الثورة المعلوماتية في مواجهة تدهور البيئة

أمين الكنوني

الحوار المتمدن-العدد: 988 - 2004 / 10 / 16 - 11:51
المحور: الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
    

تطرح الثورة المعلوماتية عددا من الظواهر الإيجابية والتغيرات التي تجتاح العالم،فمع ظهور التجارة الالكترونية والتي نقلت التجارة إلى شاشة الحواسيب،تغيرت العديد من المفاهيم الاقتصادية وأفرزت اقتصادا جديدا يحقق قيه الربح السريع،وتقتصد فيه التكاليف،ويقل فيه استهلاك الطاقة،مما جعل العلاقة بين الثورة المعلوماتية والوسط البيئي أكثر ودية مقارنة مع الثورة الصناعية،حيث يجد نشطاء البيئة والفاعلون الاقتصاديون أنفسهم متفقين على أن الاقتصاد الجديد في ظل الثورة المعلوماتية سيزدهر دونما الحاجة لتعريض البيئة إلى المزيد من التدهور.
كانت الرسائل في الماضي تحرر على الورق،وكان إنتاج الورق يستلزم قطع الكثير من الأشجار،وإنهاك المساحات الغابوية الشاسعة،كما كان توزيع البريد يحتاج إلى جهد بشري واستهلاك مفرط للطاقة،لكن ظهور البريد الالكتروني والذي أحدث قطيعة مع عصر الورق،محولا المراسلة إلى حالة اللاتجسيد، مساهما بذلك في الحد من استعمال الورق وتدهور المساحات الغابوية...ولا يقتصر ذلك على القطاع البريدي فقط،ولكن أغلب الشركات العالمية أصبحت تستعمل الانترنت والانترانت (الشبكة الداخلية للمعلومات) في تبادل الملفات،كما تشجع العاملين فيها على العمل داخل منازلهم،ونستحضر هنا تجربة شركة "إي تي أند تي" والتي وفرت نصف مليار دولار بعد تخليها عن إنشاء مكاتب لها مجهزة بالتدفئة والتبريد،وأدى ذلك إلى مكاسب بيئية قدرها الخبراء بالتقليل من 55ألف طن من غاز ثاني أكسيد الكربون كان سينبعث نحو الغلاف الجوي للكرة الأرضية كل سنة،وترى دراسة أمريكية أن الأسر الأمريكية تقوم ب500رحلة أو أكثر نحو المتاجر باستخدام السيارة سنويا،وإن حدث ونفدت الأسر عملية شراء حاجياتها عبر الخطوط الالكترونية،فإنها ستستهلك وقودا أقل،وقد دأبت وسائل الإعلام الأمريكية في عملية إعلان مزدوج على دعوة الأمريكيين على التسوق عبر الانترنت، للتقليل من المصاريف وكسب الوقت والحفاظ على البيئة،وفي الآن نفسه للتعزيز من مدا خيل الشركات العملاقة المتخصصة في التجارة الالكترونية،والتي انتقل رقم معاملاتها من ملايين الدولارات، ّإلى ملايير في بضع سنين.
وظهرت على مستوى الانترنت مواقع متعددة مختصة في طرح العروض المجانية نحو الشركات العملاقة، للتخلص من نفايتها حتى إن هذه العروض جذبت وكالة الفضاء الأمريكية" ناسا"،وإذا كانت الأقراص المدمجة من أصعب النفايات التي يتم التخلص منها فإن عشاق الموسيقى أصبحوا يقومون بتحميل الموسيقى عبر الانترنت عوض استهلاك الأقراص المدمجة الموسيقية،وتبقى الطفرة التي حققتها الانترنت في علاقتها مع البيئة هي التقليل من استهلاك الطاقة،فدار بيع الكتب أمازون دوت كوم مثلا تستهلك طاقة ثمنها 0.03دولار لكل 100دولار من مبيعات الكتب،بينما دور بيع الكتب العادية فتفوق 0.44 دولار لكل 100دولار من مبيعاتها.
يدعو الفين توفلر في الفصل التاسع عشر من كتابه صدمة المستقبل إلى ضرورة خلق غربال بيئي لحماية الطبيعة من الآثار الناجمة عن عصر التصنيع،غربال يرتكز على ردع الاستهتار التكنولوجي،ويقوم على إنشاء آليات لمراجعة التكنولوجيات الهامة قبل تطبيقها داخل المجتمع،بالإضافة إلى تشجيع التكنولوجيا الحديثة التي توفر المنفعة الاجتماعية والاقتصادية وتتوفر فيها شروط الحفاظ على البيئة،ولقد قطعت الدول المتقدمة أشواطا بعيدة في هذا المجال، من خلال استشعارها لضرورة الرهان على الثورة المعلوماتية كمنطلق نحو بيئة نظيفة،ولا شك من أن الاعتماد على التقنيات المعلوماتية في عالمنا العربي من شانه المساهمة في التقليل من التدهور البيئي،فاستخدام التسوق الالكتروني مستقبلا من شانه التغلب على مشكل الطاقة،كما أن نمو الصحافة الالكترونية واستعمال البريد الإلكتروني بشكل مكثف سيساعد على التقليص من استهلاك الورق.
إن هذه التغييرات الجديدة،والتي بدأت رياحها تهب على عالمنا العربي،تبدو تأثيراتها ضعيفة للوهلة الأولى،لكنه من المؤكد أن تسارع نمو تكنولوجيا المعلومات من شانه أن يؤدي إلى التغيير،وبالنظر لوضعية عالمنا العربي الذي تعرف فيه التجارة الالكترونية نشاطا ضعيفا،ومازال الكثيرون يجهلون كيفية إنشاء بريدهم الالكتروني،فإنه يمكن الاعتماد على الانترنت كأداة تحسيسية وتأطيرية عن طريق قيام المختصين بإنشاء مواقع حول البيئة وكيفية المحافظة عليها،وتفعيل النقاش حول أهميتها داخل مواقع الحوار والنشر الالكتروني،إضافة إلى إنتاج برمجيات متخصصة في التوعية البيئة، ولتحسيس بخطر التلوث والحفاظ على الماء والغابة بطريقة آسرة موجهة نحو العامة.

#أمين_الكنوني (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات