|
المسؤولية حين تمسي جُرماً
صادق الازرقي
الحوار المتمدن-العدد: 3308 - 2011 / 3 / 17 - 11:24
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
فجأة وعلى حين غرة سقطت أوراق التوت عن عورات بعض المفسدين وتبين مدى الجرم الذي ارتكبوه بحق المواطن والوطن، حينما فرطوا بدماء الأبرياء من النساء والرجال والأطفال وعمال المسطر والموظفين والجنود وأفراد الشرطة، وتسببوا في قتلهم من جراء فشلهم في إدارة مهام الأجهزة الأمنية التي أنيطت بهم. تكاثرت الأنباء في الآونة الأخيرة عن اعتقال مسؤولين في الأجهزة الأمنية أسهموا في إدامة مسلسل الموت المجاني بسوء أدائهم، ما تسبب في مقتل آلاف العراقيين، ومنها قضية المدير العام لمكافحة المتفجرات في وزارة الداخلية، الذي أعلنت مصادر قضائية اعتقاله على خلفية دعوى مقدمة من هيئة النزاهة تتهمه بالفساد المالي والإداري في صفقات استيراد أجهزة مكافحة المتفجرات، برغم إشارة المراقبين الى ان ضغوطات سياسية كبيرة تعرض اليها المحققون في القضية ادت الى إطلاق سراح المتهم على وفق قول بعض السياسيين. كما أوردت الأنباء عن أوامر بإلقاء القبض على آمر لواء الرد السريع بتهمة الفساد وتقاضي رشوة. تحدثنا مراراً طيلة السنوات الثماني عن الفساد المستشري في أجهزة الحكومة والدولة بما فيها الأجهزة الأمنية، واشرنا الى مدى خطورة ذلك الأمر على أبناء الشعب، وعموم الوضع في العراق. وليس بنا حاجة هنا لإيراد جميع الأمثلة، إذ يكفي ايراد بعض الأسماء والقضايا كي ندرك هول الفاجعة التي أوقعها فينا الوضع السياسي الشاذ، الذي بني على المحاصصة والترضية في اناطة المناصب، ما أدى الى وضع الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب. و يكفي ايراد أسماء من مثل (حازم الشعلان) و (ايهم السامرائي) و (عدنان شلاش) و (عبد الفلاح السوداني) و (كريم وحيد)، لتشير الى الظلم الذي لحق بالناس الذين اضاع امثال هؤلاء الوزراء أموالهم، او احتازوها لحساباتهم الشخصية، قبل ان يشد بعضهم الرحال الى دول اخرى يتمتعون بجنسياتها لينفقوا المال الحرام الذي اقتطعوه من لقمة فقراء العراق. كما اننا لن نتحدث عن صفقات الأسلحة المشبوهة ومنها ما عرف في حينه بـ (صفقة الأسلحة الصربية) ووثائق الفساد المرتبطة بتلك القضية. لن نتحدث عن ذلك والكثير غيره إذ اننا ليست بنا حاجة لسرد وقائع الفساد التي يعرفها المواطن العراقي جيدا، برغم عجزه عن التصرف إزاءها وقطع دابرها لاسترجاع امواله المنهوبة. ولكننا، وبما ان الفساد لم يزل يفعل فعله بقوة في مؤسسات الدولة والحكومة، فاننا نود ان نتحدث عن عقم الإجراءات القضائية والتنفيذية القاصرة عن ملاحقة قضايا الفساد وتقديم المفسدين الى القضاء وكشفهم، وإشهارهم علنا الى وسائل الإعلام، وهو الأسلوب الذي اتبعته بعض الدول ومنها روسيا البيضاء بإظهار المفسدين من على شاشة التلفزيون وفضحهم للناس، إذ يقول المسؤولون في تلك الدولة ان ذلك الاسلوب حد كثيرا من مظاهر الفساد. جرى في ظل اللجوء الى أسلوب المحاصصة الطائفية والقومية اولاً، وأضيفت لها المحاصصة السياسية لاحقا، اضخم عملية لإهدار ثروات العراق واعاقة نموه وتطوره وتحسين اوضاع ابنائه، وبالمقابل جرى التغاضي عن اجراءات مكافحة الفساد ولجمه برغم انكشاف المفسدين، اذ ان كل قضية فساد تُكشف، يسارع السياسيون بشتى اتجاهاتهم الى الدفاع عن المنتمين اليهم المتهمين بالفساد ويمنعون تقديمهم الى القضاء، ويسهلون ابعادهم عن مكامن الخطر وتسهيل