أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - فيليب ريفيار - نضال ضد التمييز الصحي في جنوب افريقيا العيش في سوويتو برفقة السيدا















المزيد.....


نضال ضد التمييز الصحي في جنوب افريقيا العيش في سوويتو برفقة السيدا


فيليب ريفيار

الحوار المتمدن-العدد: 217 - 2002 / 8 / 12 - 01:20
المحور: الطب , والعلوم
    


 

لم تكد جنوب افريقيا تتحرر منذ عشر سنين حتى غرقت في نوع من التمييز أكثر فتكاً. فحتى الآن هناك خمسة ملايين شخص من السكان البالغ عددهم خمسة وأربعين مليون نسمة التقطوا فيروس السيدا. وتُفجع البلاد سنوياً بـ250000 إصابة جديدة وبما يعادلها من الوفيات... وليست هذه المجزرة الا في بداياتها والقطاع العام، وهو الملاذ الوحيد للفقراء، لا يوفر الادوية المضادة لتجدد الفيروس... لكن حاملي الفيروس قرروا المكافحة من أجل العيش وينفث نضالهم روحاً جديدة في معركة الشعب الجنوبي الافريقي من أجل الكرامة والمساواة.

فيليب ريفيار
PHILIPPE RIVIERE

   حين طلب ضيف الشرف في تلك الصبيحة الى طلاب مدرسة دوبسونفيل الابتدائية في سوويتو، أن يتكلموا عن السيدا، راحوا يتنافسون في الاجابة. رد أحدهم: :إنه فيروس!"، وأجاب آخر: "يكون الناس هزيلين جداً، ثم يموتون"، ليتابع الثالث محمراً من الخجل: "يجب استعمال الواقي". وعلى جدار المدرسة، ما بين شريطة حمراء ورسم للواقي، لوحة تستعيد الشعارات الدائمة الحضور في الحملات الوقائية: "السيدا هنا، إنه الواقع"، او "عفة-إخلاص-واقٍ" او "صديق مصاب بالسيدا يبقى صديقاً" او بشيء من الابهام: "يجب ان تحبهم كفاية كي تتكلم عنهم". ومع ان الأولاد مشبعون منذ نعومة أظفارهم بهذه التوجيهات، الا ان السيدة مرسي مالاليملي أسرتهم حين أطلعتهم على أنها مصابة بالفيروس منذ حوالى عشر سنين، فهي جميلة جداً! وكانت ترقص في شكل رائع منذ لحظات أثناء تقديم الأغاني! فكيف يمكن ان تكون مريضة؟

   وقصتها سخيفة جارحة: "عندما أبلغت زوجي، أثناء حملي الثاني، أن نتيجة الاختبار كانت إيجابية، شتمني وضربني، أصبت بجرح تطلّب أربع عشرة قطبة، ثم رماني خارجاً مع ولدنا تاهبان. في اليوم التالي حضر الى المحل الذي كنت أديره ليطلب اليّ أن آخذ اغراضي لأنه لا يستطيع العيش مع شخص مصاب بالفيروس. ويبدو ان احد الزملاء أبلغ رب العمل بواسطة الهاتف، وفي المساء كنت قد خسرت وظيفتي". وإذ بتّ لا منزل لي ولا عمل، دخلت في مغامرة غير مألوفة: "علّمني والدي ان ما نعيشه، يعيشه الآلاف من البشر غيرنا." فكرست نفسها كي تجعل من هذا الفيروس الكامن، موضوعاً مرئياً، في المدارس واللقاءات الدولية ووسائل الاعلام.

   في مستشفى كريس باراغواناث، تلقت السيدة ماكاليملي نصائح طبيبة الاطفال الشابة غليندا غراي وطبيب التوليد جيمس ماكلنتري اللذين كانا قد فتحا مكتباً صغيراً للأبحاث الخاصة بالولادات في حالات الاصابة بالسيدا، وبعد تسع سنوات بات هذا المكتب يضم نحو أربعين باحثاً. تقول السيدة غراي متنهدة: "امضي وقتي مجندة الناس!" وقد تابع المكتب في العام 2001 معالجة 13313 امرأة حاملاً مع اطفالهن. ووجد المكتب نفسه أيضاً في صلب قضية دواء "نيفيرابين" التي تعصف بجنوب افريقيا. ومقره في الطابق الأخير من المبنى الأعلى في سوويتو ويشرف على وايت سيتي وسطوحها الاسمنتية التي كانت تحمي عائلات رجال الشرطة البيض من قنابل المولوتوف، وما وراء التلال تتراءى البيوت الضيقة "كعلب الكبريت" التي تؤوي ما بين 1 و1،5 مليون من سكان مدينة الصفيح هذه، حيث 30 في المئة من البالغين الشباب يحملون فيروس فقدان المناعة المكتسبة، إذا اخذ في الاعتبار ما اكتشف من النساء الحوامل اللواتي أصبن بهذا الفيروس.

