|
العلمانية كحقيقة ( الإنسان بطبعه ميال إلى العلمانية لأنه كائن يعيش في العالم)
نبيل عبد الأمير الربيعي
كاتب. وباحث
(Nabeel Abd Al- Ameer Alrubaiy)
الحوار المتمدن-العدد: 3311 - 2011 / 3 / 20 - 12:54
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
العلمانية كحقيقة ( الإنسان بطبعه ميال إلى العلمانية لأنه كائن يعيش في العالم) تعريف العلمانية هو استخدام أساليب المنهج العلمي البحثي التجريبي القائم على العقل العلمي في إدارة جميع شئون الحياة بعيدا عن أي معتقدات دينية لاهوتيه بأي شكل من الأشكال - حيث أن المعتقدات الدينية بطبيعتها تقسم البشر لأصناف بين أتباع مؤمنين ومخالفين غير مؤمنين. فالعلمانية لا تنهى عن اتباع دين معين أو ملة معينة، بل تنادى فقط بأن يتم فصل الدين عن السياسة والدولة، وبأن تكون الأديان هي معتنق شخصي بين الإنسان وربه. " ، فهي تعني مثلاً السياسة اللادينية البحتة في الحكومة". "وهي نظام اجتماعي في الأخلاق، مؤسس على فكرة وجوب قيام القيم السلوكية والخلقية على اعتبارات الحياة المعاصرة والتضامن الاجتماعي، دون النظر إلى الدين. على المستوي السياسي تطالب العلمانية بحرية الاعتقاد وتحرير المعتقدات الدينية من تدخل الحكومات والأنظمة، وذلك بفصل الدولة عن أية معتقدات دينية أو غيبية. ان افضل تعريف للعلمانية من وجهة نظري هي ـ اللا اتجاه ـ فالعلمانية هي الوقوف على مسافة متساوية من جميع الاتجاهات، ولكن بعض العرب يصفها بانها تطرف بالاتجاه المعاكس، اي اليساري، وهم يقدمون تعرفيهم هذا، بسبب وقوف العلمانية موقف المتشدد امام الحركات الدينية المتطرفة. العلمانية بمعناها الأشمل الذي يعني فصل الدين عن الحياة (ومن ضمنها الحياة الشخصية) قد يكون هو الأكثر تميّزا من معاني العلمانية عن المفردات الاُخرى بينما قد يشترك اللفظ لمن يعرّفها بمعناها الضيق والذي يعني فصل الدين عن الدولة مع بعض مبادئ الليبرالية. الديمقراطية الحجج التي تدعم العلمانية تختلف اختلافاً كبيراً. وقد ذهب البعض إلى أن العــمانية ويعلن العلمانيين وعلى أرض الواقع (العرب باللأخص)أنهم يؤمنون بالدين ولكن بشكل تجديدي عصري، متطور متحرك. فيتحول الخلاف الرئيس بين المؤيدين والمعارضين للعلمانية (اللادينية) إلى اختلاف حول طبيعة الإنسان ما بين الثبات والتغير؛ وموقف الشريعة من ذلك ما بين الجمود والمرونة. فيرى العلمانيون أن الإنسان كائن متغير ومن ثم ينبغي أن تكون الأحكام التي تنظم حياته متغيرة، فلا تصلح له شريعة جوهرها الثبات. وأن هذا يعني الحجر على الإنسان والحكم عليه بالجمود الأبدي. الدولة العلمانيةمن الناحية السياسية، العلمانية هي حركة في اتجاه الفصل بين الدين والحكومة (وغالباً ما كان يطلق عليه الفصل بين الكنيسة والدولة)، ويمكن الرجوع إلى هذا الحد من العلاقات بين الحكومة ودين الدولة ، والقضاء على التمييز على أساس الدين. هذا ويقال أن العلمانية تضيف إلى الديمقراطية عن طريق حماية حقوق الأقليات الدينية. ان معظم الأديان الرئيسية تقبل أسبقية قواعد العلمانية والمجتمع الديمقراطي، ولكن ربما لا تزال تسعى إلى التأثير في القرارات السياسية أو تحقيق مزايا محددة أو النفوذ من خلال اتفاقات بين الكنيسة والدولة. كثير من المسيحيين دعم دولة علمانية، ويمكن أن نعترف بأن الفكرة قد دعمت في تعاليم الكتاب المقدس، "إعطاء ما لقيصر لقيصر وما هو لله لله. تعارض العلمانية أهم القوى الأصولية الدينية في العالم المعاصر وهي الأصولية المسيحية والإسلام الأصولي. وفي الوقت نفسه، تضم التيارات العلمانية الكثير من الأقليات الدينية والإثنية الذين يرون الحكومية والسياسية العلمانية جزءاً لا يتجزأ من الحفاظ على المساواة في الحقوق.
مراحل العلمانيةمرّت العلمانية الشاملة بثلاث مراحل أساسية: 1-مرحلة التحديث اتسمت هذه المرحلة بسيطرة الفكر النفعي على جوانب الحياة بصورة عامة، فلقد كانت الزيادة المطردة من الإنتاج هي الهدف النهائي من الوجود في الكون، ولذلك ظهرت الدولة القومية العلمانية في الداخل والاستعمار الأوروبي في الخارج لضمان تحقيق هذه الزيادة الإنتاجية. واستندت هذه المرحلة إلى رؤية فلسفية تؤمن بشكل مطلق بالمادية وتتبنى العلم والتكنولوجيا المنفصلين عن القيمة، وانعكس ذلك على توليد نظريات أخلاقيّة ومادية تدعو بشكل ما لتنميط الحياة، وتآكل المؤسسات الوسيطة مثل الأسرة. 2-مرحلة الحداثة هي مرحلة انتقالية قصيرة استمرت فيها سيادة الفكر النفعي مع تزايد وتعمق آثاره على كافة أصعدة الحياة، فلقد واجهت الدولة القومية تحديات بظهور النزعات العرقية، وكذلك أصبحت حركيات السوق (الخالية من القيم) تهدد سيادة الدولة القومية، واستبدل الاستعمار العسكري بأشكال أخرى من الاستعمار السياسي والاقتصادي والثقافي، واتجه السلوك العام نحو الاستهلاكية الشرهة. 3-مرحلة ما بعد الحداثة في هذه المرحلة أصبح الاستهلاك هو الهدف النهائي من الوجود ومحركه اللذة الخاصة، واتسعت معدلات العولمة لتتضخم مؤسسات الشركات متعددة الجنسيات والمنظمات غير الحكومية الدولية وتتحول القضايا العالمية من الاستعمار والتحرّر إلى قضايا البيئة والإيدز وثورة المعلومات، وتضعف المؤسسات الاجتماعية الوسيطة مثل الأسرة، لتحل محلها تعريفات جديدة للأسرة مثل رجلان وأطفال أو امرأة وطفل أو امرأتان وأطفال، كل ذلك مستنداً على خلفية من غياب الثوابت والمعايير الحاكمة لأخلاقيات المجتمع والتطور التكنولوجي الذي يتيح بدائل لم تكن موجودة من قبل في مجال الهندسة الوراثية.
