أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شاهر أحمد نصر - في السياسات الناجحة، والسياسات الخاطئة















المزيد.....


في السياسات الناجحة، والسياسات الخاطئة


شاهر أحمد نصر

الحوار المتمدن-العدد: 988 - 2004 / 10 / 16 - 12:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لقد أصبح واضحاً للجميع أن التكنولوجيا في عصر المعلوماتية تزيل جميع الحواجز بين الدول والشعوب، ولا تستطيع فيه أية دولة مهما كانت جبارة قوية، حل جميع المشاكل، وتحقيق أمنها القومي والازدهار من دون أصدقاء وحلفاء لها في هذا العالم.
وعلى الرغم من وضوح هذه القضية، تجد بعض الحكام والمسئولين يحاولون لوي عنق مسيرة التطور، وفق تصورات سلفية صادرة عن نماذج خالدة أو مفكرين (معصومين) عن الخطأ.. مما يؤدي إلى الانغلاق والانعزالية والتخلف والويلات في مختلف الميادين، فضلاً عن وضع البلدان في تعارض مع مسيرة التطور العالمي، وما يتركه ذلك من آثار مدمرة على المجتمعات والشعوب.

سوء قراءة وفهم أسس مسيرة التطور العالمي من أسباب تبني السياسات الخاطئة:
لتحديد المسار السياسي السليم في كل مرحلة من المراحل التاريخية، من الضروري معرفة سمات تلك المرحلة، والميل العام للمجتمعات البشرية، وما هي القوى الأساسية الفاعلة فيها..
يتفق أغلب المفكرين والباحثين الاجتماعيين أن إحدى السمات الأساسية للمرحلة التاريخية في أوائل القرن الواحد والعشرين هي تعزيز العلاقات بين الشعوب، وانفتاح العالم والدول على بعضها البعض، بفضل الإنجازات التقنية الضخمة التي حققتها البشرية، وما يتطلبه ذلك من ضرورة حماية حقوق الإنسان وتحقيق الحريات الأساسية في مؤسسات المجتمع المدني، والميل الأساسي للشعوب نحو الديموقراطية، وبناء أسس دولة القانون، والتوق إلى العدالة والسلام بعيداً عن الخوف من الاحتلال والإرهاب.. ويتناقض هذا المنحى مع أنظمة الحكم الشمولية، ومع التفكير المنغلق، ومع سعي احتكارات رأسمالية للحصول على مزيد من الربح بغض النظر عما ينجم عن ذلك من مآسٍ على البشرية من فقر وأمراض وتلوث للبيئة واحتباس حراري وغيره..
والدول الأساسية الفاعلة والمقررة في مسيرة التطور العالمي في مطلع هذا القرن هي الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي، والصين وروسيا، واليابان مع بروز دول نووية جديدة كالهند وباكستان..
ويقر الجميع بأن الولايات المتحدة الأمريكية أخذت تلعب منذ أواخر القرن العشرين دور القطب الأساسي، إن لم يكن الأوحد، في السياسة الدولية، بل إنّ بعض السياسيين الأمريكيين يعدون دورها قائداً لمسيرة التطور العالمي.. ومن المعروف أنّ الولايات المتحدة الأمريكية، وباعتراف القوى العظمى الأخرى، تعد منطقة الشرق الأوسط من مناطق مصالحها الذاتية، والتي تدخل في نطاق أمنها القومي.. (من المعروف أن غارباتشوف اعترف بمصالح الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، مذ كان أميناً عاماً للحزب الشيوعي السوفيتي، ولم يعارضه أحد في حينه، بما في ذلك الأحزاب الشيوعية العربية التي اعتادت على تأييد كل ما يأتي من موسكو). بالتالي لحسن صياغة سياسة عقلانية سليمة لا بد من معرفة أسس سياسة هذه الدول والأحلاف تجاه المنطقة، لتحديد الأسس والآليات الناجعة للتعامل معها.. ومما لا شك فيه أن العنصر الأساسي في ذلك هو معرف العناصر الأساسية في السياسة الخارجية الأمريكية.

