أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - مسعد عربيد - العرب الاميركيون والانتخابات الاميركية: مفاهيم وخلفيات















المزيد.....


العرب الاميركيون والانتخابات الاميركية: مفاهيم وخلفيات


مسعد عربيد

الحوار المتمدن-العدد: 989 - 2004 / 10 / 17 - 11:29
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


مشاهدات مغترب في إشكاليات الانتخابات الاميركية
الحلقة الرابعة
تناولنا في الحلقات الثلاث السابقة جوانب من إشكاليات وتحديات تواجه الجالية العربية الاميركية فيما يخص الانتخابات وطبيعة المؤسسة الحاكمة في الولايات المتحدة. وقبل أن نطرح تصورنا للحل ونرسم ملامح المشروع البديل، رأينا أن نفرد هذه الحلقة لإرساء بعض المفاهيم السياسية والاعتبارات الفكرية ومراجعة بعض الخلفيات التاريخية والاجتماعية التي نرى أنها تشكل مدخلاً ضروريا للبحث.

مفاهيم عامة حول طبيعة النظام والتناقضات في المجتمع الاميركي

1) يشكل النظام الرأسمالي اللبرالي الحاضنة للنظام الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في الولايات المتحدة. ولذا فانه لن يتسنى فهم هذا المجتمع وحركته إلاّ في سياق النظام الرأسمالي وطبيعته وقوانينه.

2) أن غاية الانسانية القصوى والمنشودة هي القضاء على كافة اشكال ألإستغلال. وحيث أن النظام الراسمالي يحمل كتشكيله اجتماعية ، ولا سيما طبيعة علافات الانتاج لهذه التشكيلة، أسباب الاستغلال، فإن نضال اكثرية الشعب الاميركي بما فيه مختلف الاقليات في الولايات المتحدة يجب ان يتجه نحو مناهضة الرأسمالية.

3) ليس النظام الراسمالي ظاهرة أبدية أو حتمية في مسيرة التطور البشري. كما انه ليس تعبيراً عن الطبيعة البشرية ولا تلبية لحاجاتها كما يزعم منظروه. فعلى النقيض، أودى هذا النظام بالبشرية الى هاوية سحيقة من الفقر والدمار. أما انجازاته التكنولوجية، التي لا يجوز التقليل من قدرها والتي لا تتوقف الماكينة الاعلامية الرأسمالية عن التشدق بها، فقد إقتصرت بالكثير من فوائدها على شريحة رقيقة من اثرياء المجتمعات الراسمالية في حين لم تتلقى قطاعات الشعب العريضة إلاّ بعض فتاتها. وعليه يحق للجماهير والطبقات المسحوقة التشبث بالحق في الحفاظ على ذاتها والذود عن بقائها ورفض هذا الخيار والسير في درب آخر.

4) تهدف الحروب ضد الشعوب الفقيرة الى السيطرة على مواردها من اجل تحقيق ألربح الاقصى و"تغذية" السوق المحلية في المجتمعات الراسمالية والايفاء بحاجات النظام الراسمالي وحلّ ازمته البنيوية. ويسرى هذا ايضا على الحرب الداخية التي يشنها النظام الراسمالي ضد الفقراء والمهمّشين والملونين (الاقليات غير البيضاء) في المجتمعات الراسمالية ذاتها. وعليه، فان الامبريالية والعنصرية هي افرازات حتمية للنظلم الرأسمالي.

5) ليست العولمة بما هي مجسدة في السياسات النيولبرالية، مجرد مجموعة من المفاهيم والنسق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية فحسب، بل هي حقبة في تطور النظام الراسمالي. وعليه فان الفكر المعادي للهيمنة والعولمة هو بالضرورة معادي للراسمالية والامبريالية والعنصرية.

6) يكمن التحدي، إذن، (كما تكمن المهمة)، في النضال ضد الراسمالية والامبريالية والعنصرية. وعليه، فان شاءت الجالية العربية ان تحمي حقوقها وتضمن بقائها واستمرارها وأن "تتخذ موقعها الطبيعي" في المسيرة المشتركة مع الشعب الاميركي والجاليات الاخرى، فعليها ان تنخرط في النضال ضد الرأسمالية والامبريالية والعنصرية.