العلمانية والدين
أن هناك سوء فهم للعلمانية سواء كان متعمداً أو غير متعمد، وهو المتمثل في إشاعة أنها مناهضة للدين، فالعلمانية والدين ليسا من نفس القبيل، فالعلمانية مبدأ لتنظيم حياة المجتمع فهو لا يلغي الدين باعتباره حياة روحية تخص الأفراد أو المجموعات، فالعلمانية ليست مذهباً بقدر ما هي فضاء يستوعب جميع المذاهب، وهي بذلك اطار فارغ بمنزلة ارضية صلبة وضرورية لتعايش كل المذاهب وكل الأديان والمعتقدات، فهذا هو تعريف آخر للعلمانية في النصف الثاني من القرن العشرين وفي بداية القرن الحادي والعشرين. أقوال موجزة الفصل بين السياسة والدين لا يهدف إلى تجنب العنف والصراع الدامي بين المختلفين، بل إلى تجنب العنف الهادئ المرئي، فالعلمانية تحمي من العنف بين المختلفين. - الإنسان لا يخلو من التوق والشوق إلى التغيير ومن الرهبة إلى التجاوز، فالإنسان حيوان يريد تجاوز ظروفه التاريخية، لكنه لا يستطيع القفز إلى هذه الظروف، فهو يشير إلى هذه الأفق انطلاقاً من الأرض وعيناه إلى السما. - العلمانية يمكن أن تساهم في الحماية من المقدس المتوحش، فماذا فعل المسلمون في الجزائر؟ ذبحوا الناس فهذا ما نسمية المقدس المتوح. - العلمانية ليست ضد الدين بل ضد الدين المتسلط، فهي بإيجاز تحمي البشر من التسلط الديني - الواقع متعلمن أساساً رغم الإنكار المتواصل لمبدأ العلمانية، فلولا العلمانية لما أمكننا التعايش، فالإنسان بطبعه ميال إلى العلمانية لأنه كائن يعيش في العالم
- نقيض العلمنة أزمات تديّن إفراطي تظهر من حين إلى آخر، لكنها استفحلت في عصرنا الحديث
: خصائص العَلمانية والآن كيف يمكن الانتقال من عَلمانية الشعار الإيديولوجي واللغة السجالية، التي كثيرًا ما وسمت الفكر العربي المعاصر، إلى عَلمانية أخرى أرحب وأكثر إيجابية، تشكل موقفًا شاملاً ومتماسكًا حول قضايا الإنسان والدين والمجتمع، فتفسح المجال للتنوع والتمايز، مرتكزة على التعددية والاعتراف بالآخر، وتكون، بالتالي، مبدأ أصيلاً وضروريًّا للبشرية كلما نشب الصراع بين استقلالية الفكر وخضوعه؟ ما هي الخصائص الأساسية التي تشكل قوام هذه العَلمانية؟ وما هي ضروراتها؟
1-القدرة الاستيعابية التي توفِّرها للمجتمعات المعاصرة،:المتكثِّرة الأديان والطوائف والأعراق. إنها توفِّر لها جميعًا الأطُر المرجعية المحايدة للحوار فيما بينها، وتوفِّر لها الأرضية العمومية للمصالح المشتركة التي يمكن الاحتكام إليها عند اللزوم، كما توفِّر لها المقولات الكلِّية والتصورات المعرفية العابرة للخصوصيات الدينية، التي تتحول إلى أدوات تتوسط التناقضات الإيمانية وإلى ميكانزمات وآليات عمل لامتصاص الصدمات والهزات التي لا بدَّ أن تعصف بمثل هذه المجتمعات من حين لآخر.
2-الحياد الإيجابي للدولة: بأجهزتها وأدواتها وممثليها ومؤسساتها، إزاء الأديان والمذاهب والطوائف والأعراق. تتبدى أهمية هذه الخاصية في أثناء غياب دور الدولة وفي فترات اندلاع الحروب الأهلية: فمن لبنان، إلى أفغانستان، إلى جمهوريات يوغسلافيا السابقة، إلى رواندا، وانتهاءً بالوضع المأساوي في العراق، يتبين في وضوح كم هي مرعبة ولاعقلانية محاولاتُ السيطرة وتكريس التفرد لأيِّ طرف عبر العنف وإلغاء الآخر، حتى لو كان الثمن دفع الجميع إلى الهاوية! فهل ينطوي هذا الخراب كله على "حكمة" ما؟! وهل لنا أن نكلِّف أنفسنا عناء البحث عنها؟!
3-المساواة بين جميع المواطنين: ذكورًا وإناثًا، أمام القانون ومساواتهم في الفرص والمسؤوليات والواجبات والحريات إلخ، بغضِّ النظر عن قناعاتهم الدينية، وبغضِّ النظر عن انتماءاتهم المذهبية أو الطائفية أو الميتافيزيقية أو غيرها. فالعَلمانية، بهذا المعنى، ضرورة اجتماعية وسياسية، لما توفِّره من اتساع في مجال الحريات بالمقارنة مع أيِّ حكم ذي طابع ديني أو مذهبي يمكِّن الأغلبيةَ من اضطهاد الأقلِّيات ويقوِّي المذهب السائد على المذاهب المَسُودة الأخرى. فالحريات العامة، وخصوصًا حرية الاعتقاد والتفكير، يمكن أن تقيَّد وتُهدَر إذا كان الحكمُ مستندًا إلى حقائق مطلقة تعتبر كلَّ مَن يخالفها منحرفًا. ووفقًا للاعتبارات السابقة، تكون العَلمانية حاجةً دائمة تفرض نفسَها كضرورة معرفية على كلِّ مجتمع مهدد بطغيان التفكير الغيبي السلطوي ومهدد بقولبة التفكير وانتزاع القدرة على التساؤل والنقد والبحث المستقل.
