تشير التسريبات الصحفية والأعلامية عن أستعدادات الأدارة الأمريكية شن حربا ضد العراق للأطاحة بنظام صدام حسين,الذي بات يشكل تهديدا حقيقيا على آمن وأستقرار المنطقة,مما يدفع الآلة الأعلامية الضخمة والمؤثرة بضخ معلومات وسيناريوهات عن الضربة العسكرية المرتقبة,وراحت تصعد من نبرتها وجديتهاضد النظام العراقي,وتقرع طبول الحرب على مسامع العالم.
أصطدمت الجهود الأمريكية وقرارات أدارتها بالكثير من الصعوبات والمشاكل,وتمثلت مخاوف الامريكيين ليس فقط بتوقيت الحرب وأنما بحلفائها,ومن سيؤيدها؟وما نسبة نجاح حملتها العسكرية ضد العراق؟وهل سيطرأ تغييرا على أسلوب أستراتيجيتها المتمثل بسياسة الأحتواء والردع والحرب؟!
تصاعدت المعنويات الأمريكية بعد أنتهاء حربها في أفغانستان وتمكنت من تحقيق "الأنتصارات"السريعة على الأرض,وسوقت سلعتها المسماة "حميد قرضاي" رئيسا لبلد متعب من الحروب والنزاعات المختلفة والمتنوعة.وأرتفعت نشوة "النصر" لتعلن حربها ضد الأرهاب والمتمثل في دول "محور الشر" والذي يعتبر العراق واحدا منها وليفتح الملف العراقي المتدول على جميع محاوره.
يتجلى التحرك والنشاط الأمريكي الواضح في الفترة الأخيرة في أمكانية الأطاحة بالنظام الديكتاتوري لصدام حسين بحجة أمتلاكه لأسلحة الدمار الشامل وعدم قبوله بعودة المفتشيين الدوليين وما له من علاقات مع تنظيم "القاعدة" المتهم بأحداث 11 أيلول ومايشكله نظام بغداد من تهديد جدي لأمن وسلام المنطقة وخاصة لأسرائيل.أي أن الأدارة الأمريكية عازمة على الأستمرار في تنفيذ قرار الأدارة السابقة لحكومة بيل كلينتون بما يسمى "قانون تحرير العراق".وسرعان ما أيدت بريطانيا ورئيس وزرائها توني بلير هذه الخطوة لما تعتبر من الأهمية في شأن أستقرار وأمن الشرق الأوسط ومساعدة الأسرائليين في الأمعان في سياساتهم العدوانية ضد الشعب الفلسطيني.ألا أن هذا التاييد بقي يتيما وراح يضعف أمام الصراعات التي تواجهها حكومة حزب العمال البريطاني.كما وتصاعدت الخلافات بين حمائم وصقور البيت الأبيض الأمريكي بعد ما أبدت تلك "الحمائم" مخاوفها من هذه الحرب التي يمكن أن تخطأ في حساباتها ولاسيماوأن قائدها(بوش) ليس خبيرا بالسياسة الدولية وتوازناتها.وأصبح تأثير المعارضين للحرب يتسع داخل الأدارة الأمريكية خشية تحولها(الحرب) الى حربا أستنزاف وتكون على حساب الأقتصاد الأمريكي الذي يعاني من أزمات جدية وفضائح مالية ,وهم (الحمائم) يعولون على حربا قصيرة وسريعة وبأقل الخسائر دون أعطاء الفرصة لأي طرفا اخر مشاركتهم في الغنائم الكبيرة.
وينعكس تنامي المخاوف الامريكية في أتساع رقعة المعارضة لخيار الحرب,فالأوربيون لايريدون أنفراد الأدارة الأمريكية في حربها ضد العراق,وهم يسعون الىأستنفاذ كل الأمكانات السياسية قبل البدء بالحرب ضد العراق.ولم تخفي روسيا معارضتها ورفضها لخيار الحرب من الجانب الأمريكي وتريد بدورها الضغط على النظام العراقي للقبول بعودة المفتشيين الدوليين دون أي قيد أوشرط لتلافي وقوع أي ضربة عسكرية تؤدي الى خسارة المصالح الأقتصادية الروسية في المنطقة.