استراتيجية السياسة الخارجية الأمريكية:
تبين مختلف الدراسات الصادرة عن مراكز الأبحاث الأمريكية التابعة للحزبين الديموقراطي والجمهوري، اللذين يتبادلان الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، أن السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية توضع من قبل مراكز دراسات وأبحاث مختصة، وهي لا تتبدل كثيراً في المسائل الجوهرية، وإن تبدل الحزب الحاكم، وطاقم الرئاسة، والذي يمكن أن يتغير هو أسلوب ووسائل تطبيق هذه السياسة..
يمكن تلخيص الخطوط العريضة للسياسة الخارجية الأمريكية حسب ما هو منشور في الصحافة الأمريكية والمؤتمرات ومراكز الأبحاث ـ والتي لن تتغير في جوهرها بعد الانتخابات الرئاسية ـ فيما يلي:
ـ أمن الولايات المتحدة الأمريكية، ومحاربة (الإرهاب)، و(النضال) ضد انتشار أسلحة الدمار الشامل.. ومن الضروري الانتباه إلى وضع إيران وكوريا الشمالية وسوريا بين الدول التي تعرقل الخطط الأمريكية في هذا المجال..
ـ المحافظة على الدور القيادي للولايات المتحدة الأمريكية، وفي هذا السياق يرى الديموقراطيون ضرورة الاستفادة من المؤسسات الدولية كالأمم المتحدة والبنك الدولي، وغيرها، وتحسين العلاقة مع أوربا، روسيا، الصين، والعمل على إيجاد حلف عالمي جديد لمكافحة الإرهاب، مع العمل على عدم ظهور أي قطب جديد منافس؛ أما الجمهوريون فإنّهم يدعون إلى الحروب الاستباقية..
ـ الأمن الاقتصادي: الحفاظ على حالة الرفاهية الاقتصادية في أمريكا. وإكساب الاقتصاد الأمريكي الكثير من المرونة والمناورة، لتمتين الأمن القومي الأمريكي..
ـ نشر الديموقراطية واقتصاد السوق عالمياً، وإعادة تأهيل "الدول الفاشلة"، "يقصد بـ "الدول الفاشلة" تلك الدول حيث لأسباب مختلفة (النزاعات العسكرية، غياب أو عدم فعالية المؤسسات الحكومية) لا تشرف السلطات المركزية على مناطق محددة فيها، ولا تؤمن الحياة العملية للسكان...
في أغلب الأحيان تكون "الدول ـ الفاشلة" ملجأ وقاعدة ارتكاز لكل أنواع الإرهابيين والجريمة المنظمة.
تدعو الحاجة ليس إلى عمليات إنسانية استعراضية، بل استراتيجية ناضجة لإعادة تأهيل "الدول ـ الفاشلة.."(1)
ويلاحظ دعاة معالجة حالة الدول الفاشلة أنّه "في أغلب الأحيان، هناك حيث تقوم الدول بتنفيذ مهامها تجاه مواطنيها بشكل سيء، أو لا تقوم بتنفيذها، بما في ذلك المهام الاجتماعية، تأخذ المنظمات الإرهابية العالمية هذه المهام على عاتقها. فتقدم للناس الخدمات الصحية والتعليمية (غالباً عبر المنظمات والصناديق الخيرية)، وتخلق منهم بالتدريج "حماة العقيدة"... لإعداد "المجاهدين المحاربين"."(2)
ـ فيما يخص النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، هناك اتفاق بين الحزبين، اللذين يتبادلان الحكم في أمريكا، على أنّ حجر الزاوية في السياسة الاستراتيجية الأمريكية هو أمن ومصير دولة إسرائيل، التي تعد، من وجهة نظر الحزبين دولة ديموقراطية والحليف التاريخي للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط.، وفي نفس الوقت يتفقان على ضرورة أن تحقق الولايات المتحدة الأمريكية في الحياة نهج إقامة دولتين مستقلتين، الذي يعد، من وجهة نظرهما، المخرج الوحيد لهذا النزاع الدموي الطويل الأمد.
ويختلف الديموقراطيون عن الجمهوريين ليس في الأهداف بل في التكتيك، وفيما يسمى الدعوة إلى احترام القواعد الأساسية للسلوك الديموقراطي في الساحة الدولية، ومعالجة التناقض بين دعوة أمريكا لاحترام القوانين، وخرقها في نفس الوقت للاتفاقيات الدولية..