العلمانية.. هي الحل نعم العلمانية هي الحل، ولكن ليس في مواجهة شعار "الإسلام.. هو الحل". فالعلمانية ليست موازية للإسلام أو معاكسة له. فهما من جنسين مختلفين. الأول دين بينما الثانية تنظيم مدني. ولهذا يصدق القول بأن الإنسان يمكنه أن يكون متدينا وعلمانيا في الوقت نفسه. كما أنه ليس كل علماني هو ضد الدين. أو كل متدين هو ضد العلمانية. وحين نقول إن العلمانية هي الحل، فنحن نقصد أنها حل للصراعات الدينية والطائفية في منطقتنا، ووقف للهدر في الطاقات والإمكانيات ووقت البشر الذي يضيع نتيجة المشاحنات والنزاعات ذات الطابع الديني. لكن قبل الاسترسال في الحديث من الإنصاف أن نجيب على السؤال التالي: أي علمانية نقصد؟ هل هي تلك التي يقدمها بعض رموز الإسلام السياسي، ويصرون فيها على أنها تعني فصل الدين والشؤون الدينية عن الحياة؟ أي إقصاء للدين من حياة الناس؟ المؤسف أن الغبار الكثيف الذي أثاره ويثيره الإسلاميون (وليس المسلمين) حول العلمانية منذ عقود، تمكن من حجب أهم معانيها وطبيعتها لدى العامة. عامة الناس اصبحوا بنتيجة حملات التزييف والتضليل يرددون بأن العلمانية هي فصل الدين عن الحياة. العلمانية التي نقصدها والتي يفهمها معظم سكان العالم هي فصل المؤسسة الدينية عن المؤسسة السياسية (وليس الدين عن السياسة) وبين رجل الدين ورجل السياسة، والعكس صحيح ايضا، أي إبعاد المؤسسة السياسية عن التأثير في المؤسسة الدينية، وابعاد رجل السياسة عن فرض ميوله الدينية. هذا هو التعريف الذي نصادفه في جميع المراجع الأجنبية تقريبا. أما المراجع العربية فيندر فيها ذلك. الأولى، التأكيد على حرية التدين، وعدم فرض الحكومة لدين معين على الناس، وأن تكون الدولة محايدة في شؤون الاعتقاد، ولا تمنح امتيازات حكومية أو إعانات لأتباع الأديان. والثانية، تشير الى الاعتقاد بأن نشاطات الإنسان وقرارته، لا سيما السياسية منها، ينبغي أن تستند على الأدلة والحقائق، وليس التأثيرات الدينية. وما يبدو واضحا من المعنيين، هو أن النص الأول يقول إن العلمانية هي إقصاء الدين عن أمور الحياة، وبالتالي فالعلمانية هي ضد الدين وعامل نفي له. بينما التعريف الثاني يشدد على حياد الدولة في شؤون الدين، وإبعاد الدين عن المجال السياسي. هذا على مستوى المصطلح، أما على مستوى الواقع العملي، فنجد أيضا أن ممارسة العلمانية تعني خلاف ما يقوله منظرو الإسلام السياسي. وسواء في أوروبا أو أمريكا فإن العلمانية لم تعن في اي وقت إقصاء الدين عن الحياة. بدليل وجود المؤسسات الدينية من كنائس ومساجد ومعابد يهودية وبوذية هندوسية... الخ. وبدليل ممارسة أتباع هذه الاديان طقوسهم بحرية تامة، وفي ظل حماية الدولة. بل أنه في بلد مثل أمريكا يجري على الدوام التذكير واحياء المناسبات الدينية لمعظم الأديان. ويشجع المسؤولون الرسميون سواء على المستوى الفيدرالي أوالمحلي الناس على التمسك بعاداتهم وتقاليدهم ذات المنشأ الديني. كما يقوم المسؤولون بزيارة دور العبادة، والاجتماع مع ممثليها، في لفتات رمزية على الترحيب والاحترام.
والملاحظ أيضا هو ان التدين لا يقل أو يضعف حيث يجري تطبيق العلمانية، كما أنه لم يثبت ان زاد التدين في البلدان التي لا تطبق العلمانية. أما المتضررون من العلمانية فهم ليسوا عامة الناس، وإنما هم رجال الدين والمؤسسة الدينية. فهؤلاء اعتادوا على مر التاريخ أن تكون لهم سلطة وامتيازات في مواجهة العامة، يستمدونها من موقعهم الديني. في ظل العلمانية يعود رجل الدين إلى دوره وحجمه الطبيعي، وهو التخصص في شؤون العقيدة وتكون ساحته هي المؤسسة الدينية، ويكون الإنسان ـ المواطن، حر في ان يذهب إلى هذه المؤسسة أو لا يذهب، يأخذ برأي رجل الدين أو لا يأخذ. وليس للدولة أن تعاقبه أو تحد من حرية لهذا السبب، كما أنه ليس لها أن تكافئه على هذا السلوك. فالدولة محايدة تجاه شؤون العقيدة والاعتقاد. وقصارى القول إن العلمانية في حقيقتها ليست موجهة ضد الدين، فهي ليست دينا آخر، ولكنها وسيلة لتنظيم العلاقة بين السياسي والديني. وقد أصبح وجودها ضرورة بعد نشوء الدولة الحديثة، التي باتت تتكون من جمهور المواطنين، بديلا عن جماعة المؤمنين، كما في الدولة القديمة. ولأن الأساس في المواطنة هو انتماء المواطن الى الدولة والخضوع لقوانينها، في مقابل حمايتها له، على عكس الدولة القديمة (ما قبل الحديثة) التي كانت تقوم على الانتماء الديني، فإن فصل المؤسسة الدينية عن المؤسسة السياسية، يهدف في الأساس إلى حماية فكرة المواطنة وترسيخها. أي حماية أحد ابرز الأسس للدولة الحديثة. ولما كان الأمر كذلك، فإنه تصبح العلمانية شرطا لا بد منه للانتقال من دولة الأديان إلى دولة الأوطان، ومن دولة المتدينين إلى دولة المواطنين، ولذلك قلنا إنها الحل.