أما الموقف العربي الرسمي الرافض لخيار الحرب أو الأطاحة بنظام صدام حسين قد تجسد في مؤتمر القمة في بيروت وماشهده من تقارب عراقي _عربي وكذلك ماسبقه من فشل زيارة نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني للمنطقة.ولم يبخل الأيرانيون في التعبير عن رفضهم للسياسة الأمريكية في المنطقة وتدخلهم في شؤون الدول الأخرى ومايشكله التصعيد الأمريكي من خطرا على الوضع الداخلي لأيران.ورغم ماتشكله التغييرات السياسية العاصفة في تركيا أهمية كبيرة للملف العراقي,ألا أنها لن تكون كافية لضمان نجاح الحملة العسكرية ضد العراق.
ويشكل رفض الشارع العربي لخيار الحرب أحدى أهم الحسابات المهمة للخطط الأمريكية وما يمكن أن يهدد مصالحها في تلك البلدان أو ربما تفقد السيطرة في أدارة الأمور حسبما كان مخطط له ,لاسيما وأن الشارع العربي معبأ بالكراهية للسياسة الأمريكية وللأنظمة الشمولية في هذه البلدان.
ومن هذا تبدو الصورة ليست واضحة للأدارة الأمريكية في تنفيذ مشروعها القادم وأخذت تصعد من حربها النفسية ونشاطها الدبلوماسي وضغوطاتها المختلفة على النظام في بغداد أرتباطا بنصائح تؤكد أستسلام وأنبطاح النظام الديكتاتوري أمام سخونة الأحداث والتهديدات الأمريكية وأستعداده للتنازل للشروط الأمريكية مقابل الحفاظ على بقائه في السلطة,وهذا ماتقدمه الحكومة في بغداد من دعوات الى أعضاء من الكونغرس الأمريكي لزيارة العراق ,وأبداء أستعدادها لفتح الحوار مع الأمم المتحدة ونشاطه الدبلوماسي المحموم لكسب التأييد وأبعاد شبح الحرب ليس خوفا على أرواح الشعب العراقي أو البنية التحتية للأقتصاد العراقي أنما حفاظا على ديمومة الديكتاتورية البغيضة.
من المعروف أن الأستراتيجية الأمريكية تهدف الىأحتواء العراق لما يشكله من أهمية حيوية بالنسبة الى مصالحها وتوجهاتها وخططها في أحتواء بلدان أخرى وأعادة ترتيب الخارطة السياسية وبكل الوسائل.
أن الولايات المتحدة عازمة على أستخدام خياريين في سياستها في التصعيد المستمرللحرب النفسية الضاغطة على النظام العراقي ووضعه في زاوية الحلبة وتوجيه الضربات المتتالية حتى يحين وقت الضربة القاضية التي تسددها الأدارة الأمريكية وقت ماتشاء,وخيار الضربة العسكرية الوقائية أو الأعتبارية لأبراز قوة عضلاتها بمثابة أنذارا للذين يعارضون سياستها ومصالحها في المنطقة.لذا سيلجأ النظام الديكتاتوري القبول بالشروط الأمريكية والتي تدعو الى:-
· عودة المفتشيين الدوليين عن أسلحة الدمار الشامل وتقديم كافة التسهيلات لهذه الفرق في التفتيش في أي مكان دون أي أعتراضات من قبل الطرف العراقي,والتي تهدف الى نزع السلاح وتدمير الآلة العسكرية العراقية.
· ضمان عقود أستثمارية مالية وتجارية للشركات الأمريكية وخاصة في مجال النفط والسيطرة على قدرات العراق الأنتاجية والتصديرية(وهذا مربط الفرس).
· حل القضايا العالقة في الخلاف العراقي_ الكويتي وخاصة ملف الأسرى وضمان أمن الكويت.
· تطبيع العلاقات مع أسرائيل,وأعتبار حل القضية العراقية مفتاح لحل القضية الفلسطينية وبما يضمن تحقيق الشروط الأسرائيلية.
· أجراء تغييرات في قمة الهرم السلطوي وأستبدال بعض الوجوه ,وضمان أمن منطقة "الملاذ الآمن" ودون المساس بحكومة كردستان.
وبهذه الشروط وغيرها من التوجهات الأمريكية أتجاه العراق لم يبقى ألا أن أعزي تلك القوى التي تراهن على الخلاص من النظام الديكتاتوري بمساعدة أمريكية,فأنها لن تجد لها مكانا لائقا بين أبناء شعبنا المقدام.
أبو رافد
10/8/2002