في مبادئ السياسة الخارجية الدولية العامة
هل هناك مبادئ سياسية دولية عامة، تحترمها أغلب بلدان العالم؟!
إن قراءة متفحصة لقرارات الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي، ومختلف المنظمات الدولية، بما فيها مجموعة الدول الصناعية الكبرى الثماني، يبين تبني أغلب دول العالم لقرارات تخص السياسة الخارجية في مختلف دول العالم.. إن تبني هذه القرارات من قبل أغلب الدول الأعضاء يدل على وجود توافق على تطبيقها، من هذه القرارات تلك المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي، والبلقان، وأفغانستان والعراق، ولبنان، والشرق الأوسط ومكافحة الإرهاب.. والاختلاف في وجهات النظر حول طرق تطبيقها لا يعني الاختلاف على ضرورة تطبيقها.. ومن الضروري الاقتناع بأنّ هذه القرارات اعتمدت لتطبق.. فالجميع يعلم على سبيل المثال أنّ فرنسا وألمانيا وروسيا وافقت على قرارات مجلس الأمن بخصوص العراق، إلاّ أنّها اختلفت مع أمريكا حول سبيل تطبيقها، وهذا لا يعني أنّها تختلف في السياسة مع أمريكا، فالرئيس شيراك عندما لم يوافق على التدخل العسكري الأمريكي في العراق، لم يقف ضد قرارات مجلس الأمن، ولم يدافع عن النظام العراقي الشمولي البائد، بل دعا علناً إلى إسقاطه، لكن ليس عن طريق الاحتلال، (إذ أنّ أحداً من العقلاء لا يستطيع الدفاع عن نظام قام باحتلال دولة مجاورة شقيقة، وبالإبادة الجماعية ضد شعبه، كما أنّ أحداً لن يستطيع الدفاع عن أي حاكم يُسأل عن قتل سجناء سياسيين، عرباً أم كرداً، مسيحيين أم مسلمين، في سجون بلاده تحت التعذيب..)، كما أنّه، وعلى الرغم من خلاف روسيا مع أمريكا وعدم موافقتها على احتلال العراق، فقد أعلن الرئيس الروسي بوتين في الأيام الأولى لبدء المعارك الأمريكية في العراق قائلاً: نحن لا نريد لأمريكا أن تفشل في العراق..
كل ذلك يدل على وجود توافق دولي على أسس عامة وخطوط عريضة في السياسة الدولية، ناجم عن تشابك وتداخل وتكامل المصالح والمخاطر في هذا القرن، ذلك التشابك الذي يختلف عن حالة القرنين التاسع عشر والعشرين بشكل كبير.. ولخط وانتهاج سياسة صحيحة علينا قراءة شبكة المصالح والمخاطر الدولية الجديدة بشكل رصين، وتحديد المبادئ الأساسية التي تحوز على رضا أغلبية دول العالم، خاصة العظمى منها، والتي تتقاطع مع سياسة الولايات المتحدة التي تسعى لتطبيقها.. ومعرفة موقعنا فيها وكيفية استخدامها في صالح شعوبنا.. والتي يمكن إجمالها في المرحلة الحالية والمستقبل القريب فيما يلي:
ـ ضرورة معالجة أسباب التوتر ومكافحة الإرهاب ومسبباته.. ويرى المحللون أنّ "الحرب على الإرهاب" يمكن أن تطول لسنوات طويلة ـ طويلة. العالم سيبقى لفترة طويلة غير آمن. من الضروري ليس فقط تعلم العيش مع هذه الوقائع، بل وكما يدعو العقلانيون من الضروري انتهاج سياسة عقلانية واعية، قد يتطلب الأمر أن تكون أكثر مرونة، موجهة لتوسيع "منطقة السلام"..
ـ خلق الأجواء الملائمة للنمو الاقتصادي، وحرية التجارة واقتصاد السوق، وتعد مسألة نشر الديموقراطية من أهم شروط إيجاد البيئة والمناخ الاجتماعي السليم لتلك الأجواء..
ـ من الضروري الأخذ بعين الاعتبار أنّ السياسة الخارجية لأوربا وروسيا والصين واليابان تتفق مع الرأي الذي يقول بأنّه من غير المسموح به أن تفشل أمريكا في العراق أو أفغانستان لأنّ فشل أمريكا في أفغانستان وفي العراق يمكن أن يجلب ضرراً جدياً ليس فقط إلى مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في العالم.. بل وإلى الحرب على الإرهاب التي أصبحت في صلب سياسة هذه الدول..
ـ من الضروري عدم تجاهل أو نسيان دور بيوتات المال التابعة للصهيونية العالمية، المتحالفة مع الاحتكارات الرأسمالية العالمية، في وضع السياسة الخارجية الدولية، بل والداخلية في كثير من الدول، وفي هذا المجال من المفيد التذكير بالدور السلبي الذي لعبه هذا التحالف ـ بالإضافة إلى الأسباب السياسية والاقتصادية الداخلية ـ في انهيار الاشتراكية وتفكك الاتحاد السوفيتي، وفي إضعاف روسيا والعمل على إفلاسها مالياً بعد ذلك الانهيار.. كما نرى مفيداً التمعن في أسباب عدم تمكن القضاء البلجيكي من مقاضاة رئيس وزراء إسرائيل المجرم شارون، في الدعوى المقامة ضده، على دوره في جرائم صبرا وشاتيلا، والسبب الرئيس هو تهديد بيوتات المال الصهيونية والمتحالفة معها بمقاطعة بلجيكا، إن تمت هذه المحاكمة، وما سيتركه ذلك من آثار اقتصادية كبيرة عليها.. والمثال الأقرب هو سياسة تدمير وتفكيك العراق، هذه المهمة التي سهلها وقدمها النظام العراقي الشمولي البائد، على طبق من ذهب لمنفذيها، وساعده في هذه الجريمة كل من دعمه وأيده وسانده..

