العراق عراقنا وشعبه شعبنا وأي تغيير يجب أن يكون بشروطنا :
في خضم الأحداث السياسة العاصفة والتصريحات النارية ، يجري في الدهاليز عن سابق تصميم تهميش رأي الشعب العراقي ، هذا الشعب المحاصر خارجيا والمقموع داخليا و المثخن بالجراح وسكاكين القريب والبعيد تنهش في جسده ، والمزايدات تجري على معاناته بمسوغات ومبررات نعرف سلفا دوافعها ، وفي مقدمة هؤلاء بعض دول الجوار ، كأن أساليب القمع والتهميش التي تمارسها السلطة الباغية لا تشفي غليل هؤلاء البعض .
جهات كثيرة من المعارضة العراقية دخلت إلى حلبة الصراع ، كأن تغيير النظام العراقي فقط هو الهدف والغاية ، أما مستقبل الشعب العراقي ومصير وطنه لا تهم بعض العراقيين ، فكل طرف دخل إلى حلبة المصارعة بثوب وشعار هذه الجهة الإقليمية أو تلك ، راغبين حصول زواج قسري بين التوجهات الأمريكية ومصالح تلك القوى الإقليمية بالرغم من التطلعات العراقية ، ناسين بأن المنطقة قلقة ومضطربة أساسا ، متجاوزين التوازنات و التارجحات المتغيرة في السياسة ومجريات الأحداث ، والبعض الآخر يلبس رداء المعارضة وللأمس القريب كان متطوعا ومخبرا ذليلا لدى الأجهزة الأمنية للنظام ، متصورين الادعاء بلعبة الديمقراطية وطرحهم بعض الأفكار سوف تقنع الآخرين للتغطية على مخططات أسيادهم ، وكأن القوى الحية في المجتمعات العراقية والموجودة على الأرض لا تعرف أهدافهم وأبعادها وجذورها ، وكيف يجري حثيثا لتحويلها إلى ورقة سياسية ، لكي يصار إلى ترتيبات أمنية لصالح هذا الطرف أو ذاك ، وبذلك يمهدون إلى مشروع مواجهة جديدة أو مأزق جديد ، وبعدها للانعطاف في اتجاهات خارج المصلحة العراقية ، ومن ثم جعل الخريطة السياسية وفق بعض المقاسات كأمر واقع ، غافلين الإرادة العراقية الحقيقية الكامنة ، بسبب تغيبها من قبل النظام العراقي وبعض الدول الإقليمية والغربية و في المقدمة أمريكا ، وتصوير هذه الإرادة في قناعاتهم بأنها مجرد أشباح لا وجود لها ، في حين تراهن القوى الوطنية العراقية المخلصة ، بأن هذه الإرادة سوف تخرج إلى السطح وبقوة ، لتفريغ هذه المشاريع الغبية والخيالية من مضامينها ، حتى وان كان في الظاهر أنماطا متعددة ومتباينة تتحكم في واقع العراقيين ، لأن جلها تصب في خانة مصلحة الوطن ، والاختلاف في الرأي رحمة قبل أن تكون نقمة ، والذي يتصور عكس ذلك يوهم نفسه بان هذه الإرادة لن تتأثر بصورة مباشرة بالنتائج سواء بوجود النظام أو ما بعده ، وبالتالي يذهب إلى القناعة بان التغيرات في الخارطة العراقية سوف تحصل بصورة هادئة وسلسة .
نقول للدولة التركية الطورانية ، مهما حاولت من عمليات الضغط و الابتزاز لا يستطيعون تدنيس الأرض العراقية وتحت أية يافطة أتت ، إنها ليست نزهة عابرة ، لأن تحت الرماد كميات هائلة من التراكمات المأسوية ، التي مارسوها ضد شعوب المنطقة ، من عهد إمبراطوريتهم المقبورة مرورا إلى عهد كيانهم الطوراني ، وشعبنا لا يستقبلهم بالزغاريد والهلاهل ، بل سوف ينفجر بوجههم الغضب العراقي ، وسوف يجعلهم إلى دفع ثمن باهض ، وسوف تقود المنطقة إلى وضع لا يمكن لجم تفاعلاته حتى وان دعمت أمريكا مطامعهم أو قسم منها ، وحين يفيقون على شراسة وعنف ردنا ، سوف يجيدون انعكاسات مدمرة على طابورهم الخامس وعلى كل الذين يحتمون بالجيش الغازي ، ونراهن أيضا على العمق العربي و الإسلامي للعراق ، وهناك جهات إقليمية ودولية أخرى لها وزنها لا تتفق مع الرؤية التركية ، و تؤدي حتما إلى مواجهة واسعة النطاق ويفلت المارد العراقي من عقاله ، لأن الكعكة العراقية ليست سهلة الهضم ، ولدينا حساباتنا منذ أن وضعوا (ولاية الموصل ) في ميزانيتهم السنوية الخاوية .