الخلفية التاريخية والسياسية للأقليات العرقية والاثنية في الولايات المتحدة

تزامنت نشأة الولايات المتحدة وتطور التشكيلة الاجتماعية الاميركية مع المراحل المختلفة لتطور النظام الرأسمالي: بدءً بمرحلة الاستعمار الكولونيالي الكلاسيكي، مروراً بالامبريالية، وصولاً الى حقبة العولمة وتصاعد الامبراطورية الاميركية التي تعايشها اليوم. لذا، فان فهم المجتمع الاميركي فهماً موضوعيا مستنداً الى تحليل التركيبة الطبقية وعلاقات هذه الطبقات مع نمط ووسائل الانتاج، لا بد أن يأخذ بعين الاعتبار مجموعة من المسائل الهامة:

1) قام مجتمع الولايات المتحدة الاميركية ـ ككيان إستيطاني إستعماري اوروبي أبيض ـ على إحتلال أراضي واوطان السكّان الاميركيين الاصليين وإبادة الملايين منهم إبادة جماعية.

2) تمً ملىء "الفراغ" الديمغرافي الذي نتج عن الابادة العرقية للهنود الاميركيين بالبيض القادمين من اوروبا، وبالافارقة الذين تم إستعبادهم وإستحضارهم عبر المحيط الاطلسي، والعمال والفقراء الذين وفدوا في موجات ومراحل من كافة بقاع الارض (الصين والمكسيك وبلدان اوروبا الشرقية والغربية (مثل ايرلندا وايطاليا) وبلدان اميركا اللاتينية والجنوبية وغيرها).

3) على خلاف المجتمعات الرأسمالية المتقدمة صناعياً في البلدان الاستعمارية الاوروبية الغربية، حيث إنتظم الاصطفاف الطبقي على أساس "برجوازية واحدة متجانسة قومياً" مقابل "بروليتاريا واحدة متجانسة قوميا" أيضا، فان الفسيفساء الاجتماعي الاميركي، للاسباب التي تقدم ذكرها، أنتج تشكيلة إجتماعية ذات بنية طبقية متنوعة متعددة الاثنيات بالغة التعقيد. فقد أقامت المجموعات العرقية والاثنية المختلفة علاقات متباينة مع النظام السياسي والاقتصادي وتفاوتت في موقفها من البرجوازية السائدة. ويعود السبب في هذه التفاوتات الى أنّ كلا من هذه المجموعات كانت ترى أنها تنفرد بمصالح متميزة ومختلفة وأحيانا متناقضة فيما بينها. وقد لعب الرجل الابيض دوراً كبيراً في خلق الايديولوجيات التي زادت من حدة هذه النزاعات.

4) أخذ التوسع السياسي والاقتصادي والذي إتسمت به مرحلة النمو الرأسمالي (في الفترة بين القرنين السادس عشر والتاسع عشر) منحىً مختلفاً في البدان الكولونيالية الاوروبية الغربية عنه في الحالة الاميركية:
(أ) سعت البرجوازية الاوروبية الغربية الى التوسع، عسكرياًً واقتصادياً، بعد الثورة الصناعية متجهة نحو المستعمرات في بلدان آسيا وأفريقيا بحثاً عن المواد الخام والايدي العاملة الرخيصة. وفي مرحلة لاحقة، بعد إنتفاخ السوق المحلية بالسلع ومنتوجات المانيفاكتورة، إتجهت هذه البرجوازية باحثة عن أسواق جديدة لبيع وتسويق هذه المنتوجات.
(ب) أما البرجوزاية الصاعدة في أميركا الشمالية فقد توجهت نحو إستحضار الايدي العاملة الرخيصة من القارة الافريقية للعمل في مزارعها ومناجمها ومصانعها. وعندما سنحت الفرصة، إفتعلت الصدام مع المكسيك وإغتصبت ما يزيد عن 55% من اراضيها مقابل 15 مليون دولاراً أميركياً.