العلمانية احترام للفكر وحماية للدين
الدولة العلمانية لاتحمي الحكومة من تدخل رجال الدين فقط، بل تحمي الدين من تدخل الحكومة واستخدامه لمصلحتها او لتبرير افعالها، العلمانية ليست الحادا كما يحاول بعض المتطرفين تشويهها وتخويف الناس منها مستغلين جهل البعض بالمصطلح بل هي احترام لجميع الاديان والمذاهب والمساواة بينها واطلاق حرية الفرد في اختيار دينه ومعتقده وطريقة تعبده. وهي تمنع الحكومة من فرض دين او مذهب معين على الناس،بل انها تفرض على الدولة ان تتخذ موقفا محايدا من الاديان وتقف على مسافة واحدة منها وان لا تعطي اي امتيازات أو اعانات إلى دين على حساب اخر. وبمعنى آخر تؤكد العلمانية ان الانشطة البشرية والقرارات الحياتية الدنيوية سواء كانت سياسية او غيرها يجب ان تستند إلى الأدلة والحقيقة العلمية بعيدا عن التأثير الديني الغيبي. والفرق بين الدولة العلمانية والدولة الدينية هي ان الاولى تعتمد على تشريع القوانين من قبل برلمان او هيئة منتخبة لديها خبراء ومستشارين متخصصين في مختلف العلوم، فضلا عن ان تشريع القوانين يتم تحت رقابة الرأي العام الذي ينتقد ويشخص نقاط الضعف ومواطن الخلل ويضع الحلول لها، وبعبارة اخرى لايتم تشريع أي قانون الا بعد اشراك جميع فئات الشعب في صنعه، اما الاخيرة "الدولة الدينية" فتقوم على الفتوى من شخص واحد كل مؤهلاته انه متخصص في الفقه، وهنا تكمن الخطورة وهو ان يكون مصير شعب ودولة بيد شخص واحد، وهي دكتاتورية وشمولية أخطر من توتاليتارية الحزب الواحد التي حكمت العراق نحو اربعة عقود. يحاول بعض رجال الدين تحميل العلمانية مسؤولية الشمولية التي حكمت معظم دول العالم العربي خلال العقود الستة الماضية، لكن هؤلاء اما جاهلون او يحاولون تضليل الناس لان مبدأ العلمانية يقوم على احترام الدين وحرية المعتقد،وجميع من حكموا خلال تلك الفترة فرضوا دينهم بل وحتى مذهبهم وجعلوه هو الحاكم، وحولوا مفاصل الحكومة ورجالها الى مبشرين بالدين الرسمي للدولة،فكان حكمهم أقرب الى الشمولية الدينية التي تتلائم وهوى الحاكم منها الى العلمانية التي ترتكز على الفصل بين الدين والدولة حفاظا على قدسية الدين وحتى لا يتم استغلاله في تبرير اخطاء الدولة، او ان يتم تحريفه لمصلحة الدولة او الحاكم. ولم تبدأ العلمانية مع الثورة الفرنسية عام 1789 او هي ردا على استبداد وطغيان الكنيسة في اوربا، بل ان اول معالمها وضعها العالم والفيلسوف العربي ابن رشد على الرغم انه من علماء الدين وتبعه جملة من العلماء المتأخرين من السنة والشيعة امثال محمد عبده وعبد الرحمان الكواكبي وجمال الدين الافغاني والاخوند الخرساني وهبة الدين الشهرستاني والشيخ محمد حسين النائيني والسيد ابو القاسم الخوئي وهؤلاء جميعهم دعوا الى الفصل بين الدين والدولة و رفضوا حكم الفقهاء او مايسمى بـ"ولاية الفقيه " عند الشيعة و الخلافة او امارة المؤمنين عند السنة، لان الحالتين هما محاولة لاستعباد الناس وتحويل رجال الدين الى مالكين واقطاعيين وقد حذر منها القران الكريم (اتخذوا احبارهم ورهبانهم اربابا من دون الله)، والارباب هنا بحسب المفسرين لاتعني الالوهية بل ان رجال الدين اليهود حولوا اتباع ديانتهم الى عبيد لهم، وهم مالكي رقابهم يملكونهم واسرهم واموالهم واباحوا لانفسهم حق التصرف بهم لان الناس عندهم ليس الا جزء من املاكهم واموالهم، وهذا مايحاول اعادة صناعته بعض رجال الدين المسلمين اليوم، وهو ما وقف ضده هؤلاء العلماء. وذهب الشيخ النائيني الى ابعد من ذلك حيث حذر من الاستبداد الديني وعده "اسوأ انواع الاستبداد لانه يؤطر بالقدسية "، كما حذر في رسالته "تنبيه الامة وتنزيه الملة " التي صدرت عام 1909 من ما اسمها "شعبة الاستبداد الديني "، ومن توحد المستبدين وهما "الاستبداد السياسي والاستبداد الديني "، وهؤلاء العلماء وغيرهم اعتمدوا على العشرات من النصوص من قبيل " فذكر انما انت مذكر لست عليهم بمسيطر "، "وما عليك الا البلاغ " وغيرها. واثبتت التجارب ان الاديان تنتعش والايمان يقوى و يعزز أكثر في الدول العلمانية الديمقراطية لان الانسان يكون مختارا للايمان وليس مجبورا عليه كما ان حرية المعتقد والتعددية الدينية التي تكفلها الدولة العلمانية ستحرك المياه الراكدة وتحفز كل اتباع دين على المحافظة على دينهم ومحاولة نشره، اضافة الى ان اخطاء السياسيين في الدولة العلمانية يتحملها الساسة وحدهم، و لا يتحملها دينهم او مذهبهم، اما الاخطاء في الدولة الدينية فتنعكس سلبا على الدين والمذهب. وهناك حالة نفسية تتحكم بالطبيعة البشرية تجعله اكثر ميلا ورغبة لما يمنع منه، والتمرد على مااجبر عليه لان "الانسان حريص على ما منع "، وهذا يظهر واضحا في دولتين حاولتا أكراه الناس على الدين وهما ايران والسعودية، حيث تشير الاحصائيات الى تفشي الشذوذ الاخلاقي والجنسي، وتعاطي المخدرات والمشروبات الكحولية التي تدخل البلدين بصورة غير شرعية، والى ازدياد اعداد الملحدين و اللادينين و الحاقدين على رجال الدين في هاتين الدولتين. لا يمكن ان يكون الدين اي دين موحدا وجامعا لشعب من الشعوب لان حتى اتباع الدين الواحد يختلفون في فهمهم للدين وفي تفسير النصوص الموروثة،فكيف مع تعددية الاديان في الدولة الواحدة؟ تطبيق احكام اي دين او مذهب معناه اشعال حرب طائفية او دينية لا تتوقف الا بابادة الجميع، الجامع للشعب هو الوطن والعلم و المنطق، ومصلحة مشتركة هم يقدروها ويضعون القوانين التي تحميها وتسهم في احلال السلام المجتمعي والتقدم المدني والرخاء الاقتصادي والتطور التكنولوجي وهذا لايتم الا بتحقيق المساواة بين ابناء البلد الواحد، والتعامل على اساس المواطنة بغض النظر عن الخلفية الدينية والمذهبية والقومية، وهذا لايتم الا باعتماد العلمانية الليبرالية التي تقف بالضد من جميع المعتقدات الشمولية سواء كانت دينية او قومية او ماركسية.
