جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3306 - 2011 / 3 / 15 - 17:02
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
هل سبق لك يا صديقي أن وقفت أمام المرآة لتنظر بوجهك كما نظرت أنا اليوم في وجهي؟ وهل سبق لأي أحدٍ منكم وأن جلس مع نفسه جلسة ود ومصارحة ؟حاول أن تفعلها فمن المحتمل أن لا يكون الشكل الذي في المرآة نفس الشكل الذي لك, ومن المحتمل أن الأيام غيرت فيك اللون والطبع والرائحة كما فعلت بي, فاليوم اكتشفت بأنني كنت مخدوعا طوال العمر في نفسي فهذا الشكل ليس شكلي فأنا حين مررتُ قبل قليل من أمام المرآة ذعرت جدا من منظر الوجه الذي لمحته فيها لقد خلته في بداية الأمر رجلا بربريا متوحشا قادما من غابات (سرنغيتي) وفي البداية اعتقدت بأنه رجلٌ آخر أو وجها آخر يقفُ خلفي ولكن حين دققت فيه بمزيدٍ من النظر تأكدت بأنه شكلي أو بأنه يشبهني وقارنتُ بينه وبين وجهي الذي أعرفه فوجدته فعلا يشبهني في كثير من الملامح والصفات ولكنه في الحقيقة ليس وجهي فمن المستحيل أن أكون مفلطح الشكل أو مثل المنشور الزجاجي حتى عيوني صار منظرها مثل منظر المعين الشكل.. فركضت إلى خزانتي وأخرجتُ منها ألبوم الصور الخاصة بي وبدأت بالمقارنة بين وجهي الحقيقي الذي كان حقا وجهي وبين الوجه الذي أمامي على المرآة وكلما مر من جانبي أحد أسأله وأقول له: لو سمحت بدي أسألك هل ترى شبها بين تلك الصورة التي في المرآة وبين هذه الصورة أو بيني أنا؟ فيقول لالا .. يبدو أنه أخ أو شقيق أو ابن عم أو أن بينهم قرابة من الدرجة الأولى ولكنه ليس هو أو ليس أنت إطلاقا,فأحزن جدا وأقول له: أرجوك حاول أن تحدد بالضبط هل له علاقة بي من قريب أو من بعيد؟ أم أنه لا توجد صلة أصلا بينه وبيني ؟.. وكل الذين سألتهم قالوا نفس الكلام وأكدوا على الشبه فقط لا غير وكلهم أكدوا أنه من المستحيل أن يكون الوجه الذي في المرآة لصاحب الصورة تلك التي بين يدي , وفجأة مرت من جواري سيدة فسألتها : لو سمحت ممكن تحكيلي من هذا الذي في المرآة وهل يشبهني؟ فقالت: اسم الله عليك مش عارفه؟ فقلت: لا, فقالت: ولا عارفني مين أنا ؟ فقلت: صحيح أنت مين؟ وكيف دخلت البيت؟ فقالت: شو يا زلمه أنا زوجتك , فقلت: لا اتواخذيني والله زمان ما شفتك وما عرفتك بالبداية على كل حال شرفتينا بس ممكن أعرف هل أنا أشبه الذي في الصورة أو الذي في الصورة يشبه الوجه الذي في المرآة؟ فضحكت وقالت: يعني هنالك بعض الشبه, عندها صعقت في داخلي صعقة كبيرة وتأكدت فعلا بأن الشكل ليس شكلي وبأن الطرح للإشكالية الفكرية ليس طرحي وبأن الاتجاه السياسي ليس اتجاهي والاتجاه الديني والعقائدي ليس اتجاهي وأنا أطالب من هذا المنطلق الحكومة الأردنية بأن تعيد لي شكلي ولوني وتاريخي وشبابي الضائع , فأنا أريد معرفة شكلي الحقيقي فمن سرق مني شكلي؟هل هنالك من يسرق الشباب كما يسرق المصاري؟ هل هنالك أشخاص يسرقون الوجوه؟ من الذي أخذ مني شكلي ومن الذي خطف مني لوني..ومن خطف الابتسامة التي لم تكن تفارق وجهي ؟ ومن الذي غيرني حتى انحدرت كل هذا الانحدار في الشكل وفي الصورة وفي العمق وفي الجوهر؟ وأين يدي التي كانت قوية؟ فعلا الوجه ليس وجهي.. وقارنت بينه وبين وجهي قبل الزواج وقارنت بينه وبين وجهي بعد الزواج وتوصلت إلى نتيجة مفادها أنني بحاجة إلى مليون عملية تجميل حتى أستعيد ربع وجهي القديم , وقارنته قبل أن تغزوني وسائل الإعلام وقارنته بين وجهي وأنا طفل وبين وجهي الحالي فوجدت فعلا بأنه ليس وجهي وبأنه يشبهني فقط ولكنه ليس لي, فهذه الملامح التي تبدو على الجهة اليمنى من وجهي كانت مساجد القرية وشيوخها هم الذين أوجدوها وتلك التي على اليسار ليست لي بل للزمن فالزمن أيضا قد عمل على تغيير أشياء كثيرة في وجهي وفي شكلي وفي منظري وفي حياتي السياسية والثقافية, وفزعتُ جدا وارتعبت من منظر بعض الصور ومن منظر وجهي الحالي وقلت: إيه..