حول تجارب الاقليات العرقية والاثنية

1) يتضح مما تقدم أن التشكيلة الاجتماعية في المجتمع الاميركي قامت على مجموعات عرقية وأثنية هاجرت أو تم إستحضارها عنوة (الرق الافريقي) من المستعمرات (أي بلدان محيط النظام الرأسمالي والتي تسمى الآن ببلدان العالم الثالث). وقد شكلت هذه المجموعات، في تنوعها القومي والعرقي والاثني، المخزون البشري للطبقة العاملة في الولايات المتحدة.

2) تراوح التاريخ الاميركي الحديث في كثير من منعطفاته الهامة والحرجة بين مطرقة المهاجرين وسندان الاميركيين البيض، أي بين الحاجة الى الايدي العاملة من ناحية، والخوف منهم من تأثيرهم الاجتماعي والسياسي من ناحية اخرى:

أ) مطرقة المهاجرين الجدد وقدرتهم على التكيف في المجتمع الجديد بمعنى إداء دورهم (وظيفتهم) في عملية الانتاج الرأسمالي وإيفاء إحتياجاتها والاندماج في النسيج الاجتماعي الجديد بعد ان غادروا الفقر والجوع والبطالة في بلدانهم الاصلية وفرّوا من القمع السياسي والاقتصادي والاجتماعي من تلك الانظمة التي خلّفتها الدول الاستعمارية بعد منحها إستقلالاُ شكلياُ واوكلتها حماية بنى الاستغلال والقمع ووفرت لها الدعم والحماية وأسباب الديمومة؛

ب) وسندان الاغلبية البيضاء وكيفية تعاملها مع هؤلاء المهاجرين، أي "إدارة" هؤلاء المهاجرين وضبط ايقاع تأثيراتهم الاجتماعية والسياسية بما يضمن الحفاظ على مصالح هذه الاغلبية وسيادتها وهيمنة نظامها الحاكم.

3) تتميز مجتمعات المستعمرات ـ الاستيطانية (الولايات المتحدة مثالاً) بتشكيلات إجتماعية بالغة التعقيد. إلاّ أن هذه المجتمعات تتسم، من منظور التحليل الطبقي، بسمة مشتركة واحدة وهي انّ هناك مركز يتغذى من كافة أشكال الاستغلال الاقتصادي (مثل المزارع الكبيرة حيث عمل العبيد من أفريقيا والعمال المهاجرون). ألاّ أن التنامي السكاني لهذه المستعمرات ـ الاستيطانية لم يتم في مجتمعات الموطن الاصلي بل في مجتمعات جديدة ومواقع جغرافية مختلفة. كما أنّ هذا التكاثر السكاني لم يكن نتيجة طبيعية للتناسل، بل جاء بفضل قدوم مجموعات سكانية كبيرة ومتنوعة: من العبيد الافارقة الذين تمّ تحريرهم بعد محو الرق عام 1865 ومن الملونين السمر والفقراء البيض، إضافة الى التجار القادمين من بلدان مختلفة والمستوطنين البيض (مثل المزارعين الاحرار وأصحاب المزارع والاعمال) وآلاف من رجال وموظفي البعثات التبشيرية.
أتخذت التفاعلات والصراعات بين هذه المجموعات شكلين أساسيين: اولهما هو الصراع الطبقي بين المستغِلين والمستغَلين والكامن في بنى الاستغلال الاساسية على إختلافها؛ والثاني: الصراع المحتدم بين المستوطنين دفاعا عن مصالحهم الخاصة وممتلكاتهم. وحيث أن القوى والفئات المتصارعة تحدرت من خلفيات إثنية وقومية وعرقية مختلفة، نجد أن الصراع قد إتخذ مظاهر عرقية أو إثنية وبدى كأنه صراع بين الاعراق والاثنيات.