   فالنيفيرابين، وهو مضاد لتجدد الفيروس، ويوصف قبل ست ساعات من موعد الوضع، يمنح النساء الحوامل فرصة تجنب نقل الفيروس الى المولود، سامحاً بتراجع العدوى الوراثية وبسرعة تصل الى نسبة النصف، إذ يتقلص الخطر من 30 في المئة الى 15 في المئة. وتوضح السيدة آنياس فياما، الباحثة في الصحة العامة في هذا المكتب، أنه "عندما نضع النساء إزاء أخطار نقل الفيروس خلال عملية التوليد، فإن مجمل النساء تقريباً يوافقن على إجراء اختبار الكشف كي يستفدن إذا تطلب الأمر من النيفيرابين". لكن البديهي بالنسبة الى الاطباء والى الأمهات العتيدات، يواجه معارضة منظمة من جانب حكومة جنوب افريقيا منذ بدء محاولات الوقاية من نقل العدوى من الأمهات الى الاولاد. وإضافة الى النيفيرابين، فإن جميع المضادات لتجدد الفيروس محرّمة في الواقع من القطاع العام، باستثناء العلاجات الطارئة في حال إصابة الموظفين الممرضين بجرح ما.

   فهناك وثيقة غير موقعة، من 120 صفحة، وزعت في آذار/مارس عام 2002 في أوساط زعماء المجلس الوطني الافريقي (ANC) ، وهو الحزب الحاكم، تبين مدى هذا الجنون الهذياني لدى الزعماء الأكثر معارضة للعلاجات. فيها يُتهم بعض الباحثين بالاجرام، ويُصوَّر بعض المناضلين على أنهم في خدمة مختبرات الأدوية، وفيها منطق مشوه يعزو الى السم في دواء AZT وفاة الناطق باسم رئاسة الجمهورية  في الـ36 من عمره، وهو باركس مانكاهلانا المعارض الشرس ... لمضادات تجدد الفيروس. السيدة غايل جونسون، والدة نكوزي بالتبني، وهو ذاك الفتى ابن التسع سنوات الذي حرك مشاعر العالم في مؤتمر دوربان في تموز/يوليو عام 2000، تلحظ أن "ما من شك، وبكل بساطة بسبب الأرقام الكبيرة عن انتشار الوباء، ان العديد من السياسيين هم من ذوي المصل الايجابي" وتتابعة: "وكلما مات أحدهم تسري الشائعات حول السيدا. ربما هذا صحيح، لكن ما العمل؟ المشكلة ان الأمر يتحول نوعاً من التشبث الوطني طالما أن أحداً لا يتكلم صراحة".

   هناك خمسة ملايين شخص في جنوب افريقيا مصابون بالعدوى، لكن 10 في المئة فقط يعرفون ذلك. وفي هذا الوضع فإن الغزل الكبير بين الرئيس تابو مكيبي واعضاء آخرين من الدوائر العليا في حزب المجلس الوطني الافريقي مع "العلماء المنشقين" الذين ينفون العلاقة بين فيروس فقدان المناعة المكتسبة وظهور مرض "السيدا"، لا بد ان يكون له انعكاساته. وفي أواخر نيسان/أبريل عام 2002 كان من شأن ضغوط المجتمع الدولي وتزايد الانتقادات الداخلية، وخصوصاً بصوت السيد نلسون مانديلا، انها أجبرت الرئاسة على إحداث مسافة مع "المنشقين".