العلمانية الكاملة -تعطوا ما لقيصر لقيصر و ما لله لله تعتبر العلمانية أكبر خطر يواجهه الحكومات الديكتاتورية و علي رأسها حكومات العالم العربي. و الكثير من القراء قد يظنوا أن العلمانية هي مذهب إنساني حديث يتعارض مع الايديولوجيات الثقافية أو الاجتماعية السياسية أو الدينية. و قبل أن نستنتج وضع العلمانية الصحيح بين كل هذه إسمح لي ياقارئي العزيز أن أبين لك إن العلمانية هي أهم نواتج المفهوم السليم للدين منذ وجود الانسان علي الارض. و بدون الدخول في نقاش مذهبي فأنا أعتقد أيضا إن نظم الحياة و الحكم في أي دولة أو مجتمع علي وجه الارض ليس له الا شكلين لا ثالث لهما الاول الشكل الديموقراطي و هو النظام الذي فيه يتحمل الافراد أو مجموع الشعب تدبير و تسيير شئون حياته و معاملاته بنفسه علي أسس من الحرية الفردية التي تحترم و تقنن حرية الجميع الذي هو العلمانية الكاملة . و الثاني هو النظام الديكتاتوري الذي فيه يتحكم فرد أو مجموعة من الافراد الصفوة في جميع شؤن الدولة و المجتمع لصالح المجموعة المتميزة أو الصفوة و هذا النظام قد ينتج إما عن الاخذ بمقاليد الحكم عنوة أو بتكاسل الافراد عن القيام بمسؤليتهم فيتم تسليم مقاليد الامور الي فرد أو صفوة من الافراد يتحكمون في الشعب حسب نظرتهم الخاصة التي قد تكون دينية أو لا دينية و كلها بحسب الفلسفات و المبادئ التي تفرضها الصفوة الحاكمة علي الشعب المحكوم في غياب من العلمانية سواء كانت مبادئ و فلسفات هذا الديكتاتور موافقة أو معارضة لمجموع الشعب و أنا أرجو أن ترجع يا قارئي العزيز الي عنوان هذه المقالة الذي إقتبست له قولا مأثورا عن يسوع الناصري النجار الذي عاش في أرض فلسطين قبل حوالي 2000 سنة و قدجاءت عبارته هذه ردا علي سؤال وجهه اليه قادة الدين اليهودي بما معناه هل يجوز دفع الضرائب للحكومة الرومانية المحتلة؟ و هو سؤال إذا أتت إجابته عليه بنعم فَسَيٌعَد يسوع متواطئ مع الاحتلال الروماني ضد شعب إسرائيل و إذا أجاب ب "لا" فمعني هذا أنه ثورجي يدعو للثورة ضد الرومان. و من هنا نستطيع أن نفهم إن الاجابة التي رد بها يسوع علي هذا السؤال تشكل منهجا فكريا في كيفية التوفيق بين العقيدة الشخصية للانسان و بين متطلبات الحياة السياسية في إدارة الدولة و بالرجوع الي النصوص التوراتية في خلق الانسان نجد أن السبب الذي ذكره الله عن خلقه للانسان هو أنه قد خلقه ليتسلط علي الارض و يعملها و يحفظها و ليس في النصوص التوراتية التي تحكي لنا عن الخليقة و الانسان الاول ما يدل علي ما يزعم به البعض من أن الانسان قد خُلِق ليسبح و يعبد الله و يقضي حياته ليل نهار في التسابيح و الصلوات و الابتهالات و يَشُق فكره و جهده في الحرام و الحلال و الصوم و العبادة و قد يرتاع بعض المتدينين و بعضا ممن يعرفونني سيعتقدون إنني إنقلبت رأسا علي عقب لكنني أهيب بالكل أن يقرأ النصوص التوراتية قراءة صحيحة فلقد قال الله و أوصي الانسان أول ما خلقه: أكثروا و أثمروا و إملاؤا الارض و أخضعوها و هو قال نخلق الانسان علي صورتنا كشبهنا فيتسلطون علي سمك البحر و علي طير السماء و علي البهائم و علي كل الارض
و نستطيع أن نفهم من الصورةالتي خلق الله عليها أبوينا الاولين أن الله أعدّهما ليكوّنا مجتمعا بل و مجتمعات عديدة تهتم بالارض و شؤنها و تحكمها و إن وجوده مع الانسان إنما هو شئ طبيعي يدركه الانسان فيمارس الانسان وجود الله في حياته بتلقائية فتكون صحبة الله للانسان في تدبير شؤن الارض ـ و هو الغرض الذي خُلِقَ من أجله ـ إنما هي كشعاع فكري و إلهام و نور عقلي يتدبر به الانسان شؤن حياته علي الارض و المسؤلية التي خلقه الله من أجلها.... ليس دين و لا صلوات و لا ابتهالات و لا أصوام و لا صوامع بل هي حياة مشتركة كل ثانية و لحظة و دقيقة و ساعة و يوم بين إنسان يحيا و يعمل و يدير شؤن الارض وبين الله الذي خلق الكل لتكون معزوفة سيمفونية رائعة في هذا الوجود اللا محدود و في سبيل هذا فقد جعل الخالق الانسان رجلا و إمرأة مختلفان في الخصائص متحدان في الواجبات و الحقوق و المسؤلية حتي يحس و يشعر كل منهما باحتياجه للاخر و يترابطا معا و يَكونا بذرة للمجتمعات المتزايدة و بتفاعلهما معا يستطيع الانسان أن يَكون متفاعلا مع غيره و تسير الحياة في ترابط بين البشر
العلمانية والخلافة (سلطة الرِّجال لا سلطة الله)
