|
في حصرية دوافع السياسات الداخلية وراء الثورة المصرية
محمد سيد رصاص
الحوار المتمدن-العدد: 3307 - 2011 / 3 / 16 - 09:03
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
غابت الشعارات المتعلقة بالعلاقات المصرية- الاسرائيلية،أوتلك المتعلقة بواشنطن،عن ساحة ميدان التحرير بالقاهرة خلال الثمانية عشر يوماً التي استغرقتها الثورة المصرية حتى يوم تنحي الرئيس حسني مبارك في11شباطفبراير2011.كمالم تكن هناك أيةٌ من الشعارات التي تخص(العروبة)و(فلسطين)أو(دور مصر في المحيط). بالمقابل،كانت كل الشعارات تتعلق بالوضع الداخلي المصري،ويمكن أن يغامر الملاحظ الدقيق ،الذي راقب ذلك المشهد بأيامه كلها، في القول بحصرية الأخيرة. بالتأكيد كان هذا الأمر صادماً للكثير من العروبيين،الذين مازالوا يعيشون الكثير من النوستالجيا نحو المرحلة الناصرية ،ولوعاشوا غبطة غروب يوم11فبراير.وهم بالقطع لن يتناولوا هذا الموضوع لاكتابياً ولاشفوياً،على جري العادة العربية في انشاء تلك المسافة الكبيرة بين (الشعوري)و(المنطوق)ثم بين(الشفوي)و(المكتوب).كماأن هذا الأمر يثير التباسات عدة مادام كان ظاهراً وملموساً ذلك الحضور الكبير للاسلاميين في (ميدان التحرير). هنا،ربما،يعزو البعض هذه الظاهرة،التي بالتأكيد تكثِف بدلالاتها الوضع المصري المعاصر،إلى الحاجة لشعارات غير خلافية بين أطياف(ميدان التحرير)المتنوعة الاتجاهات،سواء كانت مؤطرة تنظيمياً أم لا،مادامت كلها قد اجتمعت على مطلب(التغيير الداخلي)فقط،فيما المواضيع الأخرى ذات طابع خلافي بينها على المستويين التكتيكي والاستراتيجي.أيضاً،ربما يقوم البعض الآخر بخفض سقوف معاني هذه الظاهرة،من حيث عكسها ل"صورة مصر"،عندما يحيلها إلى تكتيك تهدف من خلاله قوى الثورة المصرية إلى عدم إثارة عداء وهلع واشنطن،ومن خلفها تل أبيب،ماكان يمكن أن يدفعهما للوقوف في موقف آخر غير ذاك الذي أخذته إدارة أوباما والذي وصل إلى حدود"الحياد الايجابي"تجاه (ميدان التحرير)،على الأقل منذ يوم1فبراير،وهو ماكان بدوره مساعداً في نزع فتيل (العامل الاسرائيلي)الذي لم يستطع اخفاء قلقه واضطرابه خلال تلك الأيام المصرية.كذلك من الممكن أن يرجع بعض ثالث هذا إلى إشارات أظهرت واشنطن من خلالها استعدادها ،خلال الأيام الأخيرة للرئيس مبارك،لانهاء حالة الطلاق بينها وبين الاسلاميين التي بدأت مع انتهاء الحرب الباردة في عام1989والتي كان فيها الطرفان في تحالف مشترك ضد السوفيات وحلفائهم. على كل حال،لايمكن لهذه التفسيرات الثلاث أن تلامس أكثر من تفصيلات تلك الظاهرة ومفاعيلها،وهي بعيدة عن ملامسة طابع ظاهرة هي التي تطبع ثورة،توازي ثورات كبرى في التاريخ الحديث،بطابعها الخاص. في كل ثورة هناك طابع محدَد يعطيها ملمحاً خاصاً:في ثورة1642-1649كانت هناك ثورة لبرلمان ضد سلطة الملك الانكليزي المطلقة،ثم جاءت ثورة1688لتعطي انكلترا ملكية دستورية جعلت الملك يملك ولايحكم.في ثورة1789الفرنسية أتت البورجوازية لتطيح سلطة الأرستقراطية،المتحالفة مع الكنيسة،بعد أن عادت لقوتها السابقة في عهد الملك لويس السادس عشر(منذ1774)على حساب الملك فيماكان لويس الرابع عشر(توفي في1715) محجِماً لها ومقيماً لسلطة مطلقة ساهمت من خلال توسعاتها الخارجية،وعبر حروبها الأوروبية،في تهيئة المناخ لصعود البورجوازية،وهو مايبني عليه أليكسيس دو توكفيل أطروحته في كتاب"النظام القديم والثورة"(1856)بأن الثورة هي لحظة انفجارية عنيفة لميل عام ينمو ببطء في رحم النظام القديم.كانت ثورة شباط1917الروسية ذات طابع ديموقراطي بورجوازي ضد الحكم القيصري من حيث اتجاهها العام،وإن كانت القوى المحرِكة لها،بعد أن تفاجأ الجميع باندلاعها عفوياً،تشمل أحزاب متعددة تمتد من (الكاديت)الليبراليين، إلى (الاشتراكيين الثوريين)وهم ذوي قاعدة اجتماعية فلاحية،وصولاً إلى ماركسيي حزبي(المناشفة)و(البلاشفة)بعد أن اجتمع هؤلاء جميعاً على ذلك الاتجاه العام قبل أن يأتي لينين من سويسرا في شهر نيسان ويقدم كراس"موضوعات نيسان"ويستطيع قيادة حزبه نحو اتجاه "ثورة اشتراكية" في أوكتوبر1917،لم تكن موضوعة على جدول أعماله في كتاب "خطتا الاشتراكية الديموقراطية"(1905)قبل انجاز المهام الخاصة بالثورة الديموقراطية البورجوازية على طراز فرنسيي1789.