   يقول السيد ادوين كامرون، أستاذ الحقوق والقاضي السابق في المجلس الدستوري، محللاً الموقف: "لكن موقف الانكار هذا، على مدى سنتين ونصف، قد رجع بنا القهقرى بشكل مأسوي، وذلك لأنه نمّى حالات الخجل في موضوع السيدا. كنا تماماً قد توصلنا الى نقطة بات فيها الناس، من وزراء ونواب وأعضاء في الحكومات الريفية، وممثلين ونجوم الغناء ولاعبي كرة القدم، مستعدين للتحدث صراحة عن إصابتهم بالفيروس. لكن الشكوك التي عبر عنها الرئيس علناً أحيت كل المكبوتات. لقد أحيت ما يحيط بهذا المرض من خرافات ورعب وخجل وتنديد. ومع ذلك فإن النضال ضد التكتم على السيدا هو في شكل أساسي نضال من اجل حقوق الانسان الاكثر بديهية".

   فالمشاهير الذين يتلقون  العلاج في القطاع الخاص، يصمتون خشية أن يتهموا بالعنصرية أو باللاشرعية، تاركين الشعب في حال من الضياع والجهل. في 27 نيسان/أبريل، يوم الحرية، هو الذكرى الثامنة لأول انتخاب ديموقراطي، وعلى شاشات التلفزيون كان السيد مكيبي يتحدث بالهاتف مع المليونير مارك شاتلوورث الموجود على متن المحطة الفضائية الدولية، ومما قاله متباهياً: "ان جنوب افريقيا الجديدة قد وفرت الامكانات لجميع مواطنيها ومنها إمكان زيارة الفضاء الخارجي".

   وعلى المنقلب الآخر، كان فتيان المدارس في سوويتو يستعدون للاحتفال بالحدث رقصاً. اما السيدة غاندي ماهلامفو فجلست في ظل إحدى الأشجار التي تندر في سوييتو. وهي تقيم في كليبتاون، الحي الذي ولدت فيه منذ 28 عاماً، مصارعة البقاء بفضل الراتب التقاعدي الضئيل الذي تتقاضاه جدتها. ومما تقوله: "إن الناس لا يذهبون للمشاركة في اجتماعات التوجيه، فهم يعتقدون أن هذا مضيعة للوقت. فسيان أن تكون مصاباً بالرشح او بالسيدا ... وفي كنيسة زيون يعتقدون أنه يمكن الشفاء بواسطة الصلاة، ويقال أيضاً أن لدى السانغوما، المعالجين التقليديين، اعشاباً فعالة". اما عن الاطباء فتقول: "آمل ان يجدوا شيئاً ما... سمعت كلاماً عن دواء... AZT ، اعتقد...". اما في قضية النيفيرابين والمضادات فتعترف: "لا اعلم شيئاً، فنحن على قدر كبير من الجهل!".

   وفي أحياء المحرومين هذه، يعم الارتباك، ومع ذلك فإن ... غاندي تنهض بعمل اجتماعي، فهي تصعّد في تلال "شاكس" سعياً وراء مرضى السيدا الذين يتخفون في الأرض للموت بعيداً عن الانظار. "ما إن تقول انك تحمل الفيروس حتى يعاملك الناس كأقل من حيوان، فلا يمكنك الخروج من المنزل ولا المشي في الشوارع، والكثيرون ينتحرون، وآخرون يعتقدون ان مرض السكري هو سبب هزالهم". وتستشهد غاندي بالتوراة شارحة: "إن ما يقتلنا هو الفكر المادي. فنحن الفتيات، نحب الصبيان الذين يملكون سيارات. وهكذا يرمينا الفقر في فيروس فقدان المناعة المكتسبة. ففي المنزل لا نملك شيئاً وإذا بهذا الفتى او ذاك يصل مليء اليدين...".

   وقد أعطى عدد من علماء الاجتماع والاطباء صورة شاملة عن "الصفقات" التي تقوم عليها العلاقات الجنسية، فعندما تكون تعرفة النقل بالتاكسي غالية بسبب ضعف المدخول (وفي غياب وسائل النقل العام) تصبح الفتاة معرضة للجوء الى "وزير للنقل"، ويمكنها أن تؤمّن أيضاً، وبحسب الحالات، "وزيرها للمالية" او "وزيرها للتسلية". أما "بابوات الحلويات" (شوغر داديز sugar daddies  ) فينتظرون الخروج من المدارس مع هداياهم، ألبسة من ماركات شهيرة وهواتف نقالة. وقد رفع التمييز العنصري التعذيب والعنف الجنسي الى مستويات مؤلمة. فالصحافية تشارلن سميث تحدثت عن رقم سنوي بلغ مليون حالة اغتصاب من أصل  عدد سكان يبلغ 43،8 ملايين نسمة...وحالة العنف تفسر، من ناحية ما، السرعة التي انتشر فيها الوباء في البلاد [1] .