ليس سرا إذا قلنا بان هناك شكوى عامة ، وان سكت البعض لأسباب انتهازية و مصلحيه ، من انفلات بعض الخلايا التي كانت النائمة من الطابور الخامس الطوراني ، وتجاوزها الحدود المباح والدخول إلى منطقة المحظور وبأسلوب الإهانة و التشهير والافتراء و الدجل ، وانهم إن لم يكشفوا أخطاءهم ويراجعوه سوف يأتي اليوم الذي يثار دوافع الحقد نتيجة تصرفاتهم ، أن أفكارهم الجهنمية بوضع خرائط وقضم الأراضي العراقية والسورية للوصول إلى داخل تركيا ، أنها اغضاض أحلام سوف تصبح كوابيس مرعبة تهز وجودهم ، إن مثل هذه التصرفات وأفكارهم الشيطانية تدفع في نفوسهم الشجاعة للانخراط في المغالطات المكشوفة ، والانجرار وراء مخططات الأجهزة الأمنية التركية وبحجة الجذور التاريخية دون النظر إلى الوراء ، وتحوير شخصيتهم الوطنية العراقية ، لحساب التوازن الاقتصادي والاستقرار الداخلي للدولة الطورانية على حساب العراق ، كأنهم يريدون القفز على التوازنات الإقليمية والدولية والطيران بجناح واحد للوصول إلى نعمة الدولة الطورانية ، التي تحاول التوازن منذ عقود بين جسدها الشرقي و رأسها الأوربي ، ودون حصاد يذكر رغم محاولاتها الدؤبة للدخول إلى النادي الأوربي ، وهي مرفوضة حتى من التقرب من أبواب هذا النادي ، مهما حاولت الترقيع وتجميل صورتها البشعة والمطبوعة في الذاكرة الجمعية للأوربيين ، ويعلمون بأن ماكياجهم مزيف واقتصادهم منهار وعقليتهم جامدة والعدوان جزء لا يتجزأ من طبيعة سياساتهم ، وهذا ما نجده في بحر ايجة وفي قبرص وكردستان ولواء الاسكندر ونه وغيرها من الأماكن ، وحينما يقعون في ( المستنقع ) العراقي سوف يجدون مدى كراهية العالم لسياساتهم العنصرية الشوفينية ، العبرة ليست في الغزو فقط بل في كيفية الحفاظ على الأرض .
الخريطة التركية للجالية الطورانية في العراق ، سربها في حينه الأجهزة الأمنية التركية ، وهي مشروع أمريكي – تركي – إسرائيلي مشوه ، يراد منها كي تنضج وتتطور تحت الضغوط و الأمر الواقع ، وتحويله من وجود مصطنع إلى وجود طبيعي ، وأمريكا لم تعمل يوما لصالح قضايا الشعوب ، وتجاهلت كثيرا المطالب المشروعة للآخرين ، وهي نفسها كانت تبارك و تؤيد نظام صدام حسين في ممارساته القمعية ، وبعد أحداث 11 من سبتمبر قامت بتسييس قواعد القانون الدولي وافقده من صفة التجريد و العمومية ، مما أدت بالأمم المتحدة إلى مجرد أداة للدبلوماسية الأمريكية، وأعطت لتركيا أدوارا ومن أهمها دور في مجال المياه ، وان تبين في بعض الحالات بأنه يلف دورها بعض الغموض ، وهو غموض مقصود يراد بها تمرير المشاريع الإقليمية المخططة لها أمريكيا .