ربما،كان دور الخميني في اعطاء الطابع الاسلامي ليوم11شياط1979تجاه المجرى العام للثورة الايرانية ،والقوى المجتمعة على تحريكها خلال سنة وشهر سبقا ذلك التاريخ،لايختلف كثيراً عن أوكتوبرلينين تجاه مجرى مابعد ثورة شباط1917. في قاهرة(ومصر)25يناير-11فبراير2011كان هناك طيف اجتماعي عريض اجتمع على مطالب التغيير السياسي الديموقراطي لبنية نظام سياسي استندت منذ مجريات مابعد يوم23يوليو1952إلى مثلث(الجيش- الأجهزة الأمنية- الحزب الواحد الذي بدأ يلوَن وجوده منذ عام 1976بتعددية حزبية مقيدة وديكورية)قبل أن يتم تربيع هذا المثلث بدخول (رجال الأعمال)إلى بنية النظام ابتداءاً من تسعينيات القرن العشرين.طبعاً،من الضروري في هذا الصدد تبيان أن بنية النظام السياسي خلال حراكها يمكن أن تفرز اتجاهات مختلفة في السياستين الداخلية والخارجية ولكن من دون أن تتغير البنية،وهو مايلاحظ بين عهدي عبدالناصر والسادات أوفي الجمهورية الفرنسية الخامسة بين ديغول وساركوزي . هنا،قادت الآثار الاقتصادية – الاجتماعية لتربيع ذلك المثلث المصري، عبر إضافة فئة من رجال الأعمال هي أقرب يسلوكها إلى المافيات، إلى انفجار اجتماعي مليوني الحجم،كان توجهه ليس مطلبياً،كمافي حوادث يناير1977،وإنما للإطاحة وتغيير رأس الهرم السياسي للوصول،عبر هذا الباب،إلى اسقاط تلك البنية الرباعية للنظام المصري:منذ سقوط الرئيس مبارك في11فبرايرسقط معه تباعاً (الحزب الوطني)و(قوات وزارة الداخلية+ جهاز أمن الدولة)و(فئة رجال الأعمال المرتبطة بالنظام) خلال أربعة أسابيع لاحقة. عملياً،لم تستطع القوة الاجتماعية للشارع المصري أن تنجز مهمة الإطاحة برأس هرم النظام السياسي القائم لوحدها،بعكس طهران11شباط1979 عندما أطاحت قوى المجتمع بكامل بنية النظام،وإنماتلاقت معها في انجاز ذلك المؤسسة العسكرية التي وقفت على الحياد بين(ميدان التحرير)و(قصر عابدين)منذ يوم1فبراير،وبغطاء دولي مشجع،وبالذات من واشنطن:في قاهرة مابعد11فبراير2011،يوجد رقمان سياسيان فقط،هما المؤسسة العسكرية،والمجتمع المصري بأطيافه وتلاوينه المتعددة الذي أثبت منذ يوم25يناير2011أنه قد أصبح رقماً صعباً وقوياً(في نقض متأخر بعد أربعة عشر قرناً لرأي عمرو بن العاص بالمصريين) تدل المجريات العام للتطورات على أنه قد فرض وقائع ومسارات ستؤدي إلى جعل بنية نظام مابعد23يوليو1952من الماضي باتجاه بنية نظام سياسي جديد قريبة من الذي هو قائم في أنقرة،حيث جمهورية برلمانية تلعب فيها الأحزاب في ملعب السلطة التنفيذية فيماتأخذ المؤسسة العسكرية بالنسبة لذلك الملعب،المقررة فيه مسبقاً قواعد اللعبة وسقوفها وممنوعاتها،دور الحكم في ملعب كرة القدم.
#محمد_سيد_رصاص (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
واشنطن واهتزاز الحليفين شاه ايران وحسني مبارك
-
الترجمات المحلية لتبدل التوازن الاقليمي
-
هل نحن أمام بداية النهاية لاستهداف مصر ودورها؟!-
-
علامات موجة ديموقراطية عربية متفاوتة المظاهر
-
الجغرافية المتقلصة للسودان
-
حركة شعبية بلاأحزاب أطاحت بالحكم التونسي
-
المصريون والسودان
-
السودان:تصدع البيت المشترك للعرب والأفارقة
-
البيئة الخارجية للنزعة الانفصالية
-
دمشق وبيروت
-
مابعد لشبونة: بداية احتواء روسيا في المنظومة الغربية
-
مأزق نموذج الديموقراطية المصرية المحدودة
-
الهند والولايات المتحدة في مرحلة مابعد الحرب الباردة
-
التوتر اللبناني وعملية التسوية للصراع العربي الاسرائيلي
-
محمد سيد رصاص في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: التنمية
...
-
اشكاليات العلمانية في العالم الاسلامي
-
الدولة – الساحة
-
المحتل الفاشل
-
الحراك في بنية النظام الشرق الأوسطي الحديث
-
بيروت وبغداد
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|