إيه والله الزمن غيرني وكبرت فجأة, لا هذا شكلي ولا هذا طولي ولا هذا لوني ولا هذا صوتي لأنني أحضرت جهاز تسجيل صوت وسجلت صوتي فحتى وتي قد اختلف وأصبح مخنوقا بعد أن كان جبليا وقويا فالصوت ليس صوتي والشكل ليس شكلي , فمن أنا؟ أريد أن أعرف أين ذهبت الأيام بباقي الشكل فتلك الملامح التي في عيوني كان الخوف قد زرعها في داخلي فالخوف أيضا غيرني وغير شكلي وغير كثيرا من ملامحي , أنا أولا وأخيرا لست أنا وأنا أولا وأخيرا لست إلا رجلا آخر بملامح أخرى وبصور أخرى فمن المستحيل أن يكون هذا الذي يقف أمام المرآة شكلي أو لوني أو تفاصيلي فهذا الذي أمامي الآن ما كان له أن يحيا هذه الحياة وهذا الذي أمامي يغدرني ليلا ونهارا وهذا الذي أمامي قد وشى بي إلى كثير من الناس ومن البشر فهو ليس أنا وهو ليس إلا خليطا أو مزيجا من حضارات متعاقبة تعاقبت على وجهي فهنا تحت عيوني رقد المخبرون ومن هنالك هجم التتار ومن تحت عنقي خرج المغول ودحرجوني على ضفاف دجلة واغتصبوا تاريخي وهنا بين عيوني سكن الأمويون ومن هنالك كان السريانيون يبحثون عن الحب والرومانسية فوجهي قد تعاقبت عليه الحضارات وأنا الآن أصبحت رمزا أثريا ولكنه رمزا مُهملا أهملته الدولة وعبثت فيه جواسيس المخابرات الأردنية والقوانين وتاجر بعذابه القوادون والزعران.
وجها ليس بوجهي ولكنه يشبهني في كثير من الملامح فاقتربتُ من المرآة ووضعتُ وجهي على شعر رأسي فرأيتُ كثيرا من اللون الأبيض المنتشر في رأسي ورأيت ممرات صعبة ووعرة في وجهي مرت مع مرور الزمن ورأيت محطات كنت قد توقفتُ عندها عدة مرات في حياتي وكادت الدمعة أن تسقط من عيني حين عرفتُ بأن الذي يقف أمام المرآة من الممكن أن يكون أي رجل آخر ما عدى أن يكون أنا, فهذا ليس أنا, وتلك العلامات ليست علاماتي وتلك الخدود ليست خدودي وتلك الوجنات ليست وجناتي, أنا لستُ أنا أنا أشبه نفسي كثيرا أنا أشبه ذاك الرجل الذي يقف أمام المرآة ولكنه ليس أنا فأنا قد تغيرت كثيرا وأنا قد ولدت كثيرا أكثر من عشرين مرة في حياتي وفي كل لحظة أو في كل مرة أولد فيها أشعر بأن ملامحي قد تغيرت جدا, فمثلا من يوم عرفت (نانا) تغيرتُ كثيرا فقد ازداد الألم واتسع الجرح أكثر مما كان سابقا ومن يوم عرفت الحوار المتمدن تغيرت كثيرا فما عدتُ أنا أنا, وما عاد الوجه الذي أراه في المرآة أمامي وجهي وصدقوني لو كنتُ وحدي في المنزل لخفتُ كثيرا من صورة الوجه الذي أمامي في المرآة فهذا الوجه أصبح مرعبا بعض الشيء غزاه الشيب وغزته المخابرات وآذته الناس وآذوه الأصحاب والأصدقاء وكل الذين آذوا وجهي ما كانوا في يوم من الأيام إلا أقربائي وإخوتي وأخواتي وأنسبائي الذين يأكلون معي على طبق واحد ومن نفس الصحن ولم يؤذن في يوم من الأيام إنسانا غريبا عني بل كل الذين آذوني هم من أبناء جلدتي أقربائي في الدم فهؤلاء هم والأيام الذين ساهموا بتغيير شكلي وملامحي وهم الذين خدعوني فمنذ متى كان لي أنفاً كبيرا؟ ومنذ متى كان لي وجهاً شاحباً! ومنذ متى كان لي قلبا جريحا وعينا تدمع ورجلا ويداي ترتجفان من الخوف ومن الفزع, هذا الشكل الذي أمامي ليس شكلي وهذا الوجه ليس وجهي وهذا البيت ليس بيتي وهذا المكان ليس مكاني.. أين ذلك الفتى؟الذي لم يقبل بأن يغير شكله أو لونه أو طبعه أو فكره؟ أهكذا تغيرني الأيام دون أن تأخذ برأيي ؟ وأين ذلك الفتى الذي كان يقول للأعور أعور في عينه, وأين ذلك الزمن وأين تلك الديار , هذا اللون ليس لوني فأنا أبيض الوجه بل وشديد البياض والشمس هي التي أدت إلى اسمراره وأقسم لكم بأن تلك الملامح ليست ملامحي ومع ذلك لا أستطيع نكرانها فالوجه ليس وجهي ولكنه على الأقل يشبهني أو أنه على الأقل قد فارقني واستبدل نفسه بوجه آخر وبلون آخر فأين رائحتي التي كانت تشبه رائحة المسيح فأين تلك الرائحة التي كانت تنبعث من بين عيوني ومن كفاحي ونضالي ؟
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