   ومع أن انتشار السيدا جاء متأخرا هنا أكثر من الأماكن الأخرى، الا أنه جاء أكثر تفجراً، فالايتام يعدون بمئات الآلاف، وتشير التوقعات الى أنهم سيبلغون المليون في العام 2005، و2.5 مليون في العام 2010 [2] . هذا في جنوب افريقيا وحدها! وتنذر الصحف برؤية زمر من أولاد الشوارع يجنحون الى العنف وتتساءل كيف سيكون في امكان البلاد أن تستوعب مثل هذه الصدمة. وفي اي حال فإن هذه "الأخطار"تخفي الواقع الذي يعيشه المعنيون الأساسيون، فغالبية الأولاد يجهدون، وبكل بساطة، للحصول على وثيقة وفاة أهلهم "أو على وثيقة ولادتهم"، بحسب ما أكدت السيدة ليندا آدنسغآرد التي تحيي في بيترماريتزبرغ، العاصمة الصغيرة لكوازولو-ناتال، برنامجاً لمساعدة الايتام، "فبالنسبة الى الادارة لا وجود لهذه الأوراق! والحال أنه بدونها لا يمكنهم الحصول لا على مساعدة اجتماعية ولا على تسجيل مجاني في المدارس".

   فمشاكل السكن وساعات الانتظار في المستشفيات وانقطاع تموين الصيدليات ورجال الشرطة الذين يرفضون تسجيل شكاوى الاغتصاب والدعاوى التي يجب رفعها لدى الدولة للحصول على الأوراق وملفات المساعدات الاجتماعية الضائعة، هذه المشاكل المادية الملحة والعبثية تستنفد الطاقات والموارد. وهكذا يبدأ حاملو الفيروس يتقدمون بمطالب تتعدى الى حد بعيد مسألة العلاجات، مثل إعادة بناء الدوائر العامة وامكان الحصول عل معاش اساسي غير مشروط يبلغ 100 راند (حوالى 10 دولارات) شهرياً، والحق في العمل... وكلها معارك يجدون انفسهم في مقدّمها.

   ويذكّر الدكتور بول كوشليف الذي يدير عيادتي فيروس فقدان المناعة المكتسبة في مستشفيي بيترماريتزبرغ، في المدينة وفي تاون شيب بأنه "في العام 1990 كان هناك فقط 1 في المئة من النساء الحوامل في كوازولو ناتال يحملن الفيروس، اما اليوم فإن معدل هذا الاحتمال ما قبل الحمل قد ارتفع الى 36 في المئة! ونصف الاسرّة في المستشفى يشغلها مرضى بالسيدا." وبعد السير في محاذاة الحقول الخصبة في مزارع البيض الكبرى في ناتال، تروح طريق التلال الألف التي تفضي الى الساحل تتعرج في طبيعة صلصالية تنتثر فيها أكواخ عائلية صغيرة، لا يكاد واحد من هذه المنازل يخلو من المرض، فهنا الفيروس يصيب ربما 80 في المئة من البالغين الشباب. هنا يقول الجنوب افريقيون أن "الناس يموتون مثل الذباب". وعلى كل حال، فإن الخط البياني المنحني للوفيات، الذي يلاحق الاصابات على فترة تمتد ما بين خمس وعشر سنين، لم يبلغ بعد نقطة التراجع.

   ويرى السيد كوشليف ان من الملحّ إعادة النظر في نظام العناية الطبية الذي سيكون عاجزاً عن تأمين الاهتمام بمئات الآلاف من المرضى مستقبلاً: "إن مختلف المستشفيات والمراكز الصحية والمستوصفات لا تعرف كيف تستخدم مواردها، فذوو الأمراض المستعصية لا يصلون الى العيادات المتخصصة التي تضيق بالمرضى الآتين للحصول على وصفات بسيطة. ودرجة انتشار الوباء تجبرنا على اعتماد حلول مبتكرة مثل مشروعنا القائم على تكليف المجتمعات الوقاية من الأمراض الموسمية المعهودة، تماماً مثل ما هو متبع في الارشادات الأساسية في العيادات على ان يرسلوا الينا الحالات الصعبة". وفي الحقيقة يقوم الرهان على "بناء شبكة قادرة على الوصول الى قسم مهم من الشعب عندما تتأمن في النهاية مضادات تجدد الفيروس".

