|
آنَ للشارعِ أن يُحرّك الدُمى
جمال علي الحلاق
الحوار المتمدن-العدد: 3312 - 2011 / 3 / 21 - 08:48
المحور:
حقوق الانسان
فجأة ، أحدٌ ما يعترض ويقول : أنّ شيئاً ما في العصير الإجتماعي يجعله مرّاً أو حامضاً ، وأنّه لم يعد عصيراً سائغاً منسجماً . هكذا هي وظيفة المثقّف أو أيّ فرد يمتلك إحساساً حادّاً إزاء التزييف الذي تعمل الحكومات على ممارسته الى أقصاه .
***
على المثقّف أن يكون حادّاً ومدبّباً في الطرح ، وأن لا يقتصر على الوصف ، بل لا بدّ من نقدٍ يهدم ويبني في لحظةٍ معاً ، على المثقّف أن يتقمّص الإزميل الذي يحيل الحجر الى نحت حي .
***
الخلل في تحقيق العدالة الإجتماعية يجعل العصير الإجتماعي مرّاً بالنسبة للفئات المحرومة أو المسلوبة ، وهنا ، يحقّ لها أن تخرج الى الشارع ، وأن تطالب بإسقاط النظام الذي يؤثّث للسرقة كما يؤثّث للفساد .
***
وحتى يتحرّر المثقّف من إشكالية التجيير الى جهة معيّنة ، طائفية أو قومية أو عرفية ، فإنّه مطالب بالوقوف الى جانب الجهات المسلوبة الحقّ أيّاً كان إنتماؤها أو ولاؤها ، لأنّه في النهاية يصطف الى جانب الدعوة الى المساواة ، والى جانب إعطاء الحقوق ، ابتداءً بحقّ الحياة ، وليس انتهاءً بحقّ العيش في أماكن نظيفة ومكيّفة تصلح للسكن البشري .
***
وحتّى يتحرّر المثقّف أكثر في اتّخاذه قرار الوقوف الى جانب المسلوبين والمحرومين والمقموعين ، عليه بدءاً أن يعلن إنحيازه للحقّ وليس للإنتماء ، ففي موقف مضبّب مثل تظاهرات البحرين التي يتمّ تضييقها تحت شعار طائفي مقيت ، على المثقّف أن يُعلن صراحة وقوفه ضدّ النظام القمعي في إيران ، مثلما يُعلن في الوقت نفسه عن وقوفه ضدّ النظام القمعي في السعودية ، يجب أن يُعلن وقوفه ضدّ الجهات التي تحاول الآن سرقة حقّ الشارع البحريني على الإحتجاج والإعتراض .
التكثيف الإعلامي في تكريس الطائفية ، وهو ما جرى في العراق أيضا ، سيكون له سلبياته المؤذية ، إلا أنّ الشارع في النهاية سيُدرك تماما كما حدث في العراق ، أنّ اللصوص هنا وهناك ، بأشكالهم المتضادّة يتطابقون حدّ اللعنة ، وانّ الحياة الحقّة هي بالخروج على اللصوص جميعاً بكلّ أشكالهم وأنواعهم .
***
لقد آن للحكومات أن تبتعد عن إحتكار الحياة لها ولأبنائها وللأقربين ، ينبغي الخروج الآن وبحدّة على ثقافة " الأقربون أولى بالمعروف " لأنّها مبدأ عشائري يتنافى مع الحسّ المدني الجديد ، يتنافى مع الحسّ الإنساني الأوسع ، فأن يتمّ انتخابك عبر التصويت فإنّ هذا لا يعني إنتخاب أخيك أو أبنك أو رهطك الأقربين ، فالعصير الإجتماعي لن يكون عصيراً منسجماً إلا بتساوي أفراده في الحقوق والواجبات ، وأن يأخذ أصحاب الكفاءة الحقيقيون أماكنهم التي من خلالها يمكن أن يخدموا الشارع بحقّ .