أين موقعنا من السياسة الدولية، وكيف يجب أن يكون موقفنا منها؟
إنّ الدول العظمى كالصين، اليابان، روسيا، الاتحاد الأوروبي، ومختلف دول العالم، تتبنى الخطوط العريضة للسياسة الدولية المعتمدة في مجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة، وتدرس بإمعان السياسة الخارجية الأمريكية، وتتعامل معها بكثير من البرغماتية، لما في ذلك من فوائد لبلدانها!
كما أنّ الولايات المتحدة الأمريكية تقيم التحالفات مع الدول العظمى وغيرها وتعقد المؤتمرات الدولية لوضع الخطط لتنفيذ استراتيجيتها السياسية الخارجية.. وفي هذا المجال من المفيد التذكير بمؤتمر هلسنكي الذي عقد عام 1975 الذي أعلن أنّ هدفه هو بناء أسس التعايش السلمي بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا الغربية، من جهة، والاتحاد السوفيتي ودول أوروبا الشرقية، من جهة ثانية، وفي الحقيقة كان في أساس استراتيجية وأهداف السياسة الخارجية الأمريكية، من عقد ذلك المؤتمر وما تبعه من سياسات، تطبيق رؤيتها السياسية لنشر مفهومها للديموقراطية وحرية السوق في أوربا الشرقية، والقضاء على الميول إلى الاشتراكية فيها.. ولقد أقامت جبهة عالمية عريضة سخرت فيها إمكانيات مختلف الدول بما في ذلك الدول العربية والإسلامية النفطية لتحقيق استراتيجيتها السياسية.. نذكر بذلك، للأخذ بعين الاعتبار آراء المحللين الذين يعدون مؤتمر الدول الثماني الذي عقد في هذا العام (2004) في الولايات المتحدة الأمريكية واعتماده خطة نشر الديموقراطية في الشرق الأوسط، استكمالاً لمؤتمر هلسنكي، لكن في مناطق أخرى رديفة. ومن الضروري التأكيد على أنّ السياسات الاستراتيجية والخطط، والتي يدخل في نطاقها استخدام الولايات المتحدة الأمريكية للمؤسسات والمنظمات الدولية، كمجلس الأمن وغيره، لاعتماد قرارات تساعد في تطبيق الاستراتيجية السياسية الأمريكية، كالقرارات الخاصة بالحرب على العراق نتيجة احتلاله للكويت، والقرارات الأخرى التي تخص الدول العربية، كليبيا والسودان ولبنان، والتي تعد جزءاً من السياسة الخارجية الأمريكية، توضع لتطبق، وليست كمقررات بعض الأحزاب في بلداننا وخطب يعض الحكام، التي يتبين بعد فترة وجيزة من إعلانها أنّهم ليسوا مسئولين عنها، وتبقى الغاية منها الاستهلاك المحلي وذر الرماد في العيون.. وبالتالي علينا التعامل مع هذه السياسة بدقة وحذر وعقل جديد، يتجاوز ما تركه لنا السلف.. ويستوعب معطيات المرحلة الحالية من التطور العالمي.. إلاّ أننا نجد الكثيرين يتغنون بالسياسات الثابتة والمبدأية القائمة على معطيات القرن السابق، من صراع بين معسكرين وقطبين، لم يعد أحدهما ـ ذلك القطب الذي كنا في سياستنا الخارجية نستند إليه ـ موجوداً..
وفي هذا السياق نجد من الضروري طرح الكثير من التساؤلات المشروعة:
كيف نتعامل مع استراتيجيات السياسة الخارجية الدولية، وكيف نواجه التحديات الماثلة أمامناا؟
أيمكن تفادي حصول مآسٍ مشابهة لمأساة احتلال العراق؟
ما سر هيمنة التفكير الجامد والمتحجر عند البعض؟
هل هناك من يعمل ويدفع بشكل مقصود لتبني سياسات خاطئة؟
هل هناك من ينصب الأفخاخ والمطبات، كتلك التي نصبت للنظام العراقي الشمولي البائد، ويسوقها تحت يافطة الشعارات البراقة، والتهليل والتبجيل المنافق والمخاتل الذي يعمي البصائر؟!
هل هناك من يريد الدفع إلى الخطأ والتهلكة؟
ألا توجد نقاط تقاطع مع السياسة الدولية، بما في ذلك السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، يمكن التعاون لتحقيقها، والاستفادة منها؟