4) استخدمت الطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة توزيع الموارد الاقتصادية والاجتماعية (على وفرتها) بين المجموعات العرقية والاثنية لتشوية طبيعة وحقيقة الصراع بينها. وهكذا تمّ تخريج التنازع على إقتسام هذه الموارد كايديولوجيا وتثبيته في رأس اولويات الوعي الشعبي وترويجه في الثقافة السائدة على أنه السبب الجذري للنزاعات بين هذه الاقليات. وعلى هذه الارضية ترعرعت نظريات لا حصر لها أزاحت مفاهيم الطبقة والصراع بين الطبقات كلية من معجمها واستخدمت العرق والاثنية لتفسير النزاعات بين الاقليات العرقية والاثنية وخلافاتها على تقاسم الموارد أي للتعبير عن مصالح هذه الاقلية او تلك مثل المخصصات الحكومية للخدمات الانمائية والصحية والتعليمية وغيرها من الخدمات الاجتماعية. وقد بلورت هذه الايديولوجيات العديد من المفاهيم والقيم والشعارت السياسية المشوهة، نسوق منها مثالين نرى أن لهما أبعد التأثير على نضال هذه الاقليات ومستقبلها:
(أ) إخفاء الصراع الطبقي أو تمويهه لتحل محله ايديولوجيات عرقية واثنية متصارعة تشوه الوعي الطبقي والاجتماعي وتبدد الجهود في معارك جانبية وتنسف نضالات هذه الاقليات في تناحرات لا نهاية لها.
(ب) تفسير الفقر وأسبابه وتبعاته على أنه ظاهرة "عرقية" أو "إثنية".

5) إتخذ نضال هذه المجموعات العرقية والاثنية في الولايات المتحدة ضد الاستغلال أشكالاً سياسية وإقتصادية مختلفة وتراكمت داخل هذه التشكيلات الاجتماعية، عبر مراحل النضال المختلفة والمتزامنة مع مراحل تطور النظام الرأسمالي، نزعات وميول وأشكال نضالية متفاوتة. ورغم تنوع أشكال النضال هذه، فان جذورها ظلت كامنة في طبيعة العلاقات الاقتصادية والاجتماعية السائدة والتناقضات التي تفرزها.
وهكذا نرى، على سبيل المثال، أنه كلما أرتقت أشكال النضال وكلما أحرزت هذه النضالات شيئاً من الانتصارات والانجازات، كلما ظهرت أشكال وعلاقات جديدة إستبدلت العلاقات الكلاسيكية أو تلك التي كانت قائمة في المراحل السابقة (علاقات الرق في الولايات المتحدة مثالاً).
ومع تطور أشكال النضال وتحديد المجموعات السكانية لموقعها في السياسة والمجتمع والاقتصاد والعملية الانتاجية، ومع تنامي قدرتها على التأثير في القرار السياسي وصعودهها في السلم الاجتماعي والسياسي، إتسعت مشاركتها في الصراع الذي إزدادت حدته.
صاحب هذين التطورين ـ صعود هذه المجموعات في سلم العملية السياسية وإستحواذها على نفوذ سياسي أكبر وتنامي دورها في الصراع القائم أولاً، وزوال الاشكال السابقة للاستغلال (الاشكال الكلاسيكية أو الاشكال الاستعمارية ـ الاستيطانية الخالصة) ثانياً، صاحبها إستمرار "النظام الاقتصادي الاستعماري" في النمو والتضخم متداخلاُ ومندمجاً في النظام الرأسمالي العالمي. ولهذا نرى أن القوى المساهمة في عملية التغيير الاجتماعي والاقتصادي وإحداث الثورة، كانت تتراوح بين نمطين للنضال: القومي والطبقي.