***
عندما يسعى التكالب الإعلامي الحكومي على سرقة اتّجاه التظاهرات ، فعلى المثقّف أن يعلن بجرأة وقوفه ضدّ المراجع الدينية سواء الشيعية منها أو السنّية التي تدعم هذا الفعل ، لأنّ الشارع ليس دينيّاً كلّه ، وأنّ واحداً مختلفا ينبغي أن نقف له وأن نعطيه حقّه ، فالقضيّة ليست إفتراساً أو نهشاً ، الشارع العربي يخرج ليتساوى ، وليس ليركب بعضه بعضا .
***
وهنا أيضا ، على المثقّف أن يعلن موقفه الضدّي إزاء الجهات التي تكيل الحقّ بمكيالين ، لقد رأينا تذبذب المراجع الشيعية العراقية إزاء التظاهرات السلمية التي جرت ولا تزال تجري بشكل أسبوعي في العراق رغم كلّ آليات القمع والعزل والتضييق التي تمارسها السلطة ، ينبغي الإعلان بطائفية المراجع التي لا تعرف أنّ للآخر حقّاً يمكن أن يطالب به .
كما أنّ العزف بمكيالين ليس دينيّاً فقط ، بل يشمل الغرب المدني أيضاً ، فالإنتهازيّة في المواقف ، والتحرّك وفق مصالح وارتباطات معيّنة فيه تشويه كبير لمبادئ حقوق الإنسان .
على الغرب ألا يكون أعور في التعامل مع القضايا ، فعين مفتوحة هنا ، وأخرى مغمضة هناك .
خروج الشارع العربي الى الشارع محاولة حقيقية في إعادة تعريف الإنسان ، ولا أعتقد أن التظاهرات ستنحصر فقط داخل البلدان العربية ، بل ستمتد أيضا ، إنّها لهب جديد ، روحٌ قرفت الإقامة داخل جدران ضيّقة ، جدران لها مسمّيات عديدة ، كالدين والعرف والقانون العائلي ، لقد آن للروح أن تُسقط كلّ الجدران التي تعيق قدرتها على العيش بحسّ إنساني جديد .
***
إنّنا نقف الى جوار التظاهرات السلمية البحرينية ، نقف الى جوار البحريني الذي يطالب بحقوقه المسروقة ، لكنّنا لا نقف الى جوار المراجع الدينية الشيعية في العراق التي تحاول إزاحة الدفّة عن الشارع العراقي .
العراق يصطف الى جانب البحريني بوقوفه علناً تحت نصب الحرية مندّداً بسارقيه تحت الشمس . هكذا ، الإنتفاضات الجماهيرية تدعم بعضها بعضا بخروج كلّ منها وبشكل مستمر الى أن تؤتي أُكُلَها . لقد آن للشارع العربي أن يحرّك الدمى التي تحكمه .
***
أما مراجع السنّة السعوديون فقد أعلنوا جهارا أنّ الدين ضدّ الإحتجاج والتظاهر ، وبهذا ، فتحوا الباب على مصراعيه لمن يريد أن يطالب بحقّه رغم أنوفهم ، لقد أعلنوا إنغلاق الدين على نفسه ، أعلنوا أنّ الدين لا يعرف الآخر ، أعلنوا أنّ الدين عندما يمتلك السلطة ينغلق على نفسه مثل قنفذ .
***
ينبغي أن يظلّ الدين مسألة شخصية لا غير ، لأنّ جوهر الدين قائم على ذلك ، إنّه علاقة خاصّة جداً بين الفرد وما يؤمن به ، شرط أن لا تتجاوز هذه العلاقة على حريّة الآخر .
***
لن أُدين صلاتك حتى تدعوني الى الصلاة ، أنا معك في أن تصلّي ، لكنّني لست معك حين تدعوني قسراً الى الصلاة . وأنا هنا أتحدّث عن العقل الديني بكلّ أنواعه وأشكاله سواء أكان بوذيّاً أم يهوديّاً أم مسيحيّاً أم مسلماً .
***
سأحترم رموز الآخر حتى يفرضها عليّ ، لن أحترم أيّ فكرة أو رمز يُفرض عليّ فرضاً ، ليكن لكلّ منّا رموزه شرط أن لا يفرض أحد منا على الآخر رموزه .