لا شك أن الوطن العراقي مستهدف ، ونحن الأكراد أيضا مستهدفون ، والطريقة التي تلعب بها تركيا الطورانية من الناحية السياسية مختلفة عن سياسة العالم المتحضر ، وهنا يمكننا القول بأن السكوت المشين والمعيب لبعض المعارضة عن الخريطة التركية التي نشرتها الأجهزة الأمنية الطورانية بواسطة عملائها في العراق ، مهما تكن حججهم لا تبرر هذه ألا مبالاة ، وبل وصل بنا الأمر إلى الشك من مواقف بعض قوى المعارضة ، وهنا نقول بإمكاننا أن نصبح المعادلة الصعبة إذا لم يفيق البعض ، ونستطيع دائما خلط الأوراق ، لأننا بعد انهار من الدماء والدموع ، نرفض إحلال بسطال جند رمة الأتراك محل النظام الديكتاتوري .
إذا كانت لأمريكا خطوط حمر بالنسبة للدولة الكردية ، فهذا ما أكده الجانب الكردي دائما ، وقيادات الكردية متفقة على عدم طرح موضوع الدولة الكردية ، لأنه ليس من العقل والمنطق أن ندفع شعبنا إلى الانتحار ، وليس هذا يعني بأنه ليس من حقنا المطالبة بحق تقرير المصير كأمة لها وجودها ، أو بسبب الظروف الإقليمية فقط ، بل لان أكثرية شعبنا الكردي يؤمن بوحدة المصير المشترك في العراق ، نتيجة العلاقات التراكمية التاريخية بين العرب و الأكراد .
هنا من حق المراقب أن يسال الجانب الأمريكي ، هل وضعت خطوط حمر للدولة الطورانية بالنسبة للشان العراقي ؟ وما هي موقفها إذا تدخلت تركيا في الشان العراقي بصورة عامة ، وفي الشأن الكردي بصورة خاصة ، ولا سيما إن تركيا ربيبتها وعضوه في الحلف الأطلسي وتقتات اقتصادها من الفتات الأمريكي ، أم تعتبر لتركيا أدوار أخرى ، وان شمال العراق هي مثل شمال قبرص ، والشعب العراقي في شماله هم هنود حمر ، يجب الوصاية عليهم من قبل أحفاد هولاكو وجنكيز خان ، ليحكموه على طريقة قرقوش .
أمريكا وبعض القوى المعارضة أسقطت من معادلتها موضوع خلط الأوراق ، متناسية بأن العنف يولد العنف ، والقوة مهما كانت لا تصنع السلام ، ومن ابسط طرق خلط الأوراق هو ، لو أحس حاكم بغداد بان الحبل يلتف حول عنقه ، من الممكن أن يهيئ الظروف الذاتية والموضوعية لنوع من الشراكة والحريات والديمقراطية التي يتطلع إليها الشعب العراقي ، ويقلب بذلك الطاولة على كل اللاعبين .
يقول نائب وزير الدفاع الأمريكي بأنه يتفهم رئيس أركان حرب التركي السابق حسين أغلو ، ولكنه نسي أن يقول له بان لديه دولة في تركمستان وهي موطن أجداده يمكنه الذهاب إليها ، ونسى أيضا بان يقول له بان الحدود بين العراق والدولة الطورانية ، خطت وفق معاهدات دولية منذ عهد عصبة الأمم ، والأمم المتحدة هي الوارثة الشرعية للعصبة .
سيرتنا نحن الكرد في التضحيات والمآسي ، أطول واعمق من وجودنا في التاريخ ، وتعلمنا بان السياسة فن الممكن ، والذي يعمل على قتل الرؤية المستقبلية للعراقيين بصورة عامة وللأكراد بصورة خاصة ، كمدخل لضبط الساحة ليؤسس لإعادة أجواء ديكتاتورية بديكتاتورية أخرى ، فإننا نعتبر تلك الرغبات هي تمهيد لتلعب الدولة الطورانية ، دورها البشع ولتشويه صورة الواقع المعيش بخريطتها الجديدة ، والشيء الذي نعرفه بان بطش الدولة الطورانية هي نتيجة لبطشها السياسي ولعقليتها العنصرية ، لذا نعتبر التدخل التركي بالنسبة لنا هو خط احمر واحمر جدا ، آن الأوان بأن يتكلم الجميع بصوت عالي ، وفي المقدمة أمريكا والنظام العراقي وقوى المعارضة العراقية عن موقفهم من الدور التركي
ملاحظة :
نشرت مقتطفات منها في جريدة الزمان عدد 1284 في 12/8/2002