صدر عن دار "مدارك" في بيروت كتاب "رسالة في العلمانية والخلافة"، سعى فيها رشيد الخيُّون الباحث والمؤرخ العراقي إلى تقصي النصوص والممارسات الدَّينية مدافعا عن نتيجة مفادها أنه "ليست هناك دولة دينية قامت في التَّاريخ". يقول المؤلف ان الدول التي ظهرت تحت وصف "الدولة الدينية" المستخدم لدى احزاب الإسلام السياسي، لا ينسجم مع العديد من نصوص الدين الاسلامي واعرافه، "لأن هناك أكثر من مائة آية قرآنية تؤكد انه لا حكومة ولا سلطة في الدين"، وبالتالي تبدو العلمانية هي الفريدة في كل التاريخ، بمعنى ان السلطة هي سلطة الرجال لا سلطة الله. ويقول الخيون ان هذا "ما أشارت اليه الأحاديث النبوية، وممارسة الخلفاء"، وهو رأي يجد المؤلف ان في ذلك "فائدة للدنيا والدين". الكتاب، الذي جاء على شكل "رسالة" عدد صفحاتها 54 صفحة، اختار مدخلا تاريخيا لموضوعه، وحاول فهم شكل السلطة في الحضارات العراقية القديمة. يقول الخيون: جاء في شريعة حمورابي (1792 - 1750 قبل الميلاد)، وتُعد شريعة هذا الملك الأولى في التاريخ، بهذا الشمول: «عندما حدد (آنو) المتعالي، ملك الأنوناكي، و(أنليل) سيد السماء والأرض ومقرر مصير البلاد لـ(مردوخ) الابن الأكبر لأيا، الحكم على جميع النَّاس، وجعلاه سيداً على الأجيمي، وأطلقا اسمه على بابل، وجعلاه أقوى ما في الجهات الأربع، وأقيمت له في وسطها ملكية خالدة بأسس راسخة، رسوخ السماء والأرض، في ذلك الوقت جعلاني.. أنا حمورابي.. الأمير الورع، خادم الآلهة، لأظهر الحق في البلاد». وبهذا كانت الشريعة الشهيرة شريعة الإله لا شريعة الملك الإنسان. ويضيف: خشية وتحسباً من التكفير، وبالتالي القتل، حسب المنطق السالف، عندما أقَدم الشيخ علي عبد الرازق (ت 1964) على إصدار كتابه «الإسلام وأصول الحكم»(1925) استهله بالشهادتين، على غير ما جرت عليه العادة في كتابة خُطب الكتب والمصنفات، وتأكيد عبوديته لله وإيمانه بالرسالة والملائكة، على أمل قطع الطريق على مكفريه، وهو يتحدث عن عدم وجود أو وجوب الإمامة أو الخلافة، وبالتالي الدولة الدينية، ومع ذلك لم يعتقوه، فلم يرد عليه مجلس المحاكمة (كبار العلماء) التَّحية. وفي المستهل أيضاً يقوم الخيون بالتذكير بمقولة للإمام علي بن أبي طالب قالها لابن عمَّه عبد الله بن عباس وهو يهم بإيفاده إلى الاجتماع بالخوارج ومفاتشتهم في أمر انشقاقهم عنه: «لا تخاصمهم بالقرآن، فإن القرآن حمّال ذو وجوه، تقول ويقولون. ولكن حاججهم بالسُنَّة فإنهم لن يجدوا عنها محيصاً». ويشرح ابن أبي الحديد (ت 656 هـ) هذه الوصية بالقول: «ذلك أن القرآن كثير الاشتباه، فيه مواضع يُظن في الظاهر أنها متناقضة متنافية». وهناك مَنْ يعدُّ ذلك القول من الحديث النبوي: «القرآن ذو وجوه فاحملوه على أحسن وجوهه». وكلا الشارحين ابن أبي الحديد، والشيخ محمد عبده هما من أهل السُنَّة، فالأول، وإن كان هواه علوياً، إلا أنه كان معتزلي الأُصول شافعي الفروع. ويقول الخيون: حتى السُنَّة النبوية هي حمالة وجوه، فكل طائفة اختلقت، أو روت، الأحاديث التي تجابه بها الطائفة الأخرى، مستشهدا بالعديد من نصوص علماء الكلام والمحدثين الذين عالجوا ظاهرة الخلاف الكبير بين العلماء المسلمين في تأويل نصوص الشريعة. ويخلص الخيون من هذا المستهل إلى القول: ليس من الحق الإنكار على العازفين عن الدولة العلمانية أو المدنية، والمعتقدين في قيام الدولة الدينية ما يستندون هم فيه أيضاً إلى آيات ومتون أحاديث مؤيدة لوجهة نظرهم، أو منافحتهم من أجل ذلك الهدف. لكنه ليس من الحق أيضاً أن ينكروا على القائلين بالدولة العلمانية أو المدنية، آيات وأحاديث وممارسات ليست بالقليلة.
العلمانية ليست أوهاماً، بل طريقاً للتطور والتقدم
مازال البعض يصُّر على إخافة الناس من العلمانية بوصفها أوهاماً، فكتب أحدهم يدعى أبو ماهر على موقع سيريا نيوز تحت عنوان "أوهام العلمانية" حاول فيها إيهام القارئ أنه اختار طريقاً ثالثاً بديلاً عن "العلمانية وشعار الإسلام هو الحل" لينتهي به المطاف بالتحذير من مهالك العلمانية ومخاطرها دفاعاً عن الدين، يقول كاتب المقالة : (ومن الأخطاء الجسيمة التي يقع فيها فريق العلمانية، ادعاؤهم بأن العلمانية ليست ضد الأديان و محاولتهم إلباسها لباس الدعوة للوئام و المحبة و العيش المشترك.