***
على المثقّف أن يقف الى جانب القوانين التي تنفتح على احتواء الجميع ، على المدنيّة التي تمثّل الإنسان في اللحظة الراهنة ، المدنيّة في الحسّ والسلوك ، المدنيّة التي تحترم الطفل وتؤسّس له وعليه ، وتحترم المرأة وتؤسّس لها وعليها ، كما تحترم الرجل وتؤسّس له وعليه .
في القانون المدني ليس لدينا فائض بشري ، وليس لدينا أنصاف بشر بأنصاف حقوق ، المدنيّة خروج على ثقافة الصحراء والكهف ، المدنيّة حسٌّ بمجسّات جديدة ، تجربة لا يمكن بلوغها أو التحدّث عنها إلا بدخولها ، إنّها سلوك وممارسة يومية وليس كتاباً أو خطبة .
***
لقد أثبتت الثورات في الشارع العربي في تونس ومصر وليبيا والاردن والعراق والبحرين واليمن وسوريا أنّ العصير الاجتماعي العربي لم يعد منسجم المقادير ، وأنّ مرارته أو حموضته قد فاقت حدّ الاحتمال ، من هنا خرج الشارع العربي وسيخرج أيضاً سواء على طرق الإسفلت ، أو على طرق ترابية أو طين ، سيخرج ، لأنّ العقل الجديد بمجسّاته الجديدة لم يعد قادراً على العيش داخل قواقع إنتهى زمنها منذ أمد بعيد .
#جمال_علي_الحلاق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فرح كلّه قشعريرة
-
المشي على الحبل : قراءة في اللحظة التاريخية الراهنة
-
المكنسة شعار الثورة العراقية
-
خدمات لا مساجد
-
أزمة الثورة الإنفعالية
-
نحن جيل محظوظ
-
هل يحقّ لنا إغلاق المساجد ؟ قراءة في سطحية الخطاب الإسلاموي
-
أزمة الإيمان والمؤمنين
-
أزمة المعرفة الجاهلة
-
من دكتاتورية الفرد الى دكتاتورية المجتمع
-
الصخرة لا تنزل يا كامو / إعتذار متأخّر لبشرى
-
قلق البوصلة ... الى مَنْ ؟ والى أين ؟
-
نزهة القائد العام للحواس
-
إحباط ليس في أوانه
-
بين كلب جياكوميتي وكلب أبي / صفحة من كتاب أصدقائي
-
آني جدّي قرد
-
مراسيم الدّفن الجميل / صفحة من كتاب أصدقائي
-
الى ليلى محمد أقف على رؤوس أصابعي
-
قراءة منحازة لحادثة أحمد عبد الحسين وتداعياتها
-
لا يزال كامل شياع يقود دراجته بإتّزان جميل
المزيد.....
-
رئيس بوليفيا يدعو لاعتراف الأمم المتحدة بالهجرة كحق أساسي من
...
-
فريق الخبراء المعني بليبيا التابع للأمم المتحدة: نفوذ غير مس
...
-
اعتقال اثنين من قادة المعارضة في جورجيا خلال مظاهرة مناهضة ل
...
-
اعتقال -خفاش- النظام السوري السابق.. متهم بارتكاب جرائم بشعة
...
-
حمدان: العدو الإسرائيلي يماطل في قضية الإغاثة والإيواء لسكان
...
-
مادورو: قضية احترام حقوق المهاجرين وكرامتهم ستكون أولوية الق
...
-
الجزائر: منع سفر تعسفي ضد المنتقدين وفق هيومن رايتس ووتش
-
بوليتيكو: واشنطن تنسحب من مجلس حقوق الإنسان وتوقف تمويل الأو
...
-
حماس: الوسطاء أبلغونا بخطوات ستلزم الاحتلال بما تم الاتفاق ع
...
-
الأورومتوسطي لحقوق الإنسان: الوضع الإنساني في غزة رغم كارثي
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|