6) نتج عن هذه التغيرات في المواقع الطبقية إدخال مفاهيم ومفردات جديدة ذات دلالات معينة لتعبر عن الفوارق العرقية والاثنية بين هذه المجموعات. وأصبحت هذه المفردات مثل الابيض والاسود هي السائدة في وصف وتصنيف الآخرين وتحديد إنتسابهم لهذا الموقع الاجتماعي/الاقتصادي أو ذاك. فيصبح، على سبيل المثال، كون الاميركي أبيضاً أو أسوداً أداة معيارية وبنيوية أساسية للتصنيف العرقي أو الانتماء الاثني الذي يعكس الموقع الاجتماعي أو الاقتصادي لهؤلاء الافراد (كما هو حاصل أيضاً في العديد من بلدان أميركا اللاتينية او الكاريبي). وكثيراً ما نجد أن ما يسمى بالمشاكل العرقية في المجتمع الاميركي هي في حقيقة الامر مشاكل طبقية أو ذات جذور في الصراع الطبقي. بالطبع، فان هذا لا ينفي أن يكون لها جوانب عرقية أو إثنية والتي كثيراُ ما تتشابك في قضايا العرق والطبقة.

7) قد تتمايز الاقليات الاثنية من حيث الوطن الاصلي والثقافة والدين، إلاّ أن هذه العوامل تظل ثانوية في تحديد موقعها في عملية الانتاج والمجتمع والسياسة. أما السمة المشتركة التي تجمع بين هذه الاقليات وتشكل العامل الرئيسي في تحديد دورها وموقعها، ومن هنا جاءت تسميتها بالاقلية، فهي أنها مجموعة سكّانية ذات موقع خاضع وتابع للاغلبية البيضاء.

8) تشير تجارب الاقليات العرقية والاثنية في الولايات المتحدة، على ضوء ما يمكن استنباطه حتى هذه المرحلة من تطورها، الى أن الوعي العرقي والاثني بكافة أشكاله قد إستعصي على الذوبان أو الزوال ولم يتحول الى أشكال جديدة من الوعي الطبقي. ويبدو أن هذه التجارب تخالف ما طرحة بعض المحللين الماركسيين اللذين إفترضوا أنّ تقادم الفئات الاجتماعية وقدرتها على الديمومة والحفاظ على الذات على أساس العرق والاثنية، يشكل في الحقيقة شكلاً زائفاً وعابراً من أشكال الوعي مصيره ان يتلاشى ويذوب في الوعي الطبقي الذي سيحل محله. ويعزو بعض المنظرين الماركسيين ثبات هذا الوعي واستمراره بأشكاله العرقية والاثنية الى انه ليس "وعياً زائفاً" على الاطلاق كما نظّر الآخرون، بل هو وعي يقوم على فهم واقعي لعلاقة هذه المجموعات مع النظام الاقتصادي والسياسي السائد ـ النظام الرأسمالي ـ والتي هي علاقة متميزة وذات خصوصيات ومصالح معينة يتوجب الحفاظ عليها والدفاع عنها.

9) بين المظهر والجوهر: أدّى إزدياد عدد المهجرين الى المدن الاميركية، من حيث المظهر، الى التعددية الاثنية والتنوع الثقافي، إلاّ أن خلف هذه المظاهر يكمن الكثير من مظاهر العزل العرقي والفصل بين الاثنيات كانت حصيلته نسيج إجتماعي بالغ التعقيد.
ورغم أن هذه التعددية أدّت الى التداخل والتشابك في أنشطة الحياة اليومية وإقامة علاقات تبادلية في كافة المجالات (السكن والتعليم وأنشطة الاستهلاك وغيرها)، إلاّ أنه يبدو ان العمل (طبيعتة ومكانه) يظل الاستثناء الوحيد الذي يستعصي على إندماج هذه الاثنيات. فالتمييز والفصل على اسس الاثنية ما زال الشكل السائد في طبيعة وأماكن عمل المهاجرين الجدد.

10) نزوح البيض: مع وصول المهاجرين الجدد، يرتحل الاميركيون الى مدنٍ جديدة بحثاً عن مساكن جديدة وتجمعات سكّانية أكثر تجانساً. ويشكل البيض الاميركيون، وأغلبهم من الطبقة العاملة، الاغلبية العظمى من هؤلاء النازحين. ولا يكتفى بعضهم بالنزوح عن المدن والمراكز الصناعية الكبرى فحسب، بل كثيراً ما يغادرون المنطقة أو الولاية باسرها. أما أسباب هذا النزوح الابيض فتعود الى المزاحمة على الاشغال والوظائف والسكن وفقدان النفوذ السياسي أو الخوف من ذلك، إضافة الى التغييرات التي تصيب مظاهر وأسلوب الحياة.