و لا اعلم كيف يتأتى ذلك في ظل تسفيههم المسبق لفكر و معتقدات غيرهم و الدعوة لتحويل حاملي هذا المعتقد إلى متفرجين لا يحق لهم المشاركة في تقرير مصير وطنهم إلا إذا تخلو عن فكرهم الذي يعتبر مسبقا عند العلمانيين من المصادرات.) ثم يختم الكاتب مقالته جازماً بأن :(العلمانية لا تحمل حلا لأي شيء مما يواجهنا اليوم من تحديات و إنما هي مقتصرة على تنحية أصحاب الفكر الديني جانبا). ألي هذا الحد وصل التزييف والتضليل.!؟ ألي هذا الحد يتوهم البعض أنّ الناس لا تقرأ ولا تميز الغث من الثمين.!؟ ومع ذلك سنغض النظر عن كل هذا التضليل والتزييف الذي يمارسه البعض في حربه المعلنة والخفية ضد العلمانية والعلمانيين، شاكرين حرصهم وخوفهم علينا من خطر الانجرار وراء أولئك الذين يودون جرنا إلى مهالك العلمانية..! ونطلب عفوهم أن يتكرموا علينا أن يعطونا مثالاً واحداً عن إنجازات مناهضي العلمانية، وهل يستطيع مناهضو العلمانية أن يقولوا لنا من هي الدول الأكثر ثراء وتطوراً وتقدما الدول العلمانية أم غير العلمانية ? وهل يستطيعوا أن يقولوا لنا من يعتاش على الثاني الدول العلمانية أم الدول غير العلمانية؟ وهل يتجرأ مناهضو العلمانية إنكار حقيقة أننا ما زلنا نعتمد حتى في ستر عوراتنا على آلات الخياطة التي نستوردها من الدول العلمانية..والتي أتاحت لها علمانيتها اختراع الحاسوب والسفن الفضائية والأقمار الصناعية والطائرات والسيارات والدراجات والورق ..الخ بينما نحن مازلنا تنتظر بفارغ الصبر أخر ابتكارات علمانية الغرب..؟ وهل يستطيع أن يخبرنا مناهضو العلمانية عن مصير تلك الطائرات والسيارات وأجهزة الحاسوب والانترنيت التي نستوردها فيما إذا قرر علمانيو الغرب مقاطعتنا..؟ هل كنا سنستطيع صناعتها أو حتى صيانتها؟ أم سنعود إلى أيام زمان نمتطي الجمال والحمير كوسيلة ركوب ونقل، والاستعانة بالحمام كوسيلة اتصال بديلاً عن الهاتف والانترنيت..!!؟ كفى استخفافاً بعقولنا، فالعلمانية ليست موجهة ضد الدين، وهي ليست دينا آخر، بل هي وسيلة وطريقة لتنظيم العلاقة بين السياسي والديني. وإن فصل المؤسسة الدينية عن المؤسسة السياسية، يهدف في الأساس إلى حماية فكرة المواطنة وترسيخها بصرف النظر عن الدين والعرق واللون. بدليل أن الدول التي طبقت العلمانية لا يزال مواطنوها كما كانوا دوما مؤمنين بعقائدهم ويمارسون طقوسهم الدينية بحرية وماضون في بناء دور عبادتهم دون قيود، هذا إن لم تكن درجة النزعة الإيمانية قد زادت بفضل ما أتاحته العلمانية من حريات دينية أمام معتنقي مختلف الأديان والمذاهب. كفى تضليلاً وتزييفاً، فالعلمانية هي التي أتاحت للمهاجرين المسلمين في الغرب أن يبنوا المساجد والجوامع، ويمارسون عبادتهم بحرية بخلاف دولنا غير العلمانية التي لا تسمح حتى لمواطنيها الأصليين ببناء كنيسة إلا بقرار من رئيس الدولة، وبعضها لا يسمح حتى بممارسة شعائره الدينية.. ومؤخراً رفض البرلمان الكويتي بناء كنيسة كما منع الأقباط من بناء كنيسة..!! وحتى لا نذهب بعيداً يكفي أن نشير إلى أن شبه القارة الهندية التي انفصلت إلى دولتين الباكستان والهند ، وكيف أن الهند تطورت وتقدمت بفضل علمانيتها، بينما مازالت الباكستان تتخبط في تخلفها والعنف يهدد وجودها، فعلمانية الهند أتاحت للدكتور زين العابدين عبد الكلام أبن صياد فقير من الأقلية المسلمة لاتشكل أكثر من 15% من سكان الهند أن يصل إلى رئاسة الدولة الهندية وأتاحت للدكتور مانموهان سينغ من الأقلية المسيحية التي لا تتجاوز نسبتها أكثر من 3% من السكان أن يتبوأ منصب رئاسة الوزراء. والعلمانية وحدها أتاحت لجنرال تايلاندي مسلم أن يجلس على رأس قيادة جيش تايلاند ذات الأكثرية البوذية الساحقة، كما أتاحت لشخصية مسلمة من استلام منصب رئاسة البرلمان في سنغافورة جلّ سكانها من البوذيين أو المسيحيين. كلمة أخير ة أقولها وبعيداً عن التزييف والتضليل، إن العزف على الوتر الحساس لدى المؤمنين والتلطي خلف الدين لتشويه فكرة العلمانية لن يؤدي إلا إلى مزيد من التخلف، ولن ينقذ بلداننا وينتشلها من القاع السحيق الذي وصلت إليه، ما لم نُعيد الاعتبار للعقل الذي حاربناه منذ أن أحرقنا كتب ابن رشد قبل ألف خمسمائة سنة، والعمل على إقامة الدولة المدنية التي هي دولة كل المواطنين بصرف النظر عن الجنس أو اللون أو العقيدة وليست دولة المؤمنين بهذا الدين أو هذا المذهب أو ذاك ، فالدولة أصلا لا تنهض علي الإيمان إنما على المواطنة. ويبقى إيمان الإنسان بخالقه شأناً خاصاً بهما، لا يجوز لأحد التدخل فيه. العلمانية ليست نقداً للدين لماذا تؤدي علمانية الغرب إلى الديمقراطية بينما لا تؤدي علمانيتنا إلا الى الاستبداد? يحاول بعض العلمانيين والمتدينين , وضع العلمانية في مواجهة الدين , سواء كان ديناً سماوياً أو أرضياً , فليس هدف العلمانية مجرد النقد أو التصادم مع الدين , بغرض إزاحة الغشاوة