عملية سفرهم الى بلدان اخرى إذا تطلب، في حين يقومون بتخوين بعضهم البعض واتهامهم بالفساد, الأمر الذي سوّف في عملية متابعة المفسدين واسترجاع اموال الناس التي سرقت، والنتيجة تمثلت في عشرات المليارات من الدولارات فُرط بها، وكان بالإمكان استعمالها لحل مشكلات البلد الاقتصادية، والارتقاء بأوضاع الناس المعيشية. كل وزير يأتي يعرف ان لا احد يحاسبه على الأموال التي بين يديه، فيتصرف بها أنى شاء مستغلا الحصانة التي يتمتع بها ومتعكزاً على قوانين قديمة من زمن النظام السابق لم تزل تفعل فعلها وبضمنها بل في طليعتها المادة 136 التي وردت في قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة 1971 التي منعت تقديم أي موظف حكومي الى المحاكم لتهم تتعلق بالوظيفة إلا بعد الرجوع الى مرجع الموظف واستحصال موافقته على وفق ما نصت عليه المادة، و ذلك المرجع يتمثل عادة في شخص الوزير عينه. ان الحاجة تستدعي الإسراع في إلغاء القوانين المتخلفة من عهد النظام المباد او ايقاف العمل بها كإجراء مؤقت لحين سن قوانين جديدة تحيي عملية مواجهة الفساد والقضاء عليه، ومنها التأكيد على ضرورة ان يقدم المسؤولون في الدولة والحكومة والمرشحون للمناصب كشفاً بأموالهم. كما تستدعي عملية البناء وتلبية حاجات المواطن ضرورة تكوين اجهزة امنية مهنية بعيدا عن اي ولاءات حزبية او سياسية ومن الأشخاص المشهود لهم بالنزاهة وحسن السيرة لدى الأوساط الاجتماعية. وبرغم ان عملية استرجاع الأموال التي بددت في صفقات شراء مشبوهة او عمليات اختلاس ورشوة يعد امرأ صعبا بحسب قول بعض السياسيين الحاليين، فان العبرة تكمن في الخطوات المقبلة التي يتوجب على السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية في البلد اتخاذها لوأد الفساد واجتثاثه وملاحقة المفسدين السابقين والحاليين واللاحقين وفضحهم وتقديمهم الى المحاكم، إذ ان تلك الإجراءات وغيرها هي السبيل الأمثل لتهدئة خواطر الناس ووضع الجميع على سكة التطور السليم التي لا غنى عنها لتقدم البلد ورفعته، بعد ان أدرك المواطن ان غياب الإجراءات الفاعلة لمحاربة الفساد وبناء البلد يشكل خطراً كبيرا على حياته ومستقبله، فلجأ الى التظاهر لتنبيه المسؤولين الى وعي الشارع العراقي، وعدم سكوته عمّا يجري من عملية نهب منظم لثرواته و الى سعيه الى الإصلاح والتغيير.
#صادق_الازرقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
انهيار الجماهيرية العظمى
-
انتقائية الحكومة في التعامل مع القوى السياسية
-
حدود إظهار القوة في مواجهة الاحتجاجات
-
تقويم احتجاجات (يوم الغضب) العراقي
-
الطبقة السياسية تضع العراق في دائرة الخطر
-
تعديل الدستور وقانون الانتخابات في سلم أولويات الشعب
-
الحراك الشعبي العراقي.. الأسباب والتوقعات
-
الى شعب بطل
-
قرار رقم (29) .. تكريس للنهب المنظم
-
شرطة الديوانية والضرب تحت الحزام
-
لماذا يسكت العراقيون؟
-
العالم الافتراضي يزلزل عروش الطغاة
-
إهدار فرص الإعمار
-
هل تستقيم الديمقراطية مع الفساد؟
-
لعبة القط والفار في محنة الوطن مع التيار
-
سقوط (بن علي) .. نهاية الأزمة أم بداية الخروج منها؟
-
المقاعد التعويضية وخلل النظام الانتخابي العراقي
-
محاولات التجاوز على الديمقراطية وحقوق الإنسان
-
أمنياتنا في العام الجديد.. طموحٌ الى القضاء على الحرمان
-
90 % من الأموال إلى الفساد .. فهل نقرأ على الكهرباء السلام!
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|