نهاية مشروع "البوتقة الاميركية"؟

تتردد في الثقافة السائدة الاميركية منذ بدايات القرن العشرين مقولة "البوتقة الاميركية الواحدة"
(the melting pot) حيث تذوب كافة الاعراق والاثنيات في المجتمع الاميركي لتخلق مجتمعاّ متعدد الثقافات ومتجانساّ. ولا يعنينا في سياق هذه الدراسة أن كان المشروع حلما تعذر تحقيقه، أم مشروعاً أمميا مخلصاً أو طوباويا أندثر مع غيره من مقولات ذلك القرن، وبغض النظر عما يثار من تساؤلات وشكوك من أنه القي الى الشارع الاميركي تحت ضغط موجات الهجرة آنذاك أو بهدف الهاء الجماهير.
أما على صعيد الممارسات والحياة اليومية الاميركية، فتشير الدراسات الى أن العوامل الاثنية هي الاكثر تأثيراً بين التجمعات السكانية في الولايات المتحدة وهي التي تحدد الهموم والمصالح والتي تصنع القرار السياسي وتصوغ الموقف إزاء القضايا السياسية والاجتماعية وشؤون الانتخابات والتصويت أو الانشطة الثقافية والعلاقات الاسرية والاجتماعية والمدارس ودور العبادة التي يؤمونها وغيرها من جوانب حياة الفرد والجماعة. قد يستعصي تقديم إحصاءات عينية لاثبات هذه المشاهدات، وحتى لو توفرت مثل هذه المعلومات فمن يدري إن كانت ستوضع في متناول الجمهور العام، إلاّ أنه ليس من العسير ملاحظة هذه الامور في الحياة اليومية.
أنظر، على سبيل المثال، كيف تتوزع البرامج والمحطات التلفزيونية على أساس الاقليات العرقية والاثنية. ويمكننا سحب الاستنتاج ذاته على الكنائس ودور العبادة والمدارس الثانوية والاتحادات الطلابية في المدارس والجامعات (مثل إتحاد الطلاب السود، الطلاب اللاتينو وغيرها) ولكل منهم نشاطاتهم الخاصة ومجلاتهم ونشراتهم.
أما بالنسبة للمهاجرين الجدد (القادمين الى الولايات المتحدة في العقود الاخيرة وخصوصاً بعد سبعينات القرن الماضي) وبسبب ما حلّ بالاقتصاد الاميركي من ضعف في الصناعة الانتاجية وتحوله الى إقتصاد خدمات، فتشير الدرسات الى أن إمكانية إندماجهم في البوتقة الواحدة يزداد تعقيداً وصعوبة. فيما يلي بعض الخصائص التي تميز هؤلاء المهاجرين الجدد وتلقي بعض الضوء على المستقبل:
ـ 12% منهم يحملون مؤهلات جامعية مقابل 8% بين الاميركيين؛
ـ ما يزيد على ثلثهم لم ينهي الدراسة الثانوية، مقابل نصف هذه النسبة بين الاميركيين؛
ـ يعاني المهاجرون القادمون الى الولايات المتحدة بعد عام 1970 من الفقر اكثر من أقرانهم الذين قدموا الى البلاد قبل ذلك العام؛
ـ يقيم هؤلاء المهاجرون من بلدان أميركا اللاتينية في أحيائهم المغلقة (barrios) ويعانون، نتيجة ذلك، من التخلف في تعلم اللغة الانكليزية والاندماج في الحياة الاميركية؛
ـ لا يقطن هؤلاء المهاجرون المدن الاميركية بالتساوي بل يتكدسوا في المدن الكبيرة وخصوصا الساحلية منها (مثل لوس أنجلس، نيويورك، سان فرانسيسكو، شيكاغو، ميامي، وشنطن، وهيوستن). وفي حين تشكل هذه المدن أكثر من 25% من سكان الولايات المتحدة، فانها تضم أكثر من 60% من مجموع الاجانب.
ـ تشير المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية الى أن فرص إرتقاء هؤلاء المهاجرين وأبنائهم في السلم الاقتصادي والاجتماعي وتحسين أوضاعهم الاقتصادية والمهنية والتعليمية، لهي فرص ضئيلة. ويعني هذا انهم سيظلون (وأبناؤهم أيصاً) ضمن المستويات المتدنية من الاقتصاد في حين تستمر الاغلبية البيضاء في الهيمنة على المستويات العليا له.
ومن الواضح أنه لا يمكن التقليل من تداعيات هذه الاوضاع على مستقبل الاقليات الاثنية وإتساع الفجوة الطبقية والاجتماعية والاقتصادية بينها وبين الاغلبية البيضاء. يكون السؤال اذن، إذا صح ما تشير اليه هذه الدراسات، وإذا ما تعمق هذا التوجه، فهل ستبقى هناك إمكانية أو حيزاً "لاميركا واحدة متجانسة ومتماسكة"؟ وهل أميركا حقاً قلقة على المستقبل، على فقدان الوجدان المشترك والشعور الوجودي الاميركي المشترك، أم أن الطبقة الحاكمة راضية عن هذه الاوضاع وتوجهاتها على المدى البعيد؟
ليست أميركا، كما نراها اليوم ومهما بلغ بنا التفاؤل، بوتقة إجتماعية وبشرية متجانسة بل هي كتلة سكانية تتكون من مجموعات عرقية وإثنية تجمهعا جغرافية واحدة، وإن كانت هذه الجغرافية أيضا مفصلة حسب العرق والاثنية ولون البشرة، وهي أيضا مجموعات لا تتشارك في المسيرة الواحدة ولا تتحرك بالضرورة في اتجاه واحد، بل هي مجموعات تلتقي أحياناً وتتصارع أحياناً أخرى.
كنعان ـ النشرة الألكترونيةِ ـ العدد 483
2004 15 أكتوبر
www.Kanaanonline.org