النهج الديموقراطي في الحكم يصحح السياسات الخاطئة، والنهج الشمولي يكرسها:
إن فهم أسس مسيرة التطور العالمي ومتطلباتها يخفف على الشعوب كثيراً من الويلات والمآسي.. فقد ارتكبت بعض الدول أخطاء سياسية نتيجة مراهنتها بشكل خاطئ على كيفية تطور الأحداث في العراق.. وكادت تلك الأخطاء السياسية أن تسبب كوارث حقيقية لهذه البلدان.. فكيف يتم التعامل مع من انتهج تلك السياسة الخاطئة؟
تحدد طبيعة النظام السياسي في كل دولة كيف يتم التعامل مع من يسن سياسة خاطئة.. ففي الدول ذات النهج الديموقراطي تتم محاسبة هؤلاء وإقصاؤهم عن مناصبهم، وتتجنب البلاد تبعات أخطائهم السياسية، السابقة واحتمال تكرارها في المستقبل.. أما في الدول الشمولية فيتم تبرير تلك الأخطاء بشكل شعاراتي ديماغوجي، ويبقى من ارتكب الخطأ السياسي في منصبه، ليقترف أخطاء جديدة تزيد البلاد ضعفاً وانعزالاً عن العالم..
سيبقى دعاة المشروع الصهيوني يعملون على تحقيق أهدافهم الخرافية، طالما وجدت لديهم مصادر القوة لتحقيق أهدافهم ـ على الرغم من أنّ الجوانب العنصرية في هذا المشروع تتناقض مع مسيرة التطور الإنساني ـ وسيبقى ممثلو الاحتكارات الرأسمالية يسعون لمضاعفة أرباحهم غير عابئين بما يسببه ذلك من ويلات للبشرية، طالما يملكون مصادر القوة لتنفيذ مآربهم، وستبقى الأسس الاستراتيجية في السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية موجودة وتعمل الإدارة الأمريكية على تحقيقها مستفيدة من تأييد وتحالف الدول العظمى والمؤسسات الدولية لها في أمور كثيرة منها مكافحة الإرهاب ونشر قيم الديموقراطية والحرية والتطور الاقتصادي والتكامل التقني والتكنولوجي، ومستغلة مكامن الضعف لدى الطرف الآخر الذي يقدم لها المسوغات والمبررات لحشد العالم ضده..
على ضوء هذه اللوحة المعقدة من الضروري انتهاج سياسة وطنية واقعية مرنة، تؤدي إلى تحقيق حقوقنا العادلة، في صراعنا مع المشروع الصهيوني، وفي نفس الوقت لا تؤدي إلى عزلنا عن العالم، ولا تقود إلى مآسٍ انتحارية جديدة.. من الضروري أن تقودنا النظرة الواقعية إلى إيجاد نقاط تقاطع مشتركة مع السياسة الدولية العامة، التي تؤيدها أغلب دول العالم وخاصة الصديقة منها في أوربا وروسيا والصين.. لا يمكن لسياسة أن تنجح من دون أصدقاء، أين نحن من أصدقائنا في فرنسا وألمانيا وروسيا والصين، كم يبلغ عدد أصدقائنا في أمريكا؟.. السياسة الناجحة هي تلك التي تزيد من عدد الأصدقاء وتقلل من عدد الأعداء.. عندما يزداد عدد أصدقائنا في العالم، بما في ذلك في الولايات المتحدة الأمريكية، عندما نستطيع إقناع العالم بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية بعدالة حقوقنا، تكون سياستنا ناجحة، وكلما ازداد أعداؤنا عدداً علينا مراجعة سياستنا، ويحتاج ذلك بالضرورة إلى بنية سياسية ديموقراطية حقيقية، والبنى الشمولية أعجز من أن تقوم بذلك مهما حسنت الإرادة والنوايا عند البعض..