   وهذه الأدوية، الغالية جداً بالنسبة الى الدول الفقيرة، تشكل الموضوع الأساسي في المداولات الجارية حول العولمة، فهل يجوز ان يكون حق براءات الاختراع أهم من الحق في الحياة؟ وما هي معايير "الطوارئ الصحية" التي تسمح بصناعة او باستيراد الأدوية العينية وإطلاق المنافسة بين المختبرات لخفض التكاليف؟ ففي قضية بريتوريا، في نيسان/أبريل عام 2001، منيت الجمعية الجنوب افريقية لمختبرات الأدوية PMA بهزيمة مذلة في مواجهة الحكومة التي كانت تدافع، بدعم من "حملة العمل من أجل العلاج" TAC، عن مشروع قانون يتعلق ياستخدام الأدوية العينية. والحال، أنه بعد سنة من هزيمة الشركات المتعددة الجنسية لم يصدر القانون المذكور. أما شركة "ميدشيم"، وهي إحدى اهم شركات التأمين الخاصة، والتي تحاول التشجيع للاستعاضة عن الأدوية التي تحمل "ماركة مسجلة" بالأدوية العينية، فقد وجدت نفسها مهددة من جانب الجمعية الجنوب افريقية بمقاضاتها أمام لجنة المنافسة.

   ويقول السيد زاكي آشمات والغصة في حلقه: "في بيان من سطرين أعلنت وزارة الصحة أخيراً أن هذا القانون يجب أن يعود الى البرلمان، مما يعني أننا سنخسر سنتين إضافيتين!" . والسيد آشمات الذي يقود الحملة من اجل العلاج TAC منذ اطلاقها، ولما يمضِ على ذلك أربع سنوات [3] قد بنى حركة اجتماعية رائدة عمت البلاد، ويقول مازحاً: "يقدموننا احياناً على أننا زمرة من قدامى التروتسكيين، وهذا صحيح الى حد ما [4] . لكن هذه الحملة هي في شكل أساسي حركة شعبية تدعمها الكنائس والنقابات والعاملون في العناية الطبية ...وعدد لا بأس به من أعضاء حزب المجلس الوطني الافريقي. ففي مقاطعة الكاب التحق بنا الآلاف كما في غوتنغ (في مقاطعة جوهانسبرغ وبريتوريا) او في كوازولو-ناتال. وفي غوغوليتو، وهي  مدينة صفيح من ضاحية الكاب، تترأس ابنة الكاهن اجتماعاتنا التي تبدأ بالصلاة!"

   إن سنوات حكم مانديلا (1994-1999) قد شهدت داخل المجلس الوطني الافريقي انتصار الاستراتيجيا الليبيرالية التي جسدها السيد مكيبي (الخصخصة وسياسة الموازنات، واقتصاد السوق) على نزعة أكثر ميلاً الى تدخل الدولة كانت تطالب بالتأميم وباستثمارات اجتماعية أكثر طموحاً. وإذا كانت ثروة البلاد قد حققت قفزة فإن البطالة قد ارتفعت مثل السهم. وفي المقر الجنوب افريقي لمصرف الأعمال جي.بي. مورغن J. P. Morgan، يسجل السيد بول هارتدغن الذي وضع تقريراً مفصلاً حول الانعكاسات الاقتصادية لانتشار فيروس فقدان المناعة المكتسبة-السيدا أن "الوباء سيوسع ايضاً هوة الفروقات في المداخيل. وستضطر الأسر المتواضعة دائماً الى تخصيص جزء اكبر من مداخيلها المتوافرة لمصاريف الصحة. وبالعكس فإن تكاليف الضمان الصحي بالنسبة الى الأجراء ممسوك تماماً من جانب المستخدِمين. وهكذا فإن زيادة تكاليف الانتاج في مناجم الذهب لن تزيد الا بنسبة 0.5 في المئة في السوق العالمية". ومن المعروف أن مرض السيدا يزدهر على أرض اللامساواة والعلاقات السلطوية كما أنه أحد العوامل الرئيسة للظلم، بحسب هذه الدراسة.