التي تحجب النظر عن أعين المتدينين إن هدف العلمانية في المقام الأول , تحرير الإنسان وبناء المجتمعات , والنقد مجرد أداة أو وسيلة لتحقيق الغاية في حال النجاح أو الفشل , وغالباً ما يستخدم النقد في حال الفشل في بلوغ الهدف , فهل فشلت العلمانية في تحقيق أهدافها , ولهذا بتنا نرى نقداً علمانياً للدين , كمخرج لتبرير الفشل . الجواب عن ذلك السؤال يستدعي أولاً تقسيم العلمانية إلى نصفين : النصف الأول : العلمانية في الغرب , وهنا لا مجال للحديث عنها , طالما أدت دورها في تحقيق أهدافها النهائية , ليس على صعيد فصل الدين عن الدولة , كما يظن البعض , انطلاقاً من تعريفهم لها , بل من اكتمال سعيها في بناء الإنسان الحر الذي يتمتع بكامل حقوقه , وبناء المجتمع المعاصر الذي يستمد قوته من قوة الإنسان نفسه. النصف الثاني : العلمانية في الشرق , والمقصود فيه , الشرق المسلم , فإن الحديث عن العلمانية في هذا النصف يسوده الكثير من اللبس والغموض , فالعلمانية في الشرق ما زالت مبهمة المعالم , غامضة المعاني , وربما كان نقد الدين (الإسلام) باعتباره الديانة السائدة في الشرق على ما سواها من أديان أخرى , أنجع وسيلة أمام العلمانيين للتدليل على وجودها , لاسيما في ظل كثرة الطروحات الدينية التي تحمل شعارات تدعي الحل , وهي شعارات لا يمكن للعقل العلماني أن يحتملها فالتباين في الأهداف , واضح وضوح الشمس بين الطروحات الدينية من حيث طريقة بنائها لمجتمع متدين , يقحم السياسة في صلب الدين , فضلاً عن وصايتها للإنسان وربط مصيره بمصير الحاكم , باعتباره ظل الله على الأرض وطاعته من طاعة الرسول, وبين الطروحات العلمانية التي أخذ حكام الشرق كفايتهم منها , من حيث التظاهر والمباهاة بحداثة قوانين الدولة وتشريعاتها , وإعطاء انطباعات سلبية في نظر خصومهم ( المتدينين) بأن علمانيتهم (الحكام ) تعني بقاءهم في السلطة , وهو الأمر الذي دفع الكثيرين منا إلى التساؤل: لماذا تؤدي علمانية الغرب إلى الديمقراطية , بينما لا تؤدي علمانيتنا سوى إلى الاستبداد?. قد يجد بعض العلمانيين في الدين جواباً عن ذلك السؤال , الأمر الذي يستدعي حسب اعتقادهم , تشريح الدين ونقده بأشد ما يمكن من أساليب النقد , وهو ما يضفي انطباعاً سلبياً في شرائح المجتمع المختلفة , من أن هدف العلمانية الوحيد , هو نقد الدين . قد يكون الدين في الشرق , ما يعوق تقدم العلمانية في تحقيق أهدافها , فالانطباع السلبي المنسوخ في ذهن الأفراد , يحول بينها وبين أهدافها , كما أن الثورة على الدين من خلال ممارسة النقد , ليست الحل الوحيد , إذا ما علمنا , أن آخر الدواء الكي . فلا أحد يستطيع أن يغير معتقدات ملايين الأفراد بين ليلة وضحاها , إذا ما خبرنا أن المعتقد , أياً كان جوهره , جزء أساسي من تكوين الإنسان , وخصوصاً الشرقي , والأدل على ذلك , أن العلمانية في الغرب , لم تلغ إيمان الفرد , كما لم تسع إلى استبدال معتقد بآخر , فكل ما قامت به , أنها أشعلت أنوار الفكر في دربهم ليستدلوا الطريق القوي الخالي من الاستبداد الديني والسياسي وليبنوا مجتمعهم الحر الذي يحترم إنسانية الإنسان , ولعل هذا ما تفتش عنه العلمانية.
#نبيل_عبد_الأمير_الربيعي (هاشتاغ)
Nabeel_Abd_Al-_Ameer_Alrubaiy#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جند السماء .... يحلقون بأجنحة من ورق
-
العنف ..... والعنف المقدس
-
حروفنا الجميلة......... والكائن اليشري
-
جان دمّوا .. شاعر آخر يتوارى
-
احتفال الشيوعي ابن الحلة الفيحاء( احمد يحيى بربن )في زنزانة
...
-
نساؤنا أملنا
-
البروليتاري عبد الله حلواص.....المناضل الغائب الحاضر
-
داخل حمود ...شهيدا
-
ابنة الفرات الأوسط... الشهيدة فوزية محمد الشمري(أم سعد)
-
الراهبه في صومعة الآداب .. الراحلة حياة شرارة
-
الفنان المبدع والمناظل...رشاد حاتم
-
قصر النهاية ...مثرمة اللحم البشري
-
الحزن العراقي ...يخيم على بلدي الجريح
-
هادي الهلوي.... المثقف القطباني
-
عقيل علي... ومأسات شاعر
-
ناظم حكمت والنزوح للحرية
-
المغني والشاعر والمعلم فيكتور جارا
-
دعوة لدراسة ظاهرة الزواج المبكر
المزيد.....
-
قوات جيش الاحتلال تقتحم مدينة سلفيت في الضفة الغربية
-
وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور
...
-
بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
-
” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس
...
-
قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل
...
-
نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب
...
-
اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو
...
-
الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
-
صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
-
بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|