ألا يوجد في مواقع القرار السياسي في الأنظمة العربية أشباه العقول الأمية العنجهية المتكلسة الصدامية التي دفعت بالعراق إلى التهلكة، وقد تقود بلدانها إلى نفس المصير؟! وهل استفدنا من درس العراق السابق والراهن والمقبل؟!
العراق لا بد أن يتعافى.. فبالإضافة إلى الخبرات التاريخية الضخمة، والطاقات الإبداعية والكوادر المثقفة والذكية لدى الشعب العراقي، بكل قومياته العربية والكردية والتركمانية، والآشورية وغيرها والتي يكسبه تعددها وأخوتها ووحدتها تميزاً وخبرة وغنىً ـ على الرغم من الويلات والدمار الذي جلبه النظام الشمولي البائد ـ تلك الطاقات التي تجعله قادراً على تخطي هذه المحنة، فإنّه لا توجد مصلحة لأية دولة عظمى في عدم استتباب الأمن في العراق، هذه الدولة التي تملك ذلك الاحتياطي الضخم من النفط الضروري للعالم أجمع.. الحكومة الوحيدة المستفيدة من تدمير وتفتيت العراق وسيادة الفوضى فيه هي حكومة شارون الصهيونية العنصرية في إسرائيل، فضلاً عن القوى الإرهابية في العالم.. بالتالي لا بد أن يتكاتف العالم مع الشعب العراقي لخروجه من محنته، وبناء المجتمع الديموقراطي المتحضر على أراضي العراق السيد الموحد المستقل المحرر من القوى الأجنبية.. الذي سيكون له دور كبير في المنطقة.. عندئذ ألن تكون مفيدة مساءلة من راهن على غير ذلك؟ السياسة الراهنة الناجحة والصحيحة تستشف آفاق المستقبل وتعمل بالانسجام مع متطلباته.. وما أدراك ما متطلباته!
إننا نحتاج إلى مناهج تفكير جديدة، وأساليب سياسية جديدة، تخرجنا من موقع المترقب المنفعل والمتلقي السلبي، للبحث عن السبل المؤدية إلى موقع المستفيد إن لم يكن الشريك في أمورنا، وعلاقتنا مع الآخر، بما في ذلك مع الولايات المتحدة الأمريكية؟!
تجد أحياناً من يريد الخروج من المأزق، لكنّه لا يستطيع، ولن يستطيع.. والسبب يكمن في البنية السياسية التي تعيق وتمنع أي تطور وتقدم على كافة الصعد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.. لن نستطيع تحقيق أي تطور وتقدم داخلي أو خارجي، إذا لم يتم إصلاح البنية السياسية التي تحدد أساليب وأسس نشاطنا.. لقد علمت التجربة البشرية أنّ البنية السياسية الديموقراطية هي السبيل المساعد للخروج من هذه المآزق.. أجل إنّ الديموقراطية ضرورة وطنية من الدرجة الأولى لسن سياسة داخلية وخارجية ناجحة وصحيحة، وتصحيحها كلما استدعت الضرورة ذلك.
طرطوس 15/10/2004 المهندس: شاهر أحمد نصر
[email protected]
الموقع الفرعي في الحوار المتمدن: http://www.rezgar.com/m.asp?i=149
الهوامش:
(1) من كلمة سيوسن رايس في المؤتمر الذي عقد في واشنطن، في الفترة ما بين 28-29 تشرين الأول / أكتوبر من عام 2003 تحت عنوان: الاستراتيجية الأمريكية الجديدة للأمن والسلام. وسوسن رايس خبير في قضايا السياسة الخارجية في معهد Brookings ، عمل في مجلس الأمن القومي في إدارة كلينتون.
(2) من كلمة جيسيكا شتيرن (Jessica Stern) في المؤتمر أعلاه، وقد عملت شتيرن في جهاز مستشاري الأمن القومي في عهد الرئيس كلينتون، وفي مجلس العلاقات الدولية، مؤلفة كتاب "الإرهاب باسم الله" (Terror in the name of God)



#شاهر_أحمد_نصر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إلى متى يمكن السباحة في نفس التيار؟
- بحث في العقل العلماني اليساري العربي المتنور ـ الياس مرقص يح ...
- وجادلهم بالتي هي أحسن- ـ حول قرار حجب موقع الحوار المتمدن ـ ...
- بحث في العقل العلماني اليساري العربي المتنور ـ اللغة والعقل ...
- بحث في العقل العلماني اليساري العربي المتنور ـ الياس مرقص وا ...
- بحث في العقل العلماني اليساري العربي المتنور ـ الياس مرقص وا ...
- بحث في العقل العلماني اليساري العربي ـ الياس مرقص نموذجاً 2/ ...
- بحث في العقل اليساري العربي ـ الياس مرقص نموذجاً
- أيوجد حقاً عشرة مخربين، فقط؟ ومن هم؟
- من أسباب تقهقر القوى العلمانية والديموقراطية في العالم العرب ...
- الإصلاح الشامل وبناء الدولة على أسس عصرية سليمة مهمة وطنية
- انطباعات أولية حول رواية:-قمر بحر
- النظام السياسي العربي يحطم المعارضة ، وينظر إلى نفسه بمرآتها ...
- احترام كرامة شهداء الرأي والحرية يتطلب إحالة الجلادين وحماته ...
- ابن رشد فرصة العرب الضائعة
- نضال الحركة العمالية العالمية في سبيل الديموقراطية وضرورة تج ...
- ألم يحن الوقت للغة خطاب جديدة بديلة للغة الاعتقال!
- في سبل اغناء اللغة العربية بالمصطلحات العلمية والحضارية وتوح ...
- مسلسل اللامعقول في زمن الصمت
- الأكراد والعرب أخوة في صالح من جعل القضايا تتراكم والتباطؤ ف ...


المزيد.....




- كيف يعصف الذكاء الاصطناعي بالمشهد الفني؟
- إسرائيل تشن غارات جديدة في ضاحية بيروت وحزب الله يستهدفها بع ...
- أضرار في حيفا عقب هجمات صاروخية لـ-حزب الله- والشرطة تحذر من ...
- حميميم: -التحالف الدولي- يواصل انتهاك المجال الجوي السوري وي ...
- شاهد عيان يروي بعضا من إجرام قوات كييف بحق المدنيين في سيليد ...
- اللحظات الأولى لاشتعال طائرة روسية من طراز -سوبرجيت 100- في ...
- القوى السياسية في قبرص تنظم مظاهرة ضد تحويل البلاد إلى قاعدة ...
- طهران: الغرب يدفع للعمل خارج أطر الوكالة
- الكرملين: ضربة أوريشنيك في الوقت المناسب
- الأوروغواي: المنتخبون يصوتون في الجولة الثانية لاختيار رئيسه ...


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شاهر أحمد نصر - في السياسات الناجحة، والسياسات الخاطئة