   وهل ان للفقراء الحق في الحصول على العناية الطبية مثل الاغنياء؟ يترك هذا السؤال البسيط الذي طرحته الحملة من أجل العلاج TAC صدى متميزاً في بلاد التمييز العنصري. ففي حين أن وسائل العلاج موجودة ومتوافرة في العيادات الخاصة فلماذا هي ممنوعة في المستشفيات العامة؟ فكيف يمكن بناء نظام صحي عام كفيل مواجهة الكارثة الصحية؟ يلفت السيد ناتان غيفن، المنسق الوطني للحملة، الى أن "هناك وجهاً آخر من عملنا يبخس قدره وهو الاعداد الصحي- الطبي للمرضى، فعندما يذهب الناس الذين تعرفوا بنا الى المستشفى يكونون أكثر تطلباً، فهم يعرفون أي دواء يحتاجون، كما أنهم معدّون بشكل أفضل لمواجهة المرض". ثم يوضح ان الملتحقين بالحملة، وهم في معظمهم من حاملي الفيروس، قد وفدوا بكثافة "منذ شهر آب/أغسطس عام 1999 مع إطلاق برنامج الوقاية من نقل الفيروس من الأمهات الى الاولاد الذي نهضت به منظمة أطباء بلا حدود في كاييليتشا".

   وسط كثبان الرمل تمتد مساحة هائلة من بيوت الصفيح حيث "أسكن" النظام في الثمانينات المقيمين في مدن الصفيح؟؟؟ في الكاب. وسكانها الـ500000 المعزولون تماماً لا يحظون بأي بنية تحتية، اللهم إلاّ بسوق كبيرة محدودة في وسط المدينة، وبمحطة للوقود وبعيادة طبية. هناك تتوزع الحملة من أجل العلاج ومنظمة أطباء بلا حدود المكاتب في المبنى الوحيد المؤلف من طبقة واحدة.

   وعندما استقر الدكتور إيريك غويماير منذ ثلاث سنوات في البيت الجاهز الذي يحمل رمز TB (المخصص لمرض السل) المخفي وراء العيادة، كان السكان "في منتهى التمنع، إذ كانوا يخلطون بين فيروس فقدان المناعة المكتسبة وبين السيدا، إذ يرون أنه "طالما أني لست مريضاً فهذا يعني أنني غير مصاب". وبعدما أخذ على عاتقه برنامج وقاية من نقل العدوى من الأمهات الى الابناء الذي تخلى عنه جسم طبي لا يؤمن بمضادات تجدد الفيروس، تمكن هذا الطبيب البلجيكي البلا حدود بفضل بعض التجارب العلاجية أن يصف بعض الأدوية للناس الأكثر مرضاً. "وهناك الآن 220 شخصاً يخضعون للعلاج وكل شهر تستلحق لجنة من الأطباء ومثلي الشعب حوالى خمسة عشر "زبوناً" بناء على تقدير وضعهم الصحي ومواظبتهم على العيادة ودورهم الاجتماعي".

   ويرينا الدكتور غويماير علبتين من الأقراص، نيفيرابين 200 ملليغرام، ومزيج من لاميفودين 150 ملليغرام وزيدوفودين 300 ملليغرام. تحمل دمغة الغلاف ماركة "فار-مانغينهوس، إنها الأدوية العينية التي تستوردها الحملة من اجل العلاج TAC من البرازيل. ويقول الطبيب مفتخراً: ""إن بعض الأشخاص الذين تلقوا العلاج قد عادوا من الجحيم، فقد نزل معدلهم بـ CD4 (والحد الخطر محدد بـ200). ولم تعد الان نسبة الفيروس لديهم تكتشف بالفحص. ونحن نحتفل هذا الاسبوع بأعضاء "نادي السنة من العلاج"، ولولا ذلك لقضوا جميعاً. وإذا نجح هذا الأمر هنا فهو سينجح في كل مكان!" . لكنه يلحظ أن "الأكثر اهمية هو التأثير الذي يتركه هذا الأمر في المجتمع، ففي كاييليتشا حالياً أصبح القميص الذي يحمل اعتراف "حامل فيروس السيدا" …HIV-positiveî  من القطع الرائجة، وأصبح الناس يتكلمون بانفتاح اكبر، ويمكن إحصاء 22 مجموعة من المساعدين المتطوعين". ومعظم "الزبائن" في كاييليتسا، ولاقتناعهم بانهم أصبحوا مبشرين، ينهضون بأعمال التحذير في المدارس والمصانع أو عبر البرامج المتلفزة.