#مسعد_عربيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العرب الاميركيون والانتخابات الاميركية: إشكاليات وتحديات
- الانتخابات الاميركية ـ الرئيس الاميركي: نموذجاً أم استثناءً؟
- مشاهدات مغترب في إشكاليات الانتخابات الاميركية ـ الحلقة الاو ...
- بين ناصر ولينين تأملات في الموت المبكّر وإغتيال الحلم
- الانتفاضة الساباتية بعد عشرة اعوام: مرحلة جديدة أم خيار بين ...
- في رحيل إدوارد سعيد مفكراً وإنساناً
- الهيمنة المطلقة...خواطر في اسلحة الدمار -الاشمل
- تشى غيفارا ... والحضور الدائم خواطر في الغيفارية في زمن العو ...
- مستقبل الاشتراكية في كوبا: اشكاليات الحاضر وتحديات المستقبل


المزيد.....




- اتفقت مع قاتل مأجور.. نائبة الرئيس الفلبيني تهدد علنا باغتيا ...
- العثور على جثة الحاخام المفقود في الإمارات وتل أبيب تعتبر ال ...
- سكوت ريتر: بايدن قادر على إشعال حرب نووية قبل تولي ترامب منص ...
- شقيقة الملك تشارلز تحرج زوجته كاميلا وتمنعها من كسر البروتوك ...
- خبير عسكري روسي: واشنطن أبلغت فرنسا وبريطانيا مباشرة بإطلاق ...
- الجيش الإسرائيلي ينذر سكان 5 بلدات في جنوب لبنان بإخلائها
- سحابة تسقط من السماء في إندونيسيا: سئمت من الطقس الممطر هناك ...
- ترامب يستكمل تشكيلة حكومة باختيار بروك رولينز وزيرةً للزراعة ...
- ترامب ينتهي من تشكيل إدارته باختيار وزيرة لتولي حقيبة الزراع ...
- بوتين يوقع مرسوما: قاتل وسدد ديونك مع زوجتك


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - مسعد عربيد - العرب الاميركيون والانتخابات الاميركية: مفاهيم وخلفيات