي تلك الايام، صاغ اوبير فيدرين وزير الخارجية الفرنسي، عبارة <<قوة فائقة>> في وصف أميركا.
وفي ربيع العام الحالي، أصدرت المنظمة نفسها تقريرا عنوانه <<النتائج الاقتصادية للارهاب>>، وهو دراسة موسعة عن ضربة أيلول 2001، وأثرها على الاقتصاد الاميركي والعالمي، وركز التقرير على ان الطريقة التي تتعامل بها الادارة الاميركية مع الضربة، وكذلك الحرب التي تلتها، هي العنصر الاساسي في توجه الاقتصاد ونموه. وعلى نحو خاص، شدد (التقرير) على ان اجراءات مثل زيادة الانفاق العسكري، والحد من انتقال الاموال والسلع والبشر والخدمات، وزيادة الجمارك تحت بند <<أكلاف أمنية>>، وزيادة الوقت المطلوب للمرور من المطارات والموانئ... الخ، يمكن ان تترك آثارا سلبية مديدة ومؤثرة على النمو الاقتصادي في العالم، واحتسب ان الكلفة المباشرة للضربة لم تزد عن 28 مليار دولار، وقدرت الكلفة الكلية بمبلغ يراوح بين 30 و58 مليار دولار، ونبّه الى انه اذا زادت كلفة تبادل التجارة الدولية بنسبة واحد في المئة، فإن الاقتصاد العالمي يفقد ثلاثة في المئة. وكنموذج، فإن التبادل التجاري بين أميركا وكندا يبلغ 1,4 مليار دولار يوميا، واذا زادت كلفة التجارة بمعدل واحد في المئة، يعاني كلا البلدين من خسارة سنوية مقدارها 1,5 تريليون دولار! يضاف الى ذلك، أكلاف ما يسمى <<الحرب ضد الارهاب>>، ويمكن تلمس بعض هذه الاكلاف في الزيادات المتتالية على موازنات الاجهزة الامنية الداخلية والخارجية.
دولة <<ايزنهاور>> ونفط بحر قزوين
دفع بوش الامم المتحدة الى فرض نظام مصرفي جديد في العالم، فزادت رقابة الدول على حركة رؤوس الاموال، وذلك للمرة الاولى منذ بدء العولمة. الاثر ربما كان موجعا لان العولمة استتبت وتحولت الى مؤسسات ضخمة تعمل عبر العالم في ظل شروط انفتاح الاسواق، وكف يد الدولة عن الاموال الى أقصى حد... الخ، وكل ما حدث من تحول في أميركا والعالم، أخذ شروط العولمة باعتبارها بديهيات. اذاً، ثمة خضة قصوى على هذا الصعيد. وينطبق القول نفسه، وبدرجة أكبر، على أميركا نفسها. مثلا، قرر بوش استحداث وزارة جديدة، وغير مسبوقة في التاريخ الاميركي، هي وزارة الامن الداخلي، تضم جيشا من الموظفين بلغ عديده مئة وسبعين ألف موظف! من كان يحلم، منذ ريغان، ان تعود مؤسسة الدولة الى التضخم مجددا؟ ومن الناحية الاقتصادية، يمكن النظر الى الجنود الذين يتم استدعاؤهم الى الخدمة باعتبارهم <<موظفي قطاع عام>>، تمول الدولة أعمالهم وأجهزتهم. ويعتبر الانفاق العسكري <<توظيفا>> منهكا للدولة. فمنذ أيام ايزنهاور، لم تكن الدولة الاميركية على هذا القدر من الضخامة، وفي أيامه تضخمت الدولة بفعل الانفاق العسكري الاستخباراتي في زمن الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي.
هل تراهن <<دولة بوش>> على مردود ما من توظيفها العسكري الاستخباراتي الامني، مثل الحفاظ على الطاقة الرخيصة والمتنوعة المصادر، عبر السيطرة على نفط بحر قزوين، على سبيل المثال؟
خيار الدولار الضعيف
مهما قيل في الازمة الحالية، يجدر التذكر دوما بأن <<الدولار الضعيف>>، الذي ولد من رحم هذه الازمة، يمثل أحد الخيارات التي كانت تحضر دائما في بال الساسة الكبار في البيت الابيض. والمفارقة ان ريغان مارس سياسة <<الدولار الضعيف>>، نسبيا، ولطالما جال جايمس بيكر وزير ماله، حينها، مهددا الدول الاوروبية بمزيد من الضعف في الدولار ان لم تستجب لشروط العولمة الاميركية. وأساس اختيار <<الدولار الضعيف>> ان أميركا تملك اقتصادا فريدا من نوعه. فهي الدولة المصدرة الاولى في العالم، وهي الاولى في الاستيراد. وتملك مخزونات هائلة من المواد الخام للصناعة. وتسيطر على مصادر المواد الخام في العالم. هي الاولى في القمح وفي الدواء والاسلحة ، وهي السلع الرئيسية في تجارة العالم. ويضر <<الدولار الضعيف>>، ببعض وجوه الاقتصاد الاميركي، لكنه يجعل أميركا تغرق دول الارض بسلع رخيصة، لا يمكن منافستها، وفي المقابل، تسيطر على موارد الطاقة، واذا انخفض الدولار تنخفض مداخيل <<اوبك>> بشدة، وتصبح ديون أميركا الى العالم، وهي من أعمدة التبادل المالي الدولي، قليلة القيمة تماما، فتتحرر أميركا من ثقل تلك الديون. انه الخيار الصعب لأميركا، لكنه الاصعب على العالم كله.
في الوضع الراهن، تبدو الازمة الاقتصادية وكأنها إعادة صوغ للدولة الاميركية واقتصادها، وبالتالي للخارطة والتوازنات في اقتصاد العالم وسياساته كلها. وثمة من يرى ان هناك مخرجين، <<أحلاهما مرّ>>: إما ان تنجح ادارة بوش في عملية إعادة الصوغ، وعلى حساب مصالح العالم، وربما لمصلحة أميركا أقل عظمة وأكثر لؤما، وأضعف دولارا، وإما ان تفشل، ربما بسبب مستجدات لم تكن موجودة في التاريخ المعاصر مثل اليورو، كعملة موحدة لأوروبا، او ربما تهديد مصادر الطاقة في الشرق الاوسط او قزوين، او غير ذلك. وفي هذه الحال، الارجح ان يتجه الاقتصاد العالمي الى ركود، يصبح معه الركود الكبير الذي سبق الحرب العالمية الثانية، مجرد قزم لطيف!

جريدة السفير



#أحمد_مغربي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- ترامب يرشح سكوت بيسنت لمنصب وزير الخزانة
- عمل لدى جورج سوروس.. ترامب يكشف عن مرشحه لمنصب وزير الخزانة ...
- وكالة موديز ترفع التصنيف الائتماني للسعودية بفضل جهود تنويع ...
- موديز ترفع تصنيف السعودية وتحذر من -خطر-
- ارتفاع جديد.. بتكوين تقترب من 100 ألف دولار
- -سيتي بنك- يحصل على رخصة لتأسيس مكتب إقليمي له في السعودية
- بوتين يأمر بإنتاج كميات كبيرة من السلاح -الذي لا يقهر-
- الإمارات: البنك المركزي يعلق نشاط تحويل الأموال لشركة الرازو ...
- كم سعره اليوم؟.. أسعار عيارات الذهب اليوم في العراق السبت 23 ...
- موراليس: الولايات المتحدة فقدت قوتها الاقتصادية


المزيد.....

- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - أحمد مغربي - شبح ((الثقة المفقودة)) يجوب بورصات العالم مخرباً