   فهل ان جنوب افريقيا، في مواجهة التمييز الاقتصادي والصحي ستشهد انتفاضة شعبية جديدة؟ الكثيرون يعتقدون أن هذا قد بدأ وان مغامرة الحملة من أجل العلاج TAC ستلعب دور المستقطب لأعادة البناء الاجتماعي في البلاد. فالسيدة قريشة عبد الكريم، العالمة في مجال الأوبئة، كانت في ظل رئاسة مانديلا تنسق عملية مكافحة السيدا. وفي مدرسة دوربان للطب عبرت عن "تفاؤلها للمرة الأولى منذ زمن بعيد. فلا يمكن أن نألف رؤية الشعب الذي ناضلنا من اجله يموت. لكن أصبح اليوم من الأسهل الحصول على الأدوية وبأسعار أرخص بنسبة كبيرة جداً. ويجري إعداد طلابنا في اعداد كبيرة واصبح اللقاح في متناول الجميع". فعاجلاً ام آجلاً، وربما في غضون عشر سنين، سيكون هناك عصر ما بعد السيدا...

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] حول العلاقة بين الاغتصاب وفيروس فقدان المناعة المكتسبة، راجع:

Charlene Smith, Proud of Me, Penguin Books, Johannesburg, 2001. Site Internet : www.speakout.org.za

 

[2] للاطلاع على التوقعات بالارقام لانعكاسات الوباء راجع:

Impending Catastrophe Revisited,

وهي وثيقة تقع في 36 صفحة، منشورات:

 loveLife - Henry J. Kaiser Family Foundation, Johannesburg, 2001. www.lovelife.org.za

[3] حول الموضوع راجع الحديث الوارد في:      

Vacarme, Paris, n0XX, DATE

[4] Belinda Beresford, … The Heart of the Aids Protest î, The Mail and Guardian, Johannesburg, 12-18 avril 2002

جميع الحقوق محفوظة 2001© , العالم الدبلوماسي و مفهوم
 



#فيليب_ريفيار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- لا تهمل هذه النصائح مع تناول الحبوب الكاملة
- مفاهيم طبية.. أنواع العلاج الهرمونى وكيف يستخدم مع السرطان ...
- ماتخافش.. حيل نفسية للتغلب على فوبيا العمليات الجراحية
- غارات -عنيفة- على الضاحية الجنوبية لبيروت بعد إنذارات إخلاء ...
- لمتابعة جـمال الطبيعة.. تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك 2024 وأ ...
- لو عندك التهاب مفاصل.. نصائح بسيطة تخفف آلامك
- القصف الإسرائيلي يتسبب بنفاد الأكسجين والمياه من مستشفى كمال ...
- منظمة الصحة العالمية: القانون الإنساني الدولي ينص على عدم اس ...
- منظمة الصحة العالمية: العراقيل الإسرائيلية تحد من قدرتنا في ...
- “يا أطفال شوفتوا شيكا السراقة الحرامية شو عملت” استقبل حالا ...


المزيد.....

- هل سيتفوق الذكاء الاصطناعي على البشر في يوم ما؟ / جواد بشارة
- المركبة الفضائية العسكرية الأمريكية السرية X-37B / أحزاب اليسار و الشيوعية في الهند
- ‫-;-السيطرة على مرض السكري: يمكنك أن تعيش حياة نشطة وط ... / هيثم الفقى
- بعض الحقائق العلمية الحديثة / جواد بشارة
- هل يمكننا إعادة هيكلة أدمغتنا بشكل أفضل؟ / مصعب قاسم عزاوي
- المادة البيضاء والمرض / عاهد جمعة الخطيب
- بروتينات الصدمة الحرارية: التاريخ والاكتشافات والآثار المترت ... / عاهد جمعة الخطيب
- المادة البيضاء والمرض: هل للدماغ دور في بدء المرض / عاهد جمعة الخطيب
- الادوار الفزيولوجية والجزيئية لمستقبلات الاستروجين / عاهد جمعة الخطيب
- دور المايكروبات في المناعة الذاتية / عاهد جمعة الخطيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - فيليب ريفيار - نضال ضد التمييز الصحي في جنوب افريقيا العيش في سوويتو برفقة السيدا